أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - الحايل عبد الفتاح - إخفاق نظام التوقيت المستمر بالمرفق العمومي المغربي















المزيد.....


إخفاق نظام التوقيت المستمر بالمرفق العمومي المغربي


الحايل عبد الفتاح

الحوار المتمدن-العدد: 4008 - 2013 / 2 / 19 - 08:58
المحور: المجتمع المدني
    


مــــــذكــــــرات محـــــــام ( 3)
إخفاق نظام التــــوقـــــيـــــت المسـتـمــــر بالمرفق العمومي المغربي
بناءا على المرسوم رقم 561. 8 . 2. الصادر بتاريخ 19 يناير 1985 ، تقرر العمل بنظام التوقيت المستمر بالإدارت العمومية والجماعات المحلية منذ 04 07 2005 . والتوقيت المستمر قانونا هو العمل داخل الإدارات العمومية والجماعات المحلية، من الثامنة والنصف صباحا إلى غاية الساعة الرابعة والنصف زوالا، مع استراحة في منتصف النهار قدرها نصف ساعة فقط تخصص للأكل.
والسؤال الذي يطرح بحدة في هذا المقام هو : إلى أي حد نجح أو أخفق نظام التوقيت المستمر بالإدارات العمومية بالمغرب ؟
فبعد أن تبين للجميع أن التوقيت المستمر خلق أو كرس ظاهرة الفوضى والتسيب داخل الوظيفة العمومية، كان لزاما علينا أن ندرس هذه الظاهرة لنجد لها الحلول المناسبة.
ولتحليل أي ظاهرة، ومن ضمنها ظاهرة التغيب عن العمل داخل الإدارة العمومية المغربية، لابد من تشخيص الظاهرة ثم البحث عن أسباب ظهور الظاهرة ثم نتائج الظاهرة ثم إيجاد الحلول الوقائية أو العلاجية.
والسؤال المبدئي الطروح هو هل التغيب خلال أوقات العمل الرسمية بدون سبب يعتبر ظاهرة إدارية مدمومة ومرفوضة ؟

تشخيص ظاهرة إخفاق نظام التوقيت المستمر :

فعلا هناك ظاهرة التغيب عن العمل لسبب مشروع أو غير مشروع في المرافق العمومية وداخل أوقات العمل الرسمية . فهي ظاهرة أصبحت واقعا لا يمكن إنكارها ولا التغاضي عن وجودها. وهي تخلق ارتباكا وفوضى وتسيب في سير المرفق العمومي وكمية وكيفية الخدمات التي يضطلع بها ومن أجلها وجد.
فبعد العمل بهذا بنظام التوقيت المستمر لزهاء 7 سنوات ونصف سنة ( كالمصريين والسودانيين) يتبين بجلاء ووضوح صدق التخوفات والسلبيات والمعارضات التي سبقت تطبيقه...فكل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والنفسية تبين بجلاء بأن غالبية المغاربة ومن ضمنهم الموظفين، وبعد تجربتهم الواقعية، يرفضون رفضا قاطعا هذا التوقيت الغريب، خاصة أنه متناقض مع الواقع المغربي وطبائع المغاربة عموما....
فمعدل ساعات عمل بعض الموظفين المغاربة، بأحسن تقدير، خاصة موظفو بعض الإدارات الحساسة، كالعدل، لا يتجاوز أربع ساعات يوميا...أي أن الدولة المغربية أو خزينة الدولة تؤديان غير المستحق عن ساعات لم يعمل خلالها العديد من الموظفين..كما أن غالبية المواطنين أصبحوا متضررين من جراء نظام التوقيت المستمر...هذا فظلا عن أن مردودية الموظفين في نظام التوقيت المستمر أصبحت محطة انتباه وانتقاد...المهم هو أن كثيرا من الموظفين يتغيبون لمدة ساعة ونصف أو قل ساعتين خلال غيابهم لتناول أكلة الغداء... وخلال هذه الفترة ( أي النصف ساعة المقررة قانونا) تقفل أبواب الإدارات المغربية وتنعدم الحركة وتنقطع الخدمات العمومية بدون حياء ولا خجل ولا استحياء...
وهذه الظاهرة خلقت استياءا لدى الرأي العام ولدى من يتعامل يوميا مع الإدارات المغربية...

أسباب ظاهرة إخفاق نظام التوقيت المستمر:

وأسباب عدم نجاح نظام التوقيت المستمر بالإدارة المغربية متعددة؛ لكنها راجعة بالأساس إلى عقلية ونفسية المغاربة ثم ضعف أجر الموظف وانعدام التجهيزات الضرورية داخل الإدارات المغربية... ولتوضيح أسباب ظاهرة إخفاق نظام التوقيت المستمر لا بأس من تفصيل القول بالتالي :
1)فالتجاوزات التي يقوم بها بعض الموظفين بالنظر إلى الساعات الإدارية المحددة في نظام التوقيت المستمر (وصول متأخر للعمل، خروج قبل الوقت من مقرات العمل) خلقت ظواهر إدارية وعادات سيئة وخارقة للقانون والتنظيم الإداري... والسبب في ضبابية النصف ساعة الممنوحة للأكل هو أنها غير محددة بالتدقيق. فالموظفون لا يعرفون متى يخرجون من عملهم للأكل...فالنصف ساعة تتمطط بقدرة قادر وتتمدد بحسب رغبة كل موظف...
وضبابية وغبش هذه النصف ساعة تفتح الباب للتغيب وللكسل وخرق القانون وهضم حقوق المواطنين.
وحين يناقش رجل قانون أو مواطن قانونية هذه التصرفات والتغيبات خلال أوقات العمل، يحتج عليه بالتالي :
- القانون يعطيانا الحق في الذهاب لتناول وجبة الغداء
- القانون يرخص لنا الذهاب لتأدية الصلات
- القانون يعطينا الحق في التغيب للأكل والصلات.
يا لها من أعذار واهية. شيئ من اثنين : إما أن هذا البعض من هؤلاء الموظفين سدج وجهال أو أنهم يضنون أن كل المغاربة سدج وجهال لا يفقهون شيئا...
وللرد على دفوعات هؤلاء وأولئك الموظفين، ولكشف نواياهم السيئة وتعرية تلاعباتهم بالقانون وحقوق ومصالح المواطنين، نوضح التالي :
هل الموظفون مرغمون على الأكل جماعة حتى ينصرفوا ويخرجوا جميعا من مكاتبهم ويقفلون مكاتبهم؟ لا. ففي كل مكتب يوجد موظفان أو أربعة موظفين ( صراحة ظروف عمل صعبة) . والمفترض في رخصة التغيب ( نصف ساعة) للأكل، أن يتغيب موظف أو موظفان ويبقى الآخرون داخل المكتب ليحفظوا استمرارية المرفق العمومي. فالأكل بالتناوب ليس عيبا ولا محرما ولا ممنوعا، بل هو الأصل لحفظ استمرارية المرفق العمومي. أما الأكل جماعة مع إقفال أبواب المكاتب فهو لا يتماشى مع مبدئ استمرارية عمل المرفق العمومي ولا مع مصالح المواطنين...
أما أقبح يوم عمل بالإدارة العمومية بالمغرب فهو يوم الجمعة...فالتغيب خلال هذا اليوم فيه تحد لمن يريد أن يعمل أو من يفضل أو يقدم العمل على الصلات ( العمل عبادة) ...فهو يوم مهم في حياة المسلمين. نعم، لكنه مصيبة وطامة كبرى بالنسبة للمواطنين وأيضا بالنسبة للقطاع الخاص.
فعلى ما يبدو، ففي هذا اليوم العظيم، يتقمص، ظاهريا، العديد من المغاربة ومن ضمنهم بعض الموظفين، شخصية الزهاد والمتصوفة الذين يترفعون عن الدنيا وملذاتها وأجور خزينة الدولة...وكأني بهم يتمسلمون من الساعة الثانية عشر إلى غاية الثانية زوالا خلال الإسبوع. أما يوم الجمعة فيخيل للملاحظ انهم أصبحوا أولياء الله من الساعة الحادية عشر إلى غاية الثانية والنصف بعد الزوال.
كلهم يصبحون مؤمنين مسلمين في أوقات يختارونها ويرتضونها ...ففي هذا اليوم المبارك البريء يصبح عذر التغيب للذهاب إلى المسجد لسماع الخطبة وتأدية الصلات عذرا لا نقاش فيه. وتصبح صلات الجمعة من الواجبات التي لا يمكن مناقشتها...ومن يناقش ذلك فسينعث بالملحد والكافر ومحط شبهات وتقولات...رخصة وقت التغيب في هذا اليوم تدوم ساعات طوال عوض نصف ساعة...وساعات ضيا المرفق العام تدق والدقائق تشل والتواني تفل والزمان ينحل والعمل يبطل وترفع الأقلام وتغلق أبواب المكاتب العمومية باسم الله والدين والبطون...
سؤالنا : هل الموظفون مرغمون على تأدية الصلات جماعة ؟ لا. فلتنصرف جماعة للصلات وبعدها تنصرف جماعة أخرى، خاصة أن كل الإدارات مجهزة بمساجد نقية ومحترمة ( وليس كالمراحض الإدارية)؛ وبهذه الطريقة يحافظ الموظف على احترام مبدئ استمرار عمل المرفق العمومي وحفظ حقوق المواطنين.
وفي شهر رمضان فالتوقيت المستمر والرسمي للعمل بالإدارات العمومية هو من الساعة التاسعة إلى الثالثة. أي أن الموظف يعمل نظريا أقل من ثلاث ساعات يوميا لا غير. ومن المعروف، في هذا الشهر المبارك، أن إنتاجية ومردودية الإدارات تقل بشكل خطير وتكثر خلاله التأخرات والتغيبات بشكل خطير... رمضان وما يجره من جوع وعطش وألم وقلة النوم يصبح هو الدريعة للتغيب وللتأخر عن الإلتحاق بمقرات العمل...وهذا التوقيت حددته الوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية نفسها...أي أن الحكومة هي نفسها تكرس وتشجع الكسل والخمول والتغيب في صفوف الموظفين العموميين سواء خلال رمضان أو بدون رمضان...
أما خلال الإضرابات المتواصلة طيلة السنة فتوقيت العمل يتقلص بشكل لا يعلمه إلا من يتعامل مع موظفي الإدارات العمومية...فعدد الإضرابات السنوية في ارتفاع مخيف...وخلال الإضرابات تتعطل مصالح وحقوق الواطنين...والجزاءات المترتبة عن التغيب بسبب الإضرابات وجدت لها حلا نسبيا لدى الحكومة الحالية...وحتى الزجر والإقتطاعات من الأجور فهي لا يمكن أن تردع بعض الموظفين الكسالا...لأن الإضراب يستمر من خلال التغيبات والتمرضات المعروفة بالإضراب perlée

ونظرا هذا الخرق الواضح لنظام التوقيت الإداري المستمر من قبل عدد من الموظفين، فالحكومات المتعاقبة وعلى رأسها الوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث القطاعات أو الإدارات، كانت تنوي إخراج مرسوم قانون لتدخل تغييرات على هذا النظام وذلك بهدف ضبط الوقت المخصص لتناول وجبة الغداء ( وربما أيضا وقت الصلات) المحددة في نصف ساعة فقط. لكن لحد الآن لم تجرؤ أي حكومة على ذلك لضبط هذا النظام ليعرف المواطن والموظف بداية ونهاية هده النصف ساعة المسموح بها قانونا...
وعلى ما يبدو فالوزراء المتعاقبون، خاصة الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، لا يرغبون في الدخول في صراع مع الموظفين المؤطرين للتمرد، ضد الرؤساء والمصلحة العامة. ومن ثم فهم يرون ويفهمون ويسكتون ولا يجرؤون على اتخاذ موقف حاسم للحد من الظاهرة...
وفضلا عن ذلك أينسى الموظفون والمسؤولون أن القانون المغربي كالقانون الأوروبي وغيره من القوانين المقارنة يفرض فرضا مبدأ استمرار عمل المرفق العمومي ؟
de la continuité du service public Principe
فالدستور المغربي الجديد ( وهو أسمى قانون ) لم ينص فقط على مبدأ استمرارية المرفق العمومي بطريقة مباشرة بل هيأ أيضا للمشرع وللحكومة القائمة مجال تقنين هذا المبدأ حين نص على أن ضرورة تنظيم الإدارات العمومية وعلى استمرارية خدماتها مع إخضاعها لمقاييس الشفافية والمحاسبة والمسؤولية...
2)من طبيعة المغاربة الإقتصاد عند شراء أو اقتناء أي شيء...ومن ثم فهم يجادلون ويتفاوضون كلما اقترح علهم بائع ثمن خدمة أو بضاعة...ووراء هذه المفاوضات هو شعور المغربي بكذب ومبالغة البائع في الثمن دائما وأبدا...فالمثل القائل " الله إجيب الغفلة ما بين البايع والمشتري" هي قاعدة اجتماعية مغربية لا مثيل لها في المجتمعات المتحضرة. وأغلب المغاربة مقتنع بصحتها سواء لدى البائعين أوالمشترين رغم أنها مقولة مغلوطة وحاملة لثقافة مسمومة ومغلوطة...
ومن ثم، فالمغربي حين يشتري فهو يفكر ثلات مرات قبل الشراء وما بالكم حين سيشتري أكلة خفيفة خلال النصف ساعة المخولة له بصفة قانونية...
فالتوقيت المستمر أضاف أعباء مادية على عاثق عائلة الموظف وغير الموظف...فإذا كان بالمنزل موظفان وطلفلان فإن تكلفة الغداء تصبح مضروبة على القل في إثنين. فالأب ينفق ثمنا لتناول غدائه والأم الموظفة تنفق مبلغا عن وجبتها الغذائية هي الأخرى، والطفلين يكلفان مبلغا لتغذيتهما بعيدا عن واديهما سواء بمطعم المدرسة أو ...
3)تشتت العائلة : فالمغاربة ألفوا لمدة عقدين من الزمن ( على ألقل) نظام التوقيت المزدوج، أي حصتين في اليوم، من الثامنة صباحا إلى غاية الثانية عشر ، ومن الساعة الثانية إلى الساعة السادسة. فألفتهم هذه تجعلهم غير قادرين على معايشة النظام الجديد...والدليل على ذلك هو أنه مر على تطبيق هذا نظام التوقيت المستمر أزيد من 7 سنوات، ورغم ذلك فالموظفون والمواطنون لم ينسجموا معه ولا يطيقونه إلا على مضض لأنه يخلق لهم متاعب اجتماعية لا حصر لها. فالإئتلاف العائلي مس في الصميم...درجة الحنان العائلي تقلصت من خلال الإستمرار في العمل بنظام التوقيت المستمر...هذا فضلا عن أن المغاربة ليست لهم ثقافة الأكل الفردية ولا ثقافة الأكل خارج بيت الزوجية أو الدفئ العائلي...فهم ألفوا الأكل الجماعي حول صحن واحد بأصابعهم ولو متسخة. لكن المثل المغربي المغلوط يقول " يد الفلاح نقية"... المغربي والمغربية ليست لديهم ثقافة الأكل خارج المنزل...ودخلهم المحدود زاد في عدم قدرتهم على مواجهة متطلبات نظام التوقيت المستمر. فدخلهم لا يسمح لهم بالأكل خارج اليت العائلي...
4)نظام التوقيت المستمر نظام ينعكس سلبا على التوازن الغدائي للأطفال والآباء ...ومن ثم تكثر الأمراض النفسية والعضوية لدى الآطفال والآباء...هذا ناهيك عن التسممات الغذائية من خلال تناول مأكولات خارج المنزل لا تخضع لأي رقابة من وزارة الصحة...
5)انعدام تجهيز المحاكم بمطاعم لبيع الوجبات بثمن مناسب ( ما هو الثمن المناسب ؟). وهنا نقف لنقول أن مشاكل المغاربة ليست نابعة منهم بل بسبب العديد من التشريعات والتنظيمات المفروضة من الفوق. فالجهة الرسمية التي فرضت التوقيت المستمر لم تراعي الظروف الإجتماعية داخل الإدارات بل فرضته في غياب التجهيزات اللازمة داخل الإدارات...فقد كان الأولى أن تجهز الإدارات بمطاعم مراقبة. بعد ذلك كان لزاما على المسؤولين أن يدرسوا مستوى قدرة الموظفين على تحمل أعباء ثمن الوجبة. فالمسؤولون لم يراعوا لا هذا ولا ذاك، بل أسقطوا النظام على الشعب وعلى الموظفين...وبعبارة أخرى، لو كانت كل المدارس والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية متوفرة على مطاعم في المستوى وبأثمنة منخفضة ( مثلا 10 دراهم زيادة على تمويلها من طرق صناديق الأعمال الإجتماعية أو ما شابه ذلك...) لساهم ذلك في إنجاح نظام التوقيت المستمر. أما وأن الإدارات بأكملها ( 95 في المائة) لا تتوفر على مطاعم من هذا النوع فمن المستحيل أن ينجح النظام التوقيت المستمر...
6)وإخفاق نظام التوقيت المستمر راجع أيضا إلى عدم استشارة المواطنين المغاربة. فقد جاء في مناقشة ما قبل فرض التوقيت المستمر أن العديد من الموظفين حبذوا العمل بهذا النظام بنسبة 95 في المائة. ولا ندري من أين جاء الوزير المكلف بالوظيفة العمومية، حينها، بهذه الإحصائيات التي لا علاقة لها بالواقع...وقبول الموظفين للتوقيت المستمر في الماضي لا يعني قبولهم به حاليا. كما أن أغلبية المغاربة يشتكون الآن من هذا النظام...
فالحكومة التي فرضته تحت دريعة أن أغلب الموظفين قبلوه وارتضوه ( نسبة 95 في المائة على ما يقال) لم تأخد بعين الإعتبار المعطيات المحيطة بتطبيقه...
فهو إن كان صالحا فيما مضى فهو الآن أصبح ليس فقط غير صالح لغالبية الموظفين بل أيضا مرفوض من طرف غالبية المواطنين...
وإذا كان التوقيت المستمر صالحا لحد الآن لبعض الإداريين والموظفين فهو لا يصلح للكثير من باقي المغاربة. مثلا، فالعزاب والأزواج بدون أبناء مثلا قد يصلح لهم التوقيت المستمر إلى حد معين...أما العائلة المكونة من زوجين وأبناء، خاصة العائلة المتعددة الأفراد، فنظام التوقيت المستمر لا يتماشى مع عقليتها ولا مع نمط عيشها وتقاليدها الموروثة أو المفروضة...
7)نمط العيش العائلي والإنتاج اللبرالي أو حتى الإشتراكي، مع خروج المرأة للعمل خارج بيت الزوجية فرضا نوعا آخر من التعامل مع الواقع...كيف ؟ ففي التوقيت المزدوج ( الحصتين المنفصلة بزمن للراحة) كان بإمكان الأم أو الأب أو هما معا الرجوع للبيت ليس فقط للأكل والصلات والإستراحة بل أيضا لحفظ التآلف العائلي...الراحة لمدة ساعة على الأقل كانت تمكن العائلة من التجمع مرة أخرى للنظر في مسائلها ومشاكلها التربوية و العائلية...أما التوقيت المستمر فهو يقطع الصلة بين أفراد العائلة الواحدة لمدة تزيد عن 9 ساعات...خلال هذه الساعات الطويلة تنقطع أخبار الآبناء عن الأباء والعكس صحيح ( بفرضية قدرة الأطفال على تحمل فراق أبويهما). فالأطفال يصبحون خلال غياب آبائهم ورقابتهم عرضة للمخاطر والضياع والإنغماس في الإنحراف.
فالراحة لمدة ساعتين بين الحصتين الصباحية والمسائية، في نظام التوقيت المزدوج، تمكن الأب والأم من الطمأنة على أبنائهم بالنظر إليهم ورعايتهم وإعانتهم على تصريف يومهم...فالعمل بنظام التوقيت المستمر خلق تشتتا لا تطيقه عقلية الآباء والأمهات المستحوذة غالبا على شخصية الأبناء...
وردا على مقال الباحث عمر حيمري في دراسته المقتضبة والمعنون ب "رؤية سوسيلوجية للتوقيت المستمر"، نقول أن نمط الإنتاج الذي كان المغاربة يتبعونه قبل الإستعمار أصبح غير ما هو عليه اليوم...فإذا كانت المرأة المغربية قبل الإستعمار وحتى بعده بسنوات ربة بيت ولا تحتاج للعمل خارج البيت أو محيط البيت ساهرة على الأبناء تربيتا ومأكلا ورعاية، فالوضع الآن اختلف وتشعب...فالمرأة أصبحت تتلهف للعمل خارج منزلها بل في أحيان كثيرة تقطع كيلومترات كالرجل لتأدية عملها. فخروج الموأة للعمل حطم القيم القديمة سواءا الإسلامية أو العرفية. هذا مع الأخد بعين الإعتبار سبب خروج المرأة للعمل الراجع أساسا لاستأناسها بنظام المجتمع الإستهلاكي0 فهي أصبحت مقتنعة بقدرتها الإستقلال المادي وعلى تكفية حاجاتها بنفسها، خاصة حين يكون دخل الزوج غير كاف لمجارات نمط الإنتاج والإستهلاك الحديثي العهد في المجتمع المغربي. وفعلا، فتكلفة الحاجات الجديدة والمتزايدة داخل المجتمع الإستهلاكي فرضت على المرأة أن تخرج للعمل...كما أن انعدام ضمانة استقرار الحياة الزوجية جعلت المرأة آمنة ماديا على مستقبلها ومستقبل أطفالها في حالة التطليق أو الطلاق...فظاهرة الطلاق باتت متزايدة في مجتمعنا المغربي بشكل رهيب...والعديد من الأحكان القضائية ترجع سبب التطليق أو الطلاق إلى رفض الزوج أن تعمل زوجته...كما أن الخيانة الزوجية تساهم كسبب في ارتفاع معدلها بفعل الإخلاط داخل مقرات العمل...وخلاصة القول أن خروج الزوجة للعمل إلى جانب زوجها وبعيدا عن أبنائها، في الظروف الحالية للإدارة المغربية، يزلز الأسرة ويشتتها ويخلق مشاكل لا حد لها...وهنا لا أخفي اقتناعي بأن رجوع المجتمع الأمومي هو شيئ مرتقب جدا جدا ( اقرأ بحثنا المعنون ب
( " lère de la domination des femmes " )
هذا لايعني رفضنا خروج المرأة للعمل، بل العكس، لكن يجب أن يكون خروجها مفيدا للأسرة وتربية الأبناء والمجتمع...وفي جميع الأحوال، فمن الناحية السوسيلوجية الصرفة فخروج المرأة والرجل معا للعمل خارج المنزل لا يتناسب ونظام التوقيت المستمربظروفه الحالية ونتائجه السلبية والخطيرة على المجتمع...
وبالنظر إلى كل هذه العيوب التي ترافق الأخذ بنظام التوقيت المستمر، يتضح عدم قدرة الموظفين على تطبيق هذا النظام...كما أن أغلبية المواطنين يشتكون من التوقيت المستمر لأنهم متضررون منه نظرا للمشاكل المختلفة التي يخلقها لهم...هذا بالإضافة إلى تدني مردودية المرافق العمومية بسببه...
وخلاصة القول أن كل ما يعانيه المغاربة داخل العديد من الإدارات المغربية هو في بعض الأحيان فوضى عارمة وتغيبات مقصودة ومتكررة وكسل يخسر فيه الوطن ثرواته وتهدر فيه طاقاته ومالع العام...
ومن ثم فالموظف ملزم بتأدية التزاماته بجدية وإنتاجية. وهو فوق ذلك ملزم بوصوله للعمل في الموعد المحدد والخروج من الإدارة في الساعة المحددة قانونا...وهذه الحقوق والواجبات مسطرة بموجب نصوص تشريعية وتنظيمية واضحة...

الحلول الوقائية والعلاجية الممكنة للإستمرار في العمل بنظام التوقيت المستمر :

أما إذا ارتأت الحكومة الحالية أو الحكومات المقبلة استمرار العمل بالتوقيت المستمر فعليها أن تجد حلولا تتناسب مع المصلحة العامة وتتماشا مع عقلية ونفسية بعض الموظفين المغاربة. ومن ضمن هذه الحلول :
- تجهيز الإدارات ومن ضمنها المدارس بمطاعم لائقة وفي المستوى وذلك بأثمان مناسبة للأكل داخلها...
- وإذا كان غالبية الموظفين يحترمون قانون الوظيفة العمومية ويحترمون أوقات العمل، فالبعض منهم غير جدي وغير منتج البتة ويستهتر بمصالح الإدارة والمواطنين...والحل الثاني الممكنة لإجبار بعض هؤلاء الموظفين على القيام بعملهم بدون تغيب، هو خلق البطاقة الإلكترونية لضبط أوقات الدخول للعمل والخروج منه...وهو الحل الذي اختارته الحكومات لدى "الدول المتحضرة "بما فيها الأوروبية رغم أن المواطن الأوروبي هو أقل غشا وكذبا وأكثر وطنية من المواطن المغربي أو العربي الإسلامي...
- أما الحل الآخر الممكن للتغيبات المستمرة والتأخر للوصول لمقر العمل أو الخروج منه قبل الساعة المقررة قانونا، هو زيادة على الإقتطاعات كما هي منصوص عليها قانونا...
- والحل الثالث هو احتساب الإنتاجية والمردودية كما في القطاع الخاص. ومضمون هذه الطريقة الثالثة لمحاربة التغيبات بكل أشكالها هو قيام مختصين باحتساب الوقت المصروف في عمل ما أو خدمة ما داخل الإدارة وإلزامية الموظف بالقيام به ( أو بها) داخل التوقيت المحتسب؛ وبعد ذلك يحسب كم وكيف العمل والخدمة التي قام بها الموظف...
ومن يفترض جهلنا في هذا المقال بشؤون الوظيفة العمومية، فليعلم أننا اشتغلنا شخصيا بالوظيفة العمومية بأوروبا خلال مدة معينة ونعرف كيف تدار الأمور داخل بعض الإدارات العمومية الأوروبية وكيف تقاس نفسية وإنتاجية ومردودية الموظف وكيف يراقب الموظف كغيره من أفراد المهن الحرة وغير الحرة...
من جهة أخرى، بقي أن نفرز بعض القطاعات المهنية التي تصاب بخسائر مادية فادحة من جراء طريقة تطبيق التوقيت المستمر...فعلا، وبما أن مقالاتنا المندرجة في عنوان " مذكرات محام" تصب في صميم مشروع إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، فمن الواجب أن نثير انتباه المسؤولين إلى المعانات الحادة التي يتحملها قطاع المهن القضائية الحرة بالمغرب من جراء التغيبات المستمرة والإضرابات المتكررة والتي تشل حركة القضاء والعدالة عامة وذلك أمام عجز العديد من المسؤولين عن اتخاذ مواقف واضحة...
وتطبيقا للفصل 14 من الدستور المغربي القاضي بأن " للمواطنات والمواطنين، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع"
وبناءا على الفصل 6 من نفس الدستور والذي ينص على أن " القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاص داتيين واعتباريين، بما فيهم السلطة العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالإمتثال له"
ومساهمة منا في إغناء مشروع إصلاح منظومة العدالة، نرجوا الأخد بعين الإعتبار المعطيات السابقة الذكر...

الملتمس : إلغاء العمل بنظام التوقيت المستمر.

وبالنظر إلى ما سبق تعليله والاستناد إليه قانونا وواقعا، نلتمس من الجهات المعنية إلغاء العمل بنظام التوقيت المستمر والرجوع إلى التوقيت المزدوج لأنه ينتج أخف ضرر للموظفين والمواطنين والمجتمع عامة.
الرباط، الحايل عبد الفتاح، محام بهيئة الرباط.



#الحايل_عبد_الفتاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإدارة المغربية لا تعمل إلا صباحا ؟
- مذكرات محام
- غالبية الشعب العربي تحن للدكتاتورية ولا تفقه معنى الديمقراطي ...
- تشابك شياطين وملائكة السياسة والاقتصاد في الوطن العربي
- رسالة مفتوحة إلى السيد وزير الداخلية المغربي
- هل بالجزائر آخر نظام عسكري في الدول العربية؟
- كيف نميز بين الصحيح من الخطإ ؟
- قلة المتخصصين والخبراء بالمغرب مشكل حاد وعويص.
- لوبيات بوزارة التربية والتعليم بالمغرب
- الفيروزات والميكروبات الفكرية الضارة
- مساهمة في إصلاح منظومة القضاء بالمغرب
- رسالة مفتوحة إلى معالي السيد الوزير الأول المغربي بن كيران
- الثورة المصرية بين جهل التابعين والمفسدين وتقاعس غالبية المث ...
- هل المنظومة السياسية لمبارك أقوى من الثورة المصرية؟
- سرقوا منا مؤقتا إنسانيتنا ووطنيتنا وكينونتنا.
- المهم هو إنجاح الثورة المصرية بالتصويت بنعم
- الثورة تهدد مراكز الفساد والاستبداد
- اللبراليون واليساريون ليسوا كلهم ديمقراطيين
- التصويت المصري بنعم للدستور انتصار للمسار الديمقراطي
- سرية معلومتا الخلد والملك في النص القرآني


المزيد.....




- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - الحايل عبد الفتاح - إخفاق نظام التوقيت المستمر بالمرفق العمومي المغربي