أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماهر علي دسوقي - وفاء طير!!














المزيد.....

وفاء طير!!


ماهر علي دسوقي

الحوار المتمدن-العدد: 4022 - 2013 / 3 / 5 - 13:35
المحور: المجتمع المدني
    


وفاء طير !



في صباح ندي دافىء تجمع الطير فيه على الأغصان القريبة من النافذة المطلة على الحقل .. طائر الدوري يحاول منافسة البلابل في التغريد والغناء .. فيفشل .. لكنه لا يصمت ، وبين كل مقطع ومقطع للبلابل يخرج من حنجرته الصغيرة صوتا لاعلان وجوده ..

قطع الخبز المتناثرة على الأرض "تفتح" شهية الطير من كل حدب وصوب قريب .. يحط الحمام على الأرض أولا فتتبعه بقية الطيور .. يتنافسون على التقاط ما قسم لهم ، ولا يرتفعوا ثانية الى اعالي الأغصان الا عند "شبع" او تهديد من قط عابث او صوت ضجيج قريب .

ام حسن جارة تقدم بها العمر قليلا ، اعتادت صباحا ان تلقي بقطع الخبز الصغيرة في الحقل المجاور ، وهي على هذا المنوال منذ عدة سنوات ، تقدم افطارها الشهي لكل ذي جناح ، ولا تبخل أيضا ببعض الطعام المتبقي على مائدتها الخشبية القديمة رغم أحوالها المعيشية الصعبة .

حاورتها يوما عن نشاطها المستمر هذا .. فقالت : اذا لم استطع التصدق لمحتاج من البشر ، فلعلي اتصدق بما اتمكن للطير وبعض الكائنات الاخرى .. سعادتي تكون بالغة حين "اراها" وقد اقتربت مني او من الفتات الملقى على الارض .. فهل تصدق ان قلت لك انني في بعض الاوقات أقتطع من قوت يومي لها ؟؟

ام حسن تعيش لوحدها منذ ان فارق زوجها الحياة قبل عشر سنوات .. وحدث وان كان لهما طفلا لم يعمر طويلا بعد ولادته "حسن" ..ولم تتمكن من الانجاب ثانية ، وبقيت وزوجها حتى قضى الله أمرا كان مفعولا .

هي حين تخرج صباحا تكون وقد تجهزت تماما ، بثوبها القديم المطرز وبشالها المايل للصفرة الباهتة قليلا ، وكانها تتجه للقاء الحبيب ، تحمل في يدها الصحن القيشاني المورد القديم والذي تحتفظ به كأمانة من والدتها .. وفي اليد الاخرى "طاسة" ماء قديمة تملاها باستمرار وتضعها في الخارج .. تأخذ بالقاء فتات الطعام بعد أن تضع الماء جانبا .. فياخذ الطير بالهبوط تدريجيا .. بعض طائر الدوري والحمام يحط على يدها والصحن .. طقسها اليومي هذا حبب الطير اليها ...

قبل ايام غابت "ام حسن" عن المشهد الصباحي .. فهبط الطير كعادته الى ذات المكان يتفحص .. وكانه يقول : لربما القت لنا افطارنا وغادرت قبل ان نراها .. ما تبقى من الامس غير كاف .. وبقي الطير في الجوار ، والعيون شاخصة باتجاه باب شقة ام حسن المتواضعة !!

ذات الامر تكرر في اليوم التالي ، وهكذا لعدة أيام .. ساورني القلق عليها .. فارسلت من يستشف الامر .. واذ هي طريحة الفراش لوعكة صحية عابرة .. زرتها وزوجتي مساء ذلك اليوم للاطمئنان عليها ، وكانت ما تزال بغير عافية ... وحدثتها عن مشاهداتي والطير .. تمنينا لها الصحة والشفاء .. ودون ان نثقل عليها غادرنا والابتسامة تعلو وجهها .

في صبيحة اليوم التالي كانت المفاجئة .. الدوري والحمام اصطف على جدار قريب وبعض البلابل على الاغصان امام منزلها ... والقطط "المشاكسة" كانت "تخروش" على الباب .. يا الهي ما هذا ..." لقد أثمر زرع ام حسن بالخير فانبت وفاء الطير " .. واكتملت المفاجئة بخروجها والتعب ظاهر عليها .. القطط تتحلق حولها والطير يحاول الاقتراب مرتفعا خوفا من القطط .. لاحظت هي ذلك فابعدتها قليلا وتقدمت ببطىء الى الجدار القريب واخذت بالقاء بعض الخبز المبتل .. وعلى جوع الطير لربما .. فانه ترك الافطار وتقدم منها بصورة "سريالية"، وحط البعض منه على راسها وعلى كتفها حط البعض الاخر .. "وكانهم" يتأكدون من سلامتها .. وقفت لدقائق والطير يتجمع من حولها وهي في غاية الفرح .. شعرت بان العافية قد دبت بها من جديد .. عادت الى الداخل وخرجت بالماء ..

وقفت مكاني مشلول الارادة تماما ، وقلت : كم قدمنا للبشر من عهد وسرنا معهم دروب الشقاء .. فما كان الا ان تنكروا وابتعدوا دون رد الجميل وهم في رخاء، وتساقطوا كأوراق الشجر في الخريف وتحولوا الى غبار وهباء ..

الا يامن عهدناكم يوما تتعلمون من الطير الوفاء !!



#ماهر_علي_دسوقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القبور أحيا منهم !!
- الفقر في النفس لا في المال تعرفه !!
- الصورة ذات الاطار الفضي
- ثكالى نزف الوطن !!
- ألا من زلزال يعيد لنا الرشد!!
- حجر .. وصفية وناقلات الجند!!
- سامر ... وان تَشَعًبَ الخطر !!
- بالأمعاء الخاوية .. تُحفر الحرية!
- ربيع ويافا
- عكاز وحجر
- ناب زرقاء .. وجباه سمراء
- يافطة وجائع
- في المقبرة .. أكواخ وقصور !
- -لوشيتا- والبسطة!
- عطر الزعتر
- أُرتِجَ الأمر .. فبان القهر !
- لا تَزْهَدَنَّ في معروف!!
- كلب ومواطن وحاوية!
- ثقل ربع قرن في كفي
- ناجي العلي تمرد على أبيس


المزيد.....




- بدء أعمال لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان بمقر الجامعة الع ...
- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: نشعر بالذعر من تقارير وجود ...
- اعتقالات جماعية في جامعات أمريكية بسبب مظاهرات مناهضة لحرب غ ...
- ثورات في الجامعات الأمريكية.. اعتقالات وإغلاقات وسط تصاعد ال ...
- بعد قانون ترحيل لاجئين إلى رواندا.. وزير داخلية بريطانيا يوج ...
- تقرير أممي مستقل: إسرائيل لم تقدم حتى الآن أي دليل على ارتبا ...
- الأمم المتحدة تدعو بريطانيا إلى مراجعة قرار ترحيل المهاجرين ...
- إغلاقات واعتقالات في الجامعات الأميركية بسبب الحرب على غزة
- مراجعات وتوصيات تقرير عمل الأونروا في غزة
- كاريس بشار لـCNN: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى ا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماهر علي دسوقي - وفاء طير!!