أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم مرزة الاسدي - الشاعر جميل الساعدي بين د . المقالح وإثم قصيدة النثر ...!!















المزيد.....

الشاعر جميل الساعدي بين د . المقالح وإثم قصيدة النثر ...!!


كريم مرزة الاسدي

الحوار المتمدن-العدد: 3995 - 2013 / 2 / 6 - 10:11
المحور: الادب والفن
    


الشاعرجميل الساعدي بين د . المقالح وإثم قصيدة النثر ...!!
كريم مرزة الاسدي
ذهب ( أدونيس) إلى أنْ " ليس لدينا شعر جديد , فالجديد لا ينهض إلاّ إذا كانت لنا رؤية مغايرة للرؤية القديمة , وأنا أشكّ في وجود مثل هذه الرؤية " (1) , وقد بيّنا وجهة نظرنا حول المقولة المقالة في موضوع سابق , ومثله الدكتور عبد العزيز مقالح , وهو ناقد عربي كبير , وباحث قدير , ورئيس جامعة جدير , إذ كنـّا لا نعرف كيف ذهب به التطرف في دعوته للمغايرة إلى حد بعيد , وقد نقبل منه على مضض قوله : " وبغض النظر عن نجاح هذه المحاولة أو إخفاق تلك المحاولة , فإنَّ مسارات التغيير ينبغي أن تستمر , ويجب ألا تتوقف ..." ( 2) , ولكن كيف - بربّك - نقبل منه , وتحت أي ذريعة أو مبرر - صرخته القاسية : " لعل الشاعر محمد أنعم غالب الوحيد بين كلّ شعراء الجديد - يقصد في اليمن - الذي لم يقترف إثم كتابة العمودي , ولم تشتهر أو حتى تروى عنه قصيد عمودية ..." (3) , ويدعم دكتورنا دعوته للمغايرة بقوله : " ويكاد القارئ العادي ينسى نفسه وسط الزحام , لكنه لابد أن يألف الجديد ويأنس إليه , وأن يرددمع حكيم المعرة :
ستألف فقدان الذي قد فقدته ***كإلفك وجدان الذي أنت واجدُ "
ليسمح لي الدكتور مقالح أن أحاوره في هذه الخصوصية فقط , لعلمي بجهوده المضنية في خدمة الأدب العربي ونقده , بعد أن أستعير كلمته بحق الدكتور طه حسين حين كتب عن الشاعر العربي الأموي العصر (وضاح اليمن) قائلاً : " غريب أمرالدكتور طه , كيف يصف شاعراًهذا مستواه الفني بالإسفاف والابتذال والسقوط واللين . " (4) , وعلى السياق نفسه , غريب أمر الدكتور مقالح , كيف نعت كتابة الشعر العمودي بـ (الإثم) , ويعتبر عدم كتابته مأثرة تستحق التمجيد , فهنالك احتمالان , إمّا أنّ الشاعر اليماني (الغالب ) , لا يجيد نظم الشعر العمودي , وهنا مكمن الإثم , على حد وصية الحطيئة :
الشعر صعب وطويل سلمهْ***إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمهْ
زلت به إلى الحضيض قدمهْ***** يريـد أن يعربه فيعجمهْ
فمن هذا المنطلق ينقلب (الغالب ) إلى خاسر بالضربة القاضية , وإمّا أن الدكتور تخيّل أنّ الشعر العربي الأصيل أصبح يتيماً لا يوجد من يدافع عنه , بل عقيماً لا ينجب من يجدده , وهو يدافع عن أحد الشعراء العموديين من الطبقة الثانية في عصره , ويرتكز في دعوته على طود شامخ من شعرائنا العظام المعري - الذي استهجن حتى الرجز الجميل من بحوره لسهولة نظمه ,وكيف نسى الدكتور أنّ الفرد شيء , وأنّ النوع شيء آخر , وأن الفرد يموت ويفقد , فمن الممكن أنْ تألف غيره , , وأمّا الأمّة لا تموت ولا تـفقد تراثها , فكيف ستألف غيره , وكيف سيفقد النوع الإنساني , , ومن هذا النوع العرب غرائزه وأحاسيسه ليألف غبرها .
ألا ترى من حقـّنا على نهج الدكتور المقالح أن نقول أنّ الشاعر العراقي جميل حسين الساعدي لم يقترف إثم كتابة قصيدة النثر على حدّعلمي , وأنا ممتبع لما ينشره في المواقع العراقية , وخصوصاً (النور) و (المثقف ) منذ أكثر من سنة , بل لم أرقب حتى قصيدة (تفعيلة) له , والله أعلم بما سبق من نظمه , فالرجل بعيد عني بحكم الغربة , ولم أتشرف بمعرفته عيانياً , إلا عن طريق المواقع ما بين شعر منشور , وتعليق مكتوب , وأخذ وردّ على مابين السطور , وهذا لايكفي الناقد الشغوف لمعرفة خبايا النص والأنطلاق من التعريف إلى التحليل , وكلّ نفس لا تجيش بخوالجها إلا بما تحتمه عليها بيئتها , ومما لفت انتباهي أنّ الشاعر قضى طويلاً في غربته وتغرّبه , وأجاد اللغة الألمانية -حيث إقامته الحالية - قراءة وكتابة وترجمة , و نال شهادة أكاديمي بها أو بآدابها , كما يذكر زميله الشاعر العراقي سامي العامري في أول تعليق على أول قصيدة نشرت له في موقع (النور) بتاريخ (31 / 1 / 2012 م) , تحت عنوان (اقرعي الطبول ) قائلاً :
" جميل الساعدي الشاعر المجيد البليغ المحيط اللغتين العربية والألمانية بإتقان والحاصل على الماجستير بالأدب الألماني هنا في ألمانيا والذي ألف ونشر رواية بعنوان : تكملة للعبة الكريات الزجاجية قت في ألمانيا صدىً كبيراً ... وهي تكملة أدبية راقية لرواية هيرمان هسه الشهيرة , هذا الشاعر المخضرم في دنيا المنافي والمغتربات ! تراه يكتب الشعر العمودي بتمكن وبموهبة نادرة بل هو من ترجم مسرحية غوته الشهيرة : فاوست إلى اللغة العربية بشعر عمودي بارع حاكى لغة غوته وحافظ على معانيه وروحه الشاعرة , يطل علينا هنا بقصيدة رومانسية كثيرة التوهج وتنطوي على عتاب رقيق وروح نقية ومرحة رغم الألم !" (5)
والحقيقة اللغة الجرمانية عريقة صافية من الشوائب , وهي لا تأكل حروفها كالأنجليزية والفرنسية والإيطالية , إذ تعتبر سهلة النطق , صعبة الإنسياب , منبع اللغة الإنكليزية , فإن كان للأخيرة (شكسبيرها) , فللأولى (غوتهها) , وما (غوته) إلا الفرد المتميز من بين آلاف الشعراء والروائيين والكتاب الألمان , ولعل شاعرنا الساعدي , سهلت عليه الألمانية , لتعلمه اللغة الأنكليزية في وطنه الأم العراق , فاللغتان كما ذكرنا من أصل واحد , وتركيب لغوي واحد , ومع هذا كلـّه لم ينجرف إلى (إثم) التقليد والتجربة المعاصرة المغايرة !! كأنما أراد أن يقول أنّ الأصالة العربية لا تقل عراقة من الجرمانية , بل أعمق منها , وأبدع !
شاعرنا الأصيل شعرأ وأصلاً , نشر في موقع النور خلال سنة واحدة منذ التاريخ أعلاه إلى اليوم ما يقارب خمس وخمسين قصيدة , أي بمعدل قصيدة في الأسبوع الواحد , ولكن هذه القصائد نظمت في فترات متباينة منذ منتصف سبعينات القرن الماضي حتى اليوم الحالي , ففي القصيدة المذكورة آنفاً (اقرعي الطبول ( , والتي يتشكل عقدها من ستة وعشرين بيتاً من بحر (الرمل) التام , ضربها قد جاء سالماً (فاعلاتن) , وأحياناً أصابه زحاف (الخبن) , فأصبحت التفعيلة (فعَلاتن) , وقافيتها متواترة ... فسيصكّ ُ سمعك اللحن الراقص , والنغم المغنى , وينتهي كل بيت بلفظ القافية المتواتر الهادئ المتعقل , فكأنما ينتهي بعد ثورته المنفعلة بـ (لا) المترددة , فالشاعر بين ثورة وردّة , تنافر وتجاذب , كبرياء ورضاء , وأنا - والحق يقال - لست بصدد نقد القصيدة , وإنـّما هدفي أنْ أأتي بإنموذج لشاعر قدير يقيم في غرب الدنيا , ويفقه لغة دنياه الجديدة بجدارة , وحافظ على شعره العمودي الأصيل بقدرة وإجادة , وإليك هذه الأبيات اللاهبة الراقصة الجذ ّابة : اقرعي إنْ شئت ِ للحرب ِ طبـــولا *** املأي الدنيا صهيــــلاً وخيولا
لك ِ أنْ تنتقمــــــــي أن تجعلــــي ****ما بنيناه ُ خرابـــــــا ً وطــلولا
لك ِ ما شئْت ِ .. فكونـــي ثورة ً **** وبراكيــن َ وريحــا ً وسيـــولا
حرّري العفريت َ من أغلالـه ِ ***** افتحي قُمْقُمــه ُ حتّــى يصـولا
لا أخالك بحاجة أن أدلـّك على التحدي الصارخ بأفعال أمره , ولا مبالاة بما تفعله انتقاما...هدماً ...ثورة... وهذا التناسق البياني الراقص الرائع في صدر البيت الثاني , وتسلسل واوات العطف الرابطة بين قوافي الأبيات ومعانيها , ومضامين حشوها بأعاريضها , فالأفكار المتعاقبة تتجسد في عضوية واحدة , وهكذا تستمر القصيدة في وحدتها المتماسكة حتى ختامها , وهذا دليل أكاد أنْ أدلك عليه للوصول إلى رقي النظم ليتلائم مع عصره :
طرَدَتْك ِ النفسُ من عالمِـــها *** قَبـل َ أن تعتزمي أنْتِ الرحيــلا
وُجْـــهة ُ الرحْلة ِ قد غيّرت ****بَعْـد َ أن ْ فكّرتُ في الأمْر ِ قليلا
وإذا مـــا الريح ُ مالت ْ فجأة ً ***كان َ للزورق ِ حـق ٌّ أنْ يميـــلا
بقى إلى آخر رحلته يتماهى بزهو الشعراء , ولو أنه أعطى لنفسه , وربما لها , قليلاً من العذر , ومن يعذر لا يعذل , كما يقول ابن خلفة الحلي في بنده :
أهل تعلمُ أم لا
أنْ للحبًِ لذاذاتْ ؟
وقد يعذرُ لا يعذلُ
مَن فيه غراماً وحوى ماتْ
فذا مذهب أرباب الكمالات
فدع عنك من اللوم زخاريف المقالات ...!!
لذلك حيرنا الشاعر الساعدي في بيته الختامي , هل الزورق قد مال بعد رحيلها شغفاً بها فتعلقا , أم حزناً عليها فتأرقا ؟! سؤال يبقى لغزاً جوابه عند صاحبه !!
ولا أطيل عليك - يا صاحبي - سنعرج على قصيدته (صور من الريف) المنشورة في موقع (النور) نفسه بتاريخ ( 19 / 01 / 2013 م ) , وقد نظمها في فترة السبعينات أبان الطبيعة المتبرجة الهائمة قبل الحروب المتعرجة الهادمة , وقد غيّر الشاعر نهجه من وصف طبيعته الغناء المغردة إلى التشبيب بغانيته العذراء المعطرة , ومن أنفاس ( ساكب روحه) محمد إقبال الخالدة إلى (ساكبة الزيت) على ناره لتأجيج شعلتها الخامدة , ويقرّ الرجل في أحد تعليقاته (النورية) عليها قائلاً :" إن من يقرا قصائدي القديمة ويقارنها بقصائدي الحديثة لا يصدق أنَّ ناظمها هو نفس الشاعر " , والحقيقة أنّ مسارب وصف الطبيعة تؤدي إلى رومانتيكية التشبيب بالحبيبة .
القصيدة التي نحن بصددها يتشكل عقدها من ثلاثة وعشرين بيتا من البحر البسيط التام المخبون , وقافيتها المتراكبة بحركة كسرتها الشجية , فإليك منها : ً
النهرُ ساجٍ وصفْوُ الليـــــلِ مُنتشــــرٌ*** ينســـابُ فــي كلِّ شئ ٍ غايةَ َ البُعُـــد ِ
كأنما الليلُ إذْ يمتــــــدُّ راهبـــــــــــــة ٌ ***راحتْ مُفكّــــــرة ً فـي معبد ِ الأبــــد ِ
كأنَّ دُنيــا ً مِـــنَ الإلهــــام ِ قدْ فُتِحَـــتْ*** فراح َ دفّاقُهـــا ينصبُّ مِــنْ صُعُـــــد ِ
فانزاح َ عنْ كُلِّ شــئ ٍ ما يُحجّبُــــــهُ *** *وحُرّرتْ مُهْجَــــــة ٌ مِنْ ربْقة ِ العُقَــد ِ
كأنمــــا النفــــسُ إذْ حَلّــتْ سكينتُــــها*** في عـــالم ٍ بمعانــي اللطْف ِ مُحـْتشد ِ
تمازجــتْ في مداها كلُّ خاطـــــــــرة ٍ **** بخاطر ٍ أزلــيٍّ غيـــــر ِ ذي أمَـــــــد ِ
لا الأمس تذكرُ منهُ مـــــا يُكدّرهـــــــا **** ولا ترى حكمــة ً في حمْل ِ هَمِّ غـدٍ
كما ترى مهّد من مطلع قصيدته غير المصرع بالخروج عن اجترار القديم , بل تعدّى الدلالات اللغوية المألوفة , فمنح صفة السجو للنهر , وقد جاء في القرآن الكريم : والضحى والليل إذا سجى , ومعناه سكن ودام , وقال الفراء : إذا أظلم وركد في طوله كما يقال : بحر ساج وليل ساج إذا ركد وأظلم (6) , والشاعر أدرى بما ذهب إليه بدليل تفسيره للمفردة موجزاً , ونعت الليل بالصفو , والصفو من صفات الماء فـ " الصفو والصفاء , ممدود : نقيض الكدر صفا الشيء والشراب يصفو صفاء وصفوا... وصفوة كل شيء : خالصه من صفوة المال وصفوة الإخاء ... وصفا الجو : لم تكن فيه لطخة غيم , ويوم صاف وصفوان إذا كان صافي الشمس لا غيم فيه ولا كدر .." (7) , فإذن الشاعر كما يبدو لي هو الذي أراد لنفسه الصفاء من كدر القيل والقال , والركون إلى الخلوة والسكون في أمد غاية البعد , والانطواء في ذات الله , حتى سمح لخياله الخصب الملهم في تصوير بالغ الروعة بتشبيه الليل البهيم كراهبة متأملة في معبد الخلود السرمدي , ثم يواصل مسيرته الصوفية المشبعة بالتشبيهات والاستعارات ما بين إلهام وصعود وتدفق , وإزاحة حجب , وإزالة عقد ...إلى أين يريد بنفسه الساعدي , قد قارب قاب قوسين أو أدنى من اللطف الخفي ...!! لم يكتف بهذا العشق الصوفي حتى يذوب امتزاجاً حلولياً بالمطلق الأزلي , فشاعرنا هو الآخر قد تأثر بفكرة حلول الحلاج الحسين بن منصور( قتل 309 هـ / 922م) إذ يقول :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا ***نحن روحان حللنا بدنا
أدنيتني منك حتى *** ظننتُ أنّكً أنّي
ولكن لماذا هذا كلـّه ؟! , يجيبك البيت الأخير من المقطوعة المستقطعة :
لا الأمس تذكرُ منهُ مـــــا يُكدّرهـــــــا **** ولا ترى حكمــة ً في حمْل ِ هَمِّ غـدٍ
وهكذا أراه الآن قد استلهم روح المعري في بيته من قصيدته الخالدة عند رثاء صديق عمره أبي حمزة الفقيه :
تعبٌ كلـّها الحياة فما أعْـــــجب إلاّ من راغب ٍفي ازديادِ
أمّا بقية ما اخترنا من أبيات القصيدة , فلا تقل روعتها الإبداعية مما سبق , إليك الأصل , ومن بعده الفصل :
ومشــهد ٍ للمراعي راح َ يوقظـــــهــا ***مِنْ غفْوة ِ الظهْر ِ لحْنُ الصادحِ الغَرِد ِ
والشمسُ تبعــث ُ مِنْ انوارهــا لُججـا ً **** زحّـافة ً في امتــداد ٍ غيْر ِ ذي أَوَدِ
والأرضُ مُخْضلّــة ٌ خضراءُ طافحـة ٌ *** بالطِيْـب ِ ترفـــل ُ في أبرادها الجُـــدِد ِ
والنهــــرُ يبعـــثُ أنغـــاما ً مُحبّبــة ً***تسهــو بها النفسُ مِـــنْ هـمٍّ ومِن كَمَــــد ِ
قـد أورد َ النفس َ دنيا ً غير َ عالمِها ***فتّـــــانة َ السحْر ِ لـَــمْ تُولـَـــدْ ولـَــمْ تَلِـد ِ
حتّـى إذا امتدَّ ظلٌّ واعتلى شفــــــقٌ *** *وغيّب َالشمس َ مجرى ثـمَّ لـَمْ تـَعُــــــد ِ
ولاح َ في الأفْق ِ نجْــم ٌ جـِـدُّ مؤتلق ٍ *** ** وأوشك َ الدرب ُ أنْ يظلم َّ أوْ فـَقـَــد ِ
وراح َ راعي غنيمـات ٍ يجدُّ خُطـى **** سعْيـــا ً إلــى حيث ُ يلقى راحــة َالجَـسَد ِ
تغيّــرتْ صـورُ الأشياء ِ والتحفت ْ *****بُرْدا ً جـــديدا ً بما في الكون مِــن بُـــرُد ِ
وانســاب َ نورُ فوانيس ٍ مُعلّقـــــة ٍ *** * يُفاخرُ الشـُهْــب َ في الإشراق ِ عـَـنْ بُعُـد ِ
لوحة فنية لك أنْ تتمعن فيها هنيهة , قد تحسبها لليوناردو دافنشي أو فان كوخ أو بابلو بيكاسو سوى أنـّها ناطقة ...! شرع شاعرنا بالمراعي الغافية , والطيور الصادحة , فذكرني بأمير الشعراء وقوله :
صدّاح يا ملك الكنــــــــــار ويا أميرَ البلبل ِ
قد فزتُ منك بمعبدٍ ورزقت قرب الموصلي
وأتيحَ لي داودَ مــــزماراً وحســـــــن ترتل
وفي البيتين الثالث والرابع قفزالساعدي ليتخيل الأرض الغناء غانية هيفاء , معطـّرة بالأطياب , تتماهى بالأزياء , كعروس نجلاء , ووقف النهر متربصاً بها ليشدو لها أعذب الألحان , والنفس الشاعرة الساهية في عجز البيت الرابع لم تكن سوى مراقبة لمشهد الطبيعة الفتان , كأنها سائحة في شوارع باريس وبرلين واليونان ..!! فبذور الرومانسية كامنة في نفس الشاعر من قبل , وسبقى من بعد.
والحق ربما أول شاعر عربي لفت الانتباه للعلاقة بين تبرج الطبيعة وتبرج الأنثى العبقري البغدادي ابن الرومي , اقرأ ما يلي :
ورياض ٍتخايلَ الأرض فيها *** خيلاءَ الفتاةِ في الأبرادِ
تبرّجت بعد حياءٍ وخفرْ *** تبرج الأنثى تصدّتْ للذكرْ
لمنْ تستجدُّ الأرضُ بعدك زينة ً*** فتصبحُ في أثوابها تتبرّجُ ؟
إذا كان الساعدي قد لجأ للتشبيه الضمني , والآستعارة المكنية في بيتيه , فابن الرومي ذهب للتشبيه مؤكداً بحذف أداتي التشبيه في بيتيه الأول والثاني , وإلى الاستعارة المكنية في بيته الثالث , المهم تلاقت الرؤى والصور التخيلية لرسم اللوحات الشعرية الفنية .
أطلنا المقام - يا سادتي يا كرام - فنرجع إلى المرام , فهل هذا الشعر الساعدي العربي الأصيل بأوزانه وقوافيه , وتأملاته النفسية , وصوره الإيحائية التخيّلية , ومراميه الصوفية الحلولية القناعية , وتسلسل أفكاره كوحدة عضوية , وتراقص أنغامه الموسيقية , إثم ما بعده إثم , , أم فنّ ٌ لا يضاهيه فن ؟ ! أين الإثم في الأصالة الحاضنة أم المغايرة التائهة ؟ ! نترك الأمر لمستقبل أهل الشأن , ولنا حاضرُ شأن ...!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (مجلة العربي) : العدد 242 ص 23 - الكويت .
(2) ( الشعر بين الرؤيا والتشكيل ) : الدكتور عبد العزيز مقالح - ص 12 - دار طلاس - دمشق .
(3) (نظرات في الأدب والنقد ) : عبد الرزاق البصير ص 96 - نقلاً من كتاب (من البيت إلى القصيد ) للدكتور عبد العزيز مقالح .
(4) ( الشعر بين الرؤيا والتشكيل) : ص 79 م. س .
(5) موقع (النور) : جميل حسين الساعدي (اقرعي الطبول) بتاريخ 31 / 01 / 2012 م .
http://www.alnoor.se/article.asp?id=140761
(6 ) (لسان العرب ) : ابن منظور - ج 14 - الصفحة 371 - موقع مكتبة الشيعة .
لسان العرب) : ابن منظور - ج 8 - ص 257 - 2003 م - دار صادر. ) ( 7 )



#كريم_مرزة_الاسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 5- دعبل الخزاعي بين الموقفين الموالي والمعارض (*)
- تغيير الحكّام لا يعني تدمير الأوطان ...!!
- الثقافة العربية من أين...؟ والعراقية إلى أين ؟!!
- 22- التجديد في الشعر - الجاهلي : الوزن والقافية
- هؤلاء بين أيدي هؤلاء
- صرخاتٌ على عثراتٍ للتاريخ مرّة ثانية ...!!
- صرخاتٌ على عثراتٍ للتاريخ ...مرة ثانية ..!!
- التجديد في الشعر العربي (*) - 1 - المقدمة في الشعر الجاهلي
- 3 - عباقرة غربيون أخفتهم حياتهم وبرزوا بعد مماتهم ...!!
- سامي العامري و حقّه في -طرافة النقد الشعري العراقي...-
- 4 - ملامح مسيرة دعبل من الولاية حتى الولاية
- عباقرة عمالقة أخفتهم حياتهم وبرزوا بعد مماتهم ...!!
- 6 - انصهار المدرستين وبزوغ المدرسة النحوية البغدادية
- رضُ العراق ُكأرضكِ الحمراءِ منْ نزفِ القلوبِ
- 3 - ا - لمحات من مسيرة دعبل الوجه الآخر للشعر إمام المعارضين ...
- 5- مدخل لنشأة النحو العربي أضواء خاطفة عن ابن السكيت والمبرد ...
- نَّ العراقَ إذا أودعتهُ أملاً * أكرمْ به - إنْ تعافى- باذخ ا ...
- - دعبل بين هذا وذاك ...!! يجب أن نتعوّد على أحترام الرأي الآ ...
- - مدخل ل -لنشأة النحو العربي ..- سيطرة مدرسة الكوفة النحوية
- لبنانُ يا نبعً الأشاوس ِوالنفوسَ الثائرة ْ


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم مرزة الاسدي - الشاعر جميل الساعدي بين د . المقالح وإثم قصيدة النثر ...!!