أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء اللامي - الظاهرة الطائفية في العرق:محايثة التاريخ والوقائع -الجزء الثالث















المزيد.....



الظاهرة الطائفية في العرق:محايثة التاريخ والوقائع -الجزء الثالث


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 226 - 2002 / 8 / 21 - 04:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


              الظاهرة الطائفية في العرق:  

  محايثة التاريخ والوقائع  .

                          " الجزء الثالث "

                                                                      علاء اللامي

توضيح :

 

       كنت قد أشرت في توطئة هذه الدراسة الى أن الأستاذ الراحل هادي العلوي قد شارك  بكتابة جزء منها وهو المتعلق بجذور الظاهرة الطائفية وكان هذا الجزء قد نشر وهو على قيد الحياة مرتين : مرة في مجلة عراقية فكرية معروفة ومرة ثانية في كتابة ( المرئي والامرئي في الأدب والسياسة ص81) أما ما تبقى من الدراسة وبداية من فقرة ( قراءة في قراءات أخرى ) إضافة الى المقدمة فقد كتبه كاتب هذا التوضيح" علاء اللامي " وهو بالتالي  محرره ،وبسبب ظروف معينة استجدت خلال الأيام الماضية فإنه يوقع ما تبقى من أجزاء الدراسة باسمه فقط .

                                                              علاء اللامي 20/8/2002

 

قراءة في قراءات أخرى :

خلاصات : قدمنا للتو، قراءتنا للجذور التاريخية للطائفة، والتي قامت على عدة مقولات أساسية نجملها في: الاعتراف بوجود كيان طائفي شيعي إثني عشري في العراق وآخر تمثله الطائفة السنية، وقد استثنينا ما تعلق بتاريخ طوائف صغيرة أخرى لخروجه عن نطاق الاهتمامات الرئيسية للبحث. كذلك لم نتطرق للأكراد بوصف غالبيتهم  جزء من الطائفة السنية في أكثريتهم بسبب غلبة العامل القومي في تشكلهم كأقلية قومية وضعف التأثير والفاعلية الطائفية في ساحتهم. وقلنا بأن هذا الانقسام الطائفي جاء اكتمالاً لسيرورة الانقسامات الطائفية والفرقية، السياسية والفقهية والفكرية والفلسفية والتي تلاشى أغلبها فحل محلها الاستقطاب الحالي. وذهبنا إلى أن المؤسس الفعلي للطائفة الشيعية الإثني عشرية هو أمامها محمد الباقر وليس علي بن أبي طالب، أما الطائفة السنية فقد بدأت بالتشكل كطائفة منذ عهد المتوكل. كما لا حظنا الاختلاف العميق بين دلالات كلمتي"شيعة" و"سنة " في وقتنا الحاضر عما كان سائداً في صدر الإسلام وهذا ما يمنع اعتبار الإمام علي وولديه من الطائفة الشيعية الإثني عشرية أو مؤسسين لها وهو ما يمنع أيضاً اعتبار الخليفتين عمر وأبي بكر من طائفة السنة أو مؤسسين لها. وذكّرنا بأن تاريخ الصراعات بين الدول التي قامت في العصر الإسلامي وبين فرق وطوائف وفئات المعارضة لتلك الدول هو في جوهره تاريخ للصراعات الطبقية والاجتماعية التي تساوقت مع شكل آخر من الصراع بين الثقافة والدين، وأن الاضطهاد والتمييز الطائفي، والذي تفاقم في خلال الصراع الصفوي الفارسي السلجوقي التركي، لم يكن مسلطاً على طائفة دون أخرى فقد كانت الطائفتان ضحيته بالتناوب، مع التأكيد على الدور السلبي والتخريبي الذي قام به بعض رجال الدين من الطائفتين مؤيدين بهذا دورهم القديم كمشعلي حرائق وهذا دأبهم على مرور الأزمان.

نحاول الآن، استكمالاً للصورة الآنفة في ملامحها التاريخية، أن نتعرف على السمات العامة التي تسم الطائفية والأسس السياسية والفكرية التي تقوم عليها في نموذجها العراقي، لكن ليس من خلال الغرق في بحر التفاصيل والأحداث التاريخية التي لا رابط بينها ولا سياق يلمحها بل من خلال قراءة نقدية لقراءات أخرى لهذه الحيثيات والأحداث والتفاصيل، وبهذه الطريقة نطمح إلى تحقيق هدفين في وقت واحد: تعرية الأسس التي يقوم عليها الخطاب الطائفي ورصد سماته العامة. أما الهدف الثاني، فهو تحديد مواطن الخلل في القراءات التي تصدت، أو ادعت التصدي له، وبيان الثغرات التي تمكن الخطاب الطائفي من التسلل منها الى نقيضه وعطَّلَ، حتى الآن، إمكانية بناء مشروع حقيقي، سياسي وفكري، مضاد للطائفية بوصفها شكل من أشكال الأيديولوجيا المواكبة لعصور الانحطاط الحضاري والحروب الأهلية العقيمة. وقبل الخوض في تلك القراءات "العراقية" سنتطرق إلى أمثلة أخرى مشابهة:

تشويه الدولة الفاطمية :

 معروف أن الدولة الفاطمية زالت من الوجود منذ قرون، وأصبحت إنجازاتها المدنية والحضارية، شأنها في ذلك شأن الدولتين الأموية والعباسية، جزء من المتن التاريخي لحضارة العصر الإسلامي، أي أنها كفَّت عن الوجود حضارياً وأضحت تراثاً متجذراً يؤثر بهذا الشكل أو ذاك على الراهن، ومادة يشتغل عليها المؤرخون والمفكرون. أما إذا أراد السياسيون، دينيين كانوا أو غير دينيين، استثمارها لخدمة أغراضهم وبرامجهم، فإنها تتحول في الغالب لتكون من مكونات الخطاب الطائفي. من ذلك مثلاً، محاولة بعض الجهات الطائفية الشيعية الإثني عشرية استثمار الإنجاز الحضاري الفاطمي في صراعات سياسية مع مؤسسة "الأزهر" فقد رفعت إحدى صحف تلك الجهات شعار "الأزهر أزهرنا" ونشرت عدة مقالات في هذا الصدد. لقد قفزت تلك الصحفية على الخلافات بين الفاطميين والشيعة الإثني عشرية والفرق الشيعية الأخرى، وتناست، إن لم تكن جاهلة أصلاً، بما فعله الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله، وهو النسخة الفاطمية من المتوكل العباسي، حين أرسل  أحد قادته ويدعى  "ختكين" إلى المدينة المنورة ليفتح منزل جعفر الصادق ويحضر ما فيه إلى القاهرة، وفتح المنزل وعاد "ختكين" بما فيه فكان نسخة من القرآن وبعض الأثاث المتواضع. ومن الجدير بالإشارة، أن الحاكم بأمر الله، كان نموذجاً للحاكم الطائفي، وقد اضطهد جميع الطوائف الأخرى فهدم الكنائس وباع مقتنياتها الثمينة وضرب عنق إمام "الجامع العتيق" السني لأنه صلى  بالناس التراويح في رمضان، وأرسل إلى المدينة من أمره بنبش قبريّ أبي بكر وعمر ولكن المحاولة فشلت. ومن اللافت، أن محاولة قديمة أخرى لاستثمار الإسماعيلية قد حدثت على أيدي المؤرخين الشيعة الإثني عشرية ولأغراض فقهية هذه المرة، فقد أجمعت ترجمات الرجال والمعاجم على أن عبد الله بن ميمون القدّاح، أحد أهم مؤسسي الحركة الإسماعيلية، كان مُحدّثاً، لا داعية ومؤسساً لمذهب وأنه كان معاصراً لجعفر الصادق ومن أصحابه، كما يروي "الكشي" مثلاً([1]). على الجهة المقابلة نجد مثالاً خطيراً على تبشيع الآخر والشطب عليه، حيث تتحول حالة الحاكم بأمر الله، على يدي الصحفي المصري جمال بدوي، ومن خلال سلسلة محاضرات تاريخية بثها التلفزيون المصري- القناة الفضائية- إلى ِسمة وسمت الدولة الفاطمية من بدايتها إلى نهايتها إن مَن استمع وشاهد محاضرات "بدوي" سيخامره الاعتقاد بأن جيوش الفاطميين تطوق القاهرة، وإنهم في سبيلهم للانتزاع ليس "الأزهر" فحسب، بل والدولة المصرية كلها! وتحول الفاطميون على شاشة "بدوي" إلى مجرد عصابة من الأدعياء والقتلة الدمويين، الغرباء عن مصر وأهلها وتاريخها، وأن عصرهم كان عصراً مظلماً على جميع الصعد. وقد ركز رئيس تحرير "الوفد" والمشهور بقلمه الاستفزازي، وبأسلوب فيه الكثير من الإسفاف والتبسيط المقصود على إنكار صلة النسب بين الفاطميين وفاطمة والعلويين عموماً، وهذا النوع من "المحاضرات" يندرج ضمن الهجاء الطائفي البعيد عن أية منهجية موضوعية أو غير موضوعية والناتج أصلاً عن جهل مطبق بالموضوع المطروح. فما الذي يعرفه السيد "بدوي" عن الفاطميين أو الإسماعيليين؟ وهل سمع باصطلاحاتهم الكثيرة والمعقدة كالأئمة المستورين والأئمة المستقرين والمستودعين وعن الأبوة الروحية والأبوة الجسمانية..إلخ؟ والحقيقة إن أسلوباً كهذا وكلاماً كالذي قيل قد تكون له علاقة بأي شيء إلا التاريخ والتأرخة!

إن أسلوب تبشيع الآخر وإلغائه والذي تلمسناه في المثال السابق ليس الأسلوب الوحيد المؤدي إلى إنتاج قراءات لا موضوعية لهذه الظاهرة بل هناك أيضاً ما يمكن تسميته بأسلوب ليَّ عنق الحقيقة وتقويلها ما ليس منها، وتغليف الطائفية بقشرة قلقة من الاصطلاحات والخصائص التي لا تمت لها بصلة، في محاولة لإذابة التناقضات والقفز على الخلافات والتناقضات العميقة بين الطوائف المتناحرة. إن القول، مثلاً، بأن النظام الإيراني الذي تعتبره الأحزاب الطائفية العراقية قدوتها ومرجعيتها نظام طائفي، يدخل، من وجهة نظر هذه الأحزاب، في باب التشنيع السياسي على هذا النظام "الإسلامي" الذي يقوده الفقهاء و الذين هم (أوصياء الرسول، صلى الله عليه وسلم، من بعد الأئمة، في حال غيابهم، وقد كلفوا بالقيام بجميع ما كلف الأئمة بالقيام به.. إن الفقيه هو وصي النبي وهو إمام المسلمين و قائدهم، والقاضي بينهم بالقسط.. إن حجة الله تعني إن الإمام مرجع للناس في جميع الأمور، والله قد عينه، وأناط به كل تصرف وتدبير وكذلك الفقهاء.. فالفقهاء اليوم هم حجة على الناس كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم حجة الله عليهم )([2]) إن الطائفية التي يحاولون نفيها في بداية الخطاب تعود لتؤكد نفسها وبقوة في ما يلي منه، والمثال الجلي على ذلك، ما نجده في نص المادة الثانية عشرة، ويبدو أن هذا الرقم لم يأت عبثاً أو مصادفة، من الدستور، الذي تقوم عليه الدولة الإيرانية الحالية، وتقول بالحرف: ( الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري، وهذه المادة غير قابلة للتغير إلى الأبد)([3]). فلنلاحظ بالمناسبة ذلك الوله الشديد الذي يكنه الأصوليون والطائفيون من جميع الطوائف والأديان بالأبد والتأبيد. ولنتذكر إلحاح الأصولية الصهيونية حد اللجاجة على اعتبارها القدس (العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل..)  إنهم يكررون ذلك كل يوم تقريباً، ربما لشعورهم- أو لا شعورهم، لا فرق- بأن بنية خطابهم أكثر هشاشة من حقائق ويقينات التاريخ. لنعد إلى المادة-الإثني عشرية- في الدستور الإيراني، فهي تفصح ببليغ الكلمات عن هوية النظام، وستأتي مواد أخرى لتزيد الأمر وضوحاً حين يتساوى، في مادة دستورية أخرى، مسلمو المذاهب والطوائف الأخرى، كالشافعية والحنفية والحنبلية والزيدية بالطوائف غير المسلمة كالزرادشتيين واليهود والمسيحيين في حق دستوري وحيد هو حرية العبادة وتنظيم الأحوال الشخصية وفق فقه كل طائفة. إن التناقض يحكم كل جزء من الخطاب الطائفي بل جزء من أجزاءه ولا تجدي نفعاً كل عمليات التسويغ والتبرير التي يقوم بها البعض المتعاطف مع النظام للتخفيف من حدة الخلافات العميقة بين الأساسيات المذهبية والفقهية للطائفة الشيعية الإثني عشرية والطائفة السنية.

السلفية العقلانية :

تأتي محاولة محمد عمارة في كتابه التعريفي (تيارات الفكر الإسلامي) ضمن سياقات قريبة مما نحن بصدده ؛ فقد خصَّ الكاتب الشيعة الإثني عشرية بفصل من كتابه المذكور، معرفاً ،شارحاً، ومناقشاً المبادئ والأساسات التي قامت عليها البنية المفهومية والفقهية للطائفة المذكورة . ولكن هاجس التوفيق والتقريب بين الشيعة والسنة حَكَمَ المحاولة من بدايتها إلى نهايتها. ما يهمنا هنا هو التأكيد على فشل محاولة نفي الطائفية عن النظام الإيراني بغض النظر عن الدلالات الإنسانية الخيرة الكامنة في محاولات توفيقية كهذه. والحال، فإن من الميسور تفهم وتقبل تخريجات محمد عمارة، بخصوص موقف الشيعة من مسألة الجبر والاختيار، حيث يرى أنهم أقرب إلى أهل الاختيار([4]). ومن ذاتية الحسن والقبح إذ يرى أنهم انحازوا إلى معسكر الذين يقيمون وزناً كبيراً لقانون السببية في الفكر الإسلامي وهم الذين يعتبرون العقل أداة النظر في الأحوال الاعتقادية مثل الألوهية والنبوة والوحي ولم يشر الكاتب هنا إلى أن أغلب المذاهب السنية تُكَفّر القائلين بذلك. إن هاجس التقريب  بين الشيعة و السنة ، خصوصاً إذا ما أخذنا علماً بأن مقدمة الكتاب تحمل تاريخ سنة 1981 أي بعد سنتين تقريباً من الثورة الإيرانية، ، ولكن من موقع أصولي لا من موقع طائفي، بعبارة أخرى : إن محاولة عمارة محكومة برؤيته "السلفية العقلانية" الأشمل التي دافع عنها في كتابه. إن هذه الرؤية خصوصاً فيما يتعلق بالتأرخة لبدايات الشيعة بالمعنى المعروف لنا اليوم أوفر حظاً من المنطق والعقلانية من غيرها. فهو يرى مثلنا، بأن علي بن أبي طالب وولديه ، وحتى تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية، لم يكونوا قد أسسوا الطائفة الشيعية ويستشهد بحيثيات الخلاف بين الحسن وقائد العراقيين الموالين لعلي، سليمان بن صرد الخزاعي "الخزعلي" معللا رأيه ذاك بأن قاعدة التشيع الأساسية وهي "النص والوصية" لم تكن قد وجدت بعد، وعليه فإن أنصار علي ومن ثم الحسن والحسين لم يكونوا شيعةً (طائفة شيعية) بل كانوا  كما يوضح وهو مصيب تماما "بقية جيش علي ودولته الذين بايعوا الحسن قبل تنازله لمعاوية.. لقد كانوا كما يقول أدبنا السياسي الحديث" حكومة الظل " التي تعيش بجيشها وعاصمتها تنتظر موت معاوية كي تلي أمر الأمة وفقاً للعهد الذي قطعه معاوية للحسن"([5]) وليس وفقاً لقاعدة الإمامة "النص والوصية ".

  ويفترق محمد عمارة عن رؤيتنا قليلاً حين يرى بأن بداية ظهور الشيعة كطائفة جاءت مع إمامها جعفر الصادق وهشام بن الحكم وهذا الأخير هو أول من أورد عبارة "النص والوصية" وهو- كما يقتبس عمارة عن ابن النديم- الذي (فتق الكلام في الإمامة وهذَّب المذهب والنظر وألف عدة كتب منها (كتاب الإمامة) وكتاب (الرد على من قال بإمامة المفضول) وكتاب (الوصية والرد على من أنكرها). ولكن قراءة عمارة القابلة للتفهم حتى الآن لا تمضي بعيدا ً، إذ من المحال طمس التناقضات العصية على التوفيق. كيف السبيل مثلاً لتبليع الفقه السني وحتى غير السني الكلمات التالية والتي كتبها مؤسس الدولة الإيرانية الحالية "روح الله الخميني" في كتابه" الجمهورية الإسلامية "( إن ثبوت الولاية والحاكمية للإمام لا تعني تجرده عن منزلته التي هي له عند الله ، ولا تجعله مثل من عداه من الحكام. فإن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون. وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل..)([6]) إن هذا الكلام لا يصدم المسلمين السنة فقط بل، ونقول هذا بيقين من يعرف الدار وأهلها، إنه يصدم حتى عامة الناس من المسلمين الشيعة . إننا لو تجرأنا وقلنا لرجل بسيط من الشيعة العراقيين ، إن الإمام الحسن بن علي، مثلاً، أعلى مقاماً ومنزلة عند الله من نبيه محمد لتصرف معنا بشكل لا تحمد عقباه. ورغم تداخل مكونات الظاهرتين وربما أكدت هذا المعنى الخلاصةُ التي انتهى إليها الكاتب محمد عمارة حين قال في ختام قراءته " لقد نهج الدستور- الإيراني- نفس النهج الذي حدده الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية " فوضعت "ثورة الإسلام"  التي اتفق عليها أغلب المسلمين بيد أداة لم يقل بها غير الشيعة من المسلمين ثم لاحت بوادر في الممارسة، تنبئ عن أن الانحياز ليس فقط للفكر الإثني عشري دون غيره من فكر المذاهب الإسلامية، وإنما أيضاً للعنصر الفارسي دون الأقليات القومية الأخرى، حتى يحق للمرء أن يتساءل: أهي الثورة الإسلامية في إيران، أم الثورة الشيعية الفارسية الإسلامية في إيران ؟ " ([7]).

محاولة حسن العلوي :

قليلة هي المعالجات والنصوص التحليلية للظاهرة الطائفية في العراق وبأقلام عراقية، إنها لا تتجاوز في أحسن الأحوال أصابع اليد الواحدة([8]) وربما كانت محاولة حسن العلوي في كتابه "الشيعة والدولة القومية في العراق" الصادر في نهاية الثمانينات، أول محاولة شاملة وجادة لتحليل ورصد الظاهرة الطائفية في العراق. والكاتب ذو توجهات فكرية قومية ومسؤول سابق وقديم في حزب البعث الحاكم في العراق ومعارض للنظام في الوقت الحاضر. ينطلق الكاتب في محاولته من مجموعة من المقدمات والمفاهيم نجملها في : (أن التمييز الطائفي وليس الانتماء لطائفة- هو ما- يجعل الإنسان طائفياً. إن الخلافات بين السنة والشيعة - دون تحديدها بالإثني عشرية - ليس لها طابع شعبي أي أن الطائفية العراقية ليست طائفية شارع، وإنما طائفية سياسية رسمية تتصل بالسلطة .وأن الظاهرة الطائفية تتصف بالاستقرار وأنها أطول عمراً من ظواهر أخرى وأن أحداً خارج السلطة لا يستطيع أن يكون طائفياً لأنه لا يمتلك القدرة والقوة والمواقع )([9])  ومعنى ذلك أن السني قد يكون طائفياً أما الشيعي الإثنا عشري فلا يكون ! ويذهب الكاتب إلى ( أن التشيع ظهر أيام النبي وكانت نواته مجموعة من الصحابة، أحصاهم في قائمة ضمت مائة وثلاثين صحابياً اعتقدوا بإمامة علي بن أبي طالب فهم كما يقول، رواد التشيع الأوائل ولكنه يرفض القول بأن الشيعة مؤسسة ذات كيان مادي ومعنوي لها تقاليد ونظام داخلي ويقول بأن المقصود بالشيعة حالياً هم المنحدرون من عوائل شيعية..)([10]) ويصرح بعد قليل بأن (الشيعة ليسوا طائفة ولا يجوز الحديث عنهم كطائفة، وليس أدعى إلى الضرر والإساءة من وصفهم بالطائفة..)([11]) ويلاحق الكاتب وعلى امتداد صفحات وصفحات ما يسميه (خط تعجيم التشيع) أي اعتبار الشيعة العرب العراقيين من العجم- الإيرانيين تحديداً- وهو يعيد أسباب التمييز الطائفي إلى ما يسميه (مشروع كوكس- النقيب) الذي قامت على أساساته، كما يرى، الدولة العراقية الحالية.

ثم يلخص الكاتب استنتاجاته المبنية على هذه المقدمات فيقول (لقد ارتبط تمذهب الدولة القومية- أي ما سمينا نحن الهيمنة الطائفية السياسية- بقانونين لا يمكن أن تعيش السلطة (المتمذهبة) بدونهما.. الاستبداد والتهمة الشعوبية .. )([12]) ويعتقد بأن (الحل والعلاج يكمن في انتباه العراقيين إلى هذه الحقيقة والتخلي عن تمذهب الدولة وهذه رغبة تنسجم مع روح العصر وشروط التكوين القومي )([13]) معلقاً في الختام بأن "الحل الصحيح هو الذي يخرج من طبيعة المرحلة وإلا فإن أعلى مراحل الديموقراطية الجديدة لكل من السلطة والمعارضة- هي- أن يسمح للعراقيين الشيعة باختيار من يمثلهم من أبناء المذهب الحاكم في مجلس المبعوثان الجديد .هذه باختصار وحياد المقدمات والاستنتاجات التي رأينا أنها الأكثر تعبيراً عن مضامين الكتاب وتوجهاته العامة، ولكن، والحق يقال، فإن كل اختصار واختزال، مهما كان محايداً وموضوعياً، يحمل بين طياته شيئاً من القسر وتشويش السياق العام لتلك المضامين، ولكنه يظل قسراً غير مقصود اقتضته ضرورات البحث النقدي التاريخي غير القابل للاحتواء أيديولوجياً.

نقد المحاولة :

إن نفي الكاتب لوجود طائفة شيعية في العراق واعتبار الشيعة مجرد أفراد ينحدرون من "عوائل شيعية " يعني ضمناً نفي وجود طائفة سنية، فهي الأخرى مجموعة أفراد ينحدرون من "عوائل سنية". وقد يقول قائل: إن الاعتراف أو عدمه بوجود الطائفة ليس مهماً طالما يسود الاتفاق على أن جمهور الطائفة موجود. لكننا نعتقد أن الخلل المنهجي الخطير ينشأ بالضبط من هنا. أي من الخلط بين السبب والنتيجة، بين الطائفة والطائفية. ونستدرك أن الكاتب يقترب في مواضع أخرى من الاعتراف بذلك الخلل ولكنه يرده إلى خصوصية غريبة (عراقية) في هذه الظاهرة حين يقول "لا تخضع الظاهرة الطائفية في العراق للقوانين الطائفية المعروفة في صراع الأديان والمذاهب، مما يدعونا للاعتقاد بوجود طائفية عراقية، بجناحيها الشيعي والسني، تختلف عنها في البلاد العربية والإسلامية الأخرى في طبيعتها واتجاهاتها وتركيبها"([14]) ويبدو أن الكاتب نسي ما قاله في بداية الكتاب حيث اشترط لوجود الطائفي حيازته للسلطة والموقع والقوة بما ينفي القول بوجود طائفي شيعي ولكنه الآن يقول العكس. وضمن هذا السياق يعلن الكاتب بعد قليل مستنتجاً: أن الطائفية العراقية لا تتصل بمصدر ديني أو فقهي أي أن الشيعة والسنة لم يختلفوا حول قضايا الإرث أو هوية الحاكم أو الشورى والتعيين أو الإمامة، والسبب في رأيه (أن الخلاف لم يجر على ذلك لأن الطائفين العراقيين علمانيون لا علاقة لهم بالدين)([15]) إنها قراءة، على أقل تقدير، غير دقيقة.

وللحديث صلة في الجزء الرابع ..

 



([1]) الكشي، ويسميه الذهبي بالملكي، عاش في القرن الرابع هـ واقتبس النص برناردلويس في كتابه- أصول الإسماعيلية والفاطمية والقرمطية، ص111.

([2]) روح الله الخميني، الحكومة الإسلامية، ص77، واقتبسه محمد عمارة في "تيارات"ص236

([3]) الدستور الإسلامي لجمهورية إيران الإسلامية المواد 12و 13 وفقرة الفقيه العادل واقتيعه عمارة/مصدر سابق ص 238.

([4]) محمد عمارة / تيارات ص 217

([5]) محمد عمارة، تيارات، ص204.

([6]) المصدر السابق، ص 225.

([7]) محمد عمارة / تيارات ص238 .

([8])   إن موقفنا من النظام الحاكم في إيران اليوم ، ينبغي أن يؤخذ في سياق السجال الفكري لا في خضم معافسات العداء السياسي اليومي، فنحن ننظر إلى هذا النظام في وقفته المعادية للغرب الإمبريالي والصهيونية  تلك الوقفة التي نتمنى أن تطول، نظرة إيجابية بالمنظار التاريخي أما قضية إسقاط هذا النظام وقيام نظام ديموقراطي علماني على أنقاضه فهذه من مشمولات ومسؤوليات الشعوب الإيرانية فقط. و لكن ليس من مصلحة أحد إخفاء الطبيعة الطائفية له.

 

(6)حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية، ص 10 وما بعدها/دار الزور.

(7) المصدر السابق، ص19.

(8) المصدر السابق، ص41.

(9) المصدر السابق، ص377.

([13]) المصدر السابق، الصفحة نفسها.

 

(11) المصدر السابق، ص259. (12) المصدر السابق / الصفحة نفسها .



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الظاهرة الطائفية في العراق :التشكل الطائفي والرموز . - الجزء ...
- توثيق حول مجزرة الوثبة المجيدة 1948 !
- الظاهرة الطائفية في العراق :المقدمات والجذور - الجزء الأول
- الحصاد المر للتجربة الملكية في العراق :
- دفاعا عن عراقية الشيخ الآصفي !
- ردا على داود السحّاب !
- القاعدة والاستثناء في الغزو الأمريكي القادم للعراق :تفكيك ال ...
- التجربة الإسكندنافية
- تقرير كوفي عنان واغتيال شهداء جنين مجددا !
- تنويه الشيخ الآصفي عودة الى عهد الفتن والفتاوي التكفيرية !
- الفاسية والفاسيون
- يشعياهو يصفع القتلة !
- مجزرة " حي الدرج" في غزة : خطوة أخرى على طريق زوال الدولة ال ...
- للرجال والنساء فقط
- عدالة الذئاب البشرية
- أخلاقيات القتال
- عسكر وحرامية ومناضلون !
- المسودة الكردية للدستور العراقي المقترح : المقياس الديموغراف ...
- المسودة الكردية للدستور العراقي المقترح : توسيع كردستان حتى ...
- الوهراني والسخرية السوداء


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء اللامي - الظاهرة الطائفية في العرق:محايثة التاريخ والوقائع -الجزء الثالث