|
غوركى بين الفرد والمجتمع
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 3920 - 2012 / 11 / 23 - 08:48
المحور:
الادب والفن
الأديب الجيد ليس الذي يكتب بلغة أدبية ويمتلك مقدرة على التصوير و يستطيع أن يسيطر على أبطال وأحداث القصة أو الرواية وحسب، بل الذي يتعلق بهموم الشعب والإنسان ويكشف المساوئ والمشاكل التي يعاني منها الفرد أو المجتمع، ويعمل على كشفها ونقدها، فغوركى استطاع أن يحمل هم الفرد ويطرح مشاكل ومساوئ المجتمع، بحيث لم يكن الهم الشخصي مهملا على حساب المشاكل الاجتماعية، بل استطاع أن يطرح الهمين معا، وان يلبي طموح الفرد والواجب الاجتماعي في آن واحد. ففي المجلد الرابع للاعماله المعربة الذي يضم مجموعة قصصية تناول بها غوركى أكثر من موضوع يتحدث فيه عن الأفراد المجتمع الروسي وما يعانون من هموم وما يتعرضون له من ظروف حياة غير سوية. في قصة " نونشيا " يتحدث عن امرأة، كانت تعيش مع زوج قاسيا في معاملتها يضربها ـ كما هو حال الأزواج في ذلك الزمن ـ وكذلك كان قاسيا مع الناس الآخرين، ولسوء سلوكه يسجن ثم يذهب إلى الأرجنتين، وهنا استخدم غوركى قول يؤخذ كحكمة " أن تبديل الهواء يفيد أصحاب الدم الفوار" ص37، فهنا دعوة إلى التغير وعدم الاستمرار في وتيرة ثابتة غير متحركة للحياة. كانت " نونشيا " صغيرة السن، في الثالثة والعشرين فقط، تركها زوجها مع ابنها ذات الخمس سنوات، فهي ذات حيوية غير عادية بحيث كانت تذهل الجميع برقصها وحركتها الأنثوية ولباسها الذي تعتني به كثيرا، وهنا أعطانا غوركى صورة فنية قال فيها " كانت تعرف كيف تلبس بطريقة تجعل ثيابها تبرز فتنتها مثل قدح زجاجي من خمرة طيبة : كلما ازدادت شفافية البلور برزت روح الخمرة صافية، فاللون دائما يضاف إلى النكهة والعبير"ص42 فكأن غوركى أراد أن يتحدث عن أهمية الشكل الذي يثير الآخرين، ولكنه في نفس الوقت أعطى المضمون والجوهر أهمية أكثر، فهذه الفاتنة التي تبدو بهيئة مغرية ومثيرة تحمل من الأخلاق والمبادئ ما يجعلها طاهرة نقية لا تقدم على الفاحشة. أخذت تعمل في بيع الخضار، وإذا ضاق عليها الحياة أكثر كانت توزع ضحكاتها وابتسامتها على الآخرين كبديل لحقوقهم المالية عليها، فأثار عملها حفيظة النساء اللواتي حسدنها لم يعجبهن هذا السلوك الجريء، فكانت ترد عليهن بحكمة عن الرجال " الرجل الذي يخيب في حب زوجته لا يعرف كيف يحب أبدا" ص37، ورغم كل تلك الحيوية و(الانفتاح ) لم تقبل أن تنغمس في الرذية وبقت علاقتها مع الآخرين لا تتعدى توزيع الابتسامات والضحكات ليس أكثر، وعندما كان الرجال من حولها يغرونها بالمال مقابل منحهم جسدها كانت تقول " ـ كلا. أنا مفتونة بجسدي ولا أريد أن أهينه. اعرف انه يكفيك أن ترتكب شيئا لا ترغبين فيه ولو مرة لكيما تفقد احترامك لنفسك والى الأبد" ص39، فهنا دعوة واضحة إلى عدم الإقدام على عمل أسوء مهما كانت زهيا ومغريا. وبعد أن كبرت ابنتها وأصبحت أنوثتها في الظهور، اخذ الناس في القول حول أيهما أجمل وأكثر حيوية ونشاط البنت أم أمها فكانت تقول حكمة ترد بها على هؤلاء المفسدين " تبقى النجوم الكبيرة متلألئة حتى حينما يطلع القمر" ص43، كإشارة منها إلى جمال ابنتها ـ القمر ـ والى جمالها ـ النجوم ـ فكأنها ترد عليهم (أنا وابنتي نعيش في السماء ولن يطالنا احد منكم ) فالأم كانت واثقة بجمالها وواعية لما يدور في خلد الناس، فبقت تعامل ابنتها ليس كمنافس لها بل كابنه بحاجة إلى الراعية والاهتمام، إلى أن يأتي يوم تقتنع فيه لام بقيام سباق في الركض بينها وبين ابنها، لكي تثبت للبت أولا والناس ثانيا حيويتها وقدرتها التي لم تتراجع، تتجاوز الأم ابنتها في السباق وتفوز عليها، وهنا تنطق بقول حول المرأة، مواسية ابنتها بعد الهزيمة " ـ يا ابنتي يجب أن تعرفي أن القلب الأكثر قوة في اللهو والعمل والحب هو قلب المرأة التي عركتها الحياة، هذا يأتي بعد بلوغك الثلاثين، فلا تحزني، يا ابنتي " ص46، وبعد ذلك الإجهاد الذي بذلته الأم يقام حفل رقص فتأخذ الأم في الرقص حتى تقع على الأرض، وكانت وقعة النهاية الموت. من خلال هذه القصة تناول غوركى أهمية قضايا الفرد وما يعاني من المجتمع، "نونشيا" امرأة ضمن مجموع يتعرض للضرب والقسوة، في مجتمع ذكوري، واقع الاجتماعي يهتم بالشكل فقط، ولا يلقي بالاً للجوهر، هو مجتمع يجب تصويب وضعه، منها تم معالجة الأمر من خلال أحداث القصة ـ الفرد " نونشيا" والمجتمع، وهذا حال الإبداع الذي ينتمي للمجتمع ولا يترك الفرد بلا عناية أو اهتمام رائد الحوراي
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا يحدث في سوريا
-
قصر رغدان والقمع الادبي
-
مريم الحكايا
-
شوقي البغدادي
-
قارب الزمن الثقيل
-
أخطاء الماضي والحاضر
-
الذاكرة الخصبة
المزيد.....
-
سعيد يقطين: أمريكا توجه دفة الإبادة والتطهير العرقي بدعمها ل
...
-
افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن
...
-
-شومان- تستعيد أمجد ناصر: أنا هنا في لغتكم
-
افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن
...
-
سطو -سينمائي- بكاليفورنيا.. عصابة تستخدم فؤوسا لسرقة محل مجو
...
-
فيلم -ني تشا 2-.. الأسطورة الصينية تعيد تجديد نفسها بالرسوم
...
-
تعاطف واسع مع غزة بمهرجان سان سباستيان السينمائي وتنديد بالح
...
-
-ضع روحك على يدك وامشي-: فيلم يحكي عن حياة ومقتل الصحفية فاط
...
-
رصدته الكاميرا.. سائق سيارة مسروقة يهرب من الشرطة ويقفز على
...
-
برتولت بريشت وفضيحة أدبية كادت أن تُنسى
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|