نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1153 - 2005 / 3 / 31 - 10:00
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
يفاجأ الإنسان فعلا بحجم تلك الكتابات وكميتها الهائلة التي يقابلها على صفحات الإنترنت وما يمكن تسميته إصطلاحا بـ"السوق السوداء" للكتّاب,والبضاعة الصحافية "المهربة"عن أعين الرقباء الصارمة, والتي لاتسمح لأية فكرة لا تروق لأصحاب الشأن من أن تلج الدكاكين الثقافية التي بنوها بعرق الجبين,والمواربة,والطلاء المنمق,وحافظوا عليها عبر عشرات السنين من التسلط,والحجب,والرقابة والإغلاق,الذي بدا كله الآن غير ذي جدوى,ولم يمنع بوادلر الإنفجار.وقد وجد أصحاب هذه الكتابات المتحررة من قيود السلطات,والتي اشتد الطلب عليها خاصة هذه الأيام, في الإنترنت المجال الرحب لعرض أفكاره ,وتصوراته ,وأرقامه ووقائعه التي قد تكون صحيحة,وقد تحتمل الخطأ ,وقد تفهم أحيانا بشكل مغاير.ولقد منع الإستئثار بالسلطة, واحتكار وسائل الإعلام من قبل المتنفذين وأصحاب القرار هؤلاء من التعبير عن أنفسهم والمشاركة في العمل الوطني العام .ولذلك ترى أن مايجمع بين كل تلك المساهمات والأعمال هو خيط الإهتمام بالصالح العام, الذي هو ليس تهمة ,وليس عيبا ,أو حكرا على أحد ما.ويقيني التام أن معظم هؤلاء لو وجد المتنفس "الثقافي "و"الفكري" لما لجأ إلى أي مكان آخر للتعبير عن نفسه والمساهمة في خير البلاد.
ولو عدنا للداخل, وللأبواق الناطقة باسم السلطات, ستجدها دوما في اتساق, ونسق عام تصب فيه من حيث حجم الموالاة,والعزف على نفس الأوتار.وللأسف الشديد ,تصادف حجما ضخما من المديح والإطراء, حتى عندما تكون الخطوات كارثية وتجلب البلاء.وإن كان البعض يكتب ويقول عكس قناعاته حفاظا على لقمة عيشه التي لا يساومه عليها أولئك الماسكون بقنوات النشر ,والمتحكمون بسوق التعبير والكلام.ولا نعتقد أن أحدا سيتورع مطلقا عن السير في الاتجاه الصحيح والسليم لو توفرت له الأجواء والأدوات,ولكن تسلط البعض وهيمنته المطلقة ورغبته في سير الأمور باتجاه معين منع كل تطور وإبداع.
ويشعر المرء براحة البال والضمير والاطمئنان وهو يقرأ هذا الكم الهائل من الكتابات ,منها ماهو الجيد ومنها ماهو المثير فعلا ,ومنها ما لا يستحق مجرد النظر إليه.وتتفاوت الكتابات والتحليلات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار المتطرف .ومن كتاب النور إلى كتاب الظلام وعشاق الكهوف.وللحق يقال قد يجد المرء في كافة الأطياف مايسر البال ,ويسعد الخاطر فعلا,وإن اختلف معه بالتوجه الحزبي والعقائدي الذي قد يكون سببا في التناقض والخلاف,ويحمل معه في النهاية احتمالات المواجهة. ولا تخرج تلك الكتابات عن نطاق الإهتمام بالشأن العام ,وتعكس فعلا اهتمام أصحابها بما يدور في بلدانهم ,التي أصبحوا بشكل ما غرباء عنها.
وفي خضم هذه الأزمات المتتاليات التي شهدتها الساحة في الآونة الأخيرة, يتساءل المرء هل لو كان الجو صحيا كما يتمنى الجميع ,وهل لو أتيح لهؤلاء الزملاء الأفذاذ من قول كل مايحلو لهم, ويجول بخاطرهم بصدق وشفافية,ووجدت من يصغي لهم باهتمام,هل كانت وصلت الأمور إلى ماهي عليه من ترد وتهالك ,وخطر بالإنزلاق في المجاهيل التي لايعلم أحد أين ستستقر في نهاية الأحوال؟وهذا مايؤكد مقولة أن المقدمات الصحيحة تقود إلى نتائج صحيحة ,والمقدمات الخاطئة تقود حتما إلى نتائج كارثية ومأساوية على الجميع ,ولا يستثنى منها حتى من كان برتبة مهيب ركن ولديه عشرات الفيالق ,وجيوش الإنتحاريين ومشاريع الشهداء.فهل لولا وجود جوقة المطبلين والمزمرين المهللين للأخطاء ,والمبررين ,والمصفقين للإنحرافات بحذلقات فكرية ,وتنظير ,وإيديولوجيات ما أنزل الله بها من سلطان,فهل كان مصير ذلك البائس كما انتهى به الحال؟وهل لو استمع للرأي الآخر هل كان وجده المارينز في حفرة يوما ما؟ولماذا لا يتعلم أحد هذه البديهيات ومصر على تكرار نفس سيناريو الأحداث.
ليس كل من قال فكرة أو حكى كلمة خارجة عن التصور المألوف,أو خارج الأبواق المحرمة على الرأي الآخر ,وأشار إلى الأخطاء هو خائن,ومرتد,ومنحرف وفاسق كما يصوره عرفاء الأمن وكتبة "الضبوطة",وكما يردد ويروج محتكرو الوطنية ,ومنتجوها ,ومصدروها ,وبائعوها لمغسولي الدماغ,ويهمسون بهذه الإكتشافات العظيمة في أذان أولياء الأمور.وعلى العكس تماما فقد كان هؤلاء على الدوام ,وفي كل العصور كجرس إنذار يشير إلى موقع الخلل الذي يجب فورا تداركه, ومعالجته قبل أن تستفحل الأمور, وتصبح عصية على الحل,وتحمل معها بذور الهلاك.
وعود على بدء,هناك الكثير من الأفكار النيرة والهامة,والخيرة ,والوطنية الصادقة,والتي تحمل الكثير من التصورات البناءة ,بغض النظر عن الاتجاه السياسي والحزبي الضيق ,والكريه,ولكنها في صورتها العامة وطنية ,واستراتيجية وبعيدة المدى .فلم لايتم أرشفتها معلوماتيا وعلميا, وبوتقتها في إطار إداري كـ"معهد استراتيجي" مثلا يقدم الدراسات, والتحليلات ,والتفسيرات للظواهر الساسية الخارقة لأصحاب القرار والتي يعجز عن فهمها أصحاب الدكاكين الصحفية الصغيرة التي تهتم ببيع أدوات التجميل والعطور والزركشات ,و"الموناكير",وتعجز عن رؤية الآفاق البعيدة,لإصابتها بقصورالنظر بسبب بقائها عقودا طويلة في قوالب الإيديولوجيات الضيقة,وعدم مبارحتها حضن السلطات.ومن ثم يتم "غربلة" كل ذلك,كما يفعل زميلنا الباسل الرائع في بعض المقدسات ,ومن ثم الخروج بتصور لابد أن يحمل بعض الخير, إذا لم يكن كله, للصالح العام.ويتم في الوقت نفسه إيجاد موسوعة وطنية تضم كل هذه الأفكار المتناثرة في أروقة الإنترنت,والأسماء التي انتشرت في كل مكان, والتي قد تضيع,لاسمح الإنترنت والرقباء, مع الأيام .وبالتالي تضيع معها أهميتها الكبيرة في رفد الأوطان بكل ماهو نافع, وبما يحميها من المخاطر والصعوبات.وكل الأسف لو ضاعت ولم تجد من يهتم بها في نهاية المطاف.وكم أشعر بالأسى والندم حيث لاوجود لقناة جامعة واحدةتصب بها كل تلك الكتابات؟
ولو وصل هذا المقال ليد أحد من صناع القرار, فأرجووبصدق أن يقرأه بتمعن واهتمام,ويعلم فعلا أن الوطنية تجري في دماء الكثيرين بدل الهيموغليبين والصفيحات الدموية,والكريات البيض وكافة الأمصال الأخرى.وترك المطبلين المزمرين, ولو لوهلة بسيطة, وهم مشغولون بالأعراس والأفراح والهتافات والمسيرات المليونية الكثيرة, وهم الأدرى بها ,على كل حال.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟