|
صورتنا في -مرآة الزعتري-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3970 - 2013 / 1 / 12 - 21:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثَلْج، ثَلْج، ثَلْج؛ هو بحدِّ ذاته جميل؛ لكنَّه غدا الأجْمَل إذْ غَنَّتْه، وتَغَنَّت به، فيروز بصوتها العَذْب، وبما مازَجَه من سِحْر اللَّحْن؛ فما عاد لجمال هذا الزائر أنْ يَكْتَمِل إلاَّ بأغنيته الفيروزية. لكنَّ هذا الزائر الموسمي السنوي أتانا هذه المرَّة مُكْتَسِياً معاني جديدة؛ فمكانه وزمانه، أو "زمكانه"، وهو "الربيع العربي"، أكْسَب الثلوج التي غَطَّت وكَشَفَت؛ غَطَّت ربوع بلادنا بغطائها الأبيض الجميل، وكَشَفَت كثيراً من عيوبنا، من المعاني الجديدة ما جَعَلَ "الثَّلْج"، مع عواقبه وتبعاته المختلفة، جزءاً من "الحراك الشعبي الثوري العربي"، ووقوداً جديداً لهذا الحراك؛ فالشعب السوري الذي يَغْلي غَضَبَاً على "روسيا السياسية"، استشاط على "روسيا المناخية" إذْ عَلِم أنَّ لها يداً في هذه "الكارثة الجوَّية" التي أصابته، وأصابت النازحين واللاجئين من أبنائه، وكأنَّ موسكو أرادت رَفْد "عدائها العسكري والسياسي" لثورة الشعب السوري بـ "عداء جوِّي". "سؤال الثَّلْج" ذَكَّرني بكثيرٍ من "الأسئلة الميتافيزيقية"، كسؤال "هل المطر مفيد أمْ ضار؟"؛ فَلَمْ أَجِد، من ثمَّ، من جواب عِلْمي عن هذا السؤال الفاسِد إلاَّ "الجواب النِّسبي"؛ فالثَّلْج مفيد وإيجابي وجميل نِسْبَةً إلى..؛ لكنَّه ضارٌّ وسلبي ودميم نِسْبَةً إلى الفقراء والمعوزين في بلادي، ونِسْبَةً إلى النازحين واللاجئين السوريين على وجه الخصوص؛ ولقد عانَيْنا معاناة بعض هؤلاء اللاجئين في مخيَّم الزعتري. في هذا المخيَّم (وفي غيره، وأشباهه، في لبنان وتركيا، وشمال العراق) لم أرَ "المنخفض الجوي (العميق)" إلاَّ على هيئة "منخفض إنساني وأخلاقي وحضاري وقومي وإسلامي (عميق)"؛ فهُنا نَظَرْنا في "مرآة الزعتري"، فَلَمْ نرَ فيها إلاَّ "صورتنا الحقيقية"؛ صورة وَجْهنا الإنساني والقومي والإسلامي القبيح؛ وكأنَّ لبشَّار حلفاء كامنين في ذواتنا؛ فجاء الثَّلْج، الرُّوسي الأصل، ليُظْهِرهم، وليُخْرِجهم من السِّرِّ إلى العَلَن؛ فإنَّ بمثل هذه النوائب والنوازل يُخْتَبَر، ونَخْتَبِر، معدننا؛ فبئس القصدير معدناً! "الزعتري" إنَّما ينتمي إلى "الواقع الحقيقي"، لا إلى "الواقع الافتراضي"؛ لكنَّ هذا الذي يسمَّى "المجتمع الدولي" نَظَر إليه، وعامَلَه، على أنَّه جزء من "الواقع الافتراضي"؛ فما كان من "المأساة الثَّلْجية" التي لبسها المخيَّم وقاطنوه إلاَّ أنْ عرَّت هذا "المجتمع"، وأحد أجزائه، من ثمَّ، وهو "المجتمع العربي (والإسلامي)"، من كلِّ لبوسه من القِيَم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والحضارية؛ ولقد انهزمت هذه القِيَم والمبادئ شَرَّ هزيمة أمام "الطاغية الثَّلْج"؛ وللتذكير إنْ نَفَعَت الذِّكْرى أقول إنَّها هُزِمَت، مِنْ قَبْل، على أيدي المتغنِّين بها، في الأزمنة العادية، إذْ قالوا في "آية جرأتهم الكبرى": "إنَّ السلاح الكيميائي خَطٌّ أحمر؛ فليَجْرؤ صاحبه على استعماله، لنُرِيَه، عندئذٍ، أيُّ صِنْفٍ من الرِّجال نحن!"! نحن بَشَرٌ من قصدير؛ مزدوجون إحساساً ورأياً وموقفاً؛ ولسوف آتيكم بالدليل. إنَّه مواطِن من بلادي، أعرفه حقَّ المعرفة، كبير السِّنِّ، لا يَقِف مع "الربيع العربي"؛ لأنَّه نصير لـ "الأمن والاستقرار"، يُقدِّسهما، يُسبِّح بحمدهما، ولو كان ثمنهما باهظاً من وجهة نظر طُلاَّب الحرية والكرامة..؛ لكنَّه متعاطِف (قومياً وإسلامياً وإنسانياً) مع الشعب السوري، يدعو له في كلِّ صلاة، ويدعو على بشار، ويُسَرُّ كثيراً، ويبتهج، إذا سمع خبراً جيِّداً (عسكرياً أو سياسياً) للثورة السورية. ولَمَّا عاين معاناة اللاجئين السوريين في مخيَّم الزعتري، وبانت له وجوه المأساة التي أصابهم بها "المنخفض الجوي (العميق)"، واشتد لديه الشعور بالعجز عن فعل أيِّ شيء لمساعدتهم، والشعور بتبكيت الضمير، تحوَّلت في نفسه "وجهة الغضب"، فصبَّ جام غضبه ليس على الجلاَّد، هذه المرَّة، وإنَّما على الضحية نفسها؛ وكأنَّه بهذا "التحويل" يصبح مرتاح الضمير! باستنكار (مُلْتَبَس الماهية) تساءل قائلاً: "لماذا جاءوا (أيْ نزحوا ولجأوا) إلى هنا؟"؛ "أمَا كان ينبغي لهم أنْ يبقوا هناك، ويموتوا في ديارهم، أيْ بيديه؟"؛ "ألا يَعْلَمون أنَّ مواردنا لا تكفينا؟"؛ "وهل قدرنا أنْ نظلَّ إلى الأبد نحتض اللاجئين من كل حدب وصوب؟". لقد نسي الآن كل أدعيته في صلواته؛ ولقد تجشَّمْتُ مهمَّة صعبة هي تذكيره بالمشاعر الإنسانية، أو القومية، أو الإسلامية؛ وكأنَّ هذه المشاعر لا تَصْلُح لنا، ولا نَصْلُح لها، إلاَّ في خارج "قاعة الامتحان"، نتزيَّن بها، ونتزركش، في الأوقات العادية، وما دام الواقع الذي نعيش لا يتحدَّانا أنْ نكون على صورتها، قولاً وفِعْلاً وسلوكاً وموقفاً! في "امتحان الثَّلْج" رَسَبْنا جميعاً، دولاً وحكومات ومجتمعات، وبانت لنا شخصيتنا على حقيقتها، وعَرَفْنا أنَّ القصدير معدنها، وأنَّ النفاق سمتها، وأنَّ الأنانية هي الأمَّارة لنا؛ فهلاَّ أدْرَكْنا الفرق البيِّن والجوهري بيننا وبين المجتمعات الغربية، التي لو كان "الزعتري" عندهم لَمَا كان على ما هو عليه عندنا، ولَمَا تصرَّف البشر هناك في مواجهة المأساة التي حلَّت به كما تصرَّفْنا نحن هنا!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشَّار الثالث!
-
حتى لا يعيث التعصُّب الطائفي فساداً في الربيع العراقي!
-
تباشير فَجْرٍ عراقيٍّ جديد!
-
نتنياهو إذْ جاء متأبِّطاً -الكونفدرالية-!
-
إذا ما زار نتنياهو الأردن..!
-
سيكولوجيا انتخابية أردنية!
-
هل نسي الأسد أنَّ فَتْح دمشق بدأ بمعركة اليرموك؟!
-
فكرة -نهاية العالَم- ما بين -الخرافة- و-العِلْم-!
-
ما معنى -دين الدولة هو الإسلام-؟!
-
في ديباجة مسودة الدستور المصري
-
الشرع إذْ شَرَّع طريقاً إلى -الإنقاذ-!
-
المادة الغائبة عن الدساتير العربية!
-
-صندوق الاقتراع- يُشدِّد الحاجة لدينا إلى مارتن لوثر إسلامي!
-
كلاَّ إنَّ الإنسان لم يُوْلَد حُرَّاً!
-
-أزمة دستور- أم -أزمة ثورة-؟
-
توقُّعات ونتائج!
-
فضيحة البرادعي!
-
حِرْصَاً على ثورة 25 يناير..!
-
كيف تؤثِّر -الكتلة- في -الفضاء-؟
-
-مجتمع الحقوق- أوَّلاً!
المزيد.....
-
باميلا أندرسون تعيش لحظة مميزة.. نظرة على مسيرتها
-
رد فعل طريف من ماريا كاري حينما علمت متأخرا برحلة كيتي بيري
...
-
-اصطدمت بخط الكهرباء وانفجرت-.. تحطم مروحية في نهر المسيسيبي
...
-
-حماس- تُعلق على تصريحات نتنياهو بشأن خطط -السيطرة العسكرية-
...
-
- سيعودون إلى القطاع بعد تماثلهم للشفاء-..إندونيسيا تخصص جزي
...
-
نتنياهو: إسرائيل -تعتزم- السيطرة المؤقتة على غزة و-ليس حكمها
...
-
الجزائر ترد على ماكرون بسحب امتيازات من سفارة بلاده
-
ماذا تحمل زيارة فيدان إلى دمشق من رسائل سياسية وأمنية؟
-
الجزائر تتهم فرنسا بـ-التنصل من مسؤولياتها- في الأزمة بين ال
...
-
-توقيت لافت-.. ما الملفات التي تناولها لقاء فيدان والشرع في
...
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|