أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - شيطان في الجنة هنري ميللر















المزيد.....

شيطان في الجنة هنري ميللر


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4027 - 2013 / 3 / 10 - 22:57
المحور: الادب والفن
    


شيطان في الجنة
هنري ميللر

رواية شيطان في الجنة لهنري ميللر تتحدث عن حالتين متناقضتين، الأولى تأخذ كل شئ دون أن تبذل أدنى جهد، ولا تفعل سوى فعل – القول – وتطالب بتقديم المزيد دائما، فشخصية تيريكان تمثل الإنسان الذي يتلذذ بالأخذ من الآخرين، ويطالب بأمور وخدمات وتهيئة ظروف حياته، دون خجل أو إحراج كما لو انه صاحب ميراث موجود عند ميللر، فهو لا يكتفي بالسكن في غرفة ضمن منزل عائلة ميللر كان قد أخلاها له، بل يطالب بإحضار أوراق خاصة –ثمينة – للكتابة عليها، وبتقديم طعام وشراب خاص وكأنه – تيريكان –صاحب حق عند ميللر، وبعد أن يترسخ عند ميللر أن تيريكان اخذ يشكل عبء اجتماعي واقتصادي ونفسي عليه وعلى أسرته يقرر إرساله إلى احد الفنادق، وهناك يتمادى تيريكان في مطالبه أكثر، حيث يبدأ في استخدام سيارة خاصة في تنقلاته، علما أن ميللر نفسه يستخدم وسائل التنقلات العمومية، وهكذا يزداد الضغط الاقتصادي والنفسي على ميللر، ويبدأ في التفكير بإعادة هذا العبء إلى موطنه فرنسا وهنا يطالب تيريكان بمبلغ مالي كبير نسبيا حتى لا يقال عنه ذهب فقيرا وعاد فقيرا.
إذن يمثل تيريكان حالة مضطردة في الأخذ من الآخرين دون أن تكلف نفسها أدنى جهد للعمل أو الحد من النفقات التي تثقل كاهل ميللر ماليا ونفسيا وعائليا .
والحالة الثانية التي تتحدث عنها الرواية هي شخصية ميللر والمعطاء، والذي لا يتوانى عن تقديم كافة أشكال المساعدة حتى بعد أن تأكد له بأنه يستغل طيبه وكرمه، من هنا جاء اسم الرواية ليتماثل مع حالة الشيطان تيريكان الذي يعيش في جنة ميللر، وعلى ماله وعلى حساب عائليه وما يشكل ذلك من خلق بعض الإشكالات العائلية بسبب وجود هذا الضيف ثقيل الظل .
ضمن هذه الأحداث يضعنا ميللر أمام مقولات تتمحور حول الحث على العمل وعدم الاعتماد على الآخرين، ومقولات الحكمة التي تشكلت عنده من خلال مدرسة الحياة، وهنا تكمن أهمية الرواية، فرغم حيوية الفكرة التي تطرحها، إلا أن تضمنها مقولات الحث على العمل والحكمة جعل منها رواية متميزة، ويستطيع أي كان أن يستفيد من مقولاتها التي تمثل زبدة التجربة التي عاشها ميللر .
"انه أمر مرعب حقا أن تتهاوي في زمن يتصاعد فيه أصدقاؤك" ص47، يتبين لنا من هذه الفقرة حجم التأثير الذي تتركه حركة التقدم عند الآخرين وحالة التراجع لنا، وما يشكل ذلك من وضع نفسي سيء ومحبط، فالحركة العكسية بين الصعود والهبوط، تمثل التباعد وعدم التلاقي بشكل مطلق بينهما، ومن ثم بين الشخصية الصاعدة والهابطة، ففي الفقرة السابقة التي تشكل حكمة ودافع للعمل لكي لا تزداد الهوة بين الحالين، كما تشكل دافع نفسي للعمل وحث النفس على عدم الاستسلام لهذا الوضع .
"العقل يخلق لنا المنغصات وليس الذكاء، لأننا لا نملك من الأخير ما يكفي أبدا، لقد اكتفيت من سماع المختصين من لا يملكون سوى وتر واحد في كلماتهم" ص 50 "إن المعرفة ثقيلة والحكمة تحزب، الدماغ ليس هو الفكر، هو الطاغية يريد السيطرة على الفكر" ص53، هذا الإحباط والكفر الذي جاء على لسان تيريكان يمثل الفلسفة الانهزامية التي تتحكم بهؤلاء البائسين والتي لا تجد حتى في أهم خاصية إنسانية – العقل – والتفكير – إلا عبء وهم، وليس ميزة فريدة تحسب لنا وليس علينا، وهنا تكمن حالة الاغتراب السلبي عند الفرد غير القادر على الفعل والتكيف مع الظروف الحياة .
ويضيف تيريكان فكرته عن عبث الحياة فيقول
"- الحياة صراع أزلي لا يبقي لنا سوى الهموم والعذابات، العذابات التي تعطينا قوة وفضائل .
- لماذا ؟ لأي هدف ؟
- لكي نحتمل عبء الحياة بشكل أفضل" ص 51، ذروة العبث واليأس تكمن في هذه العبارة، فعدم وجود بصيص أمل الحياة وجعل شخصية تيريكان تستخلص مثل هذا القول، فهو يمثل حالة الانسجام بين الشخص المحبط القانط وبين ما يقول، ويتضح من قول تيريكان أن هدف من الحياة فقط العذاب وتحمل المزيد منه، فهو يحمل هنا فكرة العهد القديم بتحمل ادم وذريته الخطيئة التي ارتكبها، فقد أخرج ادم من الجنة ليعمل بيده ويأكل بعرق جبينه، فرغم أن تيريكان لا يعمل أبدا ويعتمد بشكل مطلق على مساعدة الآخرين له، إلا انه يطرح هذه الفكرة عن العذاب ليوحي لميللر أنه يحمل شيء من الإيمان بقدر الإنسان ـ الشقاء ـ
رد على هذا الإحباط واليأس من الحياة، يرد ميللر بمقولات وجمل تنقض ما قاله ويصف الحياة بالجمال إذا أحسنا التعامل معها والتكيف مع ظروفها .

"إن الفرق بين الإنسان آدم والإنسان الراهن هو أن الأول كان قد قدر عليه أن يكون في الجنة بينما على الثاني أن يخلقها،" ص53، ردا على مفهوم الدين عند تيريكان، بشقاوة الحياة جاءت كلمات ميللر تحث على العمل وبجهد لكي يستطيع الإنسان أن يكون سعيدا، فبدون العمل المنتج والفاعل وبذل الجهد الخلاق لا يمكن أن يعيش الإنسان في رغد من الحياة، فالسعادة تكمن في العمل الذي يبذل لتحقيقها وبدون العمل ستفقد السعادة بهجتها.
ويضيف ميللر محللا حالة تيريكان لكي يساعد على إخراجه من حالة البؤس إلى حالة العمل ثم الصفاء فيقول "تستطيع أن تشفي نفسك بنفسك، إذا آمنت بنفسك بما فيه الكفاية" ص86، فبداية التغير للأفضل تبدأ من النفس، تبدأ بالإيمان بأننا نملك قدرات تستطيع أن تخرجنا من حالة الإحباط والقنوط إلى حالة الأمل والإيمان، الذي يخلق الأمل في النفس ثم يأتي دور العمل الذي يتغذى بالطاقة التي يضخها الإيمان.
ويضيف ميللر محللا نفسية تيريكان "إذا كانت الأمور لا تجري في داخلك بشكل حسن فأنت تفكر بشكل خاطئ، هل تفهم هذا؟"ص83، تأكيدا لمقولته، يريد من تيريكان ومن هم على شاكلته أن يعوا أن الإيجابية والسلبية في الحياة تعتمد على النفس، فإذا كانت النفس تفكر إيجابيا سيغدو العمل الخلاق والمبدع وسيلة ألتغير للأفضل، وإذا كانت فكرة النفس سلبية سنكون نحن سلبين كذالك، فالنفس هنا إما أن نجعلها جزء من الحل وإما جزء من المشكلة، ونحن من يختار أي الموقفين نكون.
وبعد هذا التحليل لشخصية تيريكان وعدم تفاعلها الايجابي مع ظروف الحياة يبدأ ميللر بتقمص حالة تيريكان البائسة، ويفكر بما يجب أن يتخذه من خطوات للخروج من حالته " كان ينبغي عليه بعد توبيخ ما ذلك القبيل أن يقول" أنا راحل، راحل غدا، وهذه المرة لن أخذ حتى فرشاة أسناني، سأتدبر أمري لوحدي مهما حدث، الثمن الذي علي أن ادفعه على كل حال هو أن أكون مبعدا، أفضل أن أشخن إلى الجحيم من أن أكون عبئا عليك، سأستطيع هناك أن احك جلدي بسلام على الأقل"ص84، تفكير الإنسان الحر الفاعل يتناقض تمام مع تفكير الإنسان البائس المحبط، فميللر يمتلك من الحرية والفاعلية ما يجعله يتخذ الموقف السليم، فعندما يقول" أفضل اشحن إلى الجحيم" فانه يشكل حالة الرفض لان يكون عبئا على أي كان، ويريد أن يكون فاعلا ايجابيا في الحياة وليس سلبيا، أما الإنسان الآخر فانه يفضل أن يبقى تحت الصدقات والمساعدات والإحسان، على أن يقدم قيد أنملة في اتخاذ أي خطوة تخرجه من حالته البائسة، ويستكفي بما يحصل عليه من مساعدات ومعونات، فمثل شخصية تيريكان أمست تتلذذ وتسعد بالأخذ من الآخرين، ولا تجد طريقا آخر للكسب.
قبل الانتهاء من رواية "شيطان في الجنة" نذكر بان هناك إشارة عابرة في الرواية عن عملية هجرة اليهود إلى فلسطين، كأحد نتائج الحرب العالمية الثانية "إنها الحرب والآلام في كل مكان، هنا ثمة حفرة صنعتها قنبلة، مملؤة بالسيقان والأذرع....ثمة حيوانات أيضا تخب بعيون متلألئة من الحزن، اللحم عار، حيوانات دون أمعاء حيث تمشي ألاف الحيوانات الأخرى فوقهن وورائهن، ملايين أخريات،أخريات ممسوخة، معذبة، ممزقة، مضروبة، متقيئة، تركض مثل المجانين، تركض أمام الأموات، تركض نحو نهر الأردن" ص72، فالكاتب هنا ليس معني بفكرة الصراع القومي بين البشر بقدر اهتمامه بالأممية.
كما توجد مقولة تبين أهمية وجود المكتبات للكائن البشري والتي تشكل له منفذا وملاذا من ضغط الحياة، فيقول على لسان تيريكان " لو كانت توجد مكتبة فقط يمكنني ارتيادها"ص79، فهنا تكون المكتبة إحدى الوسائل المهمة في حياة الإنسان لما تشكله من ملاذ في حالة الشدة وضغط الحياة

رائد الحواري



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بسام عويضة والربيع العربي
- رحى الحرب قسطنطين سيونوف
- الاحياء والاموات
- قصة الرعب والجرأة
- الانسان اللآلي
- الخندق الغميق سهيل إدريس
- قلادة فينسي
- ام سعد
- صورة (صورة الروائي) مرآة الضحية والجلاد
- لغة الماء عفاف خلف
- لعبة المتناقضات في رواية - إنهم يأتون من الخلف
- وادي الصفصافة
- لغة الماء غفاف ىخلف
- من اجل غدا افضل
- رواية الاشباح
- جدارية درويش والنص الاسطوري
- رسائل لم تصل بعد
- أتذكر السياب
- رواية الخواص
- أدب القذارة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - شيطان في الجنة هنري ميللر