|
متى تتفتَّح -زهرة الآخر- في -الربيع العربي-؟!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4028 - 2013 / 3 / 11 - 21:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المجتمع الديمقراطي، مع سيادة القانون، هو بمعنى من أهمِّ معانيه مجتمع الحقوق، أيْ المجتمع الذي يتوفَّر دائماً على إنشاء وتطوير مزيدٍ من الحقوق المتنوِّعة لأفراده وفئاته كافَّة، مع تنظيمها، بما يراعي التوازُن بينها جميعاً، فلا حقَّ يَلْتَهِم حقَّاً، أو يذهب به. والحق، ولو ألبسناه لبوس القانون، لا أهمية، ولا قيمة، له، في المجتمع الديمقراطي، إنْ لم يتوفَّر المجتمع نفسه، أيضاً، على تمكين المتمتِّع (قانوناً) بالحقِّ من ممارسته؛ وعندئذٍ فحسب، يشعر المواطِن (وبصفة كونه إنساناً أيضاً) بأهمية وضرورة "الثَّقافة الحقوقية"، وبوعي حقوقه؛ لأنَّ من لا يعي حقوقه (في مجتمعٍ كهذا) لا يمكنه الدفاع عنها. وإنَّ بعضاً من أهم أوجه ومعالم الأزمة (التاريخية) في تجربة "الربيع العربي"، وفي مصر وتونس على وجه الخصوص، يَكْمُن في هذا الأمر؛ فإنَّ خَلْع الحاكم الفرد المستبد، والذي كاد، بما يتمتَّع به من سلطات وصلاحيات، أنْ يلتهم المجتمع، كان يجب أنْ يَقْتَرِن بإعلان "لائحة حقوق"، تشتمل على الحقوق الأساسية (الجديدة) للفرد والجماعة من المواطنين؛ والحاجة إلى هذا الإنجاز ما زالت على شدَّتها، وتشتد أكثر مع مرور الوقت، وتفاقم الأزمات. لكنَّ هذه الحقوق الجديدة، الجيِّدة ديمقراطياً وإنسانياً وحضارياً وثورياً، لها جميعاً "أصل مبدئي واحد"، تتفرَّع منه، على ما أرى؛ وهذا الأصل هو مبدأ "عِشْ ودَعْ غيركَ يعِشْ"؛ ونحن لو أخذنا بهذا المبدأ، وتمثَّلنا معانيه ومراميه، لأسَّسنا في أذهاننا (ومشاعرنا) أوَّلاً لدولةٍ فيها من الحرِّيَّة بأوجهها كافة ما يجعلها على مستوى الأهمية التاريخية نفسها للثورات التي أخرجتها إلى الوجود؛ مع أنَّ ثورات الربيع العربي لم تأتِ حتى الآن (أقول لم تأتِ "حتى الآن"، ولا أقول لن تأتي أبداً) إلاَّ بما يجعلني متِّفِقاً كل الاتِّفاق مع ماركس إذ قال إنَّ الثورات تُغيِّر كل شيء إلاَّ البشر؛ وأحسب أنَّ ماركس لم يكن يعني بقوله (أو حُكْمِه) هذا إلاَّ إبراز "الصعوبة" في تغيير الثورات للبشر. "عِشْ ودَعْ غيركَ يَعِشْ" ليس بالمبدأ الذي يمكن أنْ تهضمه "معدتنا الثقافية" بيُسْرٍ وسهولة؛ وليس، من ثمَّ، بالمبدأ الذي يمكنه أنْ يُلوِّن نمط وطريقة عيشنا وتفكيرنا بلونه؛ فكيف له أنْ يكون صديقاً لنا، في عيشنا (وسلوكنا) وتفكيرنا، ونحن (على الرَّغُم من كل مزاعمنا وادِّعاءاتنا) ما زلنا على عدائنا التاريخي (الصريح تارةً، والمستتر طوراً) لـ "الآخر"، الذي يخالفني (وعصبتي) ويختلف عنِّي (وعنها)؟! إنَّ الحقَّ الأوَّل للإنسان (أكان فرداً أم جماعة) والذي يجب أنْ يكون "مواطِناً"، هو حقه في أنْ يعيش كما يريد، أيْ بنمط العيش (بمعناه العام) الذي يريد؛ فيُحْظَر على "الآخر" أنْ يعتدي ويتطاول على نمط عيشه، الذي أراد واختار، أو أنْ يُكْرِهه (بطريقة ما) على تغييره بما يجعله مماثِلاً لنمط عيشه هو، أو أكثر شبهاً به، وكأنَّ نمط عيشه يعلو ولا يُعْلى عليه. عِشْ كما تريد، علانيةً، لا سِرَّاً؛ فلقد حان لمجتمعنا إنهاء ظاهرة "الجماعة (الدِّينية على وجه الخصوص) التي تُظْهِر خلاف ما تُبْطِن، وتُبْطِن خلاف ما تُظْهِر" حتى لا تُضطَّهَد. وهذا الحق يَفْقِد معناه إذا لم يُلْزِم صاحبه (أيْ الذي يتمتَّع به، ويمارسه) احترام جقَّ غيره (من المواطنين، ومهما اختلف عنه، وخالفه) في أنْ يعيش هو، أيضاً، كما يريد. وهذا "الإلزام (أو الالتزام)" لا يتناقَض في المجتمع الديمقراطي الحر مع حقِّكَ في أنْ تَنْظُر إلى نمط عيش الآخر في الطريقة التي تشاء (وفي أنْ تَكْرَهَه وتبغضه وتعارضه؛ لكن من غير أنْ تَقِف منه مواقف تَكْمُن فيها الرَّغبة في إكراهه وإرغامه على تغييره). "مجتمع عِشْ ودَعْ غيركَ يَعِشْ" إنَّما هو مجتمع يتَّسِع للجميع، ولا يضيق إلاَّ بِمَن يسعى في جعله يضيق بـ "الآخر"، بأوجهه وألوانه كافَّة؛ وهذا المسعى (وعلى ما رَأَيْنا في عالمنا العربي) يُزيَّن ويُزَرْكَش بما يمكِّن كل حُكْمٍ فئوي من خداع الأبصار والبصائر؛ فانْظروا، مثلاً، إلى الهوَّة الواسعة بين "الأصل" و"الصورة" في نظام الحكم السوري. ونرى وجهاً آخر لـ "الأزمة التاريخية" في تجربة "الربيع العربي" في الموقف الذي تَقِفه من "الآخر" أحزاب إسلامية إذا ما أصبحت حاكمة ولو من طريق صناديق الاقتراع؛ فهذه الأحزاب لم تتغيَّر حتى الآن بما يكفي لجعلها كحزب أردوغان (في تركيا) لجهة موقفه من "الآخر"، الذي بعضه هناك (أيْ في تركيا) ينادي صراحةً وعلناً بالعلمانية، ويستمسك بها، ويَنْظُر إلى طريقة الحياة (حياة الأفراد والجماعات) في الغرب على أنَّها عالمية، أيْ تصلح لمحاكاتها (والأخذ بها) في خارج الحدود الجغرافية للغرب. لا تعتدي، ولا تتطاول، على نمط عيش غيرك، وبالمعنى العام لـ "العيش"؛ فهذا إنَّما هو الشرط الأوَّلي والجوهري والأساسي لاحترام وضمان حقِّكَ في أنْ تعيش كما تريد؛ فالديمقراطية (ومجتمعها) تتَّسِع للجميع، حتى للأحزاب الإسلامية؛ وهي لو ضاقت بهم (وبغيرهم) لفَقَدَت معناها الجوهري؛ لكنَّها (وهذا من حقِّها) لا تتَّسِع (إلاَّ إذا أرادت الانتحار) لكل من يناصب قيمها ومبادئها العداء، ويريد أنْ يتَّخِذها سُلَّماً يصعد فيه إلى حُكِمٍ ما أنْ يَصِل إليه حتى يأخذ السُّلَّم، ويرميه بعيداً، ليشرع في إفراغ الديمقراطية من قيمها ومبادئها (المتواضَع عليها عالمياً) بدعوى أنَّ قيمنا الحضارية والثقافية تأباها، وتضيق بها. دَعْهُ ينام في النهار، ويعمل في الليل، يأكل بيده اليسرى، يرى اللبن أسود، ويعتقد بدوران الشمس حول الأرض، وبشروقها من الغرب؛ فهو إنْ أخطأ (وهو مخطئ) فلن يكون خطأه إلاَّ من قبيل قوله بأنَّ 1+1=3؛ أمَّا خطأكَ أنتَ، إنْ اضطهدته، أو قَطَعْتَ رزقه، أو عنقه، لمنعه، أو لمنع غيره، من الخروج عن "الجادة"، فيَعْدِل قولكَ بأنَّ 1+1= قرد؛ وشتَّان ما بين الخطأين.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيءٌ من -الديمقراطية التوافقية- يُنْقِذ ثورة مصر!
-
المرأة العربية ما زالت للعبيد عَبْدة!
-
القصة الحقيقية ل -العجز في الموازنة-!
-
مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في ضوء مأساة مخيَّم اليرموك!
-
فضائيات لبثِّ السُّموم الطائفية!
-
-جبهة الإنقاذ- ولعبة -المُنْقِذ البونابرتي-!
-
ما ينبغي للمعلِّم أنْ يَعْلَمه!
-
-إخوان الدولة- و-دولة الإخوان-!
-
هذا الاحتلال الإسرائيلي للرواتب الفلسطينية!
-
طلاسم عهد حكومي أردني جديد!
-
لهذه الأسباب لا يُسلِّح الغرب المعارَضَة السورية
-
ضَعْفٌ يعتري -قوَّة المثال- في -الربيع العربي-
-
-مجموعة العشرين- تنزلق في -حرب عملات سرِّيَّة-!
-
مجرمون في عيون الشعب.. أبرياء في عيون القضاء!
-
-عَبُّود- يَصْنَع التاريخ!
-
ما معنى هذا الذي اتَّفَقوا عليه في القاهرة؟!
-
معاذ الخطيب مَدْعُوٌّ للتوضيح!
-
مِن -انتحار بوعزيزي- إلى -نَحْرِ بلعيد-!
-
خَيْرٌ لكم أنْ تُنْتِجوا فيلم -هيكل سليمان الضائع-!
-
ضَرْبَة ذهبت بما بقي من أوهام!
المزيد.....
-
اجتماع ثلاثي في عمّان لدعم استقرار السويداء ووحدة سوريا
-
وزير الخارجية المصري: تنسيق مع واشنطن والدوحة لإحياء هدنة ال
...
-
إسقاط المساعدات فوق غزة يتواصل وسط تشكيك بمدى فعاليتها
-
وقف تصدير الأسلحة الألمانية لإسرائيل - نهاية مبدأ المصلحة ال
...
-
قمة ألاسكا حول أوكرانيا: هل تصطدم طموحات ترامب بشروط بوتين؟
...
-
تصاعد المخاوف في أوروبا بشأن المواد الكيميائية الأبدية السام
...
-
خطوة في طريق مسدود.. قراءة إيرانية في زيارة وفد الطاقة الذري
...
-
السيسي: نرفض المساس بأمننا المائي وحصتنا من نهر النيل
-
إيران تعلن القبول بمفاوضات مباشرة مع أميركا -حال توفر الشروط
...
-
عاجل | الإخبارية السورية: رتل عسكري للاحتلال الإسرائيلي تحرك
...
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|