أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - علي الأسدي - الذكرى العاشرة لحرب ... ما زالت قائمة... (الأخير )















المزيد.....


الذكرى العاشرة لحرب ... ما زالت قائمة... (الأخير )


علي الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 4039 - 2013 / 3 / 22 - 18:37
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


الذكرى العاشرة لحرب ... ما زالت قائمة... (الأخير )

علي الأسدي
قيام الولايات المتحدة بغزو العراق يعيد للأذهان احتلال العراق من قبل بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى وبسط هيمنتها الاستعمارية على شؤونه الاقتصادية والسياسية. الفارق بين مرحلتي الاستعمار أن بريطانيا وضعت الأسس لبناء جيش وشرطة وطنيتان بنفس الوقت الذي حافظت فيه على الأمن داخل العراق حتى استكمال بناء مؤسساته العسكرية والأمنية. شكل النفط بالنسبة لبريطانيا هدفا اقتصاديا استحق الاهتمام والمجازفة بالبقاء هناك الى أجل غير مسمى فلم تفلح. لقد استثمرت بانتاج النفط وانتفعت بالحصة الأكبر تاركة للعراق جزء انفقته هي وفق ستراتيجيتها العسكرية والسياسية. لكنها تركت العراق دولة موالية بديمقراطية موجهة لصالح طبقة أرستقراطية تحتكر السلطة بعيدا جدا عن نموذج الديمقراطية البريطانية.

أما الولايات المتحدة فقامت بصورة متعمدة بتدمير كل ما له علاقة بجيشنا الوطني ذا الخبرة الطويلة الممتدة لتسعة عقود من السنين ، وبذلك تكون قد جردت الشعب العراقي من حقه في الدفاع عن نفسه ضد أي اعتداء خارجي ، فحولت الى خرائب جميع القواعد والمطارات العسكرية عدا تلك التي استخدمتها لقواتها الغازية. ولم تكتفي بذلك بل دمرت المعاهد والمدارس والكليات العسكرية ، ومراكز التدريب ، ومخازن السلاح بكافة اصنافه ، بما فيها الأسلحة الخفيفة للجيش والشرطة العراقية. وترسيخا للفوضى الخلاقة اعادت تشكيل ما سمته جيشا ، هو في حقيقته تشكيلات مليشياتية تعتمد الطائفة بديلا للهوية الوطنية ، والقومية بديلا للوطن ، والشوفينية بديلا للوطنية.

ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في الواقع هو تدمير ثروة وطنية بشرية غير قابلة للتعويض بسهولة قبل مرور عقود عديدة من السنين تدريبا وتعليما . أما تكلفتها المادية فقد كلفت دافعي الضرائب العراقيين مئات البليونات من الدولارات على مدى أكثر من تسعة عقود من السنين. لقد جرى تدمير ما استغقرق بنائه تسعة عقود في بضع ساعات عند بداية غزوها بلادنا ، وهي تدرك تماما كم من الوقت والموارد المالية سيحتاجها العراق لاستعادة قدراته العسكرية التي دمرتها..؟

فلماذا فعلت الولايات المتحدة ذلك ، وهي تعرف ان الغاء وظيفة حوالي المليون مجند تحت السلاح يعني فصل عشرة ملايين مواطن أمريكي من أعمالهم والالقاء بهم الى الشوارع ليعانوا البطالة والعوز دون أي مصدر رزق..؟ (( بالمقارنة بين عدد نفوس كلا من الولايات المتحدة والعراق)).

واذا دققنا بالارقام الحقيقية فان من وجدوا انفسهم في ليلة وضحاها بدون مصدر رزق هم أكثر من ذلك بكثير ، فعدد افراد الجيش قدر حينها بواحد مليون وربع المليون مجند ، وعند اضافة عدد رجال الشرطة والأمن فان رقم من القى بهم السيد بول بريمر الى جيش العاطلين عن العمل سيقفز الى أكثر من مليوني عنصر. وليس ذلك فحسب فاذا افترضنا أن كل مجند يعيل عائلة مكونة من أربعة أفراد عندها سيرتفع عدد سيئي الحظ الى ثمانية ملايين مواطن ومواطنة. فأي حكمة وراء هذا القرار التجويعي الأمريكي غير خراب البلاد والعباد ، فان تحول عشرة آلاف من جيش العاطلين المدربين على السلاح الى مقاومة الاحتلال وهو ما حصل بالفعل لن يكون خبرا سارا أبدا للرجل الذي أعلن بعد ستة أسابيع من بدء غزوه العراق " أن المهمة انجزت ".؛؛؛

كان بامكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تتحاشى كل ذلك وتجنبنا الكارثة الانسانية التي حلت بشعبنا فيما لو التزمت الأصول القانونية والأخلاقية التالية. :
1- الحصول على موافقة منظمة الأمم المتحدة على التدخل عسكريا لنزع أسلحة الدمار الشامل المزعومة.

2- الاعلان صراحة أنها لن تقوم بأي اجراء يمس السيادة الوطنية للشعب العراقي على أرضه وثرواته الوطنية.
3- التعهد للأمم المتحدة بالحفاظ على الوضع القانوني لنظام العراق السياسي ، بكونه دولة مستقلة وذات سيادة كاملة وعضو كامل في الأمم المتحدة. وان دخول الولايات المتحدة مشروط بالبحث عن اسلحة دمار شامل ، وبخلاف ذلك يعتبر وجودها غير شرعي ، وتكون هي مسئولة عن نتائج ذلك الوجود غير الشرعي.
4- تحديد فترة زمنية للتفتيش عن الاسلحة موضوع الاحتلال وجدولا لانسحابها.
5- الابقاء على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية ولم تتعرض لوجودها ، وتركتها تمارس نشاطها وواجباتها الوظيفية للحفاظ على أمن المواطنين والبلاد وحماية ممتلكات الشعب بما فيها الأسلحة كافة والحفاظ عليها من النهب والعبث.

6- التعهد بابقاء قواتها العسكرية خارج المدن العراقية والتجمعات السكانية.


7- ألزام جنودها وسلطاتها أينما كان ضروريا احترام التقاليد الاجتماعية للمجتمع العراقي وتجنب ما يخدش كرامة المواطن العراقي وبخاصة العنصر النسائي.


لوكانت قد راعت ذلك ، وانسحبت من العراق بعد تأكدها من عدم وجود أي سلاح محضور دوليا ، لما وصلت الحال الى وصلت اليه. لكن بعد أن تكشفت الحقائق من خلال ما شاهدته الجماهير من ممارسات أيقنت أن ما يجري في البلاد ليس بحثا عن أسلحة دمار شامل ، بل هيمنة كاملة على مقدرات شعبنا وتخطيطا لبقاء طويل الأمد يتحول العراق خلاله الى قاعدة أمامية عسكرية واستخباراتية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.


كما أدرك العراقيون عندها لماذا وقفت قوات التحالف متفرجة أمام عمليات النهب والتخريب التي قام بها مجهولون خارجون على النظام والقانون. ولم تحرك قواتهم ساكنا وهي تراقب التدمير غير المبرر لمبان ومقرات عسكرية ، ولمؤسسات ثقافية ومتاحف ومخازن غلال ومكتبات وغيرها. لقد تم ذلك بدون أي استفزاز حيث لم تكن لتلك المواقع أية علاقة بنشاط أمني أو عسكري. وعندما تطوع وفد مكون من مواطني البصرة لمقابلة القائد العسكري البريطاني في مقره لاحاطته بان النهب يتم أمام أعين جنوده طردوا من قبل الحرس البريطاني ، وعندما أصروا على المقابلة شهر السلاح بوجههم مهددين باطلاق النار عليهم.

لقد ارتكبت الولايات المتحدة وبريطانيا بسلوك قواتهما المسلحة خروقات قانونية دولية ترقى لمستوى جرائم الحرب الجسيمة. ولو تشكلت لنا حكومة وطنية قوية متماسكة سياسيا بعد انسحاب الجيوش الاجنبية من بلادنا عام 2011 لكانت قد قاضت الحكومة الأمريكية وحليفاتها عن جميع الجرائم التي ارتكبتها قواتهم المسلحة ضد مواطنينا وممتلكاتنا. وينبغي على اي حكومة وطنية عراقية تحترم شعبها أن تسعى بجد الى مقاضاة الدولتين لما ارتكبتاه من جرائم يرتقى بهضها الى جرائم الابادة الجماعية. وأهمها وأكثرها الحاحا هي "
1- التلوث الذي ألحقته ببيئتنا الناتج مباشرة من استخدام الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب الخارق للدروع الذي استخدم في حربي 1990 و2003 .لقد سببت تلك الاسلحة تلوث المياه والهواء والتربة بشكل عام والأرض الزراعية بشكل خاص. لقد نتج عن تلك الملوثات امراضا مميتة كاللوكيميا وسرطان الرئة ، والتشوهات الخلقية للمواليد الجدد لم يسجل مثيلا لها في التاريخ العراقي.

2- التدمير غير المبرر الذي نتج عن القصف المتعمد للبنية التحتية بما فيها شبكات الصرف الصحي ، وشبكات المياه الصالح للشرب ، محطات الطاقة الكهربائية ، وشبكات الاتصالات ، وشبكات نقل الطاقة الكهربائية ، وطرق النقل والمواصلات بين المدن وداخلها ، والكثير من المنشآت المدنية والعسكرية وغيرها.

ويتحتم على الحكومة الوطنية المطالبة بالتعويضات الكاملة عن الاضرار المادية والبشرية التي نتجت بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن الحرب على العراق. وما يشجع الحكومة العراقية على ذلك المبادرة التاريخية التي قام بها رئيس وزراء ماليزيا السابق في الفترة 1981 – 2003 السيد محاضر محمد بتشكيل محكمة كوالالمبور لمقاضاة المحتلين عن جرائم الحرب التي ارتكبت بحق شعبنا. فقد أسست المحكمة عام 2005 وتمكنت من جمع كم هائلا من الأدلة ، بينها وثائق قانونية وشهادات للضحايا.

وقد جرت مراجعتها بصورة دقيقة سمحت للمحكمة أن تثبت في أيار 2011 وفي تشرين الثاني 2011 بأن كلا من بوش وبلير وكبار مستشاريهم قد ارتكبوا جرائم ضد السلام ، حيث خططا وجهزا وقاما بغزو العراق البلد ذا السيادة ، هو خرق فاضح للقانون الدولي. وارتكبوا جرائم تعذيب وجرائم حرب متجاهلين معاهدة جنيف ، وقانون الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب. يجب أن يكون العام 2013 عاما يدرك فيه الجناة أن الافلات من العقاب قد ولى.(13 )

كانت لممارسات الدولتين تلك ردود فعل غاضبة في نفوس قطاع واسع من المجتمع العراقي قادت الى تصاعد المعارضة ليس فقط ضد قوات الاحتلال ، بل حتى ضد السلطة السياسية التي انبثقت عنه خلال السنة الأولى من الغزو. لقد اتخذت معارضة الاحتلال سبلا سلمية ديموقراطية قبل أن تختطفها المنظمات الارهابية الدخيلة لتحولها الى حرب أهلية طائفية تنفيذا لأجندة خارجية لانهاء عقود من العيش المشترك والتسامح والأخاء المتبادل.

فقد كشفت استطلاعات للرأي اجريت بعد الغزو في عام 2003 و2004 و2005 على التوالي أظهرت ان الغالبية من العراقيين تعارض الاحتلال. حيث كشف الاستطلاع لعام 2003 ان 82% من الذين اخذت أراءهم يعارضون الاحتلال ، وأن 57 % ترى ضرورة الخروج الفوري للقوات الاجنبية ، وان 5% فقط اعتقدت ان القوات الامريكية غزت العراق للمساعدة في تخليص العراق من أسلحة الدمار الشامل ونشر الديمقراطية. بينما يرى 43 % من الناس ان أمريكا جاءت لسرقة النفط العراقي ، وأن أكثر من 50 % منهم يعتقد ان مهاجمة القوى الأمريكية له ما يبرره. وبعد عامين من الاستطلاع الأول بينت النتائج زيادة المعارضة للاحتلال.(14)

وفي استطلاع آخر للرأي أجري في الدول العربية والاسلامية للتعرف على رأيها في الولايات المتحدة اتضح أن نسبة قليلة من مجتمعاتها تنظر ايجابيا للتدخل الأمريكي في دول المنطقة. ففي تقرير للكونغرس الأمريكي ورد فيه أن الأكثرية الساحقة في مصر والمغرب والسعودية تنظر الى جورج بوش باعتباره يمثل تهديدا للعالم أكثر من بن لادن ، وان الولايات المتحدة هي القوة الخطرة التي يجب مقاومتها.

وجاء في التقرير ايضا ، ان 7% من السعوديين ، و15% من الاتراك ، و6% من المصريين ، و 1% من الفلسطينيين والأردنيين ، و 17% من الأندونيسيين ، و19% من الباكستانيين ينظرون ايجابيا لدور الولايات المتحدة. وتبين أيضا ان 28% فقط من الكويتيين لهم نظرة ايجابية للولايات المتحدة وهي التي حررتهم من احتلال العراق في التسعينيات.

وفي استطلاع آخر للرأي أجري في أوربا في 1-2 - 2- 2002 قبل الحرب على العراق جاء فيه ان 84% من الأوربيين اعتقد ان الولايات المتحدة تشكل تهديدا رئيسيا للسلام العالمي.(15) وفي استطلاع أجرته صحيفة انترناشيونال هيرالد تربيون في 2- 2- 2003 أكدت النتيجة نفسها التي نشرت العام السابق.
وفي سبتمبر - أيلول 2011اجرت منظمة Zogby poll استطلاعا للرأي جاء فيه أن 42 % من العراقيين ادعوا انهم أسوء حالا كنتيجة للحرب الأمريكية البريطانية على بلادهم ، بينما قال 30 % من العراقيين انهم أفضل حالا بعد الحرب.

سقوط العراق للهيمنة الأمريكية المباشرة وخاصة خلال السنتين الأوليتين قد مكنت مستشاريها من التدخل في التركيبة الاجتماعية للمجتمع العراقي ، فوضعت الأساس لشق وحدة الصف الوطني التي كانت لحد ذلك الحين قائمة على التفاهم المشترك والاحترام المتبادل. لقد استغفلت بعض القوى السياسية قوى سياسية أخرى من خلال رشوة المستشارين الأمريكان لفرض أجندتها والسير بها دون علم أطراف أخرى.

كان السفير الامريكي السابق الافغاني الأصول السيد زلماي خليل زاد العامل الحاسم في ما جرى من اتفاقات بين القوى السياسية حول التشكيلة الحكومية التي ستستلم السلطة بعد اسقاط النظام الصدامي. كما لعب دورا مهما في صياغة الدستور العراقي الجديد القائم على النظام الاتحادي. القوى الشيعية التي لم تصدق مشاركتها في السلطة الجديدة وقعت مغمضة العينيين على اتفاقات خطيرة ، واعطت موافقتها حول قضايا مصيرية وطنية وقومية تحولت فيما بعد الى مواد وبنود دستورية في الدستور الاتحادي الجديد.

فالدستور العراقي الاتحادي الذي صيغ في ظل الاحتلال لبلادنا كان قد مهد بشكل سافر لحدوث انشقاقات داخل المجتمع العراقي ، تتبعها بالضرورة نزاعات حول موارد النفط ، وحدود السلطات الاقليمية داخل دولة العراق الاتحادي. ويعتبر الوضع السياسي المتأزم الحالي نتيجة مباشرة لتلك الاسس التي انبثق عنها دستور العراق الجديد. وقد أصبح خيار تشكيل الاقاليم سلاحا ذا حدين ، يهدد باشهاره كل من لا تعجبه سياسة الحكومة الاتحادية ، وفي ظل العلاقات الطائفية المتشنجة بين العراق وبعض دول النفط الخليجية ، فان اية محاولة انفصالية في العراق ستنال دعما ماليا واعلاميا غير مشروط من جانب الدول الخليجية تلك.

أحد نتائج الصيغة الحالية للدستور الاتحادي يعمل القوميون الكرد في كردستان في سباق مع الوقت لتعزيز استقلالهم الحالي تمهيدا لاقامة دولتهم المستقلة ، وتنهج أوساط قبلية في غرب العراق وشماله لكسب التأييد لتشكيل كيانا طائفيا وقبليا ينفصلون به عن حكم "الخنازير" في الحكومة الاتحادية ( تعبير تردد في المظاهرات في بعض مناطق الاحتجاجات ).

. وتميل أقليات قومية ودينية للسير في الاتجاه نفسه لتشكيل أقليما خاصا بهم ، أو اقليما داخل اقليم آخر.و يجري هذا كله على حساب التنمية الاقتصادية واعادة البناء ، والى مزيد من الحرمان في اوساط الاكثرية من الناس. وتتزايد من يوم ليوم صعوبة ترسيخ الوحدة الوطنية واعادتها الى ماكانت عليه قبل الاحتلال. ويعمل هذا كله ضد مصالح العراق والمنطقة ، بينما يصب في مصلحة المحافظين الجدد الموالين لاسرائيل الذين يرون في ابقاء العراق ضعيفا ومقسما هدفا اساسيا للحرب على العراق.

لقد اصبح العراق في مركز اهتمام كل من الولايات المتحدة وايران بعد الغزو عام 2003. ومن الطبيعي أن تعمل ايران على كسب العراق الى جانبها والتحالف معه ان تطلب الامر وذلك لضمان بقائه دولة صديقة غير معادية ، فعراق عدو قاد الى حرب استمرت ثمانية اعوام في الثمانينيات. تلك الحرب التي كان دافعها الوحيد التسيد في المنطقة وكسب النفوذ من بقية الدول الاضعف عسكريا التي يسعى كل منهما الى كسبها الى جانبه.

احتلال العراق ومحاولة ابقائه قاعدة عسكرية وأمنية لضمان مصالحها في المنطقة وفي العراق قد أثار مخاوف ايران. وبالطبع ان تقف ايران ضد ذلك ، لانه يشكل تهديدا لستراتيجيتها القائمة على كونها الدولة الأكبر والأكثر نفوذا في المنطقة عدا تركيا. الحكومة العراقية الحالية والتي قبلها لا شك تفهم ذلك ، واذا كان لها الوعي الكامل بموقف ايران وامريكا فان عليها يعتمد الاستقرار في المنطقة اذا ما اتبعت سياسة متوازنة وايجابة مع الدولتين وحليفاتهما.

الغزو الأمريكي للعراق كان سيكون عملية ناجحة من وجهة نظر الادارة الأمريكية لو تمكنت من ترسيخ وجودها الدائم في العراق ، لكن خروجها دون أن تترك وجودا عسكريا ليس فقط هو في صالح ايران ، بل انتكاسة لسياسة الغزو والاحتلال والاطاحة بصدام. لأن ذلك الخروج جعلها في موقف حرج أمام شعبها والعالم ، بعد تحملها كل تلك التكاليف الباهظة المادية والبشرية والمعنوية.

لقد بدا وكأن الولايات المتحدة واجهت نفس المصير الذي واجهته في فييتنام بخروجها المذل تحت ضربات مقاومة الشعب الفييتنامي في السبعينيات. لقد طرح هذا الواقع الجديد امام الولايات المتحدة مهمة جديدة هي كيف تصلح ما حصل ، وهل يمكن الثقة بحكومة ذات اكثرية شيعية لا تنحاز الى الجهة الحرجة مع ايران والتنصل من التزاماتها التي تضمنتها اتفاقية التفاهم الاستراتيجي مع الولايات المتحدة كدولة صديقة لا عدو محتمل..؟

ومع أننا غير ملمين كل الالمام بفحوى تلك الاتفاقيات مع العراق ، لكنها بالتأكيد قد احتوت على ضمانات تؤكد بقاء العراق دولة صديقة ، وأن لا يتورط في سياسات معادية للولايات المتحدة. من الجانب الآخر سيكون في صالح العراق أن يحافظ على علاقات صداقة وثقة متبادلة وان لا يتحول العراق الى قاعدة تهدد أمن ايران ، سواء بسياسته هو أو بنتيجة تعاونه مع الولايات المتحدة ، ومن حق ايران ان تسعى الى ذلك.
ايران من جانبها سعت الى ابقاء العراق دولة صديقة مستفيدة من التقارب المذهبي والتعايش المشترك ضمن حدودهما المشتركة. وبدون شك فان اي حكومة غير الحكومة الحالية حتى لو كانت ذات أكثرية سنية لن تسلك سلوكا آخر غير ودي تجاه ايران ، فتجربة حرب الثماني سنوات تذكر بمرارة العداء المنفلت الذي غذته عاهة الغرور ، والشعور بالقوة والاقتدار الوهميين.

من غير اللائق ابدا اتهام جزء من شعب أو طائفة عراقية بكونها تبعية لهذه الدولة أو تلك كما حاول نظام صدام حسين فرض ذلك المفهوم في أوساط الطائفة السنية في العراق وخارجه. كان يسعى من خلال ذلك الظهور بمظهر المدافع عن طائفة نقية الدم السني ضد طائفة اخرى ملوثة بالدم الصفوي لتعزيز قبضته على العراق بسنته وشيعته .

ولسوء الحظ قد نجح الى حد ما وهذا ما سمعناه من شعارات ترددت في الاحتجاجات الأخيرة ، ومن بعض وسائل الاعلام في بعض البلدان الخليجية ، مما يدلل على عمق التخلف الثقافي والوعي السياسي الذي انحدرت اليه بعض الأوساط الشعبية في العراق والبلدان المتخلفة في الخليج وباكستان وافغانستان تحت تأثير التيارات السلفية البدائية.

الشيعة العراقيون كاشقائهم سنة العراق لهم انتماءاتهم السياسية التي تتعالى بهم فوق تلك الانقسامات الطائفية ، ففيهم شيوعيون ويساريون ديمقراطيون ، علمانيون ومتدينون وغير متدينين يعملون من أجل مجتمع عابر للحدود القومية والدينية والطائفية. المجتمع العراقي الذي نجح المحتلون بزرع الانقسامات في كيانه سيستعيد عافيته وينهض من جديد موحدا وقويا لا بالسلاح ، بل بالعلاقات السلمية مع جيرانه والعالم ، وبتوحده وعزيمته لبناء بلدنا اقتصاديا لتحسين حياة كل أبنائه.
علي الأسدي
هوامش:
1- Jack Cafferty, " What Exactly did U.S gain going to War in Iraq", C. N.N, 1/9/2010
2- David Frum , Invading Iraq Worth it , The Daily Beast , 15/3/2013
3- John Mearsheimer and Stephen Walt, The Israel Lobby and U.S. Foreign Policy , march 2006 p.29,30,32
4- Mark Webber , " A War For Israel ", Institute For Historical Review
5- Ernest Hollings, Remarks by Ernest Hollings, Congressional Record –Senate.20/5/2004, S-P5921
6- The Gurdian,London, 20/8/2002
7- S.Fransis " Weapons of Mass Deception: " Somebody Lie ",6/2/2004,www.vdare.com
8- Jonathan Steele, The Gurdian ,London "Israel puts Pressure on U.S to Strike Iraq,17/8/2002
9- L.King " Ex-General Says Israel Inflated Iraqi Threat ",Los Angeles Times 5/12/2003
10- Uri Avnery, " The Night After " CounterPunch, 10/4/2003
11- Washington Post ,13/5/2004, and Christian Scinence Monitor, 19/4/2004
12- The New York Times , 5/2/2004
13- هانز فون سبونك ، " العراق خيانة شعب وافلات من العقاب الى الأبد " مساعد سابق للامين العام للامم المتحدة ، ومنسق للشؤون الانسانية في العراق.

14- International Herald Tribune 2/2/2003
15- Raymond Hinnebusch ¸"The American Invasion of Iraq : Causes and Consequences " , University of St. Andrews, Scotland, Spring 2007
16- John Mearsheimer and Stephen Walt. "The Israel Lobby" 2006



#علي_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكرى العاشرة لحرب ....مازالت قائمة.. (3)..
- الذكرى العاشرة لحرب .... ما زالت قائمة ....(2)
- الذكرى العاشرة لحرب.. ما زالت قائمة.... (1)
- اسرائيل .. وكردستان العراق...؛؛؛
- الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية...( الخامس)..
- الصين الشعبية .... والانتقال الى الرأسمالية .. (4)..
- الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية... ( 3 )...
- الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية... (2)..
- الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية ..(1)
- القرضاوي .. يتدخل بالسياسة العراقية ؛؛؛
- المحذور الذي كنا نخشاه ... قد وقع ؛؛؛
- التعامل الايجابي مع مطالب أهل الأنبار .. واجب وطني..
- لا تصبوا الزيت على النار... بل اخمدوها...؛؛؛
- التورط التركي في سوريا .. لمصلحة من ...؟؟
- لماذا يتدخل الغرب ... في الشأن الداخلي السوري...؟؟
- ملاحظات حول رسالة أينشتاين ..ردا على ابراهامي...
- لماذا رفض الفلسطينيون ... القرار الدولي رقم 181 ....(الأخير) ...
- لماذا رفض الفلسطينيون .. القرار الدولي رقم 181.....( 1 )...؟ ...
- الذكرى ...... التي تحمل آمالا جديدة...
- لماذا اغتالت اسرائيل ... أحمد الجابري .. ؟؟


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - علي الأسدي - الذكرى العاشرة لحرب ... ما زالت قائمة... (الأخير )