أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الفن الإيطالي 1















المزيد.....


الفن الإيطالي 1


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4022 - 2013 / 3 / 5 - 23:02
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



العمارة القوطية، نسبة إلى قبائل القوط شرق المانيا، هي آخر عمارة أصلية. بمعنى أن تصميمها لم يدخله مزج أو تقليد من تصميمات أصلية أخرى (المعابد اليونانية القديمة، البازيليكا، البيزنطية، الرومانسيكية).

العمارة التي تختلف عن ذلك، بمعنى أنها خليط من أنماط مختلفة، توصف بعمارة عصر النهضة.

في القرون الأولى من بناء الكنائس، لم يكن الفن بمعناه العام متقدما جدا. لا ننكر وجود أشياء لا تقدر بثمن، مثل الصلبان الذهبية المطعمة بالجواهر وتماثيل العاج، وكتب القداس المنمقة والمزينة بالرسوم والمطعمة بالأحجار الكريمة.

كان يوجد أيضا تماثيل للسيد المسيح والسيدة العذراء والقديسين، لكن كلها كانت تخلو من الحركة ومن نبض الحياة والطاقة، إذا قورنت بالتماثيل الإغريقة القديمة الرائعة. لكن في القرن الثالث عشر، حدثت عملية إحياء للفن في مدينة بيزا غرب إيطاليا.

كل مدينة إيطالية، كانت تمتاز بسحرها الخاص. مدينة بيزا، مثلا، لا تشذ عن ذلك. شهرتها تنبع من مبان أربعة رائعة، تقع بساحة المعجزات المعلنة كأحد مواقع التراث العالمي.

المبنى الأول: مدفن "كامبو سانتو" أو "الأرض الطاهرة". طاهرة لأن أرض المبنى مفروشة بتراب مقدس، أحضر خصيصا من المدينة المقدسة "القدس". الأرض المقدسة محاطة بالأديرة، ومزينة بالتماثيل.

المبنى الثاني: كاتيدرائية بيزا. مبطنة بالرخام الملون، وتعتبر أجمل مبنى في إيطاليا كلها. لكن، ماذا يقول تصميمها المعماري؟ في نهايتها محراب على شكل نصف دائرة على الطراز البازيلكي.
http://www.sacred-destinations.com/italy/pisa-cathedral

بها أقواس لحمل السقف مثل الطراز الرومانيسكي (الروماني). بها قبة مثل الطراز البيزنطي (الإمبراطورية الرومانية الشرقية). المبني على شكل الصليب، مثل الطراز الرومانيسكي أو القوطي (قبائل المانيا الشرقية). يعني بالبلدي، كاتيدرائية بيزا واخدة من كل طراز معماري حتة. وهذه شيمة معمار عصر النهضة.

المبنى الثالث: برج بيزا المائل. بني لكي يكون برج جرس كاتيدرائية بيزا التي تقع بجواره. كان أحد عجائب الدنيا السبع وقت بنائه. لأنه يميل عن المسقط الرأسي مسافة 18 قدما (حاليا). مبني من الرخام الأبيض. رغم ميله، هو جميل رشيق رائع. بياضه الناصع، يتلألأ في وهج الشمس أمام السماء الزرقاء الصافية.
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/8/84/Leaning_Tower_of_Pisa_%28April_2012%29.jpg


بدأ الميل بعد البدأ في بنائه مباشرة عام 1173م. مكون من ثمان طوابق من الرخام على الطراز الرومانيسكي، كل دور عبارة عن بهو بجدار دائري، مدعم بالأقواس المعمارية المحمولة على أعمدة من الخارج. به درج يتكون من 300 سلمة.

سبب الميل رخاوة في الأرض وهبوط في التربة. ظهر الميل عندما كانوا يبنون الدورين الرابع والخامس. حاول المهندسون نقل مركز الثقل في الأدوار العلوية لتلافي تأثير هذا العيب، لكن يبدو أنهم لم يفلحوا في ذلك.

كان الحل النهائي لتصحيح ميل البرج المستمر، هو إزالة 38 متر مكعب من التربة من تحت الطرف المرتفع من قاعدته. وتم الإعلان بأن البرج أصبح مستقرا في وضعه النهائي، لثلاثمئة عام قادمة على الاقل.

المبنى الرابع: معمودية كاتيدرائية بيزا، أو معمودية يوحنا (جون) المعمدان. مبنية على شكل دائري، على نمط الحمامات الرومانية القديمة. الخارج مغطى بالبراويز القوطية الرائعة. يعلوها تمثال يوحنا المعمدان وهو يحمل في يده الصليب. هنا، ولعدة قرون، كان مواليد بيزا يتعمدون هنا.
http://www.sacred-destinations.com/italy/pisa-baptistery

هنا أيضا مصباح قديم برونزي معلق مشهور. شهرة هذا المصباح ترجع إلى أنه كان موجودا أيام العالم الإيطالي العظيم جاليليو. تأرجح المصباح حول مركز التعليق، أوحى إلى جاليليو فكرة بندول الساعة.

داخل المعمودية، تشاهد حروف الكتابة الجميلة المنحوته من الرخام. وتسمع صدى صوت رائع. حيث تمتزج الأصوات في هارمونية جميلة لاتنسى. المنبر بالقرب من الحائط، منقوش برسوم بارزة هي الأولى من نوعها.

هذه النقوش البارزة، تمثل أول عهدنا بتغير الفن من مرحلة الرسوم الجافة البدائية المتخشبة، إلى النقوش والرسوم المليئة بالحياة والطاقة والجلال.

الرجل الذي نحت رسوم المنبر، في القرن الثالث عشر، اسمه "بيزانو"، نسبة إلى مكان مولده مدينة بيزا. بيزانو كان رجلا مؤمنا مخلصا للمسيحية. لذلك نتوقع أن تكون كل موضوعاته مشاهد دينية تصور حياة السيد المسيح.

المنبر مدعم بأعمدة كورنيثية، بعضها محمول بتماثيل أسود، تمثل يقظة الكهنة. النسر، فوق منضدة القراءة، يمثل سمو وعلو الهمة. يوجد أيضا 5 نقوش بارزة إلى جانب المنبر. أحدها، والأكثر إعجابا، يمثل زيارة الملوك الثلاثة الذين قاموا بتتبع النجم وزيارة المسيح الطفل فور ولادته.
http://www.etsy.com/listing/95050231/the-adoration-of-the-kings-baptistery-of


هذا النقش، يبين الأم، السيدة العذراء، والمسيح الطفل وهو يجلس في حجرها. الطفل يميل إلى الأمام نحو الملوك الثلاثة وهم يقتربون، يباركهم بإشارة من يده، ويتقبل منهم الهدايا التي أحضروها معهم.

في الخلف إلى اليمين، يظهر القديس يوسف، وملاك الرب. إلى اليسار توجد أحصنة ثلاثة، ربما لتؤكد أن المسيح ولد في إسطبل، أو أنها تخص الملوك الثلاثة، جاءت هي الأخرى لكي تنظر إلى المسيح.

كرم الفنان بيزانو التكريم اللائق به، كمهندس معماري ونحات. كان يطلب إلى المدن المختلفة في إيطاليا، لكي يزين وينقش بالبارز المنابر والكنائس وغيرها، لكن نقوش منبر معمودية بيزا، سوف تظل تحفته الخالدة.

أكثر المدن الإيطالية سحرا هي مدينة البندقية. في العصور الوسطى، كانت تسمى "مدينة الزهور". هي المهد لعصر النهضة، ومركز الفنون الراقية في العالم.

الأسطورة تقول أن مدينة البندقية نبتت من حقل للزهور. لذلك، سميت مدينة الزهور. يعشق سكانها الزهور. الزهور في كل مكان بإسراف. أوراق الزيتون الخضراء الفضية، تضيف بهجة وبهاء للبساتين.

الزهور توجد في لوحات الرسم وشغل الفسيفساء. توجد أيضا مرتبة بعناية ومثبتة كجزء من البوابات البرونزية. سوف نزور ثلاث معالم رائعة في المدينة:

أولها، أحد قصور عائلة الميديشي التي حكمت مدينة البندقية في العصور الوسطى. القصر يشبه من بعيد، الأبراج الحربية. يذكرنا بكفاح أهل البندقية ومعاركهم الحربية.

داخل القصر، أو البرج، يوجد ناقوس قديم يسمى "البقرة". صوته الأجش، يأمر الناس بالخروج للقتال.

هنا برج آخر أقرب لكاتيدرائية البندقية، مبني من الرخام. في متانة القلاع، لكنه من الناحية الفنية، في رقة النسيم. هذا هو برج الأجراس الذي صممه وبناه الرسام "جيوتو".
http://en.wikipedia.org/wiki/File:CampanileGiotto-01.jpg

عندما بنيت كاتيدرائية البندقية، قرر جيوتو بناء برج أجراس جديد لدعوة الناس للصلاة، بدلا من الجرس القديم المعروف ب "البقرة". جيوتو، 58 سنة، يعمل رساما طول عمره. لكن، من اللافت للنظر، أنه استطاع بسهولة ويسر التحول من الرسم إلى شغل العمارة والنحت.

بعد بناء البرج الرائع من الرخام الملون، قام جيوتو بمساعدة تلاميذه في نحت التماثيل الرائعة في كل أركانه. أهل البندقية فخورون جدا ببرج جيوتو، وكان لديهم مثل يقول:"أجمل من كامبانيل"، وتعني: أجمل من برج الأجراس.

كارلوس الخامس، ملك إسبانيا وامبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة، قال عندما رأى البرج أول مرة: "يجب أن يحفظ في صندوق من الزجاج، ولا يرى إلا في الأعياد".

بالقرب من برج جيوتو، تقف معمودية ثمانية الشكل. في القرن الخامس عشر، أصاب مدينة البندقية وباء طاعون مريع شديد الوطأة. بعد انقشاع الوباء والبلاء، قام أهل البندقية بشكر السماء، وقرروا إهداء المعمودية، مجموعتين من الأبواب البرنزية.

استدعي الفنانون والصناع من كل أنحاء إيطاليا للتنافس في الحصول على شرف تصنيع هذه البوابات المقدسة.

"لورينزو غيبيرتي"، شاب يافع كان يعمل حدادا في مدينة البندقية. كان يتجول بين مدن أخرى لتصنيع تماثيل من البرنز. بلغ غيبيرتي، وهو في غربته، خبر المسابقة. قام أحد معارفه، بالاشتراك فيها نيابة عنه. ثم طلب منه العودة بأسرع ما يمكن.

عاد غيبرتي إلى البندقية. أسرع بتقديم رسومه الأولية للمشروع مع منافسين آخرين. قبلت رسوم غيبرتي، ثم بدأ في تصنيع البوابات. أتم صناعتها في 50 سنة تقريبا.

أول بوابتين مشغولتان بالنقوش البارزة على الطراز النصف عميق المسمى (bas-reliefs). تمثل مشاهد من الإنجيل، العهد الجديد. ثاني بوابتين مشغولتان بمشاهد من العهد القديم وهما الأجمل. قال الفنان مايكل أنجلو أن هذه البوابات جميلة تستحق أن تكون بوابات للجنة.
http://www.bbc.co.uk/arabic/multimedia/2012/08/120822_florence_museum.shtml

الأشكال على البوابات تمثل حفر غائر وحفر نصف غائر وحفر ضحل. وكان غيوبيتي موفقا وهو يجمع بين أنواع الحفر الثلاثة بطريقة بارعة. المناظر مدهشة تبدو كأنها رسم بالزيت.

البوابات بها 10 لوحات. تحكي قصة خلق آدم وحواء، حكاية قابيل وهابيل، النبي ابراهيم واسحق، يعقوب وأخوه عيسو، يوسف وأخواته، موسى وجبل سيناء، يوشع بن نون وأريحا، داود وجالوت، سليمان وملكة سبأ. البراويز مزينة بالتماثيل الصغيرة وأشكال الفاكهة والحيوانات.

عاش غيبيرتي حتى بلغ سن السيخوخة. ترك بعد موته ثروة طائلة وأحفادا تحمل اسمه. لكن لولا هذه البوابات الأسطورية، التي تستحق أن تكون بوابات للجنة، لما تحدثنا عنه الآن.

بين الناقوس القديم البقرة و برج جيوتو، توجد القبة العظيمة. توجد قباب كثيرة في كل أنحاء العالم، لكن هذه هي الأكبر والأجمل. تسمى قبة "برونيليسكي".
http://www.youtube.com/watch?v=mzDnJi-JeNI

برونيليسكي وهو صبي، كان صغير البنية عادي الملامح، لكنه كان كثير الكلام محبا للفن. عمل كحداد، وكانت أسعد أوقاته، عندما كان يصب تماثيل الأشكال الصغيرة البرنزية. من هذه المهنة، بدأ في رسم تصميمات معمارية للمباني.

بدأ بناء كاتيدرائية البندقية العظيمة منذ سنوات عديدة. بعد أن قام المهندس المكلف ببنائها بتجليد جوانبها بألواح الرخام المصقول الفاخر، وبعد أن قام بتصميم قبتها، توفاه الله.

ظل البناء بدون سقف سنوات عديدة. تساءل الناس عمن يستطيع أن يصمم قبة كبيرة تغطي هذه الكاتيدرائية العظيمة. كان برونيليسكي كلما يمر بالكاتيدرائية الغير مكتملة البناء، يفكر في كيفية إتمامها بالرغم من حجمها المهول. في يوم من الأيام جاءته الفكرة، واعتقد أنه يستطيع اتمام هذا العمل.

ذهب إلى مدينة روما وأخذ معه صديقه الوفي، دوناتيلو. وأخذ يتأمل لمدة ساعات في مبنى الباثيون. كان يفكر في كيفية بناء قبة أكبر وأعلى وأجل من قبة البانثيون.

بعد ذلك، أخذ برونيليسكي يبحث بين خرائب روما، عن شئ يمكن أن يساعده في هذا العمل الجبار. لأن روما كانت تهاجم بالبرابرة والكثير من كنوزها، كان قد دفن تحت الأنقاض.

سكان روما ظنوا أن برونيليسكي مجرد باحث عن كنز. أطلقوا عليه "صائد الكنوز". لكن الكنز الذي كان يبحث عنه، كان مجرد فكرة. ظل الحال هكذا لمدة عدة سنوات. أخيرا، قرر المسئولون عن الكاتيدرائية أنه جاء وقت إتمامها على الفور.

في عام 1420م، ظهر إعلان عام عن جائزة لأحسن تصميم لاستكمال الكاتيدرائية. جاء المتنافسون بتصميماتهم. بعضها كان مجرد كلام فارغ. أحدها كان يقترح إقامة عمود مركزي لكي يدعم القبة. لكن تصميم برونيليسكي، صائد الكنوز" كان هو الفائز.

اختار برونيليسكي طاقم عمله، وبدا في البناء. قلبه مع مشروعه لا يفكر في شئ آخر. يوما بعد يوم، والقبة ترتفع شيئا فشيئا نحو عنان السماء. يشاهدها سكان البندقية بكل فخر وإعزاز. لأنه لا شئ مثلها، قد بناه الإنسان من قبل.

بلغت القبة من الكمال الدرجة التي ظن البعض أنها تشبه قبة السماء الزرقاء. توفى برونيليسكي قبل الإنتهاء من بناء الكاتيدرائية. لكن قبته الرائعة ظلت على الدوام تاج النصر لمدينة البندقية الجميلة. اليوم، ينتصب تمثاله الحجري بجوار الكاتيدرائية. يمثله وهو جالسا فاردا في حجره الرسم الهندسي، ناظرا إلى عمله العظيم.

القرن الخامس عشر، هو بداية العصر الذهبي لفن النحت الإيطالي. في هذا القرن، صنع غيبيرتي بوابات المعمودية، وظهر فيه نحاتون مرموقون، مثل "لوكا ديلا روبيا".

بدأ لوكا ديلا روبيا حياته كحداد. لكنه كان شغوفا بعمل تماثيل من الصلصال. كانت مشكلته الوحيده، هي أنه لا يعرف كيف يلصق أجزاء تمثاله مع بعضها. لكنه حل هذه المشكلة بطريقة مبتكرة.

كان يعمل ليلا ونهارا بهمة لا تعرف الكلل، بالرغم من أن أطرافه كادت تتجمد في بعض الأوقات. أخيرا نجح في انتاج نوعا من الصمغ يجعل الصلصال متماسكا. أصبح هذا الصمغ معروفا باسم "سلعة روبيا" أو "الطين النضيج".

كانت تماثيل لوكا بطريقة الحفر البارز. لونها أبيض ناصع مع خلفية زرقاء. تماثيل الأطفال ساحرة. يبينهم وهم في حالة مرحة ويظهر جمالهم وبراءتهم، كما تظهر في لوحات الرسم بالزيت.
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/b/b6/Cantoria_Della_Robbia_OPA_Florence_6.jpg

تعبيرات وجوه الأطفال طبيعية، انفعالاتهم مليئة بالحيوية كأنهم أطفال حقيقيون. يبدون وهم يرقصون أو يغنون أو يلعبون أو يعزفون على آلات موسيقية. مثل هذه الأطفال، لم توجد من قبل في أي عمل فني من هذا النوع. لذلك كان فن لوكا مجديا جدا من الناحية المالية.

كان يساعده في مكان عمله، إخوته وأولاده. وكان يصنع مئات من "سلع روبيا" ويرسلها لكل أنحاء أوروبا، التي كانت تستخدم بكثرة في أعمال الديكور.

كانت سرعة إنتاجه لسلعته لا تكفي لتلبية الطلبات. لم يبح بسر صنعته لأحد. وكان يبغي أن يدفن هذا السر مع وفاة آخر أفراد عائلته. الأعمال المصنعة من "سلعة روبيا" نادرة لا تقدر بثمن.

نحات آخر ساهم في العصر الذهبي، هو "دوناتيلو". هو أيضا قام بعمل تماثيل للأطفال. لكنه لم يكن يصنعها بصلصال "سلعة روبيا". لأنها كما نعلم غير معروفا سر صنعتها. أنما كان شغله بالنحت في الرخام، أو بالبرونز المصبوب. البرنز لمن لا يعرف، هو نحاس مخلوط بالقصدير.

دوناتيلو كان يعمل مع برونيليسكي وهم أطفال في مدينة البندقية. وكانا صديقين حميمين. عندما نحت دوناتيلو أول تمثال خشبي للمسيح والصليب، كان فخورا بنفسه. عرض التمثال على برونيليسكي طالبا رأيه.

برونيليسكي، المعروف بصراحته، أخبره أن التمثال يشبه عامل أجرة ولا يشبه المسيح على الصليب. رد دوناتيلو بغضب: "إذا كان الأمر بهذه البساطة، كما تعتقد، خذ قطعة من الخشب وأرني شطارتك".

على الفور، قبل برونيليسكي التحدي وبدأ العمل. بعد عدة شهور، أتم عمل تمثال من الخشب للمسيح فوق الصليب. وضعه بحيث يراه دوناتيلو في منزله. ثم قام بدعوته للغذاء. قبل الذهاب للمنزل، ذهب الصديقان للسوق لشراء بيض وعيش وفاكهة لزوم العزومة المتواضعة، وعادا إلى المنزل يحمل دوناتيلو الأكل.

دخل دوناتيلو المنزل أولا، عندما رأى التمثال الخشبي، دهش من جمال التمثال، وهو في غمرة انبهاره، رفع يديه إلى أعلى من شدة الإعجاب، تاركا ما يحمله من غذاء وبيض ليسقط على الأرض.

تبعه برونيليسكي قائلا:"تعرف يا دوناتيلو، لقد أفسدت علينا غذاءنا". أجاب دوناتيلو: "لقد تناولت الكفاية من الطعام". منذ ذلك اللحظة، علم دوناتيلو بتفوق برونيليسكي. لكن دوناتيلو كان مقتنعا بفنه، وله الحق في ذلك. كان على علم بالمنظور (perspective) وتطبيقاته أفضل من غيره من النحاتين.

تماثيله صادقة تنبض بالحياة. يقال أنه كان معجبا بأحد تماثيله والتعبير الذي يمثله، اسمه "دافيد" أو "زوكون"، إلى درجة أنه كان يضربه لكي ينطق بالكلام.

طلب أحد تجار جنوة من دوناتيلو عمل تمثال له. بعد الانتهاء من عمل التمثال، وضعه دوناتيلو في البلكونة لكي يراه المارة لحين تسليمه لصاحبه. أعجب التاجر بتمثاله لكنه لم يوافق على الأجر المطلوب.

قال دوناتيلو: "أنا أعرف كيف أحطم نتيجة سنوات دراسة عديدة في لمح البصر". ثم قام بإلقاء التمثال من البلكونة لكي يتفتت مئة قطعة.

ندم التاجر، وعاد يرجو دوناتيلو أن يعيد صنع التمثال، مع استعداده لدفع ضعف الأجر المطلوب. لكن لا شئ استطاع أن يثني دوناتيلو عن عزمه ورفض التعامل مع هذا التاجر.

لم يكن يلهث وراء الثراء. كان يحفظ النقود في سلة يعلقها على عمود حديد في منزله. وعندما كان أصدقاؤه أو عماله يحتاجون إلى نقود، كانوا يذهبون بأنفسهم إلى السلة وأخذ ما يحتاجون إليه.

عمل دوناتيلو تمثالا للقديس، راعي الفروسية، مار جرجس. التمثال يمثله وهو في كامل حلته الحربية حاملا درعه. لكي يزين به كنيسة فلورينتين من الخارج.

يقف التمثال بقدمين ثابتتين كأنه لا توجد قوة تستطيع أن تزحزحه من مكانه. كان مايكل أنجلو مندهشا من قدرة التمثال على التعبير الحي، لدرجة أنه أمر يوما تمثال مار جرجس بالسير.
http://arthistorygalore.files.wordpress.com/2011/04/donatellos-st-george.jpg

وللحديث بقية، فإلى اللقاء.
[email protected]



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن في بداية المسيحية
- كنوز الفن الروماني القديم
- الفن الإغريقي القديم – الرسم
- الفن الإغريقي القديم – النحت
- الفن المصري القديم
- حفريات سبقت كتبنا المقدسة
- الطريق إلى المدرسة رايح جي
- حوار مع المجلة العلمية أهرام
- قصة خلق الكون
- هل التطور يتعارض مع الإنتروبيا؟
- كيف كانت بلادنا حلوة؟
- قضاة في شكاير
- حكم الجماعات الدينية والمليشيات
- لقد قبل الإخوان الحكم وبلعوا الطعم
- دولة دينية أم حرب أهلية
- السلطة مفسدة
- كيف كانت القاهرة وكيف أصبحت
- حقيقة الأديان
- دولة دينية أم دولة مدنية
- لماذا أشعر بالقلق من حكم الإخوان؟


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الفن الإيطالي 1