غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4004 - 2013 / 2 / 15 - 19:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رسالة إلى صديقتي نيللي.. أو
عــلــمــانــيــتــي؟ سورية.. أم فرنسية؟...
صديقتي نيللي علقت على مقالي المنشور صباح البارحة في الحوار, بعنوان : خواطر من دفتري.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=345526
قائلة أن علمانيتي مكتسبة بعد هجرتي وإقامتي الفرنسية. وأنني لو بقيت في سوريا, لما عرفت العلمانية أو مبادئها وممارساتها.. وهي تعذر صديقي الذي تحدثت عنه, لانتقاله من العلمانية إلى المظاهر الدينية واكتسابه لقب حاج, إثر متاجرته وعمله في المملكة الوهابية... واكتسابه الملايين, بعد فقر طفولته وشبابه المدقع........
يا نيللي أنت على نصف صواب فقط. لأنني منذ بدأت أفكر في الثانية عشر من عمري, رفضت كل ما هو غير منطقي, وغير دنيوي, أو غير ملموس.. ولم تؤثر بيئتي العائلية والاجتماعية والمجتمعية والدين الذي فرض علي فور ولادتي, على اختياري اللاديني, وبالتالي على اختياري السياسي المطلق للعلمانية, كفلسفة أو تطبيقات قانونية وتشريعية, رغم صعوبة المصارحة بهذه الآراء في سوريا آنذاك, حيث أن ما يسمى خطأ الإلحاد أو عدم اعتناق دين, أو رفض اعتناق دين.. أو ما يسمى الردة.. نتائجه القانونية في بلد مولدي, أو في أي بلد عربي, وخيمة.. ووخيمة جدا, يصل غالبا إلى الموت... وأصعب من الموت!!!...
ولكنني أحترم معتقد الآخر المؤمن... ولكن هل يحترم المؤمن معتقدي؟...
وهنا عقدة العقد...
هل يحترم من يرفعون علم الإسلام السياسي المتطرف اليوم, أية بادرة بسيطة من حرية الآخر؟ عندما نرى لائحة ممنوعاتهم ومحرماتهم وشرائعهم واحتقارهم لكل الحريات الإنسانية عامة, وحرية المرأة خاصة... وكل هذا باسم الله والإسلام... مما ينفح ويثبت أكثر وأكثر راديكالية علمانيتي, وأن ما يبشر به, قاطعو الرؤوس والأعضاء لمن لا يتفقون معهم, لا يترك أي شــك عندي بأن الله لو كان حقيقة, لما ترك هؤلاء القتلة وأشباههم وأتباعهم, يفجرون كل هذه الجرائم ضد الإنسانية, وخاصة ضد ســوريا اليوم .. بتمويل أكبر الدول إيمانا وتدينا : السعودية وأمريكا وقطر...
يصرخون تكبير.. تكبير... كلما فجروا بناية أو شارعا.. أو كلما قتلوا جماعات وأفرادا... رافعين سيوف إلههم وأعلامه... بوحشية لا يقبلها أي عقل أو أي تفكير... ومع هذا تريدين يا نيللي.. يا صديقتي أن أؤمن بإلهك المسالم.. أو بإلههم المنتقم الجبار؟؟؟!!!... وبما أنك مؤمنة قانعة, لماذا لا تطلبين من هذين الإلهين أن يتفاهما..وخاصـة في مـصـر,بلد مولدك.. هذا البلد الذي كان روعة الروعات.. وغرق اليوم, يا لألف حسرة, في وحول الجمود والتأخر والعتمة والتعصب الطائفي والفتاوي الغريبة والجهل والحقد.. وكره الآخر...
وهذا ما أخشاه لسوريا اليوم يا صديقتي...هذا ما أخشاه لسوريا... بعدما تسربت إليها أولى آمال العلمانية, وبداية نسمة حرية.. رأيناها تغرق وتتمزق تحت أقدام العنف والموت والسلفية... لهذا أرفض هذه التغييرات السلبية التي مال إليها صديق طفولتي, تحت عباءة الحاج, أو تحت قناع السلفيين الجهاديين الذين مزقوا نصف البلد.
أية حرية.. وأية ديمقراطية, سوف يورثونا إن وصلوا إلى الحكم بسيوفهم المدماة وشريعتهم التي تحمل راية الإلـه المنتقم الجبار.. ولا تعرف أي شيء عن الإله المسالم الآخر... اللذين لن يــلــتــقــيــا... لأن السلام والانتقام لا يمكن أن يلتقيا في جميع الأعراف الإنسانية الحضارية...
أفكاري وقناعتي هذه ليست فرنسية يا صديقتي.. وليست سورية. إنها شخصية فردية ذاتية داخلية في أعمق أعماقي.. لأنها إنسانية.. لأنها طبيعية.. لأنها دنيوية... صحيح أن عادات وتقاليد ودساتير وقوانين بعض البلدان التي تختلف من دولة لأخرى, قد تؤثر على التوجيهات الاجتماعية والجماعية في كل بلد.. ولكن الإنسان العاقل في أية بقعة من الأرض, تبقى لديه بعض فكر أو تحليل... يمكنه أن يختار, ولو بقي محافظا على اختياره في أعمق أفكاره.. وأسـراره!!!...
أعرف.. أعرف أن تفهم العلمانية وقبولها, أمر صعب للغاية.. وفي غالب الدول العربية والإسلامية, صعوبة تفهمها يأتي من الخوف منها ومن خطورتها, نظرا للجذور الدينية التي تغلف حـيـاتـهـا وتدير دساتيرها وقوانينها وعاداتها الاجتماعية والجماعية... ولكن لا فائدة ولا نتيجة لأية محاولة إصلاحية جدية حقيقية, تدوم مع الزمن وتقاوم الفساد المستشري والانحدار الاجتماعي, والوحدة القومية والوطنية, إذا لم نحاول التجربة العلمانية التي يحاربها من زمن مرير عتيق, رجال الدين والسلطة. لأن العلمانية الحقيقية تــهــز عروشهم, كما تلغي سيطرة رجال الدين وتجاراتهم وهيمنتهم وسيطرتهم على عقول الغلابة... الغلابة.. هذه الكلمة المصرية الدارجة الشعبية العامة, التي تعني الفقراء البسطاء... وكم كنا خلال تاريخنا المتوسط والحديث.. غــلابــة.. غــلابــةّ!!!....بعدما نشرنا في العالم كله أولى الأبجديات وأولى أسس الحضارة...
*******
بعد نشر هذه الرسالة وقراءتها, من بعض من صادفتهم على طرق الحياة المختلفة, سوف تنهال علي صواعق الاعتراضات والاتهامات بالعنصرية والإثنية, وأن صراحتي بدأت تأخذ طابع تحدي الآخر ورفضه. نعم.. إني أقبل الاتهام بالصراحة.. وحتى بالصراحة الشرسة. ولكنني لا أقبل الاتهام لا بالإثنية, ورفضي للعنصرية أقوى وأكثر... لأنني فولتيري المذهب والمعتقد والفلسفة.. والممارسة... وحياتي وممارساتي كلها تثبت ما أبدي... ولكنني لا استطيع قبول فقدان الحق والحرية والعدالة... ومن يمارسـون الإسـلام السياسي اثبتوا من أولى محاولاتهم السياسية وانقلاباتهم واغتيالاتهم وتحركاتهم وشرائعهم في البلاد العربية والإسلامية, حين كانوا خارج الحكم, أو عندما اغتصبوه من أقدم التاريخ حتى هذا المساء... أنهم لا يطبقون الـحـق ولا يؤمنون بأية عدالة... لأنهم لو يقبلون العدالة, لقبلوا مساواة المرأة بالرجل.. أو قبلوا بمساواة غير المسلم.. للمسلم.. كما لا يطبقون غير عدالتهم المستقاة من الشريعة الإسلامية, وليس من القوانين المدنية التي تطبق في جميع العالم المتحضر... ومن يواجههم بهذه الحقائق الطبيعية الإنسانية, يتهم فورا بالكفر والزندقة!!!.............
بــــالانــــتــــظــــار......
للقارئات والقراء الأحبة كل مودتي وصداقتي واحترامي... وأطيب تحية مهذبة.
غـسـان صــابــور ــ ليون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟