أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - السلفية اليسارية وداء الشيخوخة المبكرة !* - الجزء الأول















المزيد.....



السلفية اليسارية وداء الشيخوخة المبكرة !* - الجزء الأول


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 275 - 2002 / 10 / 13 - 17:49
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


  السلفية اليسارية  وداء الشيخوخة المبكرة !*

                    " الجزء الأول "

                                                                

فقاعات وشتائم :

  الرد الذي نشره  عصام شكري في موقع " الحوار المتمدن " تحت عنوان " سقوط الأقنعة "، تعقيبا على ما كنت قد كتبته حول مقالة رفيقه سمير عادل، خيب ظني وظن عدد من الأصدقاء اليساريين  الذين شاركوني الأمل في وجود محتوى واعد ورصانة سلوكية مأمولة  في هذا الحزب الذي نظرنا إليه بفضول أول الأمر ، ثم بشيء من التفاؤل .

 لقد  أنصف كاتب هذه السطور هذا الحزب  بسبب  مواقفه المبدئية والصائبة ، لا خوفا  و  لا  مجاملة بل تسجيلا لشهادة موضوعية في ثلاث مناسبات خلال العامين الماضيين  و رابعةً في المقالة  التي  ساجل فيها أحد أعضائه  . ولكن ، وللأسف  يبدو أن أمثال عصام شكري يريدون منا أن نصفق لهم  ولحماقاتهم الفكرية والسياسية  فقط  ؛ أي  أن لا نكون نقديين أو منتقدين  لما يكتبون ويفعلون وهذا هو جوهر الشمولية والنزعة الفاشية التي تصرخ في الجميع  : ( أخرسوا ، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة !) 

  لقد جاءت الفقاعات  التي فجرها عصام شكري لتقول لنا بأننا  قد بالغنا ،يقينا ، في تفاؤلنا حول هذا الحزب ، وأن ما كان يطفوا على السطح من مواقف متشنجة له حول أمور عديدة في الحياة العراقية والعربية والعالمية كالسياسة والدين والفكر والمرأة ..الخ هو تفاؤل متسرع وليس في محله ، إذ يبدو أن هذه المحاولة   أكثر شحوبا وخواء وريبة مما يمكن أن يتوقع المرء .

  لا أقول ذلك كرد فعل متشنج على قبضة الشتائم الستالينية المقرفة التي استعملها هذا السيد من قبيل ( منطق أجوف / إنسانوي بليد / رأسمالي مسالم وناعم كالثعبان / موقف رجعي سافر / ..الخ ) فمن جهة أصبح هذا النوع من الشتائم مستهجنا  وباليا بعد أن لاكته ألسنة الستالينيين طوال سبعين عاما ومن جهة أخرى صارت لدى كاتب هذه السطور  مناعة وحصانة نفسية ضد كل أنواع الشتائم ، والتي تنهال  من اليمين واليسار والشمال والجنوب والملكين والجمهوريين بهدف التشويش أو الإسكات . والحقيقة، فلم أعد ألتفت إلى هذا النوع من رياضة المفلسين  ولكني سأستمر  حتى النهاية  بقول ما أنا مقتنع به قناعة عقلية ، وبما هو نتاج حقيقي لرأسي أنا وليس لرأس الآخر سواء كان هذا الآخر  حزبا أو مفكرا أو بهلوانا ومهما كان الثمن .   ولكني أتساءل فقط :

 أ الى هذه الدرجة تؤثر مقالة واحدة ،تختلف مع الأصنام الفكرية لبعض الحركات السياسية  والمقدسات الأدلوجية المتيبسة، والتي خرمها الزمن تخريما ،فتهز الرفيق عصام شكري هزا عنيفا لدرجة إنها أخرجته  عن طوره ودفعته الى استخدام لغة  قد يخجل من استعمالها مفوض شرطة موتور في مديرية أمن بغداد  ؟

أ الى هذه الدرجة ، وبهذه السرعة تكلست وشاخت  تجربة "الشيوعمالية " حتى قبل أن تنغرس في تربتها الحقيقية وصار لها جلادوها ومقاصلها وممنوعاتها وشتائمها ؟

  لا أبالغ إذا قلت إنني شكرت السماء!! بعد أن انتهيت من قراءة مقالة عصام شكري   على أنني كتبت تلك المقالة و حزبه  الشيوعي العمالي  لم يصل بعد الى السلطة في العراق  وإلا لكان رأسي "الرجعي السافر والإنسانوي البليد "  على حد تعبيره "المهذب "قد قُطع بسيف ( المبادئ العمالية المضيئة ومثل الحرية والمساواة ) التي يبشرنا بها في طول وعرض مقالته !!

معنى الستالينية :

  أبدأ أولا  بأن أوضح للقراء أن الحرية  التي يرفع رايتها  " الحزب الشيوعي العمالي " قد تلقت صفعة على وجهها من هذا الحزب بالذات ، حين رفضوا  أن ينشروا   ردي على مقالة سمير عادل في مطبوعتهم الرسمية " الشيوعية العمالية " التي سبق لها أن نشرت مقالة هذا الأخير ، وقد ورد الرفض في رسالة رسمية الى ناقل المقالة . وهذا قسط أول على ذمة الحرية "الشيوعمالية " التي يَعِدون بها الجماهير العراقية و يقولون لنا بمؤداه : نهاجم و نساجل الآخرين على صحافتنا الحزبية " تكسياتنا " ونرفض أن ننشر ردودهم علينا لكي لا تخترق مكروباتهم الرجعية أدمغة رفاقنا الطاهرة النقية !!

 يا سلام !

ثم يزعلون حين يقال لهم : انتم ستالينيون  !

والحقيقة، فحزب عصام شكري لم يخترع اللبلبي  أو البقلاوة في هذا النوع من التعامل " النزيه " مع الكتاب والمثقفين  بل إنه كرر ممارسات موقع " عراق نت " التابع لحزب "الجلبي باشا" و الذي ينشر بين فينة وأخرى تهجمات عناصره المفلسة سياسيا وأخلاقيا ضدنا ويرفض أن ينشر ردودنا عليهم !

ولكن لماذا يزعل الرفاق في الشيوعمالي من وصمهم بالستالينية ؟

 هل يعتقدون بأنهم خارج نطاق هذه الصفة لأنهم بدورهم يشتمون الستالينية  ويصفونها بالمجرمة ؟

 حسنا، لقد كان  الحزب " الشيوعي " الروماني بقيادة الدكتاتور شاوتشيسكو  يُدرِّسُ كتبا عديدة ضد الستالينية في أكبر معاهده الحزبية ، ويعتبر نفسه عدوها الحقيقي رسميا ، ولكن ذلك لم يمنعه من السقوط في مستنقعها المعادي للشيوعية الإنسانية الثورية  ، لماذا ؟

 لأن حزب تشاوتشسكو كان يأخذ عمليا بدكتاتورية  الحزب الواحد ، و خرافة الاشتراكية في بلد واحد ، وباستبداد العبقري " المغفل " رقم واحد ! وهكذا نصل الى نتيجة مفادها أن توجيه الشتائم   واللعنات الى "الخَبل السياسي " لا يشكل  مانعا من الإصابة به !

   ثم إن النظرة الجدلية التاريخية  الساعية الى حيازة القطيعة الإبستمية في التحليل المنهجي  الى شخصية دكتاتور كبير بحجم ستالين لا ينبغي أن تسقط في "مانوية " الأبيض والأسود كما يفكر بعض الحزبيين المصابين بداء العظمة ، فكما قلنا إن ستالين ،الدكتاتور الدموي ، و ماسخ  ومشوه الشيوعية الإنسانية بنظامه الشمولي ،هو أيضا الزعيم السياسي الماهر بالمقاييس الاحترافية ، والإداري والعسكري الكبير الذي قاد بلاده في الحرب العالمية الثانية نحو النصر وساهم مساهمة كبرى في تدمير الوحش النازي الألماني وإنقاذ العالم من  شروره .

 الجهل بالتاريخ  :

  إن مقالة عصام شكري تحيلنا - للأسف - الى  تقليد حزبي مقيت يحتقر الآخرين لمجرد أنهم يختلفون مع خطه الحزبي الأدلوجي ، و يجعل من محتكري الحقيقية في قيادته وفق الأساليب الستالينية  المعهودة مجموعة من سلالة الملائكة المطهرين أما غيرهم ، أي مَن هم خارج حزبهم ، فهم أشبه بالغويم" الأغيار" بموجب التقاليد السلفية اليهودية .

  هذا التقليد القمعي واللاديموقراطي أو لنقل المناقض لمبادئ الحرية ،طالما أن السيد عصام شكري حساس جدا  من كلمة " الديموقراطية "التي يعتبرها ،أو هكذا تعلم ، أنها ديموقراطية برجوازية دائما  ، إن هذا التقليد القمعي  يؤكد بالملموس أن هذه المجموعة من الشباب الثوريين  -ونتمنى أن نكون على خطأ - مازالت تعيش  في الخمسينات من القرن الماضي إن لم تكن تحيى  خارج التاريخ الفعلي  . دع عنك إنها تجهل أصلا -كما يبدو-  إن التجربة المجالسية " السوفيتية " ليست من اكتشافها الخاص ،بل هي تجربة تاريخية بدأت قبل ثورة أكتوبر الروسية سنة 1917واستمرت بعدها ، وآخر وقائعها  التاريخية كانت في كومونة " فرانكفورت " والتي قادها  الفونزة شميت وغابي ومانفرد وجيرهارد و يوديت والذين أهداهم رفيقهم العربي أبو علي ياسين كتابه الشهير " الثالوث المحرم " .

   و قد نهضت المجالسية أيضا وتلاشت  في الثورة الطلابية والعمالية في فرنسا سنة 1968  كما أن هناك حركة يسارية انتشرت ثم تلاشت   في تلك الآونة وقادها "راؤول فاينجام" تحمل الاسم والشعارات المجالسية ذاتها .

    وأخيرا  فلا يمكن المرور على هذا الموضوع دون تذكر وتحية  تجربة الانتفاضة الشيوعية الاسبارتيكية  في برلين سنة 1919 والتي قادها كارل ليبنكخت و روزا لكسمبورغ  .

   ولقد كانت روزا معروفة على نطاق الحركة الشيوعية العالمية  بفكرها المضاد على طول الخط لتجربة البلاشفة ولفكر لينين " البلشفي "  و تحديدا  في قضايا الحزب والسلطة والمجالس ، ومن ثم مبادرتها الى تأسيس " رابطة سبارطيكوس " وقيادة الانتفاضة المسلحة الباسلة   التي انتهت بمقتلها ومقتل رفيقها "ليبنكخت " على أيدي القوات الحكومية  البرجوازية الألمانية ( قطع الفاشيون جسديهما إربا وألقوا بهما في مجاري برلين  !!). ومعروفٌ الموقفُ الشهم الذي عبر عنه لينين حال سماعه بخبر مقتلها فعلى الرغم من خلافاتهما الشديدة والجوهرية فقد رثاها بكلمات  شاهقة كقامتها فكتب  :  قد تنخفض النسور في طيرانها الى مستوى طيران الدجاج غير أن من المستحيل على  الدجاج أن يبلغ  تلك القمم الشاهقة التي تبلغها النسور  . ولقد كانت روزا نسرا حقيقيا !

   خلاصة القول : أن الرفاق في " الشيوعمالية " لم يخترعوا  هذا الخط الفكري " المجالسي "  بل إنهم أعادوا إطلاقه من جديد بعد أن غلفوه وطعموه  بكل ما هو مقيت وقمعي ومحافظ من التجربة الستالينية  .

  نعم ، لقد كرروا إطلاق صيغة حكم عمالي  مجالسي دام عامين تقريبا في روسيا بعد ثورة أكتوبر 1917 ثم قضى البلاشفة أنفسهم على هذه الصيغة حين أحلوا حزبهم محل المجالس  ، ولكن الشيوعماليين المعاصرين -كما يبدو-  يجهلون الجوهر الحقيقي لتلك التجربة  المنتمي بقوة الى ما نسميه الماركسية ذات الوجه الإنساني الحداثوي والمعادي للاستبداد الحزبي، وهاهم يحاولون إحلال تمنياتهم الطيبة في تشكيل حزب حقيقي محل الحزب ومن ثم إحلال هذا الحزب المأمول أو الرمزي  في المجالس العراقية حتى قبل العودة  الى العراق !

 

جوهر المجالسية :

إن جوهر التجربة المجالسية كما عبرت عنه فكريا وممارساتيا الثائرة الشهيدة روزا لكسبورغ وغيرها من القادة الماركسيين الثوريين  هو التأكيد على التناقض الكامن بين قمعية الحكم  الحزبي  أيا كان الحزب ونقدية وانفتاح القاعدة المجالسية الساعية الى التحرر الحقيقي من التشيؤ والاستلاب الرأسمالي في الغرب الرأسمالي  ومن الجوع الحقيقي والأوبئة في أربعة أخماس العالم الأخرى ، و وجوب الانتصار والانحياز  للثانية"نقدية المجالس "على حساب الأولى " قمعية و برغماتية  الحزب الثوري  " فإذا ما حصل العكس ذات يوم ، فسوف نجد  أنفسنا إزاء اتحاد سوفيتي ستاليني النمط حتى لو تعلق زعماؤه بأستار الكعبة وأقسموا  بجميع الكتب المقدسة  أنهم ليسوا  كذلك  !

   إن الدليل على أن عصام شكري يجهل جوهر الموضوع ، وأنه  لا يفهم ما يكتبه الآخرون ، بذات الدرجة التي لا يفهم بها ما يكتبه هو نفسه ، نجده في الفقرة التالية من مقالته : ( يتوضح جهل الكاتب  -علاء اللامي – المطبق بالماركسية مثلا الى حد اعتبار السلطة السوفيتية ما بعد لينين بأنها اشتراكية أو شيوعية ولكنها بنظره الثاقب " تجربة فاشلة " ستالينية وتبسيطية شمولية ، إن هذا الجهل الذي لا يرتكبه حتى تلميذ  المرحلة المتوسطة ممن تسنى لهم الاطلاع فما بالك بمثقف مستقل وماركسي حسب تعريفه . إن ثورة أكتوبر العمالية الاشتراكية العظيمة قد انهارت تماما على يد البرجوازية السوفيتية التي تزعمها ستالين واغتالها تماما محولا ذلك الإنجاز الكبير لعمال روسيا الى مصلحة طبقة طفيلية من البيروقراط والضباط وشريحة هائلة من موظفي الدولة .) بغض النظر على عن التهريج غير العلمي فيما يخص " البرجوازية السوفيتية " والتي تذكرنا بنظرية ماو سيتونغ الفارغة من الناحية العلمية  حول " الإمبريالية السوفيتية " حيث يبدو أن عصام شكري ورفاقه شغوفون جدا بإلصاق صفة البرجوازي  بكل شيء حتى لو كان شبحا لبعير أجرب ، ولأن هذا المصطلح الفارغ لا يعني شيئا سوى إن السوفيتيات التي انهارت تجربتها( ولكن متى ؟؟)  باعتراف الكاتب عادت وانبعثت من جديد  وبقدرة قادر في هيئة برجوازية يتزعمها ستالين ! بغض النظر عن هذا الهذيان الطفولي  سنحاول أن نستقرئ ملخصين ما كتبه هذا السيد في هذه الفقرة :

1- إنه يتهمنا بالجهل المطبق بالماركسية لأننا نعتبر السلطة السوفيتية بعد لينين اشتراكية وشيوعية . وهذا غير صحيح بل هو مقلوب ما كتبناه بخصوص تبقرط التجربة الاشتراكية السلافية .

2- ثم يسخر المعقب من وجهة نظرنا في الجملة ذاتها – و يا للعجب – التي تعتبر السلطة السوفيتية تجربة فشلت بسبب السيطرة الشمولية  للستالينية .وهذا دليل على عدم صحة الاتهام الأول .

3- وهو ثالثا يعود ليكرر مضمون وجهة نظرنا مع اختلاف جزئي حين يعلن " أن ثورة أكتوبر الاشتراكية العظيمة " قد انهارت تماما على يد ما يسميه "البرجوازية السوفيتية بزعامة ستالين " .وأسمح لنفسي بأن أقترح على القارئ أن يقرأ الاقتباس السالف مرة أخرى لمزيد من التأكيد .

ما الذي يفهمه القارئ من هذه التناقضات التي لا تدل إلا على أمرين : جهل مطبق فعلا بالموضوع المناقَش  أو خلط عقلي خطير يتوجب علاجه في مصحة نفسية .

  بسرعة وتكثيف نقول : إن  ثورة أكتوبر التي قادها البلاشفة سنة 1917 وأنشأت حكم المجالس " السوفيتيات " انتكست فعليا (ولم تسقط تماما ) قبل وصول ستالين الى السلطة وتكريس دكتاتوريته نهائيا . لقد حل الحزب البلشفي محل السوفيتات تدريجيا  وبداية بعد أن تمكن البلاشفة من سحق التمرد الشيوعي الفوضوي ( الكلمة الأخيرة تصنيف سياسي لتيار شيوعي غير ماركسي في الحركة العمالية الثورية و من مآثره مساهمته الفعالة بتسعة قياديين في ثورة كومونة باريس في آذار 1871 .ومن مؤسسيه "بيير جوزيف برودون"  و "لوي أوغست بلانكي " ،ومن قادته في روسيا خلال الحرب الأهلية ضد السلطة البلشفية القائد الشجاع  ماخنو .. ) تمكن البلاشفة  إذن من سحق التمرد الشيوعي الفوضوي  الذي قام به البحارة اليساريون في قلعة كرونشتادت في شهر مارس 1921 وقد كان ستالين بريئا جزئيا في الواقع من عملية السحق الدموية هذه  والتي قررها لينين  وقيادة الحزب معه وقادها وزير الحرب والأسطول آنذاك ليون  تروتسكي ونفذها على الأرض توخاتشفسكي . وحين حلَّ المؤتمر العاشر للحزب البلشفي وكانت المعركة الدموية مستمرة في كرونشتادت  ، قدم لينين برنامجه اللبرالي المعروف باسم النيب ( السياسة الاقتصادية الجديدة ) التي يوسع  بموجبها من حركة النشاط الاقتصادي للفلاحين المالكين وبرجوازية المدن . وبالمناسبة فلسنا نحن من وصف برنامج لينين باللبرالي بل هو المفكر الشيوعي الماركسي  البولوني إسحق دويتشر .

أما لماذا نركز دائما على وصف التجربة الاشتراكية البيروقراطية في روسيا ومنظومتها الأوروبية الشرقية بالستالينية وليس باللينينية   فمرد الأمر ،من وجهة نظر كاتب هذه السطور، يتعلق في أن لينين كان قائد الثورة المنتصر ولكنه لم يكن رجل البناء الاشتراكي كما يسود الاعتقاد  .

   إن لينين لم يحكم روسيا السوفيتية  إلا عامين وعدة أشهر فقط  بعد الثورة حتى أصيب بأول نوبة "فالج" شلت  تفكيره وبدنه و نشاطه السياسي . و إضافة الى ذلك نعلم من تفاصيل أيامه الأخيرة  انه تنصل من تحالفه أو علاقته القوية بستالين وحاول إسقاطه وطرده من الأمانة العامة للحزب خلال فترة استشفائه  ولكنه لم يستطع ذلك لثلاثة أسباب هي  المرض ودهاء أو خسة ستالين وأخطاء حليفه الجديد تروتسكي . وإذن ، فبعكس ما هو سائد في أذهان أغلب الناس في عصرنا فإن ستالين هو هازم السوفيتات عمليا، و هو باني الاشتراكية البيروقراطية وليس لينين . وكاتب السطور يفضل تعبير " الاشتراكية البيروقراطية  " الذي قال به تروتسكي والأممية الرابعة التي أسسها فيما بعد  ، مع التأشير – عرضا - بأن كاتب  هذه  السطور ليس تروتسكيا أو ماويا أو جيفاريا مع احترامه العميق لهؤلاء القادة الثوار العظام ، يفضلها على عبارة " الإمبريالية السوفيتية " التي قال بها ماو سيتونغ أو " البرجوازية السوفيتية " التي يقول بها عصام شكري وحزبه لاعتقاده بأن العبارة الأولى " الاشتراكية البيروقراطية أو المتبقرطة " هي  الأقرب الى  تفاصيل البحث العلمي الماركسي   .

  ومع ذلك  لا يمكن للمؤرخ المنصف أو المحلل السوسيولوجي الرصين إعفاء لينين من المسؤولية التاريخية عما حدث  بعد تنحيه عن السلطة  وعما حدث في عهده القصير  وتحديدا  بدايات عملية إحلال سلطة الحزب محل سلطة  المجالس  وقمع الإرادة العمالية بقوة السلاح كما حدث في انتفاضة كرونشتادت . هل كان لينين سيستمر في عملية الإحلال وبناء "الاشتراكية البيروقراطية " ؟

هل كان فلاديمير لينين سيطبق النهج الستاليني   لو ظل على قيد الحياة لعشرين سنة أخرى ؟ إن هذا سؤال افتراضي الطابع  ولا يمكن إلا تقديم إجابة افتراضية عليه وقد تكون بالنفي أو بالإثبات ،لا فرق ، فلا فائدة من إضاعة الوقت بخصوصه  إذن .

   ولكن هل كان  عصام شكري يعرف هذه التفاصيل من تاريخ الثورتين الروسيتين البرجوازية 1905 والاشتراكية 1917 ليكتب ما كتب من كلام متناقض وعمومي وخال من أية معطيات ملموسة  ؟

  هل يعرف على الأقل أن كلمة وفكرة "السوفيت " لم تكن اختراعا شيوعيا بل هي ابتكار لأحد العمال المستقلين الذين شاركوا في ثورة الروسية الأولى سنة 1905 كما يروي رئيس أول سوفيت في التاريخ ليون تروتسكي ؟

 لا نعتقد أن هذا الشخص كان يعرف شيئا في هذا الباب فهو مشغول بالإساءة الى محاوره وتوبيخه بلهجته الأستاذية الصفيقة معتبرا إياه أسوأ حتى من تلميذ المرحلة المتوسطة ( ما هذا التواضع  الثوري والتهذيب العمالي ؟)  ولقد اتضح الآن من هو الذي لم يبلغ بعد هذا المستوى في مادة التاريخ على الأقل .

 

 

في الجزء الثاني من هذه المقالة سنناقش المفاصل التالية :

-      الغزو الأمريكي للعراق والدكتاتورية الحاكمة .

-      فيثنام والجزائر .

-      النفط والهيمنة

-      التكفير اليساري .

-      خلاصات .

 

 

 

===================

·   عبارة " السلفية اليسارية " ليست من قبيل المماحكة السجالية أو محاولة لاستفزاز المحاور لأنه ذو مواقف متشنجة جدا في الشأن الديني بل إنني جاد كل الجدية في إيرادها كاصطلاح فكري وبالمضمون الحرفي الذي تحيل إليه مباشرة . إن السلفية أو الأصولية التي اعتبرت حتى الآن لصيقة بالتيارات والحركات الدينية الطائفية تستغرق أيضا التيارات والحركات القومية أو تلك اليسارية الماركسية وغير الماركسية حيث العودة الى السلف الصالح " الثوري " والى العصر الذهبي والى العقيدة النقية والأصول التقية هي لحمة وسدى الخطاب السلفي . ولأننا في سجال مع الأصدقاء في الشيوعمالية فسوف نسمح لأنفسنا باقتباس بضعة أسطر من التقرير الذي قدمه مؤسس  الشيوعية العمالية في إيران والعراق الفقيد منصور حكمت الى المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي العمالي الإيراني سنة 1989 . و سوف  يعطينا هذا المقبوس فكرة واضحة عما أطلقنا عليه السلفية أو الأصولية اليسارية .كتب الفقيد (( إنني أفهم الماركسية بوصفها النظرية والنقد الشيوعيين ، إنني أدافع عن الأرثوذكسية الماركسية وحين يقولون لنا ، هنا وهناك ، إن الشيوعية العمالية لم تطرح أبحاثها بشكل جيد ولم يتم توضيح نظرتها بصورة صحيحة ، سأجيبهم إن نظراتنا مطروحة في "الأيدلوجيا الألمانية" و" رأس المال" وعشرات الكتابات الأخرى المماثلة . إنني لست مسئولا عن إعطاء الأجوبة الجديدة لذلك الشخص الذي يستنبط اشتراكيته من الدكتور أراني ومن التاريخ الموجز ، بل  إن جوابي هو اتركوا هذه المؤلفات المستهلكة واذهبوا والقوا بأنظاركم ولو مرة  واحدة على "الأيديولوجيا الألمانية " لتروا صحة النظرات الماركسية وانتقادها الحاسم والمؤثر في توضيح  معضلات  يومنا هذا . وعليه ، فإن بحث الشيوعية العمالية من الناحية النظرية ما  هو أساسا إلا العودة الى الماركسية والأصالة الماركسية والماركسية اللينينية التي قامت بتنظيم ثورة أكتوبر . ص35 / سلسة أبحاث الشيوعية العمالية / الكتاب الأول))  .

وبالمناسبة فالأيديولوجيا الألمانية  هو  أحد  المؤلفات المشتركة لماركس وإنجلز انتهيا من تأليفه في شهر حزيران 1846 أي قبل مائة و ستة وخمسين عاما من الآن ولم يطبع في حياتهما بسبب الرقابة ولماركس مزحة طريفة  حول هذا الكتاب قال فيها أنهما تركا كتاب "الأيديولوجية الألمانية" بعد الفشل في طبعه الى نقد الفئران القارض بكل طيبة خاطر !! 

·   لم أعلق على البرقية التي ألفها  " مازن قلو " ونشرها على موقع " الحوار المتمدن " واعتبر فيها أن كاتب هذه السطور ( لم يوفر أحدا إلا وأدان نهجه اللهم النظام الدكتاتوري ) ويبدو أن أداة  الاستثناء " إلا " قد سقطت من جملته بعد كلمة " اللهم " بمعنى أنه يتهمني بمهاجمة الجميع والتواطؤ أو السكوت على النظام الدكتاتوري وهذا الكلام لا يصدر إلا عن جاهل بما كتبته طوال أعوام في الصحافة وفي كتبي المنشورة  ومنها ( نصوص مضادة دفاعا عن العراق )و ( كتابات ضد التيار  ) و الكتاب الصادر حديثا  ( نقد المثلث الأسود : النظام والمعارضة العدوان على العراق ) و معلوم أن الجهل بالشيء ليس حجة لمحتج ، أو أنه، وهذا هو الاحتمال الثاني ، يحاول التشنيع والاستفزاز ولا وقت لدينا لهذا الرياضة " الثورية " . وختاما فسوف يسرني أن  أواصل السجال مع الأصدقاء في الحزب الشيوعي العمالي إذا ما تقيدوا بشروط السجال الفكري الرصين والمتحضر  أما إذا فضلوا الاحتكام الى سلاح الشتائم والازدراء والردح  البذيء فسوف أكتفي بما كتبته في هذه المقالة بجزأيها و لن أرد عليهم بعد الآن .

 

 

   

 



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصحف الإسرائيلية تعترف : إعادة الملكية الى العراق جزء من مش ...
- السينما المتربة
- ملاحظات سريعة على مقالة الأخ مالك جاسم ..
- الحزب الشيوعي العمالي و العدوان الوشيك على العراق : دوغما ست ...
- لكلٍّ منا إمبراطورهُ .
- دعوا الانتفاضة تنتصر وإلا فانسحبوا من الواجهة !
- لبراليون من نوع آخر !
- كيف رد علي بن أبي طالب على جورج بوش زمانه !
- الإرهاب الفكري في الفضائيات
- بيان الخمسة وثلاثين مثقفا عراقيا : الصمت على العدوان الأمريك ...
- انتحار مدينة فاضلة !
- جريدة ابن الرئيس والتهجم على الشيعة : تخرصات واستفزازات خط ...
- أبو العلاء الآخر ..وهموم الحاضر .
- التاوي والسحّاب والحرب !
- الظاهرة الطائفية في العراق : التحولات والبدائل . - الجزء ال ...
- أول الغيث " بامرني " : تركيا الأطلسية تريد مياه الرافدين ونف ...
- الظاهرة الطائفية في العراق : تفكيك الخطاب والأدلوجة .- الجزء ...
- الظاهرة الطائفية في العرق:محايثة التاريخ والوقائع -الجزء ال ...
- الظاهرة الطائفية في العراق :التشكل الطائفي والرموز . - الجزء ...
- توثيق حول مجزرة الوثبة المجيدة 1948 !


المزيد.....




- مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. وبرلمانية: طالبنا الحكومة ب ...
- نتنياهو يهدد.. لن تملك إيران سلاحا نوويا
- سقوط مسيرة -مجهولة- في الأردن.. ومصدر عسكري يعلق
- الهند تضيء ملايين المصابيح الطينية في احتفالات -ديوالي- المق ...
- المغرب يعتقل الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني
- استطلاع: أغلبية الألمان يرغبون في إجراء انتخابات مبكرة
- المنفي: الاستفتاء الشعبي على قوانين الانتخابات يكسر الجمود و ...
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- الحرس الثوري الإيراني: رد طهران على العدوان الإسرائيلي حتمي ...
- الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الألماني بسبب إغلا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - السلفية اليسارية وداء الشيخوخة المبكرة !* - الجزء الأول