أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالوهاب حميد رشيد - مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة- الفصل الرابع















المزيد.....



مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة- الفصل الرابع


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 4015 - 2013 / 2 / 26 - 17:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة
الفصل الرابع
شروط التنمية ومتطلباتها في العراق
في هذا الفصل محاولة لمناقشة مجموعتين من المتطلبات لمواجهة المشكلات الاقتصادية والسياسية للعراق المنشود. وإذا كانت أهداف التنمية، بمعناها العام، متمثلة في تحقيق تقدم اقتصادي- اجتماعي شامل، مسألة ربما تكون محل اتفاق عام، إلا أن الطريق للتنمية تظل محل جدل واسع، خاصة في ظروف تراجع التنمية وتفاقم المشكلات الاقتصادية في البلاد، والتي خلقت ظروفاً مواتية لانطلاق دعوات تطبيق سياسة "الحرية الاقتصادية", علاوة على الدعوة لإلغاء الإصلاح الزراعي وإعادة الأراضي إلى ملاكيها السابقين، وكذلك الحال للمنشآت المؤممة سابقاً، ومنح الامتيازات للشركات الأجنبية.(1)
1- مفهوم التنمية ومتطلباتها
ليس من السهل إيجاد تعريف شامل جامع لمفهوم التنمية development. لكنها بصفة عامة تعني عملية مجتمعية مقصودة بغية تحسين ظروف الحياة وتعميق تكافؤ الفرص في المجتمع. وهي تنمية مستقلة عندما تعتمد على النفس، أي تعبئة الإمكانات البشرية والمادية المتاحة بغية تقليص الاستِغلال وتعظيم الإشباع.(2)
والتنمية تختلف عن النمو growth في كونها تتطلب تغيير البنية المؤسسية وإعادة بناء هيكل الإنتاج الوطني على نحو متداخل وتقليص التبعية وتحسين مستمر للإنتاج والإنتاجية في إطار مبدأ المشاركة. بينما يمكن أن يتحقق النمو في ظروف تدني الإنتاجية واستمرار الانشطار الاقتصادي والتبعية وسوء التوزيع وغياب المشاركة.(3)
والتنمية تختلف عن التطور في كون الأخير يفتقد عنصر الإرادة وبالذات فيما يخص الجانب الاقتصادي.(4) ولغوياً تُطلق لفظة التطور على التغير التدريجي الذي يحدث في بنية الكائنات الحية وسلوكها، وفي تركيب المجتمع والمعاملات والنظم والقيم السائدة فيه.(5) وهو بهذا المعنى دالّة للزمن وأقرب إلى لفظة evolution.
وتتداخل التنمية مع مفهوم التقدم progress، إذ أن إنجاز أهداف التنمية في الأمد البعيد ينصب على تحقيق التقدم. ذلك أن مفهوم التقدم الاجتماعي يعني حركة متصاعدة لبلوغ مراحل أعلى من التنمية. فمع الوصول إلى إنجازات التنمية في كل مرحلة من مراحلها يتحقق كذلك قدر من الرفاهية- التقدم يماثل تلك الأهداف. وبهذا المعنى يتضمن التقدم بلوغ كافة أهداف التنمية.(6)
التخلف، هو الوجه الآخر للتبعية والاستِغلال، يعني التأخر الزمني أو التأخر عن ركب الحضارة. وهو ظاهرة تاريخية تشكل حصيلة صراعات وعلاقات بين دول رأسمالية متقدمة في المركز وبين دول في التخوم، عبَّرت هياكلها الإنتاجية الراكدة عن اختلاف أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومرحلة تنميتها.(7)
وتبرز التبعية في انشطار الاقتصاد الوطني إلى شطرين: "حديث"- قطاع أولي مثل النفط- مرتبط بالأسواق العالمية.. و "تقليدي" راكد مثل الزراعة. وهذا القطاع الأولي الحديث يُجسِّد غياب التوازن الاقتصادي والاجتماعي بمساهمته الضئيلة جداً في الاستخدام لقاء مساهمته العالية في تكوين الإيرادات المالية (العملات الأجنبية) التي تشكل المصدر الأساس للنشاط الاقتصادي وتكوين الدخل القومي.
وبالإضافة إلى أنه رمز قوي للتخلف وقناة ضخمة لتهريب القيمة المضافة عن طريق التجارة الخارجية، يُعتبر القطاع الأولي كذلك جسراً تقليدياً لاستمرار وتجدد وتوسع التبعية. وذلك في ضوء تزايد ارتباطه العضوي بالأسواق العالمية وتعاظم اعتماد الاقتصاد الوطني على هذا القطاع مما يعني المزيد من الانفتاح على التجارة الخارجية.
وترتبط آليات التبعية بالسوق الرأسمالي العالمي، وتفرز أشكالاً جديدة متكاملة من التبعية، مثل: التبعية الصناعية- التكنولوجية، التبعية الغذائية، التبعية المالية، التبعية الثقافية، التبعية الأمنية- العسكرية، التبعية الاستهلاكية.. أما آليات التبعية فهي عديدة منها: التجارة الخارجية، الشركات المتعددة الجنسية، الأجهزة الإعلامية والثقافية الغربية، المؤسسات المالية الدولية، المساعدات الخارجية.(8)
التبعية الغذائية باعتبارها واحدة من أخطر أنواع التبعية، جاءت ثمرة التوجه الخارجي للتنمية في دول العالم الثالث من جهة، وسياسات الدول الرأسمالية المتقدمة من جهة أُخرى. فخلال الفترة منذ الثلاثينات لغاية الستينات من القرن الماضي اتجهت سياسيات الدول الرأسمالية المتقدمة فيما يخص الزراعة وبالذات الحبوب الغذائية، نحو الإنتاج الكبير وإغراق السوق الدولية، لإحكام سيطرتها على تجارة وأسعار الغذاء العالمية. وطبقت سياسة دعم الأسعار محلياً والبيع بِأسعار متدنية خارجياً، وتقديم المساعدات والمنح الغذائية (مساعدات الحبوب الغذائية بموجب قانون فائض الحاصلات الأمريكي). وفي مرحلة تالية منذ بداية السبعينات لنفس الفترة انقلبت هذه السياسة إلى تدمير أجزاء من المخزون ودفع الملايين من الدولارات للمزارعين لترك الأرض بوراً، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا عامي 1969و 1971 بغية رفع أسعارها العالمية وخلق سلاح آخر يُضاف إلى بقية أسلحتها لممارسة المزيد من الضغوط الخارجية على مواقف تلك الدول.(9)
وفي محاولة بناء الصناعة التحويلية، سواء وفق سياسة إحلال الواردات أو من أجل التصدير للخارج، تطلبت هذه الصناعة مواصفات تكنولوجية حديثة محتكرة عادة من قبل الشركات المتعددة الجنسية. وللحصول على هذه التقنية التكنولوجية الحديثة- سواء في شكل بيع حقوق الاختراع أو بيع حزم تكنولوجية متكاملة- احتاجت دفع نوعين من الأثمان الاحتكارية: شراء هذه التقنية.. والحصول على الخدمات الاستشارية والتسويقية والإدارية وخدمات الصيانة والأدوات الاحتياطية. اقترنت هذه الظاهرة بخلق آثار تبعية في مجالات عديدة: منها فسح المجال لهذه الشركات ممارسة نشاطها في البلاد والحصول على فوائض متزايدة وتهريبها للخارج.. إهمال التكنولوجيا المحلية في ظروف الهرولة وراء أنماط استهلاكية ترفية تتطلب تكنولوجيا عالية، وخلق تبعية تكنولوجية في غياب الصناعات المنتجة لأِدوات الإنتاج.. زرع صناعات غريبة في جسم الاقتصاد الوطني في غياب روابطها العضوية ببقية القطاعات الاقتصادية مؤدية إلى خلق تبعية صناعية.. استمرار تصاعد عجز الصناعة التحويلية كحصيلة لهذه التبعية.
ومع انفتاح الاقتصاد الوطني على الشركات المتعددة الجنسية، ورغم قدراتها الهائلة، وتمتعها بحماية خارجية- اقتصادية وسياسية وعسكرية- فهي تعمل كذلك على تنشئة فئات اجتماعية ترتبط بها وتتوافق مصالحها معها، وبما يؤدي إلى بناء قوة اقتصادية وسياسية مؤثرة لصالح التوجه الخارجي.
وتمارس هذه الشركات بالارتباط والتوافق مع أجهزة الإعلام الغربية دوراً فعالاً في: زعزعة وإزاحة القيم والعادات والتقاليد والثقافة الوطنية لصالح القيم والعادات الثقافية الاستهلاكية الغربية.. زعزعة وإزاحة المنتجات الوطنية لصالح الإعلان الواسع عن سلع الاستهلاك الأجنبية.. تحقيق سيطرة إعلامية لصالح القيم الحضارية الغربية.. خلق نظرة إعجاب وطنية لطريقة الحياة الغربية والتشجيع على تقليدها في ظروف عدم قدرة الاقتصاد الوطني على مجاراة متطلباتها.
تتحقق هذه الحصيلة من خلال آليات محددة مثل وكالات الأنباء العالمية، التي تبث أخباراً غير شاملة وغير محايدة، وفسح المجال أمام الإعلانات الواسعة للشركات المتعددة الجنسيات لصالح منتجاتها الاستهلاكية. وكذلك البرامج التلفزيونية المستوردة من أسواق الدول الرأسمالية المتقدمة. وهي تقود، بالنتيجة، إلى خلق تبعية إعلامية والخضوع للإمبريالية الثقافية.(10)
وتلعب المؤسسات المالية الدولية، متمثلة بصفة خاصة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي, دوراً جوهرياً في تعميق دمج الاقتصاد الوطني بالأسواق الرأسمالية المتقدمة، وذلك على مرحلتين: الأُولى ضمان تدفق رؤوس الأموال في شكل قروض، وتخصيصها في المجالات التي تدر أقصى عائد لرأس المال، والعمل على تدفق الفوائض المالية من البلد التابع إلى تلك الأسواق من خلال الأرباح والفوائد والتجارة الخارجية.(11) وبعد تضخم المديونية الخارجية للبلاد وعجزها عن السداد في ظل الشروط المجحفة والفوائد العالية, تأتي المرحلة الثانية لتعميق التبعية، متضمنة "يوم الحساب"، بمحاكمة اقتصاد البلاد وفرض مزيد من الشروط القاسية العاملة على توسيع الانفتاح والتبعية، كشروط لاستمرار التمويل والمساعدة وإعادة جدولة الديون، وبما يضمن نزيف الفائض الاقتصادي الوطني إلى الخارج في ظل استمرار التضخم واتساع جيش البؤساء.
أما المساعدات الخارجية فعادة ما تكون مستوياتها ذات دلالة هامشية، لأِن الدول الرأسمالية المتقدمة ليست لديها الرغبة لتقديم المساعدات المطلوبة. وهي ترتبط عادة بفرض المستشارين الأجانب في سياق قيودها السياسية والاقتصادية, مما يوهن من المبادرة الوطنية ويضعف الهوية الوطنية. وقد يؤدي توفر المساعدات الأجنبية إلى تفضيل الخيارات السهلة واستمرار الاعتماد على الدول الرأسمالية المتقدمة، كما حصل في مجال الزراعة والأمن الغذائي. من هنا قيل " إن العالم كان يمكن أن يكون أفضل من غير هذه المساعدة.(12)
يُضاف إلى ذلك أن المساعدات الخارجية هذه يمكن أن تنشأ في مجالات أُخرى مثل المساعدات التدريبية والبحوث المشتركة والتي تتم عادة في الدول المتقدمة ذاتها، وتقود، بالإضافة إلى اكتساب المهارات، كذلك إلى تبني نظرة تتفق ووجهة نظر تلك الدول بشأن مشكلات العالم الثالث. وتلعب هذه المساعدات في مجال الأمن دوراً خطيراً في تشكيل وجهة نظر هذه الأجهزة بما يخدم مصالح الدول الرأسمالية المتقدمة. وأخيراً، تقود المساعدات الخارجية العسكرية إلى استنزاف الكثير من الفائض الاقتصادي الوطني، بالإضافة شروطها السياسية. علاوة على أن هذه المساعدات، متمثلة في أحد أوجهها البارزة بالأسلحة الحديثة، التي لا تتعدى في أفضل الأحوال "أسلحة الجيل الثاني"،لن تكون ذات مغزى جدي لحماية التنمية بقدر ما تكون موجهة لخلق بؤَر الصراع الأقليمي وممارسة القمع الداخلي.(13)
باختصار، تقوم التنمية الليبرالية، وهي موجهة نحو الخارج، على ستراتيجيات وآليات طلب السوق.هذا يعني تهميش طلب الأغلبية الأقل دخلاً. وبنا أولويات الإنتاج لصالح الأقلية الغنية، وتوجيه الاستثمارات نحو هذه الأولوية لصالح المنتجات الحديثة أو الاستهلاكية الترفية. وهذا يتطلب بدوره الحصول على أحدث تقننيات التكنولوجيا ذات التكاليف الرأسمالية العالية, وإهمال التكنولوجيا المحلية لصالح التبعية التكنولوجية، وزرع صناعات غريبة لا ترتبط عضوياً ببقية القطاعات الوطنية، خاصة الزراعة. وهذه التبعية الصناعية تعني حرية التعامل مع الشركات المتعددة الجنسية والانفتاح الواسع على الثقافة الرأسمالية الاستهلاكية وزيادة سطوتها وسيادة مفاهيم الحضارة الاستهلاكية الغربية، وذلك في ظروف تسارع اللهاث وراء السلع الاستهلاكية، وتعاظم تحويل أجزاء هامة من الفائض الاقتصادي الوطني إلى الخارج.
هذه الحركة المتسارعة تعني المزيد من الحاجة إلى العملات الأجنبية، وزيادة الاعتماد على القطاع الأولي للحصول على أكبر قدر من العوائد المالية، بما يعنيه من إهدار لموارد الثروة الوطنية وتصدير المزيد من القيمة المضافة واستنزاف موارد البيئة المحلية. وكذلك محاولة استنفاد مجالات المساعدات الخارجية بِأشكالها المختلفة بقصد اللحاق بقاطرة الاستهلاك والتضخم، والوقوع المتزايد تحت عبء المديونية الخارجية والتبعية المالية. وكل ذلك باتجاه بناء صورة لمجتمع رأسمالي مشتت ومفتت، يقوم على تنمية النخبة، ويُعاني من اتساع فجوة الدخل والثروة، بما يعنيه من تمزيق لقطاعاته الاقتصادية وفئاته الاجتماعية إلى أشلاء متباعدة ومرتبطة نخبوياً بالأسواق والمجتمعات الرأسمالية المتقدمة. وهكذا تقود التنمية الليبرالية إلى المزيد من تطور التخلف.
الطريق الآخر للتنمية هو بناء التنمية حول الإنسان. وتقوم بدءاً على ستراتيجية تلبية الاحتياجات الأساسية للأغلبية (غذاء، سكن، صحة، تعليم، مواصلات..). وهي تنمية معتمدة على النفس وموجهة نحو الداخل، لكونها تستند إلى القوى البشرية وموارد الثروة الوطنية. وهي تنمية مستقلة وتنمية ريفية متكاملة لأِنها تُجسِّد تحسين إنتاجية القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية الأكثر فقراً في سياق تحقيق المقاربة في الإنتاجية وتعميق علاقات التشابك الاقتصادي والاجتماعي على طريق تعزيز الاستقلال الاقتصادي والسلام الاجتماعي وحرية القرار الوطني.(14)
وهذه التنمية تنطلق من استغلال قدراتها وإمكاناتها الداخلية في التعامل مع الخارج. بكلمات أُخرى، التعامل الخارجي وفق مستوى التطور الاقتصادي للبلاد. أي أن التنمية المستقلة ليست منغلقة على نفسها، بل تتعامل مع الخارج من منطلق إمكانيات الاقتصاد الوطني ومتطلباته باتجاه تحسين وتوسيع قدرة البلاد على التعامل الخارجي والاقتراب التدريجي من التعامل الدولي المتكافئ. وهذه الطريقة اتبعتها دول غربية عديدة مثل ألمانيا صاحبة نظرية حماية التجارة في بداية ثورتها الصناعية.
إن تلبية الاحتياجات الأساسية تقود إلى زيادة إنتاجية الأغلبية ومعالجة الفقر هيكلياً، ودعم مبدأ الاعتماد على النفس، وتعزيز الحوافز الوطنية لضمان مسيرة التنمية الشاملة، وتحقيق فرص أوسع للعمل، ومعالجة ظاهرة البطالة، وضبط حركة الأسعار والتضخم. أما السيطرة على موارد الثروة الوطنية وترشيد استغلالها فهي تُعبر عن إحدى قاعدتي مبدأ الاعتماد على النفس (تعبئة الناس والموارد والبيئة الطبيعية). أما القاعدة الإنتاجية فهي مصدر قوة البلاد في التعامل الخارجي، طالما تتحدد قوة هذه القاعدة بدرجة اتساعها وتنوعها وكفاءتها.(15)
كيف الخلاص من التخلف والتبعية؟ وما هي التنمية المطلوبة؟ وماذا عن التنمية الليبرالية التي حققت إنجازات ضخمة للدول الرأسمالية المتقدمة؟.. أولاً علينا أن ننظر إلى التنمية طريقاً ممتداً لا نهائياً تكتنفه كل الصعوبات والمشكلات المجتمعية. وهي تتطلب بالمقابل جهوداً ضخمة ومستمرة في إطار مشاركة حقيقية للناس.. وثانياً علينا الاعتراف بِأن النمط الليبرالي للتنمية حقق تقدماً كاسحاً وقاد العالم الغربي إلى التربع على عرش "الحضارة البشرية" المعاصرة. لكن هذه التنمية تحققت بتكاليف باهظة تجسَّدت بُدءاً في الاستغلال، ولتتجاوز الاستغلال الداخلي إلى الاستغلال الخارجي لموارد وقدرات دول أُخرى. وفي تعميق سوء توزيع الدخل والثروة محلياً وعالمياً. بمعنى أن التنمية الليبرالية موجهة نحو الخارج، ومعتمدة على الغير.
ومن المنطقي أيضاً أن محاولات دول العالم الثالث تقليد التنمية الرأسمالية غير متاحة، لا بسبب عدم قدرتها على استغلال جهات خارجية، حسب، بل لأِنها تنمية مستَغِلّة تتنافى مع منطق تنمية الأغلبية.(16)
وترتبط بهذه النتيجة الصعوبات الخارجية التي تواجهها المهمة التاريخية لتنمية دول العالم الثالث والتي تبرر مرة أُخرى الانطلاق في تنميتها من الداخل ووضع علاقاتها الدولية في خدمتها. ذلك أن نجاح هذه الدول مستقبلاً بلوغ مستويات اقتصادية متقدمة والاقتراب من التعامل الدولي الأقرب إلى التكافؤ في علاقاتها الدولية، هو في حد ذاته مفتاح بناء نظام اقتصادي دولي جديد.
تتطلب التنمية المستقلة توفر أربعة شروط ضرورية هي: الاستقلال (صنع القرار الوطني) والمشاركة ( في ظل الديمقراطية) والعدل (في سياق التوزيع) والأمن (في ظل قوة ردع دفاعية متطورة).(17) فالتنمية بدون استقلال مسألة عبثية، لأِن التنمية والاستعمار (الاستغلال) لا يجتمعان . هذا الشرط يدعو إلى تهيئة البيئة لصنع القرار الوطني وإحداث تغييرات مؤسسية جوهرية في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة لمسيرة التنمية المستقلة. وتشكل الإصلاحات الزراعية والملكية العامة للمصادر الرئيسة لموارد الثروة الوطنية والمؤسسات الخدمية ذات الطبيعة الاحتكارية، التي تدخل خدماتها ضمن الاحتياجات الضرورية لأِغلبية الناس، والمؤسسات الإنتاجية ذات العلاقة بالأمن الاقتصادي الوطني، حجر الزاوية لممارسة الرقابة على وسائل الإنتاج المادي وتحسين سبل توزيع الخدمات الأساسية. هذا دون إهمال القطاع الخاص والقطاع المختلط والتعاوني والقطاع السلعي الصغير لتعمل وتتنافس جميعاً في مساحة من الحرية الاقتصادية تتناسب وتتسع مع مرحلة التنمية وتطورها، وفي إطار التنسيق والتكامل مع القطاع العام، الذي يتطلب نظرة جديدة ومتطورة لإدارته وفق أسس حديثة اقتصادية- تجارية بحتة.
وبالمقابل تتطلب عملية التنمية مشاركة الأغلبية في الحياة الاجتماعية- الاقتصادية- السياسية بعيداً عن أنظمة الحكم الفردية- الدكتاتورية، لأِن الاستبداد والتنمية لا يجتمعان، وإذا اجتمعا- حسبما تشهد الأحداث التاريخية_ يؤول مصير التنمية إلى الفشل و/ أو الخراب. ويرتبط بذلك أن الحريات العامة وحقوق الإنسان جزء محوري من الاحتياجات الأساسية للناس. وهي الحاجز المانع لظهور الاستبداد وطغيان الحكم. كما أن قرارات التنمية تزداد غنى بالمشاركة وتزداد فقراً بالاستبداد. هذا علاوة على أن التنمية مشاركة في تصميمها وفي ثمارها على حد سواء.(18)
وتتطلب التنمية توزيع الاستثمارات بشكل متناسب لصالح القطاعات الاقتصادية والمناطق الجغرافية والفئات الاجتماعية الأكثر فقراً أو الأقل إنتاجية لتحسين قدراتها الإنتاجية وتعزيز تشابكها وتكاملها. كما أن معالجة سوء توزيع الدخل والثروة وتقليص فجوة مستويات المعيشة والاقتراب من مبدأ تكافؤ الفرص تتطلب تبني سياسية تحقيق المقاربة في الإنتاجية قطاعياً وجغرافياً واجتماعياً.(19)
والتنمية المستقلة هي صراع بين قوى الحرية والاستقلال وبين قوى التخلف والاستغلال. هذا الصراع يتطلب بناء قوة عسكرية دفاعية متطورة رادعة غير تقليدية قادرة على حماية التنمية من المخاطر الأجنبية.(20) ويجب أن لا يُفهم من هذا دعوة للحرب والإبادة، لأِنها تتنافى والأهداف الإنسانية السامية للتنمية. بل هي دعوة لحماية التنمية من الضربات الخارجية وضمان الطريق الآمن لمسيرتها في عالم لا زال يتصف بالصراع والعنف واستخدام القوة.. بمعنى أن هذه القوة ستكون دفاعية وليست عدوانية هجومية. ترتبط أساساً بمراكز القرار في المؤسسة الدستورية. أما إدارة هذا الصراع فيجب أن تكون سلمية في إطار خطاب حضاري هادئ هدفه القناعة والإقناع.
وأخيرا، تدعو التنمية المستقلة بناء ستراتيجيات وسياسيات وخطط وبرامج عملية واقعية تستند إلى أولوية متطلبات الناس وقدراتهم وقابلة للتعديل والتطوير في مرحلة التنفيذ. ويرتبط بذلك عدم الفصل بين سياسيات التنمية. فسياسة الاستثمار والإنتاج والتوزيع والاستهلاك تتطلب أن تُصاغ في نظام متكامل لتوجيه العملية الإنتاجية نحو غاياتها المرسومة، وفي ضوء مجموعة مهام ومواصفات تتلخص في:(21)
* تلبية الاحتياجات الأساسية للناس وفق منظور ديناميكي مرن تتوسع وتتنوع بالعلاقة مع تطور مرحلة التنمية.
* زيادة إنتاجية الفقراء بالعلاقة مع زيادة إنتاجية الاقتصاد الوطني وتحسين أدائه على نحو أقرب إلى التوازن, وتقليص الفوارق الاقتصادية والاجتماعية، على أن تكون هذه الزيادة بنيوية مستمرة ومتصاعدة وليست وقتية عارضة, وأن تؤدي إلى تحسين مستمر لمواقع القطاعات الإنتاجية في النشاط الاقتصادي مقارنة بالقطاع الأولي.
* اكتساب القدرات التكنولوجية القابلة للتطويع، وتجنب الهرولة وراء أحدث تقنيات التكنولوجيا، وتحاشي التقليد التكنولوجي، واعتماد مبدأ إدخال التكنولوجيا المتوافقة مع القدرات الوطنية على استيعابها وهضمها وتمثيلها، وفي ضوء الاستخدام الأقصى للتكنولوجيا المحلية، وبناء مشروعات التنمية وفق مبدأ ترشيد التكاليف الاستثمارية.
* ويرتبط بذلك تطوير مؤسسات البنية التحتية من اقتصادية واجتماعية في إطار علاقة متكاملة مع المشروعات الإنتاجية ومرحلة التنمية، ووفق مبدأ التكلفة المنخفضة. وهنا من الضروري التأكيد على استكمال شبكة الري والبزل(الصرف) في حالة العراق لبناء قاعدة التنمية الزراعية في البلاد.
* اعتماد مبدأ أولوية الاستثمار في التعليم لزيادة القدرة الإنتاجية وتحسين المهارات البشرية في ضوء: محو الأُمية للجنسين، تكافؤ الفرص التعليمية للجميع، تأكيد روح العلم وديمقراطية التعليم في سياق التطوير النوعي لبرامج ومناهج وطرق التعليم وعلى نحو مترابط من الصفوف الأُولى، إلغاء مبدأ التلقين لصالح المناقشة والتحليل والإبداع والبحث، برامج يومية- أسبوعية لزيارات ثقافية- ترفيهية بدءاً من الصفوف الأُولى (غابات، حدائق، متاحف،..) لتضاف إليها في الصفوف المتقدمة كذلك الزيارات المؤسسية الإنتاجية، التأكيد على التعليم المهني- الفني بزيادة المعاهد التطبيقية وتزويدها بالأجهزة والأدوات اللازمة. هذا بالإضافة إلى تطبيق مبدأ التعريب في العملية التعليمية كشرط لبناء قاعدة علمية وتكنولوجية وطنية. وأخيراً، ضمان ربط العملية التعليمية- النظرية والتطبيقية والبحوث العلمية- بعملية التنمية.
* أن تُشكل سياستا التوزيع والاستخدام (العمالة) جزءاً متكاملاً لأِية خطة إنتاجية، بتعبئة أكبر نسبة من القوى العاملة بُغية خلق فُرَص عمل واسعة وتقليص البطالة، مع الحرص على تحسين إنتاجية العمل ومكافحة كافة أشكال البطالة المُقَنعة. كما أن تصحيح مسار الدخل والثروة والخدمات الاجتماعية للدولة تتطلب أن تزداد المساهمة المطلقة والنسبية لأِصحاب القدرة المالية على تحمل نصيب أكبر لأِعباء التنمية.
* بناء سياسة وطنية ائتمانية تتكامل مع توجهات التنمية وتتوافق مع مراحلها. وهذا يدعو إلى سيطرة الدولة على أهم الأدوات الاقتصادية في هذا المجال (حدود التوسع في الائتمان، سعر الفائدة، سياسات الأسعار والإعانات..).(22)
* سياسة صناعية تقوم على أربعة خطوط إنتاجية متكاملة، وفي ضوء إقامة قاعدة صناعية متشابكة مع بقية القطاعات الاقتصادية، وتعميق السيطرة على موارد الثروة الوطنية وترشيدها: شبكة صناعية زراعية متكاملة في الريف.. شبكة صناعات متكاملة تقوم على تحسين استغلال منتجات القطاع الأولي (صناعات هيدروكربونية في حالة العراق).. صناعات عسكرية تخضع للمؤسسة العسكرية وترتبط بالتنمية الاقتصادية.. صناعات هندسية تقوم على العقلانية والبحث والريادة وبالعلاقة مع بقية الخطوط الصناعية.
* ضبط الظاهرة الاستهلاكية مسألة محورية في مسيرة التنمية المستقلة وحمايتها من الانحرافات. وهذا ما دفع البعض إلى الدعوة لتبني مبدأ عدم إدخال سلعة استهلاكية لا تتقاسمها الأغلبية العظمى من الناس في تلك المرحلة من التنمية.(23) لكن مشكلة الظاهرة الاستهلاكية الترفية الغربية لا يمكن مواجهتها بمجرد المنع والأساليب القهرية، بل بالإقناع وتوجيه وتثقيف الناس في التعامل مع هذه المشكلة من منظور وطني. وهذه مهمة أجهزة التعليم والثقافة والإعلام، علاوة على الأحزاب الوطنية والتنظيمات المهنية والاجتماعية المعنية، وفي سياق التوجه نحو بناء ثقافة وطنية لتحصين الناس ضد الظاهرة الاستهلاكية غير الضرورية التي تتجاوز حدود وقدرات مرحلة التنمية.
وقبل ختام هذه الصفحات، تبقى ضرورة إبداء ثلاث ملاحظات:
الأُولى: تتطلب الديمقراطية "الحرية السياسية" كذلك حرية اقتصادية.. فكيف السبيل لتحقيق التوافق بين الحرية الاقتصادية وبين الظاهرة الاستهلاكية؟ الجواب هو أن الحرية ليست مطلقة. فهي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين أو تتجاوزها. ومن المعروف أن أمراضاً اجتماعية مثل سوء التوزيع والفوارق الطبقية الحادة تقلل من تكافؤ الفرص وتحد من حريات وحقوق الأغلبية. من هنا تتطلب الحرية الاقتصادية أولوية توفير متطلبات الأغلبية الأكثر فقراً . وبذلك تقوم هذه الحرية أيضاً وفق منظور ديناميكي مرن. فهي تتوسع وتتعمق مع توسع القدرة الإنتاجية للاقتصاد الوطني ومع مرحلة التنمية.
الثانية: إن حماية مسيرة التنمية تتطلب من الدولة قيادتها في ضوء المشاركة الحقيقية للناس بغرض تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية من خلال: خلق فائض اقتصادي مستمر ومتصاعد في القطاع العام من منظور تحسين الإنتاج والإنتاجية. وهذا يدعو إلى بناء هذا القطاع وفق الأسس التجارية البحتة.. مساعدة القطاعات الأُخرى: الخاص والمختلط والتعاوني والسلعي الصغير، تطوير قدراتها وقواعدها الإنتاجية وفق برامج إعانات زمنية محدودة، بالإضافة إلى امتلاك المشروعات الضعيفة وإنجاحها وإعادة بيعها لهذه القطاعات بِأسعار تشجيعية لصالح القطاعات الاقتصادية والمناطق الجغرافية الأقل إنتاجية.. توفير شبكة من الضمانات الاجتماعية المرنة.
وهذا يتطلب التعامل مع القطاع العام لا باعتباره هدفاً قائماً بذاته بل آلية (وسيلة) من آليات عديدة بيد الدولة لبلوغ أهداف التنمية المستقلة. من هنا فالقطاع العام لا يعني ملكية عامة شاملة لوسائل الإنتاج، بل ملكية عامة لأِهم المشروعات التي تتطلب من الدولة رعايتها أو تحتاج إلى قدرة مالية وفنية عالية أو أن لها آثاراً خطيرة على النشاط الاقتصادي أو أمن البلاد. مع ضرورة النظرة المرنة والمتطورة لهذه الآلية، والتأكيد على إدارتها بكفاءة عالية.
الثالثة: تأكيد خاص على إصلاح النظام الضريبي ليقود فعلاً إلى خلق قناة تمويل هامة للدولة. علاوة على استخدام هذه الآلية لضبط مسيرة التنمية وتحسين توزيع الدخل والثروة سواء بتطبيق الضرائب التصاعدية على الدخل والثروة أو تطبيق سياسة ضريبية تميزية في مجال التجارة الخارجية لصالح السلع المستوردة الضرورية من استهلاكية وإنتاجية وصادرات محلية من صناعية وزراعية.
إذن، فالتنمية المعتمدة على النفس والموجهة نحو الداخل من أجل تعبئة الناس والموارد الوطنية، هي تنمية مجتمعية شاملة ومتكاملة تنطلق وتسير بشكل معاكس تماماً لانطلاق ومسيرة التنمية الليبرالية. فهل تسمح ظروف العراق الجديد اعتماد هذه التنمية.. أي طريق التنمية المستقلة المعتمدة على النفس؟
إذا كانت للمقاطعة من فضائل.. فإن الفضيلة البارزة هي في ترويض الظاهرة الاستهلاكية في البلاد إلى حدود الحرمان والمجاعة.. وفرض توجه داخلي للتنمية إلى حدود الانكفاء والانعزال.. هذه الظروف القاسية، ستشكل بيئة مثالية لأِغراض التنمية المستقلة. وتوُفر إمكانية طيبة للاستمرار بالتنمية المعتمدة على النفس والانطلاق من ستراتيجية تلبية الاحتياجات الأساسية في ظروف المشاركة الحقيقية والفعالة لعامة الناس وضبط الظاهرة الاستهلاكية والاستفادة من الظروف الدولية لصالح التوجه الداخلي.
2- النظام السياسي "الديمقراطية تحت مظلّة الاستقلال"
نظام الحكم الحالي (الحزب الواحد) لا يحتاج إلى مزيد من الحجج لخلق القناعة برفضه أسلوباً وممارسة. فشهادات منظمات حقوق الإنسان، والملايين المهاجرة والمهجّرة قسراً، ومئات الآلاف من الضحايا, والحصيلة التي انتهت إليها البلاد من فقر وجوع ومرض وموت بطيء.. كلها دلالات تؤكد ضرورة المطالبة بنظام دستوري بديل يقوم على المشاركة الفعلية للناس صنع قراراتها وتقرير شؤونها.
والنظام البديل المنشود هو الذي يحترم آدمية الإنسان العراقي في ظل الديمقراطية، ويضمن استقلال البلاد ويحرص على صيانة حرية القرار لوطني، ويسمح بالتعدية وانتقال السلطة سلمياً بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ويوفر الحريات العامة وحقوق الإنسان. ويقوم على تحريم قانوني متشدد لكافة أشكال الضرب والقذف (التعذيب الجسدي والنفسي) من موقع احترام كرامة الإنسان، ووفق مجموعة مفاهيم ومبادئ تالية:
الأول: إلغاء عقوبة الإعدام وإصلاح السجون- الديمقراطية ترفض العنف والتعذيب بكافة أشكالها. والإعدام أقسى وأقصى درجات العنف والتعذيب. إن إلغاء حياة الإنسان من الوجود هو تعذيب وقتل مهما اختلفت الأشكال والمسميات والمبررات. والقتل خطيئة كبرى بغض النظر عمّن يمارسه. من مبررات رفض عقوبة الإعدام، إن الفرد المرتكب لجريمة القتل عادة ما يكون في لحظة ظرفية غير سوية، عليه لا يجوز للمجتمع ارتكاب هذه الخطيئة وهو في أفضل درجات وعيه وبقرار مقصود. علاوة على ذلك، أن هذه الخطيئة، وهي محرَّمة على الفرد ارتكابها، تتطلب كذلك أن تكون مُحرَّمة على المجتمع (الدولة) بكافة مؤسساته التشريعية- القانونية والسياسية والقضائية. ذلك أن الإعدام هو الشكل المقنن من أشكال القتل.
لعلَّ أكثر مبررات رفض فكرة الإعدام هو أن قرار ولادة الإنسان- سليماً أم معوقاً- خارج عن إرادة الإنسان. عليه لا توجد جهة دنيوية تمتلك شرعية إلغاء حق حياة الإنسان، لأِن المجتمع نفسه لا يملك شرعية هذا الحق. هذا يعني أن أحكام الإعدام فاقدة للشرعية أصلاً. وهي جريمة لا تقل عن جريمة القتل نفسه. وتستند إلى مبدأ الانتقام القبلي الوارد أصلاً في شرائع حمورابي.
هذا المنطق يمكن أن يجد مبرراته أيضاً من وجهة النظر الدينية- شريعة "السن بالسن والعين بالعين.." (شرائع حمورابي). إذ أن أحكام الدين ثابتة مطلقة, حيث يتطلب تنفيذ الحكم العقابي في نفس الظروف واللحظة الزمنية وكمية الألم وعلى نحو مماثل ومطلق مع كيفية حدوث الجريمة. وهذا أمر مستحيل دنيوياً. من هنا يؤول الحكم العقابي المطلق إلى حكم عقابي نسبي قوامه التعويض لجهة المعتدى عليه والحجر لجهة المعتدي.
ويرتبط بذلك تحسين أحوال السجون من منطلق أن عقوبة السجن- مهما كانت الجريمة- لا تنطلق من رد فعل عدواني، بل تعبيراً عن حماية المجتمع وحاجة هذا الإنسان إلى إعادة التأهيل الاجتماعي (مبدأ الإصلاح بدلاً من مبدأ الانتقام). لذلك فإن كافة أشكال العقوبات التي ترتبط بالأشغال الشاقة وما يماثلها تتنافى مع الأهداف الاجتماعية من العقوبة, علاوة على أنها تعمل على امتهان كرامته وتتناقض مع مبدأ تحريم العنف- التعذيب البدني والنفسي- ويعمل على إهدار الوقت الاجتماعي، وتُعزز جرثومة الحقد والجريمة. ويمكن أن تولد مجرما أكثر خطورة بعد فترة العقوبة.
ولما كانت المنطلقات الاجتماعية المعاصرة للتعامل مع الجريمة تقوم على نظرة إصلاحية، فهذا يتطلب عملية إصلاح فعالة لبيئة السجون، لتتحول إلى مؤسسة تعليمية- تدريبية تجمع ما بين المدرسة- تعليم وتهذيب نفسي وثقافي واجتماعي.. وما بين مصنع للتدريب واكتساب المهارات والاستثمار الطيب للوقت، بحيث تمكن النزيل من إصلاح ذاته وتقويم سلوكه واختيار طريقه مجدداً للاندماج السليم بمجتمعه بعد انتهاء فترة عقوبته. مع التأكيد على أن آثار الجريمة يجب أن تنتهي بمجرد حصوله على حريته.
الثاني: علمانية الدولة "فصل الدين عن السياسة"- تقترن الديمقراطية بالعلم. والعلم لا حدود له ولا سلطان عليه سوى قدرة الإنسان وسلطة الضمير. والديمقراطية تدعو إلى تحرير عقل الإنسان وفكره للانطلاق نحو اكتشاف المجهول والإبداع. ولا تستقيم الديمقراطية في ظروف التميز: اللون، الدين، الجنس، اللغة.. لأِن هذه المواصفات شخصية ترتبط بالإنسان منذ الولادة، وليس من العدل أن يُحاسب أو يُكافئ المرء عليها.
وطالما تقوم الديمقراطية على العلم، فهي ترتبط بعلمانية الحياة الدنيوية. والعلمانية ظاهرة اجتماعية، لأِن الحياة البشرية نسبية بطبيعتها وتستند إلى العلم في تنميتها. ويرتبط بذلك أن العلمانية تُعبر عن الفصل بين المطلق والنسبي وبين الثابت والمتغير. وتدعو إلى معاملة المؤسسة الدينية- ذات الأحكام والشرائع الثابتة والمطلقة- باعتبارها مؤسسة خاصة مستقلة تتمتع بحرية ممارسة عبادتها وتملك أموالها طالما لا تتعدى على حرية الآخرين. من هنا تقرّ الديمقراطية بالحرية الدينية من منطلق أن الدين علاقة خاصة بين الفرد ومعتقداته (حرية العقيدة). بينما العلاقات الاجتماعية هي علاقات عامة متغيرة ونسبية.
والدعوة إلى فصل الدين عن السياسية لا يعني إلغاء الدين، بل إيلائه احترامه المطلق وتنزيه شرائعه ومكانته. وفي غير ذلك يفقد إطلاقه وثوابته. فالنظام السياسي هو نظام دنيوي نسبي. ومن غير المتصور قيام نظام سياسي ديني- ذات الثوابت المطلقة. لأِن النظام السياسي دنيوي يتعامل مع بشر ودنيا وليس مع ملائكة وآخرة. إنه يتعامل مع النسبية والظواهر المتغيرة ولا يتعامل مع المطلقات والأحكام الثابتة.
وهكذا سيُعبر النظام السياسي الديني- إن تحقق فعلاً- إما عن التحول من المطلقات إلى النسبية، أي اعتماد تفسيرات دينية لحياة دنيوية لا طائل وراءها في غياب منطق العلم والحرية. هذا المنطق الذي سيقود بدوره إلى العلمانية. وإما بناء نظام سياسي ديني يجمع ما بين الثوابت المطلقة في قمته وما بين المتغيرات النسبية في قاعدته لينتهي إلى سقف ثابت مطلق عديم المسامية لهيكل اجتماعي متغير ومتطور. وهذا السقف المطلق سيقود بدوره إلى تحجيم الهيكل الاجتماعي ومنع حركته. والتحجيم في كافة أشكاله يُعبر عن التخلف والاستبداد والإرهاب في ممارساته.(24)
الثالث: حقوق المرأة- يتجسد مأزق المرأة العراقية في التمايز الحاد بينها وبين الرجل لصالح الأخير في الحقوق القانونية والعلاقات الاجتماعية بمفهومها الواسع من اقتصادية وسياسية ووظيفية وأُسرية وقانونية.. وليست هذه المعضلة قاصرة على المجتمع العراقي، بل تمتد بهذا القدر أو ذاك إلى المجتمعات العربية والإسلامية عموما. إلا أن واقع الأمر يشير إلى أن هذه المعضلة هي أكثر تزمتاً وتصلباً وعمقاً وخضوعاً للقيم والتقاليد الاجتماعية الموروثة في المجتمع العراقي لأِسباب تتقدمها ظاهرتان: أُولاهما تراكم هذه القيم والتقاليد في الحضارة العراقية الممتدة عبر فترة زمنية تربو على الخمسة آلاف عام.. وثانيتهما خضوع المجتمع العراقي لفترة القرون الستة المظلمة منذ أواخر العهد العباسي وسقوط بغداد (1258) والتي تميزت بالتراجع الحضاري وسيادة القيم البدوية المتخلفة.
وقبل الحديث عن مأزق المرأة العراقية، علينا أن نتدارك منذ البداية، أن الغرض هنا ليس الدعوة إلى الحرية الجنسية وتجاوز القيم الاجتماعية، بل الدعوة إلى إعمال الفكر في مشكلة عراقية كان البحث فيها والغور في أعماقها ولا زال من المحرمات، أو على الأقل، يواجه حساسية شديدة.. هذا علاوة على محاولة إثارة مناقشة موضوعية باتجاه خلق درجة من المرونة والنظرة الحضارية في التعامل مع هذه المشكلة المتأزمة بعيدا عن الخنجر و"غسل العار" وما صاحبتها ولا زالت من مآسي لم تقتصر أحداثها على داخل الوطن العراقي بل تعدتها إلى العراقيين في المهجر خاصة بلاد الغرب.
من المعروف أن استمرار الوجود البشري يعتمد على أربعة مصادر هي: الهواء، الماء، الغذاء، والجنس.. ويُفترض خضوع هذه المصادر لممارسات الانسان الطبيعية لأنها تتعلق بحفظ الجنس البشري.. أي أنها ممارسات طبيعية تظهر وتنمو مع ولادة الانسان ونموه.. فالإنسان يتنفس الهواء ويشرب الماء ويأكل الغذاء كما يفعل الحيوان مع فارق نسبي.. وكذلك الحال مع الجنس في مرحلة لاحقة من ولادته ونموه.. ولأن العناصر الثلاثة الأُولى (الهواء، الماء، والغذاء) حاجات آنية لحفظ حياة الانسان، بمعنى أن المسافة الزمنية بين حاجته إلى هذه العناصر وبين ضرورة إشباعها للمحافظة على حياته مسافة زمنية قصيرة تتراوح بين دقائق وأيام.. عليه فهي لم تسمح طيلة العهود الحضارية البشرية إخضاعها للطقوس والنواميس الاجتماعية بوضع قيود تنظيمية (قيم مكتسبة) على كيفية ممارستها. أما المصدر الرابع (الجنس) فرغم انه كذلك نزعة طبيعية في الانسان، كما في الحيوان، إلا انه خضع لهذه الطقوس والنواميس الاجتماعية متضمنة أشكالا متعددة ومتنوعة من القيود التنظيمية باختلاف الزمان والمكان.. وذلك لأن الجنس حاجة طبيعية آجلة وتخص حفظ الوجود البشري ككل وليس مجرد وجود الفرد.. بكلمات أُخرى، أن المسافة الزمنية بين حاجة الانسان- المجتمع إلى الجنس وبين ضرورة إشباعها هي مسافة زمنية طويلة تقاس بالسنوات في سياق العمر البشري ككل وحفظ وجوده.. من هنا وفّرت هذه المسافة الزمنية الطويلة نسبيا فرصة خضوع الجنس لكافة القيود والقيم المجتمعية ذات العلاقة بالممارسات المكتسبة..
ومع ذلك، وكما في بقية المصادر اللازمة لحفظ وجود الانسان- البشرية، فان حرية الجنس البشري ولدت مع ولادة الانسان. وهذا ما تؤكده الأديان نفسها بما فيها الدين الإسلامي.. إن قصة آدم وحواء (رجل وامرأة- عائلة واحدة) برهان ساطع على اعتراف الدين نفسه بالنزعة الطبيعية للجنس وحق الانسان في ممارسة هذه النزعة مثل الهواء والماء والغذاء.. وإلا أما كان من السهل خلق آدم وحواء آخر (عائلة أُخرى) بدلا من الاكتفاء بخلق عائلة واحدة يضطر أبناؤها من الذكور والإناث إلى ممارسة الجنس (الزواج) مع بعضهم ليرزقوا بالصبيان والبنات؟ إن قصة آدم وحواء تقدم دليلا آخر على النظرة الدينية المرنة لنزعة الانسان الطبيعية للجنس عندما أخضعت آدم وحواء إلى التجربة المعروفة ولكن بالعلاقة مع الغذاء (التفاحة) وليس بالعلاقة مع الجنس! إِذن فالحساسية الشديدة القوة تجاه الجنس هي وليدة قيم مكتسبة.. بل أن قصة التفاحة تشير إلى أن مشكلة البشرية هي في قضاياه المادية الدنيوية..
ولأِن المجتمع العراقي هو أحد اقدم المجتمعات البشرية وصانع اكثر الحضارات الإنسانية قدما في التاريخ، لذلك ليس غريبا أن تخضع مسألة الجنس لمختلف أشكال القيود المجتمعية، زادتها تزمتا بصفة خاصة مرحلة الفترة المظلمة والتراجع الحضاري في ظروف سيطرة القيم البدوية على السلوكية الاجتماعية للعراقيين.. هذه السلوكية التي قامت على الحط من قيمة المرأة في سياق قيم وممارسات تجلَّت في:
* نظرة الاحتقار إلى الحرف اليدوية بما في ذلك عمل المرأة في المنزل.
* نظرة الانحطاط إلى الضعف البدني وازدراء فئة غير المقاتلين في القبيلة.
* تعظيم "الرجولة" ممثلة في القوة الجسدية والمنزلة الرفيعة لمقاتلي القبيلة.
* تقدير واحترام الشخص إذا كان غالبا منتصرا.. وباختصار تبجيله إذا كان "فاعلا" في حياته الاجتماعية حتى الجنسية واحتقاره إذا كان "مفعولا به"..(حسب تعبير عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي)..
* هذه النظرة الأُحادية المتعسفة والمستبدة للجنس التي فصلت بعنف العملية الجنسية الطبيعية المشتركة بين الفعل- الأداء (الرجل) وبين المفعول به- الحاجة (المرأة).. خلقت بدورها القاعدة المركزية للتمايز الاجتماعي الشامل بين الجنسين لصالح الرجل بما في ذلك طلب الزواج والطلاق والإرث والحقوق والواجبات الاجتماعية- القانونية.
من هنا جسَّدت المرأة في التراث البدوي القديم سلعة غير مرغوب في وجودها. وشاع المثل الخاطئ " المرأة ناقصة عقل..."، وتحولت في زواجها إلى سلعة تباع وتشترى، وحُصرت واجباتها في الخدمة المنزلية وإنجاب الأطفال.. ورغم انحسار هذه القيم المتخلفة إلا أن آثارها لا زالت قائمة. و إذا كان الرجل يتأفف في داخله، على الأقل، حتى من زواج أُخته أو ابنته، ناهيك عن شعوره بالعار من زواج أُمه ثانية.. عليه أصبحت المرأة مصدر عار في المفهوم البدوي، مما استوجب وضعها تحت قيود شديدة ثقيلة في ظل الطقوس القبلية، وصار خروجها على تلك الطقوس مسألة تستحق القتل "غسل العار" من وجهة نظر القبيلة، حتى وإن تزوجت بصورة شرعية، ولكن دون موافقة "ولي أمرها"..
ورغم أن هذه القيم البدوية أخذت بالاضمحلال، إِلا أن الشعور بالعار تجاه المرأة ما زال قائما.. ويمكن الاستدلال على هذه الظاهرة حتى بين العراقيين في المهجر، رغم استقرارهم لسنوات عديدة في المجتمعات الحضارية الجديدة. وفوق ذلك، تكشف معاملة الرجل للمرأة عن الازدواجية في شخصيته تجاهها، كما في رغبته ممارسة الحرية الجنسية معها على الطريقة الغربية قبل مرحلة الزواج، وتوجهه نحو إيجاد أُخرى في حالة الزواج بحيث تنطبق عليها المواصفات والقيم الاجتماعية السائدة.. هذه الازدواجية يمكن ملاحظتها أيضاً بين العراقيين قي البلاد المتقدمة، فهو يسمح لنفسه بممارسة الجنس مع الفتاة الغربية، ويحرمها على أُخته مثلا..
وهكذا ارتبط الجنس بالمرأة فقط في سياق نظرة أُحادية خلقت كافة أشكال التمايز الاجتماعي بين الجنسين وقادت إلى تشطير المجتمع إلى نصفين أحدهما يتمتع بالسيادة (الرجل) والآخر يعاني من العبودية (المرأة).. من هنا خضعت المرأة ومعها الجنس إلى أقسى القيود الاجتماعية بحيث أصبحت حقوق المرأة- المساواة- مسألة تثير حساسيات وردود فعل شديدة تتجاوز حتى حساسيات الدين والكفر والزندقة.
المفارقة في مأزق المرأة هي أن هذه المرحلة من حياة المجتمع العراقي بحاجة أكثر إلى نصفه الآخر لمواجهة أخطر مشكلتين تقفان حائلا أمام تطوره الحضاري بما في ذلك قضية التحول الديمقراطي، هما: الأُولى مشكلة العنف التي ارتبطت بالدور القيادي للرجل في المجتمع، حيث تشرب منذ الولادة، فكراً وممارسة، على تبجيل القوة والانتصار في سياق دوره الاستبدادي.. من هنا فان غياب المرأة العراقية أو ضعف وجودها في حركة التحضر المجتمعية يشكل عقبة قاتلة لمعالجة ظاهرة العنف.. بمعنى أن سرعة مسيرة التطور الحضاري وضمانتها تتطلب مشاركة المرأة تحت مظلة المساواة القانونية- الاجتماعية، بل ومنحها الأولوية في قيادة هذه المسيرة..الثانية نظام الحكم، فالمرأة كانت ولا زالت ضحية المظالم الاجتماعية والأنظمة التسلطية ولم تكن جلادها.. أي أنها لم تنشأ على المفاخرة بالقوة ولم تمارس السلطة، كما أنها لم تساهم عمليا في الأحداث القبلية- الاجتماعية سواء في مجال الغزوات القبلية أو الممارسات التسلطية الحكومية.. عليه من المتوقع أن تكون مساهمتها في بناء النظام السياسي الحضاري والتحول الديمقراطي أكثر فعالية وملاءمة وقبولا.. وهذا يبرر مرة أُخرى منح المرأة الأولوية في قيادة المؤسسات المجتمعية..هذا رغم أن مساهمة المرأة في المسيرة الحضارية العراقية وفق هذا المنظور تتطلب التأكيد على جانبين، على الأقل، أولهما حصولها على حقوق المواطنة الكاملة في حياتها العائلية والاجتماعية- الاقتصادية- السياسية- والقانونية.. وثانيهما تعزيز مستواها التعليمي والثقافي، أفقيا وعموديا, ومنحها الأولوية في المساهمة الاجتماعية- السياسية، خاصة المراكز القيادية، عند تماثل الخبرة والكفاءة..
ومع ذلك، فان القيم والتقاليد الاجتماعية بشأن هذه المعضلة الممتدة في جذورها عبر آلاف السنين لا يمكن معالجتها وفق نظرة آنية و/ أو في ظل قوانين أوامرية.. بل تتطلب نظرة طويلة الأمد في سياق العملية التعليمية والثقافية وبناء الوعي الاجتماعي.. علاوة على تمكين المرأة من الاستقلالية باتجاه زحزحة القيم المتخلفة بصورة نمطية متصاعدة مستمرة مقابل بناء قيم جديدة تقوم على النظرة المشتركة المتكافئة للجنس والحياة العائلية وتأخذ بمبدأ الفردية- الوظيفية في تقييم منزلة المواطن وفي العلاقات العائلية- الاجتماعية.. إنها باختصار عملية تحضر مجتمعية شاملة مستمرة وممتدة بكافة أبعادها الاجتماعية. لكن الحركة القانونية باتجاه المساواة لا تتحمل المزيد من الانتظار.(25)
الرابع: تعزيز الدفاع الوطني- الديمقراطية تدعو إلى اعتماد الطريق السلمي لحل المشكلات الدولية ولا تدعو إلى التخلي عن قوة البلاد ودفاعاتها التي تحمي مصالحها ووجودها، خاصة في عالم لاهث وراء القوة ومصالحه الذاتية حتى لو تحققت على حساب مصالح الآخرين وهم الضعفاء عادة. لذلك يصعب وجود دولة- تحرص على صيانة استقلالها- دون أن تشكل القوة الدفاعية واحدة من أولوياتها. كما أن عالم اليوم ولفترة طويلة قادمة سيستمر فيه الأقوياء وضع حدود وقيود على تنمية الدول الأُخرى الأضعف لتبقى أسيرة التبعية والاستغلال.
من هنا يكون مبرراً ومنطقياً أن يحرص العراق الجديد على صيانة قوته الدفاعية وإعادة تطوير مؤسسته العسكرية وفي سياق التأكيد على بناء قوة ردع غير تقليدية من أجل تقليص تكاليف القوة الدفاعية المعتمدة على الأسلحة التقليدية المستوردة التي لا تتعدى في أفضل الأحوال أسلحة الجيل الثاني- كما سبقت الإشارة. هذا بالإضافة إلى تحسين نوعية هذه القوة الدفاعية لا من أجل الحرب والتدمير, بل للحفاظ على مسيرة التنمية وخلق ظروف موائمة للسلام في المنطقة ومنع النزاعات الأقليمية المدفوعة من جهات خارجية.
ويرتبط بذلك بناء القوة الدفاعية وفق أسس علمية واقتصادية واجتماعية وثقافية. مع ضرورة تحقيق إصلاحات إدارية وفنية في هذه المؤسسة باعتماد مفهوم الكفاءة والولاء للوطن في مجال المكافآت والترقيات. وتحسين العلاقات الإنسانية والاهتمام بحقوق الإنسان. هذا بالإضافة إلى أهمية بناء جسر ثابت بين المؤسسة العسكرية والبرلمان في إطار من التفاهم وبناء الثقة. مع ضرورة تنمية تقليد محوري للاستقرار السياسي بِإخضاع المؤسسة لعسكرية للقيادة المدنية.
أما في مجال التحول الديمقراطي، فإن الأمور التالية تتطلب الدراسة والمناقشة:
الأول: مبدأ الفصل بين السلطات- رغم تعدد الأنظمة السياسية الحديثة في الدول الدستورية المتقدمة بين الأنظمة الرئاسية والوزارية وتلك التي تجمع بينهما،(26) يبقى مبدأ الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة بينها سمة مشتركة نسبياً لأِسلوب الحكم في هذه الأنظمة.
وفي المراحل الأُولى للتحول الديمقراطي حيث تكون جرثومة الاستبداد نشطة وفعالة نسبياً, تحتل مسألة فصل السلطات أهمية محورية. بل أن الحاجة ربما تكون ماسة إلى تجزئة السلطة التنفيذية وعدم حصرها في فرد واحد. وهذا يتطلب مناقشة المسائل التالية: اعتماد نظام اللامركزية وفق صيغة مناسبة، مع تحديد واضح لسلطات كل من الحكومة المركزية والحكومات المحلية.. الجمع بين النظام الرئاسي والنظام الوزاري، الذي يقوم على اختيار رئيس الجمهورية (المنتخب مباشرة من قبل الناخبين) رئيس وزرائه من الأغلبية البرلمانية, مع ضرورة تحديد واضح لسلطات كل منهما.. حق رئيس الجمهورية استخدام الفيتو ضد قرارات البرلمان التي لا تحصل على أغلبية (مثلاً 66% أو 75%).. مبدأ عدم جواز حل البرلمان مضمون في الدستور.. تعيين القضاة مدى الحياة أو لفترة طويلة عن طريق البرلمان وبترشيح من رئيس الجمهورية و/ أو رئيس الوزراء.. حق السلطة القضائية الفحص الدستوري للقوانين والنظم والقرارات الصادرة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.. ضمان استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، بخاصة.
الثاني: عدم احتكار السلطة- أحد الهموم التي تشغل بال العديد من الأحزاب السياسية والجماهير العراقية هو الخوف من استخدام الانتخابات مِعبراً لاحتكار السلطة. الأمور التالية ربما تقلل من هذه المخاوف: تحديد الوظائف الانتخابية (نفس الشخص) بدورتين انتخابيتين، خاصة ما يتعلق برأس السلطة التنفيذية.. عدم جواز إعلان الأحكام العرفية إلا في ظروف الحرب وبموافقة البرلمان.. عدم جواز تعطيل الدستور كياً أو جزئياً، خاصة ما يتعلق بالحريات الأساسية وحقوق الإنسان.. تحريم كافة أشكال التقديس والتبجيل والألقاب والصور والتماثيل الموجهة لعبادة الشخصية.. هيئة قضائية خاصة في إطار ضوابط محددة لاحترام الدستور ومنع احتكار السلطة.. ضمان دستوري لحرية تشكيل الحزب السياسي بع توقيع وثيقة شرف أمام لجنة الأحزاب السياسية في البرلمان باحترام وحماية الدستور.. تعددية المرشحين وتحريم الترشيح الأُحادي أو التزكية التي كانت شائعة في العهد الملكي.
الثالث: الانتخابات وفق أسس سياسية- تعتمد الديمقراطية على مبدأ المواطنة الكاملة وأولوية الولاء للوطن. ويبقى هذا المبدأ ناقصاً في ظل انتماءات قبلية/ طائفية/ مذهبية تقوم على أولوية الولاء للجماعة. بمعنى أن هذه الانتماءات تتنافى والمسيرة الديمقراطية لكونها ظاهرة محافظة رجعية.
إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب بناء ثقافة وطنية قائمة على أولوية الانتماء للوطن. وتلعب العملية التعليمية والتثقيفية والتنظيمات السياسية والاجتماعية دوراً مهماً في هذه العملية. كما أن نجاح خطوات التنمية واتساع الخدمات العامة ومظلة النظام الاجتماعي في حماية الفرد وضمان عمله ومعيشته عوامل تقود إلى تحويل ولاء الفرد من الجماعة إلى الوطن في سياق فترة نضوج مناسبة.
ويرتبط بذلك أن اعتماد مبدأ التمثيل النسبي في البرلمان وفق أسس طائفية/ مذهبية لا يتفق ومفهوم الديمقراطية التي تتطلب من النائب تمثيل وطنه قبل جماعته.(27) إلا أن الديمقراطية لا تعني إهمال رأي المجموعات القومية بل منحها الحقوق المتساوية ومحاولة إيجاد سبل تمثيلها وطنياً في البرلمان بطريقة مناسبة.
الرابع: الرقابة على الانتخابات- لعلَّ أكثر الهموم التي تقلق مسيرة الديمقراطية، خاصة في مراحلها الأُولى، هي كيفية ضمان انتخابات حرة ونزيهة. هذه المسألة المحورية تؤثر في كل العملية الديمقراطي، يتقدمها مبدأ عدم احتكار لسلطة, علاوة على الاستقرار السياسي عموماً، خاصة وأن أساليب التزييف التي تُمارس في العديد من دول العالم الثالث، دون استثناء الأنظمة العربية التي بدأ عدد منها طريق الليبرالية، حوَّلت المسيرة الدستورية إلى مهزلة سياسية وجعلت من الانتخابات المزيفة طريقها لاحتكار السلطة وأصبحت لا تختلف عن الأنظمة الاستبدادية إلا بمقدار إهدارها لاستقلال البلاد لصالح ارتباطاتها الخارجية. لذلك تدعو أهمية الرقابة على الانتخابات مناقشة الأمور التالية: عدم حصر الرقابة على الانتخابات في السلطة التنفيذية (وزارة الداخلية).. النص في قانون الانتخابات على تشكيل لجنة للرقابة تضم ممثلين عن السلطات الثلاث والأحزاب والمؤسسات المهنية والعلمية والاجتماعية الرئيسة لضبط عملية الانتخابات: تتمتع اللجنة بالاستقلال المالي والإداري، سلطة اللجنة في حرمان المرشح من الترشيح لدورتين انتخابيتين بعد إسقاط انتخابه عند ثبوت تزييف الانتخابات لصالحه.
وأخيراً، فالديمقراطية ليست مجرد دساتير وقوانين، إنما ممارسة حضارية ممتدة باعتبارها الوجه الآخر للتنمية، متمثلة في تنمية الإنسان. وبعد نصف قرن تقريباً من إلغاء الدستور الدائم، على سقمه، فالحالة تتطلب مرحلة انتقالية تُهيئ الظروف القانونية والسياسية لبدء هذه المسيرة, بما في ذلك انتخاب مجلس تأسيس لوضع الدستور الدائم. وهذا يتطلب تشكيل حكومة فنية مؤقتة لفترة مناسبة لإجراء عدد من الإصلاحات: توفير الاحتياجات الأساسية للناس من غذاء ودواء.. العمل على إلغاء المقاطعة والتعويضات.. إصدار القوانين المناسبة لضمان الحريات الأساسية وإلغاء آثار الاستبداد.. تشكيل فرق بحث ودراسات ميدانية لدراسة آثار الحروب في المجتمع.. فتح قنوات دبلوماسية للبدء بتحريك ملف حرب الخليج باتجاهين.
الأول: بحث آثار التدمير التي ألحقتها قوى للتحالف الغربي بالمؤسسات المدنية (232 بليون دولار)، علاوة على الضحايا المدنيين. وذلك في ضوء تجاوزها أهدافها العسكرية (57 هدف) إلى أهداف عسكرية ومدنية (700 هدف)، وربطها بالتصريحات والاعترافات والأدلَّة التي صدرت عن أطراف التحالف الغربي بتوجيه ضربات جوية عمدية لأِهداف مدنية إمعاناً في التخريب وقتل الأبرياء. واستخدام هذه الورقة لتحسين الموقف التفاوضي مع أمريكا وبقية الأطراف الرئيسة في التحالف الغربي.
الثاني: محاولة إقناع بلدان مجلس التعاون الخليجي، خاصة الكويت والسعودية والإمارات المساهمة في إنشاء صندوق مالي لدعم التنمية في البلاد وفق منظور شامل جديد لحل المشكلات القائمة.
وقبل الانتقال إلى المبحث التالي، من المفيد مناقشة مسألة أُخرى مطروحة من قبل بعض أطراف المعارضة تتعلق بإجراء استفتاء شعبي في المرحلة الانتقالية بشأن النظام السياسي المنشود في البلاد. وهي دعوة جديدة لصالح أنصار عودة الملكية- أحد أطراف اجتماع لندن مؤخراً.(28) وهذه الدعوة، من وجهة نظر البحث، تواجه أربعة لاءات:
الأول: ليس هناك من بين العراقيين من يدعي حق الملكية في العراق. فالعائلة الملكية السابقة والعائلة التي تتزعم هذه الدعوة هي مخلَّفات تاريخية لـ "شريف مكة".
الثاني: وحتى من وجهة النظر العربية، فإن عائلة حسين بن علي فقدت شرعيتها الثورية العربية، إذا كانت تمتلك هذه الشرعية أصلاً، عندما رضخت لحكم الاستعمار البريطاني والفرنسي من أجل السلطة. بل أن الشريف حسين- كما يذكر د. العظمة- عند انفصاله عن العثمانيين لم يأت على ذكر العروبة!!(29) ومع أنه أكد في عصيانه بِأنه واجب ديني مقدس إلا أنه من الناحية العملية وضع نفسه وقواته تحت تصرف بريطانيا ومخابراتها بقيادة الكولونيل لورنس.(30)
الثالث: ليس من العدل نقل مصير الشعب العراقي من مرحلة استبداد إلى مرحلة استبداد أُخرى. فالملكية تقوم على الرموز الفردية والنخب العائلية- القبلية- الوراثية.
الرابع: ليست هناك ضرورة عملية لمثل هذا الاستفتاء، طالما أن النظام الديمقراطي الجديد يضمن التعددية السياسية وممارسة كافة الأحزاب الوطنية حق الانتخابات.
والجدير بالذكر خضوع هذه المسألة لاستفتاء عينة المثقفين العراقيين (المقولة 20). كشفت آراء العينة بمجموعاتها الثلاث عن واحدة من مفاجآت هذا البحث الميداني (ف7/ جدول رم11).

3- المغتربون والأحزاب السياسية والتنوعات القومية
لوحظ أن حوالي ثلاثة ملايين مواطن- يمثلون عراقاً مصغَّراً بتنوعهم العمري والجغرافي والسياسي والطبقي والمهني والتعليمي.. اضطروا إلى ترك الوطن لأِسباب تراوحت بين عدم قدرتهم على تحمل الحياة في ظل الاستبداد وبين الخلاص من مظلة الرعب ومخاطر لتصفيات. هذا بالإضافة إلى قوافل التهجير القسري الطويلة التي بدأت منذ السبعينات وطالت مئات الآلاف من الناس الطيبين الذين عاشوا في البلاد أجيالاً عديدة.
لم تقف معاناة العراقيين عند آلام الهجرة والغربة وفقد الدار والأهل والجار.. بل تعاظمت مع تزايد نكبات وآلام الوطن، وفي ظروف مخاطر الانتقال القاسية من محطة إلى أُخرى، بحثاً عن ملجأ آمن مستقر.(31) وعظمت مأساة الكثير من المغتربين ليس بسبب مصادرة ممتلكاتهم في الوطن، حسب، بل وتعرض ذويهم للملاحقة والسجن والقتل جرياً على المفهوم القبلي- اللا إنساني "التكافل في العقاب"!
كيف سيتعامل العراق الجديد مع الغربة والمغتربين من أبنائه؟ هذه المأساة الإنسانية والوطنية تتطلب أولوية المعالجة. وربما كان في تشكيل لجنة- مستقلة إدارياً ومالياً- لفترة خمس سنوات لتقوم بالمهام التالية، ما يخفف من أعباء هذه المأساة: حصر إحصائي سريع للعراقيين في الخارج حسب بلدان المهجر يتضمن معلومات تفصيلية عن أحوالهم وأوضاعهم.. أولوية معالجة حالات المغتربين الراغبين بالعودة إلى الوطن.. إعادة الممتلكات المصادرة لأِصحابها.. ضمان السكن والعمل للراغبين في العودة وفق برنامج يأخذ في الاعتبار حقوق العائدين وقدرة البلاد على توفير متطلبات الحياة الكريمة لهم.. تعزيز علاقة المغتربين الراغبين البقاء في المهجر بالوطن.. السماح للمغتربين الاحتفاظ بجنسية بلد المهجر إلى جانب الجنسية العراقية.. تسهيل وتشجيع زيارات المغتربين إلى الوطن.. إعادة النظر في قانون الجنسية العراقية بما يضمن رد اعتبار المواطنة للمهجَّرين الذين عاشوا في البلاد أجيالاً عديدة.
الأحزاب السياسية جزء عضوي من مؤسسات النظام الاجتماعي وتشكل شرطاً مسبقاً للنظام الديمقراطي. وفي غياب الممارسات الديمقراطية تصبح الأحزاب السياسية أُولى ضحايا الاستبداد سواء المؤيدة منها أو المعارضة. ففي حالة البقاء والاتفاق تتقزم هذه الأحزاب لتشكل أحد الأذرع الضعيفة والانتهازية التي تخدم مصالح النظام السياسي، تنخر فيها أمراض الاستبداد وتحولها إلى هياكل مفرغة من محتواها، كما هو حال "الحزب الحاكم" في البلاد وأحزاب الحكم العديدة في العديد من دول العالم الثالث ومنها أنظمة عربية تتشبه كلها بالديمقراطية الليبرالية. أما في الحالة الثانية التي تعني المواجهة والصراع، فتؤدي بالأحزاب السياسية الرافضة إلى ممارسة نوعية متباينة من الأساليب في ظروف استثنائية تقوم على السرية وغياب الرقابة على ممارساتها. وبالنتيجة تنتقل جرثومة الاستبداد- بهذا القدر أو ذاك- إلى كافة الأحزاب السياسية من مؤيدة ومعارضة، مع تأكيد ملاحظة تباين المنطلقات في الحالتين.
والأكثر من ذلك يوفر الاستبداد أرضية خصبة لنمو ظاهرة الأقليات الأثنية والطائفية والمذهبية والقبلية- العشائرية، باعتبارها ظاهرة اجتماعية تجدد نفسها في ظروف اتساع مظلَّة الرعب. إذ يشعر أفراد كل من هذه المجموعات بالحاجة إلى التكاتف للحفاظ على وجودهم وفي مواجهة ظاهرة عدم التأكد من المستقبل. وهذا يقود إلى مزيد من إضعاف مفهوم المواطنة لصالح الولاء للجماعة أولاً.
إذن فمشكلة غياب الديمقراطية لا تنحصر فقط في النظام الحاكم، بل تمتد إلى كافة المؤسسات الاجتماعية المكونة للنظام السياسي. بل أن درجة تأثر الأحزاب السياسية تكون أكبر وأعمق لأِنها مؤسسات رائدة. ولا يغيب عن البال أن هذه المشكلة لا تخص فترة "حكم البعث" وإن زادت حدة واستبداداً، بل تعود إلى فترة سابقة بدأت مع نشوء الدولة العراقية الحديثة. يكفي ملاحظة أن الأحزاب السياسية العراقية الحالية عموماً، لم تعرف الممارسة السياسية تحت المظلَّة البرلمانية منذ نشوئها وحتى الوقت الحاضر
وفي ضوء هذه الحقيقة استمرت الممارسات السياسية للأحزاب الوطنية خارج الرقابة المؤسسية (البرلمان) وبقيت قضية الديمقراطية بالنسبة إليها شارات مرفوعة دون أن تتمكن من ممارستها فعلاً، وبغض النظر عن مدى مصداقيتها وقناعتها. وهكذا امتدت آثار هذه الفترة الطويلة لمعضلة النظام السياسي إلى الأحزاب الوطنية لتُعبر عن مثالب ونواقص ذاتية وموضوعية تتلخص في: نمو التزمت الحزبي والإيمان المطلق بِأفكار الحزب ومواقفه.. غياب أو ضعف الممارسات لديمقراطية سواء في إطار مؤسساتها وبرامجها أم بالعلاقة مع بعضها أم بعلاقتها مع الناس التي تُعلن التزامها بمصالحهم.. تفاقم حالة التفكك والتباعد بين الأحزاب الوطنية وغياب أحزاب وسطية.. تزايد عدد الأحزاب الأثنية والطائفية والمذهبية والقبلية- العشائرية التي تقوم على أساس الولاء للجماعة قبل الولاء للوطن.. تفاقم آثار الغربة التي تُعاني منها الأحزاب الوطنية في رسم توجهاتها السياسية بسبب بعدها الفكري والجغرافي عن الساحة العراقية.. الاعتماد التبعي- المالي والسياسي- للعديد من الأطراف السياسية على الخارج على حساب استقلال قرارها الوطني.
لعلَّ واحدة من المشكلات الأكثر خطورة للأحزاب السياسية العراقية هي مشكلة التزمت الحزبي والإيمان المطلق بصحة أفكارها ومواقفها. وهذه المشكلة ترتبط بالحقيقة التالية، وهي أن الأحزاب "العقائدية" بغض النظر عن أفكارها وشعاراتها وانتماءاتها تقوم على الإيمان المطلق في عالم متغير يتعامل على أساس النسبية. وهذا الاعتقاد المطلق يقود إلى رفض أفكار ومواقف الأطراف الأخرى وصعوبة اتفاقها. علاوة على تحول هذه الأحزاب من كينونات سياسية إلى مؤسسات "دينية" دكتاتورية عنيفة جامدة ترفض بطبيعتها النقد الموضوعي والنقد الذاتي. وهذه المشكلة لا تكمن في هذا الحزب أو ذاك، بل تقبع في أعماق وقلب كل منا. إن البرهان يؤكد ذاته عندما يقفز هذا الفرد- الحزب أو ذاك إلى السلطة ليُكشر عن أنياب الدكتاتورية والإرهاب وليؤكد ويجدد ويُعمق المـأساة تجاه نفسه ووطنه. بل أن معضلة الانفراد بالساحة السياسية يمكن ملاحظتها حتى على مستوى المؤتمرات والتجمعات الوقتية التي تحدث بين هذه الأحزاب أو بعضها. وهذه المشكلة تفسر كذلك لماذا عجزت أحزاب المعارضة الوطنية العراقية بناء جبهة وطنية عريضة.
وهذا يدعو منذ البداية إلى معالجة التزمت الفكري وتحاشي الإيمان المطلق بِأفكار الحزب ومواقفه إلى القناعة بحاجة هذه الأفكار إلى التطوير المستمر لمجاراة التطور الاجتماعي. والقناعة النسبية أيضاً بالأفكار والآراء الأُخرى واقتباس الأفضل منها وبما يؤدي إلى تحسين مستمر لأِفكار الحزب وتطوير مساهمته في الإصلاح والبناء الاجتماعي. وكذلك القناعة النسبية في قبول أو رفض الأفكار الأُخرى والتخلي عن مفهوم الفرد- الحزب- الأفضل أو الأوحد أو المؤمن أو القائد أو الجماهيري.. وترك هذه الأحكام لقرارات الناس أمام صناديق الاقتراع. إذن، المطالبة بالديمقراطية للعراق تمتد مباشرة لتشمل الأحزاب السياسية: أفكارها وأهدافها وتنظيماتها وممارساتها وعلاقاتها..
الإصلاحات الديمقراطية تتطلب أولاً رفض العنف بكافة أشكاله وصوره، لأٍن العنف يحمل بذور جريمتين أُولاهما امتهان كرامة الإنسان ليصل في صورته القصوى إلى القتل. والقتل، كما سبقت المناقشة، جريمة كبرى مهما كان شكله وأسلوبه ومبرراته.. وثانيهما تعزيز جرثومة الاستبداد بكل ما يحويه من ظلم وقهر. لذلك فالعنف والديمقراطية لا يلتقيان. فإما أن تكون ديمقراطياً تحترم آدمية مواطنك وتقبل بالحوار وترضخ لقرار الأغلبية وتستخدم الطريق السلمي للتعبير عن رأيك ونشره بين الناس على أساس القناعة والإقناع وتتحمل التضحية في سبيله.. وإما أن تكون مستبداً بغض النظر عن موقعك سواء كنت راعيا ًلبيتك أم لمدرستك أم لحقلك أم لمصنعك أم كنت قائداً سياسياً. أما القول بالاثنين معاً فهو محض افتراء ومحض ازدواجية في الشخصية. وهو تعبير مقيت عن وجهين متضادين.
ويرتبط بذلك أن الديمقراطية تتطلب تطوير الخطاب السياسي للأحزاب العراقية وبما يقود إلى تلافي المواقف المزدوجة. والتعامل مع الواقع من منظور ستراتيجي لا من أجل التسليم بالممكن بل من أجل تغييره. وحسب قول د. إسماعيل صبري عبدالله: الثوري والواقعي يجب أن يعرفا الواقع جيداً، إلا أن الواقعي يعرفه لكي يستسلم له، بينما الثوري يعرفه لكي يغيره. ولا يمكن أن تغير شيئاً لا تعرفه.(32) يُضاف إلى ذلك المطلوب من الثوري أن يكون قادراً على إصلاح ذاته قبل أن يدعي بقدرته على المساهمة بإصلاح بلده أو العالم.
والثوري لا يعني العنف بالضرورة, بل موقفاً فكرياً قائماً على مبادئ وأهداف إنسانية. إنه يعني إرادة التغيير والتحديث الهيكلي للمجتمع وصولاً إلى الأفضل. وهذا الهدف الستراتيجي له وسائله العديدة. ولعلَّ العنف أقلها نفعاً وأكثرها ضرراً. ألا تُبرهن تجربة العراق الطويلة- المريرة والقاسية على طبيعة هذه الوسيلة؟.. بكلمات أُخرى، الثوري يُعبر عن أفكار ومبادئ وأهداف.. والأهداف لها وسائلها المتعددة التي تتطلب اختيار البديل الأفضل. ولما كانت هذه الأهداف موجهة لخدمة الوطن والناس، لذلك من الصعب قبول العنف وسيلة ممارسة في إطار المجتمع.. وهذا يدعو إلى إعادة النظر بمفهوم "العنف الثوري" لا بسبب رفض العنف، حسب، بل كذلك لأِن هذا المفهوم يقوم على تصور خاطئ ومقلوب في بناء العلاقة بين الهدف والوسيلة. إذ يُعطي الأولوية للوسيلة على الهدف. وهذا أمر غير منطقي..
من هنا تشكل الديمقراطية جزءاً أصيلاً من الفكر الثوري. فإنسان مثل غاندي الذي ناضل ضد الإمبراطورية البريطانية، سياسياً واقتصادياً، قائد ثوري مارس الوسائل السلمية في سياق بناء إرادة الإنسان الهندي وفتح آفاق التقدم والتحديث أمام بلاده.
ترد كذلك مبررات أُخرى بضرورة تبني القوى الوطنية مفهوم النضال السلمي وبناء إرادة الإنسان العراقي، منها أن حركات عنيفة (انقلابات) عديدة في البلاد ارتبطت بقوى الخارج. من هنا تكون الأحزاب الوطنية مطالبة بتعزيز ثقتها بقدرة الشعب وإرادته. وأن تتعظ من مسلسل الدم الذي طال الجميع. وأن تستفيد من تجارب النضال السلمي. ألم ينجح غاندي في انتزاع جوهرة تاج الإمبراطورية البريطانية (الهند) بنضاله السلمي (ومغزله اليدوي) ومعه ملايين الهنود؟
المسألة الثانية في هذه الإصلاحات هي تطوير البنية مؤسسية للأحزاب العراقية، خاصة ما يتعلق بالأمور التالية:مبدأ الانتخابات بالاقتراع العام السري في اختيار كافة مواقع المسؤولية الحزبية.. مبدأ تحديد المسؤوليات القيادية (نفس الشخص) بدورتين انتخابيتين.. اعتماد مبدأ الديمقراطية اللا مركزية في التنظيم والممارسة الحزبية.. تحريم استخدام العنف في معالجة الخلافات.. التزام مبدأ التعددية في الترشيح وفي الآراء.. بناء السلطات الثلاث في الحزب مع ضمات هيئة قضائية منتخبة مستقلة للنظر في دستورية القرارات الحزبية والحكم في الخلافات.. حرية النقد في اجتماعات الحزب ومطبوعاته ونشراته الخارجية.. فتح جريدة الحزب لكافة الآراء المؤيدة والمعارضة من حزبية وغير حزبية لتكون جريدة عراقية أولاً وحزبية ثانياً.. احترام حقوق الإنسان في الممارسات الحزبية.. الانفتاح على أفكار وسياسات الأطراف الأخرى والإكثار من اللقاءات بين قياداتها وقواعدها.. التزام مبدأ التوجه نحو الداخل وتجنب الارتباطات الخارجية والتمويل الخارجي.. اعتماد مبدأ النسبية في العلاقات المجتمعية.. تحريم تقديس وتبجيل الفرد.. ثقافة حزبية وطنية تدعو إلى الولاء للوطن أولاً.. تشجيع الدراسات والبحوث العاملة على تطور أفكار الحزب وممارساته، ودعم الكتاب العراقي. هذا علاوة على ضرورة ملئ الفراغ القائم في ساحة الأحزاب العراقية بتشجيع ظهور أحزاب وطنية وسطية لتشكل حلقات وصل بين أطرافها
المسألة الثالثة في هذه الإصلاحات تتعلق باتفاق الأحزاب الوطنية على برنامج حد أدني يمنع الصراع والشرذمة لصالح بناء جبهة وطنية تاريخية عريضة تتطلبها ضرورات المرحلة الحالية، خاصة ما يتعلق بضمان التزام الأحزاب المعنية بالمبادئ الأساسية للتحول الديمقراطي: حقوق الإنسان الاجتماعي والسياسية.. التعددية الاجتماعية والسياسية.. الانتقال السلمي للسلطة.
إذا كانت الأحزاب السياسية القائمة على الوطنية العراقية بحاجة إلى إصلاحات ديمقراطية، فإن الأحزاب الطائفية والمذهبية بحاجة أكثر إلى هذه الإصلاحات، سواء في أفكارها وتوجهاتها وتنظيماتها أو في وممارساتها الداخلية وعلاقاتها مع الأحزاب الأخرى وبالناس والوطن.. واحتضان الأهداف الوطنية دون حصر جهودها في الأمور الجزئية، والابتعاد عن الممارسات التي تعطي انطباعات طائفية ضيقة لتتطور إلى أحزاب سياسية قائمة على الوطنية لعراقية. ذلك أن الديمقراطية مسيرة حرة تسمو على العنصرية والطائفية، وتتسع لكل الوطن تحت مظلة الحرية والعدل والمساواة.
من التحديات القوية الأُخرى التي تُجابه الساحة العراقية عموماً، هي غياب جبهة تضم قوى اليسار الوطني والقومي العربي، رغم علم هذه القوى أن صراعاتها قبعت- بهذا القدر أو ذاك- وراء تضخم المشكلات السياسية التي تُعاني منها البلاد حتى الوقت الحاضر. هذه القوى بما لها من امتداد في الداخل والخارج مؤهلة فعلاً لبناء جبهة وطنية عراقية، تنتزع أحزاب الأقليات من براثن تجار السياسة، وتفسح المجال رحباً أمام الأحزاب الدينية و الأحزاب القومية لكردية ذات الجذور الوطنية تعميق ممارساتها الديمقراطية، وتُحدد طريق التغيير على أساس الوطنية العراقية.
والعراق الجديد يضمن الحرية والمساواة للجميع في ممارسة حقوق المواطنة بما فيها الحقوق القومية والثقافية. كما ويوفر البيئة لزوال الأسباب التي قادت إلى استمرار الأعمال المسلَّحة بين الأطراف القومية الكردية والحكومة المركزية لتبدأ بمعالجة آثارها. وهذا يتطلب معالجة هذه المعضلة وفق خمسة مبادئ تالية: احترام كافة القوميات في ظل المساواة التامة في الحقوق والواجبات لكافة العراقيين.. تحريم استخدام العف في مواجهة كافة المشكلات السياسية- القومية.. التزام مبدأ التوجه نحو الداخل وتحريم التعامل مع الأطراف الأجنبية.. الالتزام بوحدة الوطن العراقي.. الاتفاق على شعار العراق الديمقراطي، لتقود المسيرة الديمقراطية مستقبلاً معالجة المعضلات الصعبة بواسطة صناديق الاقتراع.

4- العلاقات الخارجية "الدولية والعربية وعلاقات الجوار"
ثلاث قنوات تتطلب التعامل معها وإعادة بنائها في مجال العلاقات الخارجية للعراق الجديد: العلاقات الدولية والعربية وعلاقات الجوار. وفيما يخص العلاقات الدولية فهي تستوجب فهماً دقيقاً للأوضاع الدولية. فعالم ما بعد كارثة حرب الخليج ليس نفس علم ما قبل الكارثة بعد زوال نظام القطبين لصالح الولايات المتحدة الأمريكية مدعومة من قبل التحالف الغربي واليابان. بل وعالم اليوم ليس عالم ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001 بعد تعزيز الزعامة الأمريكية والتدخل في شؤون الدول الأُخرى باسم مكافحة الإرهاب. وتحولت الأُمم المتحدة إلى مكتب خاضع لمشيئة أمريكا والقوى المتحالفة معها، فاقدة البقية الباقية من شرعيتها الدولية تجاه العالم الثالث بخاصة.(33) وبدأت الزعامة الأمريكية تفرض هيمنتها بالقوة المسلَّحة: أفغانستان.. والآن العراق.. وغدا ربما إيران وسوريا.. لكن هذه السياسة الدولية ستكون تدميرية لأٍن العنف يولد العنف ولا بد أن تنهض قوى دولية أُخرى لإعادة شيء من السلام المفقود للعالم.(34) وفي سياق السياسة الأمريكية الجديدة القائمة على توجيه ضربات سريعة في أقصر وقت ممكن للدول المعارضة لها قبل أن يتبلور أي خيار شعبي.. فإن المشاركة الحقيقية للناس في تقرير مسيرة النظام السياسي ستشكل بلورة مستمرة للخيار الشعبي وحاجزاً مانعاً أمام كشف البلاد لضربات خارجية.(35)
كما أن مواجهة الأوضاع الدولية الجديدة وهذا الانفتاح العالمي لا تتحقق بالانغلاق عليها، بل من خلال فهمها والتعامل معها من منظور ستراتيجي يقوم على أساس مبدأ الاستفادة من العلاقات لخارجية لصالح التوجه الداخلي. كما وأن المهمة الملحَّة للعراق الجديد ستكون في محاولة إلغاء المقاطعة ومعالجة آثارها.
وبالنسبة للعلاقات العربية- العربية, فلا جديد من تكرار القول أن كارثة الغزو وحرب الخليج أساءت بعمق إلى هذه العلاقات وفتتت حركات التحرر في الوطن العربي. وإذا لم تكن هذه الكارثة هي الأُولى التي ألمَّت بالأُمة العربية في ظروف استمرار حالة الانحطاط التي تواجهها، فإنها كانت بالتأكيد الكارثة الأُولى في آثارها ونتائجها المدمِّرة. إن الكوارث السابقة وحَّدت الأُمة في مشاعرها وآلامها وآمالها، بينما كارثة حرب الخليج عمَّقت مشاعر التجزئة والتنافر وخلقت جرحاً دفيناً. إن مهمة العراق الجديد هي في إعادة بناء هذه العلاقات وترميم أو إعادة بناء البيت العربي الممزق في سياق تحريم ممارسة العنف لحل الخلافات القائمة.
والعراق، باعتباره جزءاً من الوطن العربي,له أهدافه القومية في التعاون والتكامل والوحدة. إلا أن التجارب الماضية دللت أن الوحدة حتى وإن تحققت من قبل أكثر الأطراف صدقاً وإيماناً بها، تبقى رخوة ضعيفة ومكشوفة على الخارج في غياب المشاركة الفعلية وفي غياب مسيرة التنمية المشتركة العاملة على خلق تشابكات اقتصادية واجتماعية بين أطرافها. إذن الديمقراطية وبناء المصالح الاقتصادية والاجتماعية المشتركة لا بد وأن تكون محور سياسة العراق العربية الجديدة .
ويرتبط بذلك أن عودة العراق الجديد للمجموعة العربية وفق النظرة الجديدة تستوجب دعم جهود نشر القيم الديمقراطية وتعزيز الجهود الإنتاجية المشتركة، تتقدمها الاحتياجات الأساسية الاقتصادية والاجتماعية التي تمس الحياة اليومية للناس (المشروعات العربية المشتركة في مجالات: الغذاء، الصحة، الكساء، السكن، النقل، التعليم، الصحة..).
وفيما يخص المؤسسات العربية المشتركة فإِنها بقيت هزيلة في آثارها. كما أن الجامعة العربية التي عجزت عن تحقيق الحدود الدنيا للمصالح الحيوية العربية، عبَّرت جهودها دوماً عن الهزيمة أمام القضايا العربية المصيرية. وإذا كانت مشكلة عجز المؤسسات للعربية قد نتجت بسبب غياب الإرادة السياسية اللازمة لاتخاذ و/ أو تنفيذ القرارات المشتركة إلى حدود تهددها بالتفتت بعد إعلان ليبيا قرارها الانسحاب من الجامعة، فإن المرحلة التالية تتطلب العمل على إحياء هذه المؤسسات مع توفير البيئة التي تتطلبها للتمكن من أداء مهامها. ولعلَّ في اختيار الحد الأدنى من الأهداف الممكن التعامل معها بصورة مشتركة، وربط اتخاذ القرار بتنفيذه، ما يسهل تصحيح مسار هذه المؤسسات. وتبقى المشروعات المشتركة من أكثر الجهود العملية الممكنة لتعزيز مصالحها المشتركة ودعم البلدان العربية الأكثر فقراً. هذا بالإضافة إلى إعطاء أهمية مناسبة للعلاقات العربية- العربية الثنائية والمتعددة الأطراف خارج هذه الأطراف المؤسسية.
العراق الجديد مطالب كذلك بتحمل مسئوليته في دعم قضايا التحرر في الوطن العربي، تتقدمها قضية فلسطين. إلا أن معالجة هذه القضايا لا تستقيم بمجرد الادعاءات والشعارات وتغييب إرادة الناس في ظل أنظمة استبدادية ساهمت في مزيد من إهدار الموارد العربية والضحايا البشرية. ينقل د. محمد الرميحي نقلاً عن عبدالمنعم سعيد رئيس "مركز الدراسات الأستراتيجية- الإهرام" ما يأتي: "دخل العرب مع جيرانهم ومع بعضهم البعض في صراعات فاق ثمنها الثمن الذي دفع في صراعهم مع إسرائيل. كلَّف الصراع مع إسرائيل في العقود الخمسة الماضية حوالي 200 ألف من الضحايا، لكن الصراعات الأُخرى- ومنها الحروب الأهلية والأقليمية- كلَف 5ر2 مليون ضحية. ومن حيث التكلفة المالية فإن الصراع الأول كلَّف حوالي 300 مليون دولار أما باقي الصراعات فبلغت تكاليفها حوالي 2ر1 ترليون دولار. أما من حيث اللاجئين ومن تركوا ديارهم عنوة فقد بلغ عددهم في الصراع العربي- الإسرائيلي 3 ملايين نسمة, وفي الصراعات الأُخرى مجتمعة وصل الرقم إلى 11 مليون نسمة، بضمنهم 3 مليون عراقي...".(36)
إن حالة التراجعات العربية المستمرة ومحاولات تنفيذ ما يسمى بـ "السوق الشرق أوسطية"والهرولة وراء أمريكا..(37) شجعت الولايات المتحدة في تدخلاتها لتصل إلى تعيين و/ أو تثبيت حكام عرب يعتمد وجودهم على رضائها وموافقتها. بل وصل الأمر بتهيئة القوات العسكرية لتنفيذ هجوم مباشر على العراق بدعوىـ إسقاط النظام. هذا النظام الذي قدَّم أعظم الخدمات لها في حربيه (إيران والخليج). وإذا كانت مهمة النظام العراقي قد بلغت نهايتها من وجهة نظر المصالح الأميركية، فهل من المنطق السكوت على تحميل شعب محاصر في طعامه ودوائه منذ حرب الخليج ويعاني المرض والموت.. المزيد من القتل والخراب والدمار؟
مشكلات الجوار هي الأكثر تعقيداً في علاقات العراق الخارجية والأخطر آثاراً. هذه العلاقات التي شهدت حربين- كارثتين أنهكت البلاد ودفعتها إلى حافة الهاوية. وكانت حصيلتها عودة الاستعمار القديم بشكله المباشر إلى المنطقة بِأساطيله وقواته. وبذلك تعقدت علاقات الجوار بسبب الحربين، وهي تنتظر من العراق الجديد التعامل معها على أساس احترام علاقات الجوار من خلال ممارسة دبلوماسية هادئة وذات نفس طويل لإعادة بنائها وإزالة آثار الجروح التي ستستمر فترة ليست بالقصيرة.
مشكلة المياه وآثارها الخطيرة في الزراعة والناس ربما تشكل أخف هذه المشكلات واقلَّها تعقيداَ، لا بسبب المياه ذاتها، حيث تتقدم أهميتها على بقية المشكلات، بل لأِن العلاقات العراقية- التركية تميزت عن غيرها من علاقات الجوار بدرجة طيبة من الاستقرار النسبي. ومن العوامل المساعدة على تذليل تعقيدات هذه المعضلة هي كونها تواجه بلداً عربياً آخر (سوريا). وهذا يعني إمكانية التنسيق بين البلدين لصالح تعميق علاقات الجوار مع تركيا لحل مشكلات المياه بينها. ومن الأمور التي يمكن أن تسهل حلّ هذه المشكلة العلاقات الاقتصادية- النفطية بين العراق وتركيا، علاوة على اتفاق الأطراف الثلاثة ضمان الحدود الآمنة بينها.
تُعبر العلاقات العراقية- الإيرانية عن واحدة من نقاط الاختناق الصعبة والقابلة للاشتعال مرة أُخرى.. ورغم كل الأسباب الذاتية والموضوعية لحرب الثماني سنوات، إلا أنه لا يمكن إنكار دور النظام العراقي البادئ بالهجوم. هذه الحرب الطويلة التي وجهت صفعة شديدة لعلاقة البلدين، وسجَّلت منذ نشوئها اتجاهاً تنازلياً لحركات التحرر الوطنية والقومية في المنطقة.
هناك اتفاق على أن اتفاقية الجزائر (1975) جاءت نتيجة ضغوط شاه إيران وأمريكا. وهذه الاتفاقية سببت إساءة بالغة للعراق لافتقاره إلى الممرات البحرية. من جهة أُخرى فأن كسب إيران إلى جانب إلى جانب حركة التحرر في الوطن العربي يجب أن يكون هدفاً مركزياً لأِهميته في دعم الاستقرار والسلام في المنطقة. يُضاف إلى ذلك أنهما أكبر قوتين في المنطقة والأكثر تعرضاً للتهديد الخارجي. هذه العوامل وغيرها تبرر بناء علاقات ستراتيجية بين الطرفين وتتحمل الأحزاب الإسلامية الوطنية دوراً تاريخياً في المساهمة ببناء هذه لعلاقة وفق أسس جديدة ووطيدة تحقق مصلحة الطرفين والسلام في المنطقة.
علاقات الجوار بين العراق والكويت استمرت قلقة غير مستقرة، عبَّرت في جانبها الكويتي عن الحذر وعدم الثقة، وقامت في جانبها العراقي على القناعة بالإساءة والضرر.
من وجهة نظر البحث, فإن مشكلة العلاقات العراقية- الكويتية ليس مشكلة الكل والجزء.. فالتاريخ يشهد حالات تجزئة عديدة حدثت في مرحلة الاستعمار، إلا أن المسألة المحورية هنا أن هذه العلاقة أخفت العديد من نقاط الاختناق لغير صالح البلدين. وفي ظروف غياب الديمقراطية ومصادرة قرارات الناس، استمرت هذه المشكلات في التضخم مع مرور الزمن دون إيلائها حقها من الاهتمام والمعالجة من قبل الطرفين.
فعند إهمال فترة العهد العثماني وعلاقات الكويت بالبصرة أو بغداد ومسائل الحماية البريطانية التي رافقتها.. يلاحظ أن المشكلة أخذت تطفو على السطح منذ عهد الملك غازي عندما أنشأ محطة إذاعة سرية في قصر الزهور ببغداد للمطالبة بعودة الكويت. تصاعدت حدة المشكلة إلى احتمالات بالهجوم (1961)، ثم تحولت إلى كارثة (1990-1991)، ولا زالت المشكلة مستمرة!!
وكما كانت الحماية الخارجية وسيلة النظام الكويتي في مواجهة هذه المعضلة، فإن القناعة بالإساءة والضرر وعوامل التهديد الخارجي ومخاطرها،عززت القناعة الرسمية، على الأقل، في العراق بمخاطر هذه الممارسات وسَّهلت احتمالات انفجار هذه العلاقات بصورة مستمرة.
كما أن رسم الحدود بين العراق والكويت بموجب قرارات المنظمة الدولية، والتأثيرات الأمريكية، بالإضافة إلى مسألة الحدود هي جزء من المشكلة وليس كلها، قُصد بها كل شيء إلا الحل الذي يحقق صالح الطرفين. وهكذا تزايدت القوة التفجيرية المستقبلية للقنابل الموقوتة في هذه العلاقة.
من الواضح أن النظام العراقي تجاوز على الحقوق القومية وعلى علاقات الجوار عند اجتياحه للكويت وإصراره على الكارثة التي انصبت في إحدى نتائجها الخطيرة على قطع أواصر الرحم بين الناس في البلدين. وبالمقابل فإن العائلة الحاكمة في الكويت وبالعلاقة مع المخابرات الأمريكية أساءت كثيراً إلى علاقات الجوار هذه باستفزازاتها المقصودة. فهل كانت هذه الاستفزازات من أجل رسم الحدود فقط أم مشاركة فعلية في المؤامرة- الكارثة؟
لعلَّ أفدح الأخطاء التي ترتكبها قوى فكرية عربية هي مواقفها الأحادية من تعليل أسباب ونتائج كارثة الخليج.(38) هذه المواقف التي يمكن أن تساهم في تغذية الحقد واستمرار مسلسل عذاب الناس- الضحايا- لتنصب في خدمة الأنظمة المسؤولة عن المأساة ذاتها.(39) والحقيقة أن قرار النظام العراقي لاجتياح الكويت لم يكن غائباً عن الشعب العراقي، حسب، بل حتى عن "الحزب الحاكم" ورئيس أركان الجيش! يقول أحد أعضاء المعارضة الوطنية العراقية " إن قراراً مثل قرار غزو الكويت أُتخذ دون عرضه على قيادة الحزب نفسها، رغم أن أحداً في هذه القيادة الدميّة ما كان ليجرؤ على معارضة (القائد التاريخي) في هواه"(40)
والحقيقة الثانية هي أن تحميل الضحية نتائج كارثة حرب الخليج من خلال محاربة شعب العراق والاستمرار في الضغط عليه وتجويعه يمكن أن يفرز آثاراً أكثر خطورة مستقبلاً. إذ أن استمرار هذا الضغط سيعزز القناعة لدى العراقيين بالإساءة والضرر من علاقات الجوار هذه. ويمكن أن يولد مخاطر تعزيز الاستبداد واستمراره. وفي كل الأحول فإن هذا الضغط المستمر يُعبر عن رعب الأنظمة الخليجية من حسابات المستقبل. وهذا يُعزز الرأي القائل "رغم كل القيود المفروضة على العراق، سيظل الحكام في الخليج ينامون على وسادة أمريكية ويحلمون بكوابيس عراقية".(41)
والحقيقة الثالثة هي أن العراق الجديد لن يكون قابلاً لنزع سلاحه، لأِن سلاحه ليس فيما يمتلكه من أسلحة وعتاد، بل فيما يختزنه من قدرة علمية وفنية وتكنولوجية، وفوق ذلك الإرادة الوطنية لشعبه الذي تجاوز مختلف أشكال الهجمات والاعتداءات على طول تاريخه الممتد لخمسة آلاف سنة.
والحقيقة الرابعة هي أن القوى الخارجية لا تحمي الدول الضعيفة. لأِن هدفها هو مصالحها قبل مصالح الأطراف المحمية. وعندما تقوم هذه الحماية على المصلحة الاستغلالية- التبعية فهي ستنتهي في يوم ما وفي لحظة ما. إن الحماية الحقيقية هي في التوجه نحو حل المشكلات العالقة بصورة شاملة في إطار عربي جماعي.
والحقيقة الخامسة هي أن سرعة إعادة بناء علاقات الجوار بصفة شاملة وجذرية، والعمل المشترك لإزالة جروح الكارثة بين الشعبين، والمساعدة على نهوض الشعب العراقي، وتمكينه من اتخاذ قراره، هي الحماية الحقيقية لهذه العلاقات، وهي القوة الفعلية للبلدين.
إن أحد الحلول الممكنة لإعادة الثقة في العلاقات العراقية- الكويتية، ولصالح حل المشكلات الحدودية العربية- العربية عموما، هي في تبني فكرة المشروعات المشتركة في المناطق الحدودية. بمعنى تحويل المناطق الحدودية المختلف عليها إلى منطقة إدارة مشتركة على أن تكون مجالاً للمشروعات المشتركة بين الطرفين.
وختاماً، أنها أكثر ثباتاً وديمومة معالجة مشكلات الجوار هذه بطريقة تمكن كل طرف أن يكون عضداً وسنداً للطرف الآخر باتجاه إزالة نقاط الاختناق بينهما بصفة جذرية. وربما في تشكيل لجنة شعبية منتخبة في كلا البلدين لمناقشة ودراسة البدائل المتعددة للوصول إلى الحلول المشتركة للمشكلات العالقة ما يوفر بيئة صالحة لإعادة بناء هذه العلاقات.إن قضايا النفط والمال والأرض والحدود والتسهيلات قابلة للحل في وجود النوايا الصادقة بين الطرفين. فإذا كانت التسهيلات النفطية والمالية وتسهيلات القواعد البحرية والبرية ممكنة بين عرب وغرب.. فلماذا لا تكون مكنة بين عرب وعرب؟!
هوامش الفصل الرابع
(1) النقيب،باسل،موجز النظام الليبرالي لعراق المستقبل,دار الحكمة،لندن،1995،ص51،76،78.
(2) إبراهيم،سعدالين،ندوة التنمية التنمية في الوطن العربي،(تعقيب)،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،1987،ص78.
(3) صايغ،يوسف،"التنمية العربية والمثلث الحرج"،التنمية العربية- الواقع الراهن والمستقبل، مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،1984،ص101- 107..،رشيد،عبدالوهاب حميد، الإنتاجية والتنمية الاقتصادية,قبرص,1988،ص77.
(4) عبدالله،إسماعيل صبري،"التنمية المستقلة:في محاولة تحديد مفهوم مجهل"،التنمية المستقلة في الوطن العربي،مرجع سابق,ص27- 28.., الفرجاني,نادر،"عن غياب الديمقراطية في الوطن العربي",التنمية المستقلة في الوطن العربي،مرجع سابق،ص44.
(5) المعجم الوسيط،مرجع سابق،ص569.
(6) رشيد،عبدالوهاب حميد،مرجع سابق،ص77- 78.
(7) سعدالدين،إبراهيم،"النظام الدولي وآليات التبعية:آليات التبعية في إطار الرأسمالية المتعددة الجنسيات"،التنمية المستقلة..،مرجع سابق،ص93- 94..،عبدالله،إسماعيل صبري،مرجع سابق،ص31..,صايغ،يوسف،"نحو تنمية مستقلة في الوطن العربي"،التنمية المستقلة.., مرجع سابق،ص911.
(8) سعدالدين إبراهيم،مرجع سابق،ص99.
(9) ربيع،حامد،"سلاح الغذاء وأساليب التعامل الدولي"،ندوة مشكلة الغذاء في الوطن العربي، (ستة أجزاء)،جامعة الكويت ومؤسسات أُخرى،الجزء الثالث،الكويت،1987،ص4- 24..، الحق،محبوب،ستار الفقر- خيارات أمام العلم الثالث،مترجم،القاهرة،1977،ص166..، جمعة،حسن فهمي،المسألة الزراعية في الوطن العربي،1985،ص74.
(10) سعدالدين،إبراهيم،مرجع سابق،ص99- 101،102،126..،الحق،محبوب،مرجع سابق، ص67.
(11) سعدالدين،إبراهيم،مرجع سابق،ص117.
(12) الحق،محبوب،مرجع سابق،ص71- 71.
(13) سعدالدين،إبراهيم،مرجع سابق،ص127.
(14) عبدالله،إسماعيل صبري،مرجع سابق،ص935..,نفسه،في التنمية العربية،دار الوحدة، بيروت،1983،ص112- 115..،الحق،محبوب،مرجع سابق،ص61- 62..،صايغ، يوسف،مرجع سابق،ص935.
(15) الإمام،محمد محمود،التنمية المستقلة..،مرجع سابق،تعقيب،ص87.
(16) قارن:عبدالله، إسماعيل صبري،التنمية المستقلة..,مرجع سابق،ص48..,الإمام،محمد محمود،مرجع سابق،ص60.
(17) عبدالله،إسماعيل صبري،التنمية المستقلة..,مرجع سابق،ص34..، نفسه،في التنمية العربية، مرجع سابق،ص25- 27..،الحق،محبوب،مرجع سابق،ص25،92.
(18) صايغ،يوسف،الاقتصاد العربي- إنجازات الماضي واحتمالات المستقبل،دار الطليعة،بيروت، ص172.
(19) سياسة تحقيق المقاربة في الإنتاجية في مجال الاستثمارات تعني هنا أحد أسلوبين:الأول توزيع متناسب للاستثمارات وفق المساهمة النسبية للقطاعات الاقتصادية في قوة العمل (أو نسبة السكان في المناطق الجغرافية) . فإذا كانت الزراعة مثلاً تساهم بنسبة 40% من الاستخدام عندئذ تحصل على نفس النسبة من الاستثمارات.. الثاني توزيع معاكس للاستثمارات مع مستويات الإنتاجية القطاعية، حيث تزداد نسبة الاستثمارات مع انخفاض إنتاجية القطاع.. المثال الافتراضي التالي يوضح توزيع ألف مليون دولار استثمارات على قطاعين..
الإنتاجية التوزيع القطاعي
(أسعر ثابتة) الاستثمارات
القطاع دولار/ عامل % مليون دولار
الريف 200 4ر71 714
الحضر 500 6ر28 286
المجموع - 0ر100 1000
(20) قارن:سعدالدين،إبراهيم،مرجع سابق،ص935..,صايغ،يوسف،مرجع سابق،ص173..، عبدالله،إسماعيل صبري،في التنمية العربية،مرجع سابق،ص27.. وانظر،رشيد،عبدالوهاب حميد،العجز الغذائي ومهمة التنمية العربية،معهد الإنماء العربي، بيروت،1985،ص50-51.
(21) قارن:سعدالدين،إبراهيم،مرجع سابق،ص935..،صايغ،يوسف،الاقتصاد العربي..،مرجع سابق،ص173..،عبدالله،إسماعيل صبري،في التنمية العربية،مرجع سابق،ص27.
(22) صايغ،يوسف،التنمية المستقلة..,مرجع سابق،ص133..,الحق،محبوب،مرجع سابق، ص96.
(23) الحق،محبوب،مرجع سابق،ص98.
(24) قارن:العظمة،عزيز،العلمانية من منظور مختلف،مركز داسات الوحدة العربية،بيروت، 1992،ص37،101،279،339.
(25) رشيد،عبدالوهاب حميد،العراق المعاصر،دار المدى للثقافة والنشر،دمشق،2002,ق2مف2.
(26) ثلاثة أشكال متميزة من الأنظمة السياسية:النظام الرئاسي وتمثله الولايات المتحدة الأمريكية. تتركز السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية الذي ينتخب بالاقتراع العام لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.. النظام الوزاري وتمثله المملكة المتحدة. تتركز السلطة التنفيذية بيد رئيس الوزراء الذي يمثل أغلبية برلمانية، بينما يُعامل رئيس الدولة (ملك/ رئيس الجمهورية) باعتباره رمزاً للبلاد.. النظام المختلط وتمثله فرنسا. تتوزع السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية المنتخب بالاقتراع العام السري، وبين رئيس الوزراء الذي يمثل أغلبية برلمانية.
(27) العظمة،عزيز،مرجع سابق،ص81،298.
(28) النقيب،باسل،مرجع سابق،ص32.
(29) العظمة،عزيز،مرجع سابق،ص134.
(30) نفسه،ص135،252.
(31) أعداد غير معروفة من العراقي- أفراداً وعائلات- اضطرتهم ظروفهم القاسية الانتقال إلى روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة ودول أُخرى خارج العالم الغربي. تعرضوا لاستغلال المافيا بنقلهم بحراً إلى أوربا الغربية بحثاً عن ملجأ وإخفائهم في عنابر السفن في بيئة لا إنسانية أو نُقلوا ببواخر صغيرة غير ملائمة لظروف الإبحار في المياه الدولية التي ابتلعت الكثير منهم.
(32) عبدالله،إسماعيل صبري،مرجع سابق,ص91.
(33) أمين،سمير،"بعد حرب الخليج:الهيمنة الأمريكية إلى أين؟"،المستقبل العربي،العدد170، بيروت،4/1993،ص20.
(34) شكارة،أحمد عبدالرزاق،"الفكر الاستراتيجي الأمريكي والشرق الأوسط في النظام الدولي الجديد،المستقبل العربي،بيروت4/1993،ص40.
(35) أمين،سمير،مرجع سابق،ص15.
(36) الحياة،العدد 12217 في 7 آب/ أغسطس 1996.
(37) نفسه،العدد 12047 في 17 شباط/ فبراير 1996،ص10.
(38) الغزو العراقي للكويت،مرجع سابق،ص91، 116- 117.. يذكر الدكتور إبراهيم سعدالين في هذه الندوة (تعقيب،ص91) بوجود "رغبة عراقية مستمرة في ضم الكويت... حتى المعارضة العراقية لنظام صدام لم تجد نوع من الموقف الذي يرفض أن الكويت جزء من العراق..."‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!.. تم إخضاع هذا الرأي لاستفتاء عينة البحث (ف7/ جدول رقم 21).
(39) بعد عودة العائلة الحاكمة الكويتية من المنفى في شباط/ فبراير.. حصلت انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان طالت المواطنين العرب في الكويت،خاصة العراقيين والفلسطينيين،علاوة على بعض الجنسيات العربية الأُخرى.. تلخصت في:الاعتقالات والتعذيب والموت تحت التعذيب.. حالات اختطاف واختفاء معتقلين أو تعرضهم للقتل.. إساءة المعاملة والإهانات.. محاكمات غير عادلة.. ولا زال مصير أعداد من هذه الجنسيات مجهولاً‍‍!! مارس أفراد من العائلة المالكة بضمنهم أحد أبناء ولي العهد ممارسة فعلية أعمال التعذيب والقتل وعلى نطاق واسع.. انظر جانباً من هذه الانتهاكات في التقارير السنوية لمنظمة العفو الدولية،السنوات 1992،1993،1994،1995.. المفارقة أن تقارير المنظمة كشفت كذلك ممارسة لسلطات الكويتية تسليم أعداد من المعارضة العرقية في الكويت إلى السلطات العراقية!!
(40) العزاوي،فاضل،مقدمة كتاب:ساعة الحقيقة،مرجع سابق،ص10.
(41) أزمة الخليج وتداعياتها..,مرجع سابق،ص267.


د. عبدالوهاب حميد رشيد، مستقبل العراق: الفرص الضائعة والخيارات المتاحة، دار المدى، دمشق 2004.
2004 SWEDEN ISBN: 91-631-0505-5



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-0الفصل الثال ...
- مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة--ف2/هدر الإم ...
- مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-
- نموذجكم الديمقراطي في العراق.. مقتل متظاهر غير مُسلّح وتسعة ...
- خمس وعشرون ساعة في بطن الحوت: أروقة الموت الطائفية في سجن ال ...
- نساء العالم.. ساعدن أخواتكن العراقيات
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- تلاستنتاج/ المصطلحات/ المراجع
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل السابع عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الحادي عشر
- مأسسة عدم المساواة في أمريكا
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل السادس عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الخامس عشر
- حصيلة الصراع في سوريا 60 ألف قتيل قبل نهاية العام 2012
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الرابع عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثالث عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثاني عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل العاشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل التاسع
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثامن
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل السابع


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالوهاب حميد رشيد - مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة- الفصل الرابع