أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد درويش - وداعا فيصل قرقطي















المزيد.....

وداعا فيصل قرقطي


خالد درويش

الحوار المتمدن-العدد: 3979 - 2013 / 1 / 21 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


عام 1985 التقيت فيصل للمرة الاولى في صوفيا التي جاءها زائرا في طريقه من بوخارست الى نيقوسيا. كان عميقا وهادئا كبحيرة، دافئا كمساء في نيسان، وبسيطا كالندى، وكان، ازاء ما يمسُ أناه الرفيعة، وروحَه المشبعةَ بالكرامة والاباء، واضحا وقويا كطلقة بندقية. وفي تلك الايام، التي أعقبت لقاءنا الأول توثّقت بيننا علاقة رسختها اللقاءات العديدة الدافئة على قلتها في سنوات المنفى، علاقة لن تنفك عراها لزهاء ثلاثة عقود من الزمن...
مسار طويل معمد بتفاصيل الحياة التي لايفصح عنها المرء الا لنفسه. كان الشعرُ مقيما دائما، وصفحةُ التجاربِ الشخصية، بتفاصيلها الاثيرةِ ومشاعرِها الجياشة، بمسرّاتها ومراراتها، مفتوحةً على وسعها، ككتاب بلوحات. اما الذكريات فكانت زادَنا الذي نستعين به على محنة البدايات الملتبسة في الوطن الذي انتظرناه طويلا على ضفاف الشتات. وفي لحظات كثيرة، كنت اشعر بأنني هو، وبأنه أنا.
في البدايات، في غزة واريحا، في الرام ورام الله، كان فيصل اكثرنا حراكا وحيوية. كان يتنقل بحقيبة كبيرة عامرة بالكتب الجديدة والنصوص المتجددة، ويجوب، بشغفه العميق وطموحه الواسع وانتاجه المتدفق، مدن البلاد على اتساع الخارطة، يوزع أحمال ابداعه على المدارس والجامعات والمؤسسات الثقافية، وحين أدرك أن الطريق الى النور محفوف بالوحل والأسى واللوعات، أوى فيصل إلى ركن عزلته العالية في بير زيت، الى شرفته التي تطل على البلاد والعباد، ليرى ولا يُرى. انها شيمة الكبير.
هناك، في ركنه العالي كان فيصل يديرُ ظهرَه لكل شيء، ويفتحُ وجدانَه على كل شيء، على أحزانِ البيادر المحروقة، وميلادِ ريحانة على الشرفة، على بكاءِ طفلٍ سقط دفترَه العزيزَ على الطين، أو مطرٍ خفيفٍ في تشرين، يتساقط على زجاج النافذةِ المغلقة. يهزُّه موتَ طائرٍ، ولا يهتزّ بسقوط طائرة، يستوقفُه ثغاءَ الحملان العائدة من الحقول عند المغيب، ولا يأبه بالجيوش التي تجتاح المدينة.
منذ درعا، حتى بير الزيت، ومرورا ببيروت وبوخارست وتونس ونيقوسيا، ما انفكّ فيصل عن الخوض في السؤال الأثير لديه، سؤال الشعر، وتكريس همّتَه وطاقاته لهذا السؤال. لم ينشغل فيصل بأمور خارج ما يمليه الهمّ الثقافي، إلا لماما، وكان اهتمامه بالأدب، وبالشعر بشكل خاص، يصل درجة الزهد وحدّ التنسك. كان يستغل وقته ببسالةٍ يُحسد عليها، ومثابرةٍ عزّ نظيرُها، وما كان لديه الوقت لاستعراض صورة المبدع المشغول، لأنه كان مشغولا حقا، كان مشغولا بترتيب فوضى الاسئلة، وتدجين فظاظات الحياةِ القاسية. لم يكن لديه ميل للتطرّف، الا تطرف الاهتمام بمشاغل الادب. ولم يكن يتعالى على الاخرين، لأنه كان عاليا بتواضعه وبساطة تعامله مع الآخرين.
كتب علي ان ارثيك، يا فيصل، فالفيت نفسي غيرَ قادرةٍ الا على رثاءِ حالي، رثاءِ حالِنا، نحن اصدقائك الذين ما زلنا ننتظر فوق التراب، باحثين في هذه الفوضى العمياء عن ما يشبه الضوء.
لن اقول اليوم وحدي، فالاصدقاء والأحباب، اصدقاؤك ومحبيك، يا فيصل، قالوا:


طارق الكرمي:
الشعرُ اليوم يقفُ دقيقةَ أبدٍ في الحدادِ عليكَ
قميصي أسودُ
العالمُ أسودُ
رايتي سوداءُ
الماءُ أسودُ
وأنتَ وحدكَ الآنَ مغسولٌ بالثلجِ.

غسان زقطان:
اتركْ لنا شيئاً
سنحزنُ لو ذهبتْ،
اُترك لنا، مثلاً،
إذا أحببتَ
صورتَك الأخيرةَ عند بابِ الدار.
رحلتَنا معاً في الصيف.
رائحةَ الصنوبرِ، تلك،
تبغَكَ أو كلامَكْ؟!
ثم لا تذهبْ وحيداً كاملاً
كالسيفْ.

زهير أبو شايب:
حتّى الحادية عشرة ليلا كنتَ تجاهدُ لتردّ علينا يا صديقي.
ظلّت يدُك تشدّ على يدي وعيناك لا تريان سوى الزوال،
ثمّ لم تعودا تريان شيئا من هذا العالم الواسع الصغير.
وداعا يا صديقي الحبيب.
وداعا يا فيصل قرقطي
لقد مزّقت قلبي قبل أن ترحل.
حسن البطل:
برجُه السرطان، السرطان الأبيض. وله ما للسرطان من صفات: يرتدي درعاً يغلفُ رهافة جوفِه. هو هكذا: رقيقٌ مرهفٌ وشاعرٌ حقيقي، وله درعه الصلب الذي يجعله يتحمل "نائبات الدهر حين تنوب".

زياد خداش:
كان صديقي فيصل شاعرا حتى في نزوله عن درج بيته، في قوله (ألو) حين يتصل أو أتصل، حتى في مرضه كان شاعراً، قال لي: وكـأن نصفي الأسفل سافر.. كان فيصل صديقي، كان صديقي.


شاكر حسن:
الراحل فيصل قرقطي هو واحد من شعراء الطليعة الفلسطينية الذي اثروا الادب والثقافة الفلسطينية المعاصرة في المهاجر والمنافي والوطن المحتل، باعمالهم وابداعاتهم الشعرية ودراساتهم النقدية، وهو علامة مضيئة وفارقة في فضاء الشعر والادب الفلسطيني المعاصر، قضى نحبه وهو في قمةِ عطائِه، وأوجِ تألقِه.
يحيى رباح:
حين التقيته اخر مرة في رام الله كان فيصل ما زال على هدوئه واستغراقه في التأمل واستقراء المشهد في وطن عشقناه ومنحناه عمرَنا، هذا الوطن المفعم بالعدالة والبطولة، القريب مثل نبض العروق والبعيد وراء الأسيجة والجدران ونقاط التفتيش والأسلاك الشائكة.
هدلا القصار:
أتيتُ لأدونَ غيابَك في ذهولي
لأفرشَ ظلالَك
وأُسْرِجُ خيولَك مع طائرٍ ... أطْلَقْتَ سراحَه يوما
لأملأ سِلالَ الصدقِ من أوتارِك



احمد سيف:
كم لامس الندى وجه المحارب المتعب، كم حمله الهواء إلى يوم آخر وليل اخر يمتد إلى ما قبل نهوض البشر. كم طافت الأحلام والكوابيس هذا المتسع من أقصى العلو إلى المدى الأبيض فوق الوهاد؟ تأتي الشمس كل صباح تنفض الضباب وينفض هو أحمال ليلته.
هل تعب فيصل من الصعود إلى جبله،عليته وشرفته؟ هل مد يده إلى أعلى يتلمس علوا اخر، وهل لامست كفاه السماء؟.
هل أراق في لياليه المديدة ما يغفر غيابا ملوعا خادعا؟ وهل نثر في الرواق ما قد نمضي زمنا نلملم فيه مشهدا يليق بالغائب؟

ويبقى الهتافُ الاشدُ ايلاما للقلب، هتافُ سماء، سماؤك يا فيصل، التي صنعتَها بيديك الحانيتين كائنا من قمح وفضة، وهي تناديك:
في مكتبة أبي أجد كل شيء .. عينيه، ملامحَه، همومَه، ونبضَه، لكنني، في مكتبة أبي لم أجد كتابا واحدا يفسر لي كيف يمكن أن يكون لي إسمٌ، مع أن أبي لم يعد يناديني به...



#خالد_درويش (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوابيس انتفاضة الأقصى
- ندى
- سيّان
- اشياء بسيطة
- محمود درويش في صوفيا
- موت المتعبّد الصغير
- أول مرّة/6
- أول مرّة/ 5
- أوّل مرّة/4
- أول مرّة/ 3
- موتي
- أول مرة/ 2
- أول مرة
- الصين والمجلس الثوري لحركة فتح
- خطايا البحث واخطاء المبحوث في استطلاعات الرأي
- نبيذ رمادي
- اسماء الريح
- خميس الموتى
- احلام اخرى
- جذور


المزيد.....




- القهوة ورحلتها عبر العالم.. كيف تحولت من مشروب إلى ثقافة
- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد درويش - وداعا فيصل قرقطي