أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد درويش - نبيذ رمادي














المزيد.....

نبيذ رمادي


خالد درويش

الحوار المتمدن-العدد: 2212 - 2008 / 3 / 6 - 09:32
المحور: الادب والفن
    



يوآنا، البولندية الشقراء ذات العينين الزرقاوين والجسد الضئيل، طالبة الآداب في جامعة صوفيا هي التي كانت معي في غابة الحرّية.
عند منتصف الليل يغلق السكن الجامعي أبوابه ولا يعود بمقدور ساكنيه أن يدخلوا. فاتنا الوقت لذا سنمشي في هذه الغابة حتى الصباح، وإن داهمنا النعاس ننام في بيوت الساحرة (بيوت صغيرة ملوّنة من الخشب للهو الأطفال).
"الشجعان فقط يحلمون أحلاماً ملوّنة"، قالت "يوآنا" وأخذت تصعد سلّماً خشبياً طويلاً الى أعلى الشجرة. أخذت "يوآنا" تتضاءل وهي تصعد مئات الدرجات على السلّم الطويل حتى صارت تبدو بحجم سنجاب.
"كفى يوآنا، كفى إيّاك أن تقعي!".
ناديتها، فجاءني صوتها من بين الأغصان العالية:
"هيا إتبعني سننام على هذا الغصن لنرى أحلاما ملونّة، هيّا!".
خشيت الصعود. كانت السلالم المنصوبة على الجذع العالي تتأرجح، وخشيت أن أرى الأشياء رمادية في منامي فأسقط في إمتحان الشجاعة.
كان طريق الغابة ضيّقاً وجميلاً وطويلاً ينتهي بشمس مغيب حمراء وكبيرة بشكل مدهش . أفلتت يوآنا يدها الصغيرة من يدي، وقفت وأمسكت جبينها بين سبابتها وإبهامها كمن فاجأته فكرة. أسبلت يدها وتحوّلت الى وداد-جارتنا في الحيّ الذي عشت فيه سنوات حياتي الأولى. سمراء ومكتنزة، ترتدي مريول الصف التاسع الأزرق وتحمل على ظهرها حقيبتها المدرسية. تمددت وداد على قارعة الطريق بين الأشجار وكانت الأرض مفروشة بطبقة سميكة وطريّة من ورق الخريف. تمددت بقربها وغفونا لنحلم. ظهرانا الى ورق الخريف ووجوهنا الى قبة السماء الهائلة المرصعة بالنجوم.
دخلت في منامي السوبرماركت الكبير في مدينة الطلبة بصوفيا. كان ثمة عدد كبير من الطلبة المتسوقين: روس وألمان وقبارصة وعرب وكوبيين وأفارقة وفيتناميين.
بحثت عن النبيذ، النبيذ الأحمر الذي لا لبس في لونه كي أتأكد من أنني أرى أحلاماً ملوّنة لم يكن ثمة نبيذ. لقد إستبدلوا النبيذ بقوارير المياه المعدنية صادفت "أيّا"، طالب الهندسة المعمارية النيجيري. ردّ على تحيّتي المقتضبة بضحكة مجلجلة. تقدّم مني، شبك ذراعه بذراعي وقال هامسا:
"تبحث عن النبيذ الأحمر، أليس كذلك!".
وافقته فقادني الى زاوية محاذية للباب الخلفي للمتجر كانت مخصّصة لبيع معلّبات طعام الكلاب والقطط.
كان النبيذ داخل صناديق من الكرتون مكتوب عليها بخطّ هندسيّ منمّق: "نبيذ أحمر". فتحت واحدا من الصناديق المكدّسة على الرفوف وتناولت منه زجاجة كتب عليها بنفس الخطّ الهندسي: "نبيذ أحمر"، ولكن، يا لخيبتي! كان السائل في الزجاجة بلون رمادي. تناولت أخرى وأخرى وكان السائل في جميعها رمادياً فشعرت بالقهر والاحباط.
على مقربة منّي انهمك عمال المتجر برفع بعض صناديق النبيذ الى كوّة في أعلى الجدار ليتناولها عمّال آخرون في الخارج ويكدّسونها في شاحنة صغيرة على الرصيف.
"ألا يوجد هنا نبيذ أحمر؟"، سألت أحد العمّال، فردّ عليّ باقتضاب وعفوية:
"النبيذ الرمادي يستعيد لونه في الجهة الأخرى من الجدار".
غادرت السوبرماركت متّجها الى الشاحنة العارمة بالصناديق. حال وصولي شغّل السائق محرّك شاحنته التي أخذت تغادر بتثاقل. تبعتها مهرولا، تسلّقت عارضة بابها الخلفيّ رفعت الغطاء الجلدي الذي كان يجلّل البضاعة وحاولت فتح أحد الصناديق فلم أفلح لأنّها كانت مغلقة بإحكام. كرّرت المحاولة دون جدوى.
ما ان انتهت العمارات والبيوت حتى أخذت الشاحنة تسير بسرعة بين الحقول التي إزدانت بالأزهار الملوّنة. رأيت المارغريت الأبيض والأقحوان الأزرق، رأيت الحنّون القاني وأزهار أشجار اللوز... ولكنّي كنت مكتئبا لأنني لم أتمكّن من رؤية لون النبيذ الأحمر في الصناديق المغلقة.



#خالد_درويش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسماء الريح
- خميس الموتى
- احلام اخرى
- جذور
- الجنة
- منامان
- مرايا
- احلام
- عشر حالات
- قصائد


المزيد.....




- شباب سوق الشيوخ يناقشون الكتب في حديقة اتحاد الأدباء
- الجزيرة 360 تشارك في مهرجان شفيلد للفيلم الوثائقي بـ-غزة.. ص ...
- النيابة تطالب بمضاعفة عقوبة الكاتب بوعلام صنصال إلى عشر سنوا ...
- دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد درويش - نبيذ رمادي