أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الفن الإيطالي - كانوفا















المزيد.....

الفن الإيطالي - كانوفا


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4029 - 2013 / 3 / 12 - 01:44
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في منتصف القرن الثامن عشر، عاش الحجّار "باسينو كانوفا" في مدينة بوسانيا شمال إيطاليا، لا تبعد كثيرا عن مدينة البندقية. كان يعيش معه حفيده اليتيم "تونين كانوفا". قرر الجد أن يعمل الحفيد مثله في مهنة المحاجر. لذلك علّمه استخدام الأزميل والشاكوش منذ نعومة أظافره.

تونين كان يحب هذا العمل. عندما لا يكون مشغولا بكتب المدرسة، كان يُسمح له بعمل تماثيل من الصلصال. كان الجد فخورا بحفيده، يأخذه معه أينما يذهب.

في ذلك الوقت، كان "سينيور فاليرو"، أحد رؤساء مدينة بوسانيا، يثق في الجد، ويعهد إليه بأعمال كثيرة. بعض الأحيان، كان يدعوه إلى بيته في المناسبات للعشاء.

أحد أيام الأعياد، دُعي الجد والحفيد لمنزل سينيور فاليرو، للاحتفال بالمناسبة. في اللحظة الأخيرة، اكتشف الخدم أن التورتة الكبيرة التي تقدم للضيوف، سادة غير مزخرفة. تملك الخدم الأسى والحيرة ولم يدروا ماذا يفعلون.

هنا هب تونين الصغير للنجدة. طلب كمية مناسبة من الزبد، وشكل منها تمثالا لأسد. وضع الأسد كزينة على وجه التورتة وأنقذ الموقف. عندما حمل الخدم التورتة إلى مائدة الضيوف، صرخ المدعون من الإعجاب بجمال الأسد.

استدع الضيوف تونين، 12 سنة، لكي يعبروا له عن إعجابهم وتقديرهم. منذ ذلك اليوم، علم سينيور فاليرو أن تونين الصبي سوف يصبح نحاتا.

خصص له مدرسا، ثم ضمه كفرد إلى عائلته. كان تونين يعمل بكد وعزيمة، يشكل تماثيل صغيرة من الصلصال في شكل أصدقاءه. صنع أيضا تمثالين لملاكين كما تخيلهما. بعد ذلك، أُرسل إلى البندقية. هناك كانت أعماله تنافس أعمال مدرسيه.

في القرن السادس عشر، قام المهندس المعماري والنحات "سانسوفينو"، بعمل ديكورات مدينة البندقية. كما قام بيرنيني بعمل ديكورات مدينة روما. لكن أسلوب سانسوفينو كان أنقى وأنبل من أسلوب بيرنيني.

بعد سانسوفينو، لم تر البندقية نحاتا مشهورا. لذلك، كان من الطبيعى أن تعجب البندقية بفن تونين كانوفا. قام بعمل عدة تماثيل بها في شبابه. ما تقاضاه من أجر أحد التماثيل، كان كبيرا إلى درجة، أغرته بالذهاب إلى روما. أخذ معه خطابات تذكية، وقوبل في روما بكل احترام وتقدير.

كانت روما، في ذلك الوقت، مدينة رائعة بالنسبة ل"كانوفا". أعطته الفرصة لدراسة أعمال مايكل أنجلو المبكرة والمتأخرة. ولدراسة كل ما تم اكتشافه حديثا، من تماثيل الإغريق الرائعة. تجده، مع بذوغ فجر كل يوم، في المواقع بجوار التماثيل العظيمة ومعه كراسة إسكتشات.

خلال هذه الدراسة، استطاع كانوفا استرجاع فن النحت الإيطالي الأصيل، وإنقاذه من الإرهاق والروح الاستعراضية التي أصابته، وتوجيهه إلى عالم الجمال والتكوينات الإغريقية القديمة.

أراد كونوفا القيام بعمل فني كبير لكي يثبت لأهل روما ماذا يستطيع أن يقدمه لهم. خصص له الرخام الخام وورشة عمل. اختار موضوعا من الأساطير الرومانية القديمة. كان بطله الأسطوري هو: "ثيوزيوس".

ثيوزيوس هو البطل الإغريقي، الذي قتل الوحش "المانيتور". المانيتور وحش مرعب من وحوش الأساطير اليونانية القديمة. يأكل الأطفال والشبان، نصفه الأسفل حصان والنصف الأعلى إنسان. هذه هي قصته:

"باسيفي" زوجة "مينوس" ملك كريت، كان لديها عدة أطفال. أكبرهم "أندروجيوس"، ذهب إلى أثينا لكي يشترك في مسابقات الألعاب الرياضية التي تقام هناك كل 5 سنوات.

لصغر سنه ومهارته، أبلى بلاء حسنا في المباريات وفاز بعدة جوائز. بسرعة، أصبح نجما رياضيا التفت حوله الجماهير. مما أثار غيرة عائلة الحاكم "بالاس"، فتآمروا عليه وقتلوه. هذا بالطبع، أغضب والده "مينوس" غضبا شديدا.

لكي ينتقم "مينوس" لمقتل ابنه، أرسل أسطوله بكامله عدته وعتاده إلى أثينا، عازما على القصاص وتدمير المدينة

لإنقاذ المدينة، وافق ملكها على أن يسلم، كل سبع سنوات، سبعة شبان من أشجع شباب أثينا، وسبعة شابات من بين أجمل الصبايا، إلى ملك كريت، لكي يتركهم للوحش "المانيتور"، الذي يعيش في مغارة التيه، لكي يفترسهم.

في المرة الثالثة، تطوع ثيوزيوس ابن ملك أثينا لقتل الوحش. أخذ مكان أحد الشبان وأقلع مع باقي الشبان والصبايا فاردا الشراع الأسود. واعدا والده "إيجيوس" بالنصر، والعودة سالما فاردا الشراع الأبيض.

عند وصولهم إلى جزيرة كريت، وقعت "أريادني" بنت الملك "مينوس" في غرام ثيوزيوس. أعطته كرة خيط، لكي تساعده في الخروج من مغارة التيه. عندما دخل ثيوزيوس المغارة مع رفاقه، ربط طرف الخيط بالباب، وأخرج سيفه الذي كان يخبئه في ملابسه.

عمل ثيوزيوس بنصيحة حبيبته "أرياندي"، بالتقدم إلى الأمام فقط. وصل ثيوزيوس إلى قلب المغارة، فوجد الوحش يغط في سبات عميق. استيقظ الوحش ودارت بينهما معركة رهيبة، لكن فاز فيها ثيوزيوس بفضل قوته ومهارته، وطعن الوحش في حلقه بسيفه، أو بهراوته في رواية أخرى.
http://en.wikipedia.org/wiki/File:Theseus_and_Centaur.jpg


بعد مقتل الوحش "المانيتور"، قاد ثيوزيوس الشبان والصبايا، وتتبع الخيط، إلى خارج التيه بسلام. هرب ثيوزيوس من الجزيرة ومن "أريادني" أيضا.

أثناء العودة، نسي أن يرفع الشراع الأبيض دليلا على الانتصار. ظن والده أنه أخفق في مهمته، عندما شاهد الشراع الأسود، فأقدم على الإنتحار. ظلت الحبيبة المظلومة تبكي حبيبها "ثيوزيوس" الخاين، إلى أن رق لحالها الإله "ديونيسوس" إله الخمر والعنب، وتزوجها.

هل يعني هذا أن الخمر هي العلاج الشافي المعافي للفشل في الحب؟. ديونيوسوس لا يقل روعة في الشكل عن البطل ثيوزيوس، بالإضافة إلى كونه إله أيضا.

هذا تمثال رائع روماني، من القرن الثاني الميلادي، على الطراز الهيلينيسكي، للإله "ديونيوسوس" إله الخمر. عثر عليه في إيطاليا وموجود حاليا، بعد الترميم، في متحف اللوفر بفرنسا.
http://en.wikipedia.org/wiki/File:Dionysos_Louvre_Ma87_n2.jpg

نرجع إلى صديقنا النحات كونوفا وفنه. كونوفا، في تمثال ثيوزيوس والمانيتور، اختار اللحظة التي قام فيها ثيوزيوس بقتل الوحش. عندما عرض التمثال، الذي يعتبر رائعة أعماله، للجمهور أول مرة، قوبل بالمديح والابتهاج، مما أكد وثبت شهرة كونوفا كنحات وفنان عظيم.

كانت شهرة كونوفا أيضا في إقامة الصروح الضخمة. منها قبر البابا كليمينت الثامن، في كنيسة القديس بيتر (بطرس)، في روما. الصرح مزين بتمثالين رائعين لأسدين نائمين، أصبحا نموذجين يتم تقليدهما في جميع أنحاء العالم.
http://saintpetersbasilica.org/Monuments/ClementXIII/ClementXIII.htm

في فيينا،هناك تمثال آخر من صنع كونوفا من الرخام، للملكة "ماري كريستينا" وهي تصعد الدرج. هو الآخر من الروائع ويعتبر من أهم الأعمال بالنسبة لهذه المرحلة التي تسمى: "الكلاسيكية الجديدة".
http://www.habsburger.net/en/media/alberto-canova-monument-archduchess-marie-christine-1800?language=de

نحت كونوفا أيضا تمثالا للإلهة "هيبي"، إلهة الشباب، وساقية الآلهة. التمثال يصورها وهي تصب رحيق الأزهار، شراب الآلهة المفضل، أثناء احتفال على قمة الأوليمب.
http://en.wikipedia.org/wiki/File:Canova-Hebe_30_degree_view.jpg

تمثال آخر من صنع كونوفا لنابليون بونابرت، وتمثال للرئيس الأمريكي بطل الاستقلال، جورج واشنجطن. وهو أول تمثال، وأشهرها، يأتي أمريكا من أوروبا.

غزا نابليون بونابرت مدنا كثيرة في إيطاليا، وسرق كمية كبيرة من الأعمال الفنية الرائعة ونقلها إلى باريس العاصمة الفرنسية. عندما هزم في معركة ووترلو، كان من الواجب استرجاء كل هذه المسروقات.

طلب من كونوفا الإشراف على عملية إعادة المسروقات وترتيبها مع الحكومة الفرنسية. وهي مهمة كانت صعبة، لكنه أتمها بنجاح. لذلك، أنعمت عليه روما بلقب ماركيز.

ذهب كونوفا إلى مسقط رأسه بوسانيا، أشرف على جمع التبرعات لبناء كنيسة هناك دفن فيها عند وفاته عام 1822م. ثم نقلت رفاته إلى كنيسة فراري بالبندقية لاحقا.

لقد كان كونوفا إنسانا متواضعا كريما عادلا. لم يتزوج قط، مثل مايكل أنجلو. كان معجبنا بفتاة جميلة، كان يقابلها يوميا في صالون الفن، حيث كانت تدرس الفن هناك.

فجأة، انقطعت عن الحضور إلى الصالون، وانقطعت أخبارها. عندما سأل عن سبب تغيبها، علم أنها قد توفيت. لم يسأل من هي أو عن ماضيها أكثر من ذلك. ظلت ملهمة له، وبات خيالها في ذاكرته حتى وفاته.

أهمية كونوفا، والسبب الذي جعلني أفردت له مقالا كاملا، هو أنه يمثل روح حديثة وبعث جديد للفن الإغريقي القديم. هذا يعني الجمال والبساطة. يعرف بأنه أمير النحت الإيطالي الحديث.

وللحديث عن الفن والفنانين، وعالم السحر والجمال، بقية. فإلى اللقاء.
[email protected]



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن الإيطالي - سيليني،بولونيا،برنيني
- الفن الإيطالي - مايكل أنجلو
- الفن الإيطالي 1
- الفن في بداية المسيحية
- كنوز الفن الروماني القديم
- الفن الإغريقي القديم – الرسم
- الفن الإغريقي القديم – النحت
- الفن المصري القديم
- حفريات سبقت كتبنا المقدسة
- الطريق إلى المدرسة رايح جي
- حوار مع المجلة العلمية أهرام
- قصة خلق الكون
- هل التطور يتعارض مع الإنتروبيا؟
- كيف كانت بلادنا حلوة؟
- قضاة في شكاير
- حكم الجماعات الدينية والمليشيات
- لقد قبل الإخوان الحكم وبلعوا الطعم
- دولة دينية أم حرب أهلية
- السلطة مفسدة
- كيف كانت القاهرة وكيف أصبحت


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الفن الإيطالي - كانوفا