أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - جواد البشيتي - دَحْضَاً لحُجَج مُنْكري فَضْل ماركس!















المزيد.....


دَحْضَاً لحُجَج مُنْكري فَضْل ماركس!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4031 - 2013 / 3 / 14 - 11:42
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



لا أملك إلاَّ أنْ أُحَيِّي الأستاذ عاصم الرفاعي على الجرأة التي أبداها في سعيه إلى "تَسْخيف" فكر رجل قرأ كل شيء تحت المجرَّة حتى يكتب "رأس المال"؛ وأنا أعلم أنَّ كل ما أتى به من "حُجَجٍ" للنِّيل من مكانة وأهمية وحيوية فكر ماركس لم يَنْبُت في رأسه، وإنْ ارتضى أنْ يكون له لساناً ليس إلاَّ، يُضاف إلى آلاف الألسن الأطول أو الأقصر.
سأضُمه إلى هذا الجيش، الذي، سأدْعوه "السيِّد ناكِر" حتى يَسْهُل عليَّ أمْر محاورته؛ مع أنَّ طَلَب دليل على وجود النهار يَجْعَل الإفهام مهمَّة شبه مستحيلة.
"السيِّد ناكر" لم يَنَلْ من عِلْم الماركسية إلاَّ قليلاً؛ لكن هذا "القليل" كان أوسع من أنْ يتَّسِع له عقله؛ فشرع يتَّخِذ من ظواهر (اقتصادية رأسمالية) عَجِز هو عن فهمها وتفسيرها "دليلاً" على "عجز" الماركسية (وقانون "فائض القيمة").
ومِنْ عجزه هذا وُلِدَ إيمانه بالمعجِزات؛ فثمَّة ظواهر في الاقتصاد الرأسمالي، يكفي أنْ يتفكَّر فيها الإنسان حتى يُؤمِن بـ "مُعْجِزات" أتت بها الرأسمالية؛ وهي "مُعْجِزات"؛ لاستغلاقها على عقله، ولكونها "أعجزت" الماركسية نفسها عن تفسيرها، على ما يَزْعُم!
"السيِّد ناكر" اكتشف أنَّ ثمَّة "سِلَعاً" تُنْتَج في النظام الرأسمالي يَقِف قانون "فائض القيمة" عاجزاً عن تفسيرها؛ وهذه "السَّلِع (المحيِّرة للألباب)" إنَّما هي ثمرة "الثورة العلمية والتكنولوجية"؛ وماركس مات قبل ولادة هذه "المعجزة السلعية" بزمن طويل!
"السيِّد ناكر" يُمْعِن النَّظر في بعض الصناعات، التي أنجبتها هذه الثورة، فيَجِد فيها ما يكفي من الأدلة العملية الملموسة على موت قانونيِّ "القيمة" و"فائض القيمة"؛ فـ "السِّلع" تُنْتَج مع أنَّ المصنع المُنْتِج لها يخلو، أو يكاد يخلو، من "البروليتاريا"، أو "العمَّال"؛ فكيف (يتساءل في دهشة واستغراب) لقانون "فائض القيمة" أنْ يعمل حيث لا وجود للعمَّال؟!
"السِّلَع الإعجازية" تلك إنَّما هي "سِلَع معرفية"؛ فهي (وفي المقام الأوَّل على الأقل) ثمرة المعرفة والعِلَم، والجهود الذهنية، والأبحاث العلمية؛ وإنَّ لكم في صناعة الدواء لدليلٌ مُفْحِم!
"السيِّد ناكر" أذهلته وأدهشته صناعة الدواء (وأشباهها) فتحدَّى كل مُهْتَمٍّ بأمور وقضايا "لا تُقدِّم ولا تُؤخِّر"، وتُعْنى بها "السلفية الماركسية"، أنْ يجيب عن سؤال "السِّلع الإعجازية"، أيْ التي أعجزت عقله، فقال، من ثمَّ، بحتمية أنْ تُعْجِز أيضاً الماركسية!
"السيِّد ناكر" ، أنتَ في ما قُلْت إنَّما تأتينا بدليل جديد على أنَّ جُلَّ أعداء الماركسية هُم من الجهلة بها، أيْ مِمَّن قرأوا ما تيسَّر لهم قراءته من فكرها؛ لكن من غير أنْ يُوفَّقوا في فهمه، وتَمثُّل معانيه.
"العمل"، و"العمل وحده"، هو المُنْتِج لـ "السلعة"، أي لـ "شيءٍ (نافعٍ) له قيمة (تبادلية)".
وهذا "العمل" إمَّا أنْ يكون "بسيطاً" وإمَّا أنْ يكون "معقَّداً"؛ على أنْ تَفْهَم "البسيط" و"المُعقَّد" من "العمل" فَهْماً "نسبياً، تاريخياً"؛ فـ "العمل المُعقَّد"، في المصنع الرأسمالي الغربي، قبل قرنين من الزمان، هو الآن "عمل بسيط".
و"العمل"، أكان "بسيطاً" أم "مُعقَّدا"، إنَّما يُقاس بـ "الزمن (بالساعات)"؛ فلو كان "السيِّد ناكر"، بما يملك من عِلْمٍ ومعرفة، مُنْتِجاً لسلعة من تلك "السِّلَع الإعجازية"، لَقُلنا إنَّ كل ساعة من ساعات عمل "السيِّد ناكر" تَعْدِل 10 ساعات من عمل زميله العامِل زيد.
إنَّ "السيِّد ناكر" يُكْسِب "موضوع العمل" في الساعة الواحدة "قيمة (تبادلية)" تفوق عشر مرَّات القيمة التي يُكْسِبها زيد لـ "موضوع عمله" في الساعة الواحدة.
"الحاسبة الإلكترونية" هي "سلعة"؛ هي مُنْتَج له "قيمة استعمالية"، ويمكن مبادلته بسلعة (مختلفة نوعاً) لها القيمة نفسها (تقريباً). يمكن مبادلتها بـ "قَلَم حِبْر" مثلاً.
هذا التبادُل إنَّما يعني أنَّ كلتيهما تساوي الأخرى في "كمية العمل (الضروري)" المُضَمَّنَة فيها؛ وهذا التساوي إنَّما يعني أنَّ كلتيهما تساوي الأخرى في "زمن العمل (الضروري)" الذي بُذِل في إنتاجها.
"الحاسبة الإلكترونية" أنتجها "السيِّد ناكر" في ساعة عمل واحدة لا غير؛ و"قَلَم الحِبْر" أنتجه زيد في 10 ساعات عمل. والتساوي في زمن العمل (الضروري) إنَّما يعني، في هذا المثال، أنَّ الساعة الواحدة من العمل المعقَّد لـ "السيِّد ناكر" تَعْدِل 10 ساعات من عمل زيد (البسيط).
"الإنسان الآلي (الرُّوبوت)" هو، أيضاً، سلعة؛ لكن كل ساعة عمل بُذِلَت في إنتاجها تَعْدِل 10 ساعات أو 20 ساعة من العمل البسيط.
والانتقال من "العمل البسيط" إلى "العمل المُعَقَّد (فالأكثر تعقيداً)" إنَّما هو معنى من معاني "ارتفاع التركيب العضوي للرأسمال"، والذي عاقبته الحتمية هي اشتداد وتعاظم مَيْل معدَّل الربح للهبوط؛ لأنَّ "الرأسمال المتغيِّر (المتضائل نسبياً)" هو وحده مَصْدَر "فائض القيمة".
"السيِّد ناكر"، لتتخيَّل مصنعاً رأسمالياً، يخلو تماماً من العمَّال، ويُنْتِجُ سلعة ما.
إنَّ هذا المصنع الذي يخلو تماماً من "العمل الحي" لن يُضيف "قيمة" إلى منتجاته؛ فهو يَنْقُل، فحسب، القيمة من الآلات والمواد.. إلى مُنْتَجِه الجديد.
في هذا المصنع لا وجود أبداً لـ "فائض القيمة"؛ لأنْ لا وجود أبداً لـ "القيمة الجديدة".
في هذا المصنع لا وجود أبداً لـ "الربح"؛ لأنْ لا وجود أبداً لـ "البروليتاريا".
هذا المصنع لن يظل رأسمالياً؛ لأنْ لا وجود لـ "البروليتاريا".
لكنَّ عدم وجود "القيمة الجديدة" و"فائض القيمة" لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، عدم وجود، أو عدم نماء، "الثروة المادية".
في الرأسمالية، نَجِد مصنعاً نسبةً "الرأسمال المتغيِّر" إلى الرأسمال الثابت" هي من الضآلة بمكان؛ وفي هذا المصنع ينبغي (نظرياً) لمعدَّل الربح أنْ يقلَّ كثيراً عن معدَّل الربح العام؛ لكنَّ هذا لا يَحْدُث؛ لأنَّ صاحب هذا المصنع يستولي (من طريق عمل القوانين الاقتصادية الموضوعية للنظام الرأسمالي) على جزء من "فائض القيمة" الذي يُنْتِجه عمَّال مصانع نسبة "الرأسمال المتغيِّر" إلى "الرأسمال الثابت" فيها أعظم؛ وهذا ما يجعل رؤوس الأموال المتساوية تعطي أرباحاً متساوية بصرف النَّظر عن "التركيب العضوي للرأسمال".
الآن، ليتخيَّل "السيِّد ناكر" نفسه رأسمالياً، مساهماً بمبلغ مليون دولار في رأسمال مصنع يُنْتِج سلعة عظيمة من حيث مكوِّنها المعرفي والعلمي.
في هذا المصنع (الذي يرتفع فيه كثيراً "التركيب العضوي لرأسماله") لا يعمل إلاَّ عدد ضئيل جداً من العمَّال الذين يضيفون إلى "موضوع العمل" قيمة جديدة، متأتية من بَذْلِهم جهوداً ذهنية ومعرفية وعلمية (إنَّهم عمال أو بروليتاريا الثورة العلمية والتكنولوجية).
لِنَفْتَرِضْ أنَّ المعدَّل العام للربح هو 20 في المئة؛ إنَّ الرأسمالي "السيِّد ناكر" ينبغي له، نظرياً، أنْ يحصل على ربح مقداره، مثلاً، 100 ألف دولار؛ لكنه يحصل على ربح مساوٍ للمعدَّل العام للربح، أيْ يحصل على ربح مقداره 200 ألف دولار.
إنَّ نصف هذا الربح يمثِّل "فائض القيمة" في مصنعه؛ وقد حصل عليه من عمَّاله؛ أمَّا نصفه الآخر فحصل عليه من "فائض القيمة" الذي أنتجه عمَّال مصانع لم تَبْلُغ بَعْد، في ارتفاع "التركيب العضوي للرأسمال" فيها، الدرجة نفسها.
إنَّ "القيمة الجديدة"، في المجتمع، لا تُنْتَج إلاَّ حيث تُنْتَج السِّلع (القِيَم المادية في الرأسمالية). وإنَّ المُنْتِجين (الأقحاح) لها وهُم العمَّال (الذين يتضاءل "وزنهم الديمغرافي") لا يحصلون (مع أرباب عملهم) إلاَّ على جزءٍ متضائل منها (أيْ من هذه "القيمة الجديدة"). وهذا إنَّما يعني أنَّ جزءاً متعاظماً من "القيمة الجديدة" يذهب إلى سائر أبناء المجتمع في طرائق وأساليب مختلفة.
كل أرباح التُّجار وأصحاب المصارف (مثلاً) إنَّما هي جزء من تلك "القيمة الجديدة".
"السيِّد ناكر" أحسبُ أنَّ عجبكَ قد بَطُل بعدما عُرِف السبب؛ فالماركسية أعظم من أنْ تتحدَّاها بأسئلتكَ وتساؤلاتكَ تلك!
في الرأسمالية، التي يستخذي لها عقلك استخذاء عقل الوثني لوثنه، يَعْظُم، في استمرار، حجم "فائض القيمة"؛ لكنَّ "معدَّل الربح" يهبط، ويزداد، ويتسارع، هبوطاً.
إنَّه يَعْظُم (حجم "فائض القيمة") مع أنَّ نسبة "الرأسمال المتغيِّر" إلى "الرأسمال الثابت" تتضاءل في استمرار.
"السيِّد ناكر"، وكأنَّه صاحب قَوْل "وَجَدتُّها"، يقول "مكتشِفاً": إنَّ "الربح" يمكن أنْ يأتي من طريق غير طريق "فائض القيمة"، ومن خارج "الإنتاج السلعي"؛ فالمرأة، مثلاً، يمكن أنْ تبيع شعرها عبر وسيط (تجاري) فـ "يَرْبَح" البائع والوسيط معاً.
"السيِّد ناكر" لا يمكنه أنْ يكون عاشِقاً للرأسمالية من غير أنْ يكون عاشقاً، في الوقت نفسه، لـ "أصلها الفلسفي (المثالية، والميتافيزيقيا)".
لقد ذكَّرني "السيِّد ناكر" بفيلسوفه (المثالي الميتافيزيقي) الذي لَمَّا رأى كَلْباً، واكتشف أنَّ الكلب حيوان، قال مُسْتَنْتِجاً: كلُّ الحيوانات كلاب (لأنَّ الكلب نفسه حيوان)!
الماركسي ينظر إلى الأمور، ويفهمها في طريقة مختلفة؛ فلَمَّا رأى كَلْباً، مُدْرِكاً، في الوقت نفسه، أنَّ كلَّ كلب حيوان، قال: كلُّ كلب حيوان؛ لكنَّ هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ كلَّ حيوان كلب.
وعليه، قِسْ.
إنَّ كلَّ "فائض قيمة" يجب أنْ يكون "رِبْحاً"؛ لكنْ ليس كل ربح يجب أنْ يكون "فائض قيمة"؛ والدليل على ذلك قُلْتُهُ (لقومٍ يَعْقِلون). ألَم أقُلْ إنَّ ثمَّة أشياء في الرأسمالية، كالأرض، لها "سعر"؛ لكنَّها، في حدِّ ذاتها، عديمة القيمة (التبادلية)؟!
وأنتَ ألا "تربح" عندما تبيع "أرضاً (عديمة القيمة)"؟!
و"الوسيط" الذي يتَّجِر بأجساد النساء، في سوق الدعارة، ألا "يربح"؟!
هل كان ماركس يجهل هذه الظاهرة، وهذا النوع من "الربح" أمْ فَهِمَ الربح في سوق الدعارة على أنَّه "فائض قيمة" تُنْتِجه المومس (بائعة جسدها، أو مؤجِّرته) فيستولي عليه رَبُّ العمل هذا؟!
بالله عليك ـ يا "السيِّد ناكر" ـ ارأفْ بعقلكَ!
قُلْتُ وأوضحتُ، من قَبْل، أنَّ "الاقتصاد الحقيقي" هو الاقتصاد المُنْتِج للسلع (أيْ للقيم المادية في الرأسمالية).
"السيِّد ناكر" يريد لي أنْ أُقِرَّ وأعترف بأنَّني أَعْمَل في "الاقتصاد الحقيقي" إذا ما ألَّفْتُّ كتاباً في الفيزياء، وبِعْتُه لدار نشرٍ، طبعته، فباعته في السوق.
لماذا يريد لي أنْ أقترف هذه "الجريمة" في حقِّ "الاقتصاد السياسي"؟!
لماذا يريد لي أنْ أنْفُخ في "السلعة الطينية (المادية)" شيئاً من "الروح"، أيْ شيئاً من "الفكر"، الذي هو، في مثاله، فكري الفيزيائي؟!
أيَّها "السيِّد ناكر"، إنَّكَ في محاربتكَ لماركس، وفكره، ولقانون "فائض القيمة"، الذي على بساطته لم يتَّسِع له أُفقكَ، الذي لسعته يَسَع كل شيء!
ألَمْ يكن في عصر ماركس مؤلِّفو كُتُب؟!
إذا كان المؤلِّف مُنْتِجاً لـ "فائض قيمة"، وإذا كان الناشِر هو الذي يستولي عليها؛ فَهَلْ ناشِر كتاب "الإنجيل" استولى على "فائض قيمة" أنْتَجه "رَبُّ العالمين" بصفة كونه "مؤلِّف الإنجيل"؟!
تبَّاً للجهل، لم يرحم صاحبه يوماً قَطْ!
قد يتَّخِذَ "السيِّد ناكر" من هذه "الأفكار" التي جاد علينا بها أساساً لِكِتابٍ يؤلِّفه؛ وإنِّي لمتأكِّد أنَّ كتابه "العظيم" هذا سيُباع في أسواق "النخاسة الفكرية (الرأسمالية)" بسعرٍ يَفُوق كثيراً السعر الذي يُباع به كتاب "رأس المال" لماركس؛ ذلك لأنَّ "السيِّد ناكر" المُبْدِع أكثر من ماركس أنْتَج في كتابه "فائض قيمة" أعظم بكثيرٍ!
يا "السيِّد ناكر"، إذا كان ماركس قد نَبَذَ فكرة أنَّ العامل يبيع لربِّ العمل "عمله"؛ لأنَّه لو فَعَلها لأصبح "عَبْداً"، وكفَّ عن كونه "عاملاً مأجوراً"؛ وإذا كان ماركس قد أوضح، لكلَّ من له عين تُبْصِر، وأُذْن تسمع، وعقل يعقل، أنَّ العامل لا يبيع للرأسمالي "عمله"؛ وإنَّما "قوَّة عمله"، بصفة كونها "سلعة مخصوصة"، فهل من الحصافة في شيء أنْ "يكتشف" ماركس ما "اكتشفه" "السيِّد ناكر"، فيقول، من ثمَّ، إنَّ "فِكْر" المؤلِّف هو "سلعة" كـ "قوَّة العمل"، يبيعها للرأسمالي الناشِر، مُضَمِّناً إيَّاها "القيمة الجديدة" التي تشتمل على "فائض القيمة"؟!
أجَلْ، كل القِطَط في الليل رمادية!
"السيِّد ناكر"، الظاهرة أبسط ممَّا تَظُن؛ فأنتَ ألَّفْت كتاباً، بعته للناشِر الرأسمالي، فكافأكَ هذا بمبلغٍ من المال؛ وهذا المبلغ لا يمتُّ بصلة إلى مفهوميِّ "السلعة" أو "القيمة (التبادلية)".
أنتَ الآن أنْجَزْتَ ما عليكَ، وقبضت الثَّمن.
هذا الناشِر، وبصفة كونه رأسمالياً، لديه ما لدى كل رأسمالي؛ لديه آلات وأجهزة ومواد..، ولديه أيضاً ما يفي بالغرض من العمَّال.
"كتابكَ (العظيم)" هذا أصبح الآن على هيئة "سلعة" كمثل كل سلعة.
من "فائض القيمة" الذي أنتجه هؤلاء العمَّال أتى "الربح" للناشِر.
افْتَرِضْ أنَّ "القيمة الحقيقية" لكتابكَ (السلعة) تَعْدِل غراماً واحداً من الذهب (الخالص).
لكنَّ كتابكَ (السلعة) ولِعَظَمة مؤلِّفه بيع بـ "سعر يفوق قيمته (التبادلية)"؛ بيع، مثلاً بغرامين من الذهب؛ فهل أنْسِبُ هذا الفرق إلى "الروح" التي أدخلتها أنتَ في الكتاب أم إلى قانون "العرض والطلب" الذي يتأثَّر، أيضاً، بـ "الأهمية الفكرية" للكتاب (السلعة)؟!
ولتتذكَّر ـ يا "السيِّد ناكر"ـ أنَّ ماركس لم يَغِبْ عن ذهنه أنَّ "السعر (المتأثِّر بقانون "العرض والطلب")" يمكن أنْ يزيد أو أنْ يقل عن "القيمة التبادلية" للسلعة؛ لكن هذا الفرق بين "السعر" و"القيمة (أو "السعر الطبيعي")" هو فرق نسبي، مؤقَّت.
هل أتاكَ حديث الإفك؟
لقد أتانا إذ شرح لنا، وفسَّر، معنى كلام ماركس عن "الإنتاج الروحي (أو الفكري)"؛ فلقد مسخ هذا المعنى مسخاً لا تقوى على الإتيان بمثله ساحرات الإغريق.
ومن طريق هذا المسخ بلغ "السيِّد ناكر" مراده (أيْ مراد الليبراليين ضيِّقي الأفق).
الرأسمالي، ومن طريق هذا المسخ، أصبح مُنْتِجاً هو أيضاً لـ "القيمة" ولـ "فائض القيمة"؛ ذلك لأنَّه يبذل جهداً ذهنياً جهيداً في توظيف رأسماله والعناية به ودرء المخاطر عنه..
ولا بدَّ من أنْ نضيف إلى "موضوع العمل" قيمة جديدة متأتية، هذه المرَّة، من هذا الجهد الفكري العظيم الذي بذله الرأسمالي نفسه؛ أوَلَمْ يتكلَّم ماركس عن "الإنتاج الفكري" أيضاً؟!
بالله عليكم، أجيبوني عن السؤال الآتي: هل كل هذا الذكاء الذي يشع من عقل "السيِّد ناكر" فطري أم مُكْتَسَب؟
لكنَّ "السيِّد ناكر" سرعان ما وَقَع في "تناقُض منطقي"؛ فنظريات ماركس الاقتصادية تجاوزها الزمن، على ما اكتشف "السيِّد ناكر"؛ لأنَّ ماركس (الذي تكلَّم قبل قليل عن "الإنتاج الفكري") أغفل "أهمية الجهد العقلي في إنتاج فائض القيمة؛ هذا الجهد الذي يبذله الرأسمالي كما يبذله المُخْتَرِع والمهندس"!
حدَّثنا "السيِّد ناكر" عن "العصر الاقتصادي الجديد"، الذي فيه أصبح فكر ماركس كظِلٍّ فَقَدَ جسمه؛ فقال إنَّ المهندس أو العامل يستطيع وهو يقضي حاجته في المرحاض أنْ يدير مصنعاً يصنع سيارات المرسيدس ولو كان يبعد عنه 100 كيلومتر؛ ثمَّ يقول في لهجة قائل "وَجَدتها" إنَّ "الماركسية ماتت"؛ فـ "نظرية المرحاض" حلَّت محلَّها؛ فهل تعرَّفْتُم الآن إلى القائلين بموت الماركسية؟!
"اللغز"، لُغْز "مَصْدَر الرِّبح (في الرأسمالية)"، الذي حَلَّهُ ماركس، لم يُحَلَّ بَعْد في "السيِّد ناكر".
ثمَّة أشياء أخرى، على ما يقول، إيماناً واقتناعاً، تَصْنَع وتُنْتِج "القيمة"، و"فائض القيمة"؛ فـ "العمل"، على ما يقولون، ليس، لجهة خَلْقه "القيمة"، بـ "خالِق لا شريك له".
أوَّلاً، لا بدَّ من توضيح وجلاء أمْر في منتهى الأهمية، هو الفَرْق بين "السِّعر" و"القيمة (التبادلية للسلعة)".
إنَّ "سِعْر" السلعة هو "التعبير النقدي عن قيمتها التبادلية"؛ وهذا "السِّعر" لا يكون دائماً مطابِقَاً لـ "قيمتها التبادلية"؛ فهو يَفُوقها تارةً، ويَقِلُّ عنها طوراً. ولقد سمَّى سميث السِّعر المطابِق للقيمة "السِّعر الطبيعي".
إنَّ "السِّلعة" تنطوي دائماً، وحتماً، على نوعين من "القيمة": "القيمة الاستعمالية (النَّفْعية)"، و"القيمة التبادلية".
و"السِّلعة"، بصفة كونها تنطوي على "قيمة تبادلية (متأتية من العمل المُخْتَزَن فيها)"، يجب أنْ يكون لها "سعر"؛ وهذا "السِّعر" يُقرِّره ويُحدِّده قانون "العرض والطلب"؛ فإذا تَوَازن "العرض" و"الطلب" بيعت السِّلْعة بـ "سعرها الطبيعي"؛ وإذا لم يتوازنا بيعت بسعر يزيد، أو يقل، عن قيمتها.
لكن ليس كل شيء له سِعْر يجب أنْ تكون له قيمة تبادلية؛ فـ "الأرض" لها سعر مع أنَّها ليست بشيء له قيمة تبادلية. وكثيرةٌ هي الأشياء (في الرأسمالية) التي لها أسعار؛ لكن ليس لها قِيَمٌ تبادلية.
والآن، دَعُونا نَفْهَم ونُفَسِّر بعض الأمور بمعونة المثال الذي أوْرَدْنا في مقالتنا السابقة (مثال "صُنْع صندوق خشبي بسيط").
"القيمة القديمة" عَبَّرنا عنها نقدياً بالمبلغ 260 قرشاً؛ و"القيمة الجديدة"، التي خلقها "العمل الحي"، عَبْرنا عنها نقدياً بالمبلغ 240 قرشاً. وهذا المبلغ المالي يذهب نصفه إلى العامل ونصفه إلى رب العمل.
الصراع الأوَّل ينشب بين العامل ورب العمل، ومداره هو اقتسام، وإعادة اقتسام، "القيمة الجديدة"؛ فرب العمل، مثلاً، قد يتمكَّن، في طريقة ما، من أنْ يجعل حصته منها، أيْ ربحه، 150 قرشاً (فتصبح حصة العامل، أو أجره، 90 قرشاً).
"الدولة" تنضم إلى الصراع، مُسْتَعْمِلَةً سلاح "الضريبة"؛ فتقتطع لها من "القيمة الجديدة"، على شكل "ضرائب"، 40 قرشاً مثلاً (نصف هذا المبلغ المالي من الربح، ونصفه من الأجر). وبهذا المبلغ تعيل الجيش والشرطة والوزراء..، وتُعبِّد طُرُقاً.
"التاجِر" ينضم؛ فيأتي إلى رب العمل الذي يملك الآن "الصندوق"، والذي قيمته (أو سعره الطبيعي) 500 قرش؛ فيقول له: أشتريه منكَ بمبلغ مالي مقداره 450 قرشاً.
التاجر اشترى الصندوق، ثمَّ باعه بسعره الطبيعي، مثلاً، فاقتطع له، من ثمَّ، من "القيمة الجديدة" المبلغ 40 قرشاً، على شكل ربح.
"المرابي"، أيْ صاحب المصرف، ينضم.
وفي هذا الصَّدد، دَعُونا نَفْتَرِض أنَّ رب العمل لا يملك من رأس المال (الذي قيمته، في مثالنا، 380 قرشاً) إلاَّ نصفه، أيْ 190 قرشاً.
المرابي يقول له: أُقْرِضُك هذا المبلغ المالي (190 قرشاً).
رب العمل يعيد الآن هذا المبلغ إلى المرابي، مضيفاً إليه نصف قيمة "فائض القيمة"؛ وهذا النصف مقداره 60 قرشاً.
"صاحب الجريدة" ينضم؛ فهو استثمر، إعلامياً، مبلغاً مالياً مقداره، مثلاً، 100 قرش؛ وينبغي له، ويحق، أنْ يحصل على ربح يَجْعَل معدَّل ربحه معادِلاً لمعدل الربح العام. إنَّه يريد أنْ يستعيد المبلغ المالي الذي وظَّفه، مضافاً إليه ربح مقداره مثلاً 20 قرشا.
إنَّه يبيع مقتطعاً له من "القيمة الجديدة"، على شكل ربح، مبلغاً مقداره 20 قرشا.
وينضم "الرَّسام"؛ فهذا رَسَمَ لوحةً، فيها كثيرٌ من الإبداع، أو العمل الإبداعي. وهذه اللوحة ليست بـ "سلعة"، أيْ ليس لها "قيمة تبادلية". فيها "عملٌ" و"إبداع"، أو "عمل إبداعي"؛ لكنَّ هذا العمل لا يخلق "سلعة"، أو "قيمة تبادلية".
مادياً، كلَّفته "اللوحة" 10 قروش؛ لكنه يمكن أنْ يبيعها بسعرٍ مرتفع (100 قرش مثلاً).
وهذا السعر يخضع لقانون "العرض والطلب"؛ و"الطلب" تُغذِّيه مصادِر شتَّى.
الرَّسام اقتطع له من "القيمة الجديدة"، على شكل ربح، 90 قرشاً.
ومع ارتفاع التركيب العضوي للرأسمال، "تزداد الإنتاجية"؛ فالعامل يُنْتِج في الساعة الواحدة من السلع نفسها أكثر؛ وتهبط قيمة كل سلعة؛ وتهبط قيمة "قوَّة العمل" بصفة كونها سلعة؛ وهذا لا يتناقض مع ارتفاع مستوى عيش العامل؛ وتزداد نسبة "العمل المجاني" إلى "العمل الضروري" في "يوم العمل"، وإنْ قَصُر؛ وتزداد نسبة "فائض القيمة" إلى "الرأسمال المتغيِّر"؛ وتتضاءل نسبة "فائض القيمة" إلى "الرأسمال الكلِّي"، أيْ يتراجع معدَّل الربح العام؛ وتتضاءل نسبة البروليتاريا (الخالقة للقيمة الجديدة) إلى مجموع السكَّان؛ ويزيد الحجم المطلق، والحجم النسبي، للسكان الذين يزاولون أعمالاً لا تخلق "قيمة جديدة"، لكنَّهم ينالون المكافآت المالية التي هي جزء مقتطع من "القيمة الجديدة".
بقي أنْ أوضِّح أنَّ رب العمل لا يشتري "طاقة العامل"؛ فلو اشتراها لأصبح العامِل عَبْداً؛ إنَّه يشتري (لكنه يدفع لاحقاً الثمن) قوَّة العمل بصفة كونها سلعة. إنَّه يدفع ثمنها من أجل أنْ يستعملها هو 8 ساعات في اليوم مثلاً؛ وإنَّ نصف يوم العمل هو الذي فيه يُنْتِج العامل من "القيمة الجديدة" ما يسمح له بإعادة إنتاج سلعته، أيْ قوَّة عمله؛ وإنَّ قيمة عمل العامل تختلف عن قيمة قوة عمله؛ فلو حصل العامل على قيمة عمله لَمَا بقي من ربحٍ لربِّ العمل.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لهذه الأسباب ما زال ماركس حيَّاً وعلى صواب!
- أربع سنوات ونَلِد -حكومة برلمانية-!
- متى تتفتَّح -زهرة الآخر- في -الربيع العربي-؟!
- شيءٌ من -الديمقراطية التوافقية- يُنْقِذ ثورة مصر!
- المرأة العربية ما زالت للعبيد عَبْدة!
- القصة الحقيقية ل -العجز في الموازنة-!
- مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في ضوء مأساة مخيَّم اليرموك!
- فضائيات لبثِّ السُّموم الطائفية!
- -جبهة الإنقاذ- ولعبة -المُنْقِذ البونابرتي-!
- ما ينبغي للمعلِّم أنْ يَعْلَمه!
- -إخوان الدولة- و-دولة الإخوان-!
- هذا الاحتلال الإسرائيلي للرواتب الفلسطينية!
- طلاسم عهد حكومي أردني جديد!
- لهذه الأسباب لا يُسلِّح الغرب المعارَضَة السورية
- ضَعْفٌ يعتري -قوَّة المثال- في -الربيع العربي-
- -مجموعة العشرين- تنزلق في -حرب عملات سرِّيَّة-!
- مجرمون في عيون الشعب.. أبرياء في عيون القضاء!
- -عَبُّود- يَصْنَع التاريخ!
- ما معنى هذا الذي اتَّفَقوا عليه في القاهرة؟!
- معاذ الخطيب مَدْعُوٌّ للتوضيح!


المزيد.....




- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - جواد البشيتي - دَحْضَاً لحُجَج مُنْكري فَضْل ماركس!