أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رائد الحواري - الذاكرة الخصبة















المزيد.....



الذاكرة الخصبة


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 23:22
المحور: سيرة ذاتية
    



الذاكرة الخصبة

كتاب فيض من الذاكرة لعبد الرحمن عوض الله يمثل أنموذج لسيرة ذاتية، فقد تناول الكاتب تاريخه الشخصي، ومن ثم تاريخ الشعب الفلسطيني، وما يميز هذا السيرة هي اللغة الأدبية الشيقة التي استخدمها في سرد سيرته، وكذلك تناوله العديد من المحطات التاريخية المهمة في حياة الشعب الفلسطيني، منذ الاحتلال الانجليزي مرورا بالاحتلال الإسرائيلي إلى ما بعد حرب 67، وقد تناول الكاتب في سيرته الجوانب الاجتماعية والاقتصادية في تلك الفترة، فالعائلة الواحدة كانت تعيش ضمن بيت واحد ، وكان كبير العائلة ـ احد الشخصيات القوية ـ هو من يمثلها عند الآخرين، إن كان في حالة الخلاف أم في حالة أو سواها، كما حدثنا الكاتب عن الطبيعة الاقتصادية التي كانت تحكم تلك العائلة، حيث كان كافة أفراد العائلة يمثلون عناصر إنتاجية، ليس للفرد فيها إي خصوصية، وقد تناول طريقة تخزين القمح عند الفلسطينيين" المطمورة" وهي عبارة عن حفرة يتم بنائها وقصارتها ومن ثم يوضع في القمح ويتم إغلاقها بواسطة باب يفتح من أعلى، ثم يوضع فوقها التراب، وقد ذكرها الكاتب غسان كنفاني في إحدى أعماله الأدبية، كما تطرق الكاتب إلى الأوضاع السياسية التي مرت بها فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة، وبما أن الكاتب كان عضو في عصبة التحرر الوطني الفلسطيني فقد أنار لنا جوانب مهمة من تاريخ هذه الحركة والكيفية التي تم تحويلها إلى حزب شيوعي في قطاع غزة، وهناك إشارة عابرة عن أوضاع العصبة في الأردن، والعملية القيصرية التي تم تحويلها إلى حزب شيوعي أردني، وما ميز هذه الذاكرة تناولها العديد من الشخصيات الفلسطينية التي لعبت دور حيوي في الحياة السياسية الفلسطينية مثل معين ابسيسو وحيدر عبد الشافي ومحمد البطراوي وغيرهم من الشيوعيين الأوائل.
وإذا كان أهم عنصر في أي كتاب اللغة المستخدمة فيه، فقد اتحفنا الكاتب بلغة أدبية شيقة جعل القارئ ينهم بشوق وشغف من هذه السيرة، وسنحاول في ما يلي إضاءة بعض ما ورد في كتاب من فيض الذاكرة، لننعش ذاكرتنا التي أصابها شيء من الصدأ، يذكر لنا عبد الرحمن عوض الله أوضاع الفلسطيني قبل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والكيفية التي تناول بها القادة العرب الأوضاع في فلسطين فيقول " ومن الجدير ذكره أن وفد أردنيا برئاسة توفيق ابوالهدى" رئيس الوزراء الأردني" قد ابرم اتفاقا مع السير إيرنست بيفن وزير خارجية أبريطانيا في 22/2/1948.وقد قال الجنرال جون كلوب باشا قائد الجيش الأردني الذي كان عضوا في الوفد في مذكراته "جندي مع العرب" ما يلي"طلب أبو الهدى مقابلة مع بيفن.وطلب مني أن أصحبه. وقد أوضح أبو الهدى أنه إذا استمرت الحالة كما هي فقد يحدث (عندما ينتهي الانتداب ) احد أمرين : إما أن يتجاهل اليهود مشروع التقسيم، ويستولوا على جميع فلسطين حتى نهر الأردن، وإما أن يعود المفتي ( ويقصد الحاج أمين الحسيني ) ويحاول أن يجعل من نفسه حاكما لفلسطين العربية، وكلا الأمرين لا يناسبان بريطانيا ولا شرق الأردن، وتقترح الحكومة الأردنية أن ترسل الفيلق العربي عبر نهر الأردن عند انتهاء الانتداب البريطاني، ليحتل ذلك القسم من فلسطين المخصص للعرب . وقد أجاب بيفن انه من الواضح أن هذا ما يجب عمله لكن لا تهاجموا المناطق المخصصة لليهود " وهذا هو ما فعله الفيلق العربي أثناء دخوله إلى فلسطين، وبقى محايدا، حيث كانت القوات المصرية تحتاج إلى مساندة " ص57و58، ضمن هذا الواقع تم التعامل الرسمي العربي مع فلسطين فهو لم يكن تعني له فلسطين أكثر من كعكة يسعى كل طرف لاقتسام اكبر جزء منها، دون أن يراعوا خطورة ذلك على الشعب الفلسطيني وفلسطين، وأيضا على الأمن القومي العربي، فهم لم يكون أكثر من وجهاء عشائر تبحث عن الوجاهة والمصالح الشخصية ليس أكثر من ذلك. يستبان لنا من هذه المقطع وجود عداء شديد للفلسطنة، وتوافق على محاربتها من قبل الحكومة الأردنية والانجليزية معا، كما يوجد توافق حفاظ الأرض المخصصة لليهود وعدم (الاعتداء) عليها من قبل الحكومة الأردنية، وما يميز هذه المذكرات توضيح عملية المحاربة للفلسطنة من قبل كل الذين دخلوا فلسطين، إن كان ادعائهم حمايتها أم احتلالها، وهذا الأمر لم تمارسه الحكومة الأردنية والمصرية والإسرائيلية وحسب بل تجلا في سلوك الحزب الشيوعي الأردني بكل صلافة، فلم يتواني الشيوعيون الأردنيون عن استخدام كافة الأساليب والوسائل للحيلولة دون انبعاث الفلسطنة من جديد، منسجمين بذلك مع المخطط الصهيوني الامبريالي الرجعي، ورغم كافة المبررات التي استنسخها الحزب من هنا وهناك، يبقى موقفه منذ حل العصبة وتشكيل الحزب الشيوعي الأردني مدان وبحاجة إلى إعادة تقيم هذا الجرم والاعتراف به، لعل وعسى يغفر له.
هذا ما كان قبل معركة ـ حماية فلسطين من العصابات الصهيونية ـ أما أثناء المعركة فلم تجد هذه القوات ـ العربية ـ وسيلة تسهم في ضياع فلسطين وتشريد أهلها إلا وإتبعتها، فهي عمليا لم تكن تقل خطورتها ـ على فلسطين وشعب فلسطين ـ عن العصابات الصهيونية، فهذه كانت تجرد المواطنين من السلاح وتجهلهم بلا حول ولا قوة أمام القوات الصهيونية المهاجمة، وتلك كانت تتقدم بكل سهولة ويسر، لعدم وجود سلاح بأيدي المواطنين، " وبعد انسحاب القوات المصرية من بيت لحم والخليل وسيطرة القوات الإسرائيلية على بئر السبع ومنطقة النقب، جرت مفاوضات بين الإسرائيليين والملك عبدا لله، أشار إلى مضمونها الكاتب الإسرائيلي " توم سيغف" في كتابه " الإسرائيليون الأوائل 1949" بقوله الذي يشك المرء في صدقه : " أكد الملك عبد الله الذي كان يسعى للسيطرة على قطاع غزة، ورغبته في إيجاد ميناء لمملكته على شاطئ البخر المتوسط رفضه بقاء القوات المصرية على ارض فلسطين وخاطب الوفد الإسرائيلي قائلا : خذوا غزة، أو أعطوها للشياطين، شرط إلا تتركوها في أيدي المصرين " وهنا نستذكر أن القوات العراقية حين انسحبت من منطقه المثلث التي تقدر مساحتها ب "450 كم مربع " قد سلمتها للجيش الأردني الذي تنازل عنها للقوات الإسرائيلية، كان يوم الثالث والعشرين من تشرين أول ( أكتوبر ) يوما اسود صحا فيه سكان قرية أسدود فلم يجدوا جنديا مصريا واحدا، فقد انسحبوا جميعا بالياتهم ومدافعهم وسيارتهم، بعد أن أرغموا عدد من اللاجئين من مدينة المجدل أن يعملا بالسخرة في حمل أمتعة وعتاد الجنود ووضعها على السيارات العسكرية ونقل شبكات من الصلب وبسطها على رمال الشاطئ لتحول دون أن تغرز فيها فاخذ الفزع السكان، وتذكروا المعارك الضارية التي وقعت بين أهالي أسدود والعصابات الصهيونية ، وخرق جثثهم أو بقائها حتى تحرقها الشمس، وتصبح عظاما متناثرة فوق رمال أسدود، وانه ليس بوسعهم الآن مواجهة أي هجوم للعصابات الصهيونية، بعد أن فقدوا معظم أسلحتهم التي تسلمتها القوات الملكية المصرية، فاخذوا يهربون إلى حمامة، و استطاع بعضهم أن يحمل بعض الملابس و الأغطية . كان بيتنا يقع جنوب القرية بالقرب من الطريق الدولي ، "ص67
أفضل وصف لهذه القوات ما قاله حسن عوض الله والد الكاتب "خيانة ، خيانة، يا ناس، خشوا بلادنا وهي في أيدينا، وسلموها لليهود، وشردوا، يا للعار، يا للعار " ص69، ضمن هذه الظروف تم إضاعة الجزء الأكبر من فلسطين عام 48، لصالح الحركة الصهيونية، وما تبقى منها وقع تحت الاحتلال العربي الأردني والمصري، وهنا يذكرنا عبد الرحمن بان هناك مسؤولية وطنية وأخلاقية وحقوقية وقومية ودينية تقع على كل الدول العربية التي أسهمت في ضياع فلسطين، وخاصة مصر والأردن، التين لم تفعلا شيئا يعزز الصمود الشعب الفلسطيني، بل على النقيض من ذلك فقد عملتا على تهيئة الأرض والشعب لهذا الاحتلال، وتسهيل احتلال القوات الصهيونية الأرض الفلسطينية.
أما موضوع الكيانية السياسية الفلسطينية فلم تكن ضمن الأجندة التي وضعتها أو وضعت لهذه الأنظمة، فمصر والأردن لم يتوانيا عن العمل للقضاء على مشروع الوطني الفلسطيني، وإلغاء اسم فلسطين وشعب فلسطين من الجغرافيا والسكان، من هنا كانت عملية الضم للقطاع إلى مصر والضفة إلى الأردن، وأمست فلسطين عمليا تحت ثلاث احتلالات معا، إسرائيل والأردن ومصر "وفي 10/8/1952، اعتقل مئات من المنظمين والأصدقاء ، بناء على المعلومات السابقة، ومعظمهم من مدراء المدارس و المعلمين وبعض العمال، كما اعتقل جميع الطلاب الذين لم كانوا قد تأهلوا لعمل سري أو جرى توعيتهم، وتثقيفهم بأساليب البوليس وكيفية المواجهة في التحقق، ولهذا عندما ووجهت وبعض زملائي بالمعلومات الواردة في هذه التقارير، وبخط أيدينا اعترفنا بعضويتنا للعصبة " . وفي 10-8-1952 اعتقل مئات من المنظمين والأصدقاء بناء على المعلومات السابقة ومعظمهم من مدراء المدارس والمعلمين وبعض العمال كما اعتقل جميع الطلاب الذين لم يكونوا فد تأهلوا لعمل سري أو جرى توعيتهم وتثقيفهم بأساليب البوليس وكيفية المواجهة في التحقيق ولهذا عندما وجهت أنا وزملائي بالمعلومات الواردة في هذه التقارير وبخط أيدينا اعترفنا بعضويتنا للعصبة " ص111، هكذا تم التعامل مع الوطنيين الفلسطينيين من قبل النظام الملكي المصري والأردني ـ اللذان كانا عمليا لا يقلان بطشا وقمعا عن الاحتلال الإسرائيلي، ومن كان ينجوا من النظام المصري يقع في يد النظام الأردني " كما افلت من الاعتقال الأستاذ محمد عودة أبو كمال وعوني يعقوب سيسالم وتسللا إلى الضفة الغربية. وأعتقل عوني لاحقا من فبل السلطات الأردنية. ووضع في معتقل الجفر الصحراوي مع عدد من الرفاق الشيوعيين الأردنيين" ص112، فحال الفلسطيني التشرد والاعتقال أو القبول بالاضطهاد، فمن دخلوا الأرض ـ فلسطين ـ التي لا ينتمون لها، عملوا على إحداث الإزالة والإنهاء لما هو كائن وقائم عليها، فكل من هو غير فلسطيني متواجد على ارض فلسطين يعمل على القضاء على كل ما هو فلسطيني، بصرف النظر عن قوميته أو ديانته فهو موجود لتنفيذ مشروع الإنهاء الكامل والتام للفلسطنة، فقد عملت الاحتلالات الثلاث على تنفيذ مشروع واحد، الإزالة وإنهاء والتخلص مما هو فلسطيني، إن كان في الطرح السياسي أو الفكري أو العمل، من هنا نجد حجم الضغط الذي وضعت فيه الأرض الفلسطينية، وما وقع على كاهل الشعب المخدوع من الآخرين ـ العرب ـ ، وما حدث لعصبة التحرر الوطني الفلسطيني وتشرذمها بين الدول الثلاث إلا تأكيد لما طرحه الكاتب، فقد تم تحويلها في الضفة الغربية إلى الحزب الشيوعي الأردني، وانطوى عناصرها في فلسطين المحتلة تحت راية الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ومن تبقى من أعضاء العصبة في القطاع تمسكوا بفلسطينيتهم، لكن ولأسف لم يعترف بهم احد، كما هو الحال مع الهيئة العربية بقيادة الحاج أمين الحسيني، فكانت عملية الشطب منسجمة تماما مع المخطط الذي رسم وتم تنفيذه بكل دقة وبكافة حذافيره، " كان علي وبعد عودتي بعشرة أيام تقريبا أن اتصل بأحد الرفاق لأبلغ قيادة الحزب بعودتي, ولترتيب وضعي التنظيمي فقد كان الرفاق في السجن لا يعرفون ماذا حصل بالعصبة بعد توحيد العصبة في الضفة الغربية مع الخلايا الماركسية في شرق الأردن وتشكيل الحزب الشيوعي الأردني سنة 1951" ص118، فكانت عملية التحويل لا تتعلق بالاسم وحسب بل في البرنامج والهدف لهذه الحركة، ويذكرنا الكاتب بما جرى مع معين ابسيسو فيقول على لسانه " أريد أن أضعك في صورة الأوضاع الحزبية والتغيرات التي حصلت في العصبة بعد سجنكم, وترحيلكم إلى مصر فبعد خروج الرفاق سمير هاشم البرقوني ومحمود علي نصر وعمر احمد عوض الله, ومحمد عبيسى جابر أعاد هؤلاء الرفاق ترميم الأوضاع الحزبية بعد الضربة القاصمة التي تلقتها العصبة سنة 1952, وفي صيف 1953 عدت من العراق ووصلت إلى غزة وعقدنا المؤتمر الأول للعصبة في قطاع غزة وعقدنا المؤتمر الأول للعصبة في قطاع عزة في اغطس 1953, في بيارة الرفيق خالد احمد شراب, وكان مؤتمرا مصغرا امتد ثلاثة ايام بلياليها, وقد حضره الرفاق, سمير الرقوني ومحمود نصر, وخالد شراب واحمد المبيض وغيرهم وكان هدف المؤتمر تحويل عصبة التحرر الوطني إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة ’ بعد أن تحولت في الضفة الغربية إلى الحزب الشيوعي الأردني وبعد إلحاق الضفة الغربية بشرق الأردن, وقد عارض رفاقنا هنا في العصبة والحزب لاحقا تحويلها في الضفة الغربية إلى الحزب الشيوعي الأردني إذ رأينا في ذالك ضياعا لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة, وبقاء الصفة الغربية التي ألحقت قصرا بالأردن جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية, وقد اصدر المؤتمر بيانا سياسيا تضمن أسباب التحول إلى الحزب, والتغيير الذي حصل في الصفة الغربية وبقاء قطاع غزة غير ملحق بأي من البلدان متمسكا بفلسطينيته, بالإضافة إلى تأكيد الحزب على طبيعته وهويته الطبقية, كممثل للعمال والكادحين والمثقفين الوطنيين والثوريين, وتركيز أهداف الحزب في هذه المرحلة حول النضال من اجل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة طبقا لقرار التقسيم الدولي رقم 181 الصادر في 19-11-1947, وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها طبقا للقرار ألأممي رقم 194, والنضال من اجل إطلاق الحريات العامة, ووقف أساليب القمع والاعتقالات, وإلغاء الأحكام العرفية وقانون الطوارئ الاستعماري والعمل على حماية الحدود من الاعتداءات الإسرائيلية, بتشكيل قوات فلسطينية أو حرس وطني فلسطيني وقد نشرت جريدة راية الشباب السرية هذا البيان السياسي الصادر عن المؤتمر " ص 120، ومثل هذه الشهادة تأكد للوعي الذي تحلى به الكوادر في العصبة، فان مثل هذا التحويل يعني فقدان الهوية الوطنية الفلسطينية، ورغم وجود هذا الفهم والوعي لخطورة التحويل إلا انه اتخذ قرار التحويل، ولا ندري على من تقع مسؤولية هذا القرار، الذي يخدم مصالح الآخرين على حساب الوطن والشعب الفلسطيني، ونحن على يقين بان عملية تحويل العصبة إلى أحزاب شيوعية كان لا يخدم أبدا المشروع الوطني الفلسطيني أبدا أولا، إذ كان يمثل هذا التحويل والتشرذم إلغاء الفلسطنة، التي هي جوهر الصراع، فالمشروع الصهيوني كان يمثل شطب فلسطين ـ أرضا وشعبا ـ وتشكيل إسرائيل عليها، والمملكة الأردنية كانت تعمل على إلغاء الفلسطنة، التي كانت في حينها مركز قوة اقتصادية ودينية وسكانية وجغرافية، لحساب المشروع الأردني والإسرائيلي، فكنتا المملكة والحركة الصهيونية منسجمتا في الهدف والغاية، فعملية الإلغاء للفلسطنة كانت تعني للمملكة أزالت العقبة الكبيرة ـ فلسطين ـ من أمامها، كما أن ذلك يعطيها المزيد من عناصر القوة السكانية والاقتصادية والجغرافية،ومكانة دينية مرموقة، فعمليا شرق الأردن لم تكن في ذلك الحين أكثر من صحراء يعيش فيها مجموعة من البدو الرحل، باستثناء مناطق حضرية قليلة وغير مأثرة في الجوار، كما إن العناصر الفلسطينية كانت في حينها أكثر تعلما وخبرة في كافة المجالات ـ التعليمية والحرفية ـ وكانت المملكة بحاجة إلى هؤلاء لكي يقوموا ببناء الدولة الجديدة، وأيضا كان الجزء الذي استولى علية الملك عبد الله من فلسطين ـ الضفة الغربية ـ يمثل منطقة إستراتيجية لشرق لأردن، لأنه يعطيها منفذا على البحر المتوسط، ومنطقة محصنة عسكريا، لطبيعتها الجغرافية، ومكانة دينية عند المسلمين تعزز حكم الملك الذي يمثل رمزا دينية لصلة الدم مع النبي محمد "ص" فهنا كانت المصالح والمكاسب التي سيحصل عليها الملك تدفع به لضم الضفة رغم خطورته على المشروع القومي العربي، وكذلك تشكل رافد اقتصادي مهم للمملكة لما في فلسطين خيرات
وثانيا: إن عملية تحويل اسم عصبة التحرر الوطني الفلسطيني إلى الحزب الشيوعي كان عمليا يضر بصلة الحزب الجماهيرية، إذ إن اسم الشيوعي والشيوعية يثير حفيظة المجتمع الفلسطيني لطبيعته المتدينة، أن كان إسلاميا أم مسيحيا، وهذا ما اكتشفه الحزب أخيرا وتم تحويله إلى اسم جديد هو حزب الشعب الفلسطيني، بدل الحزب الشيوعي الفلسطيني، من هنا نجد أن عملية التحويل لم تكن تتعلق بالاسم وحسب بل أيضا هناك أمور تتعلق بالصلة بالجماهير، وكذلك بالبرنامج وأيضا بفهم طبيعة الصراع على ارض فلسطين وشعب فلسطين، من هنا كان لهذه المذكرات الفضل في فض الغبار عن حقبة مظلمة من تاريخ الشيوعيين الفلسطينيين تحديدأ
فالمذكرات تعطبنا معلومات قيمة حول موقف الحزب الشيوعي الأردني من مسألة الفلسطنة خاصة بعد عام67 واحتلال كامل الوطن، " وبعد "توحيد" الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حراب الاحتلال الإسرائيلي وفتح الطرق بينهما، اغتنمت قيادة الحزب في غزة فرصة للاتصال برفاقهم في الضفة الغربية اثر توقيعهم على ( بيان سياسي يدعوا إلى إقامة جبهة وطنية بقيادة الملك حسين) وأرسلت اللجنة المركزية لحزبنا مذكرة تستهجن هذا الموقف وتحمل النظام الأردني مسؤولية الهزيمة، ومحاربته للقوى الوطنية والتقدمية وفي مقدمتها الشيوعيين، ومنع منظمة التحرير الفلسطينية من تسليح أبناء الضفة الغربية وأتبعنا ذلك بإرسال وفد قيادي من حزبنا : سمير البرقواني وعطية المقداد وأنا إلى رام الله والتقينا الرفاق فائق وراد ورشدي شاهين وسليمان النجاب في أكثر من لقاء في بيت الرفيق محمد خالد البطراوي وناقشنا الأوضاع السياسية المستجدة بين الحزبين وتوحيد موقفنا ونضالنا ضد المحتلين إن كان ذلك في الإضرابات العامة أو المسيرات والمظاهرات الشعبية أو أي أشكال نضالية أخرى إلا إن الرفاق في الضفة الغربية المرتبطين تنظيميا في الحزب الشيوعي الأردني وبسياسته أشاروا إن الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من المملكة الأردنية الهاشمية، وان أوضعها الخاصة تختلف عن ظروف قطاع غزة، وأوضاعه فجرى الحديث عن موقفهم من . م . ت , ف وحركة المقاومة، وقد عبر الرفيق فائق وراد عن موقف الحزب الشيوعي الأردني بقوله: إن منظمة التحرير منظمة جماهيرية، ولا تمثل كل الشعب الفلسطيني وان حركة المقاومة حركة مغامرة فلا تعاون معها . وبعد ذلك أوضحنا رأي حزبنا بان الضفة الغربية جزء من الأرض الفلسطينية وشعبها جزء من الشعب الفلسطيني. وما كان للرفاق في الضفة الغربية إن يتعارضوا لموقف حزبهم الذي عبر عنه بوضوح تام الرفيق فهمي السلفيتي ( أبو سليم) القائد الميداني للحزب الشيوعي الأردني ، في مقاله الشهير في مجلة ( قضايا السلم والاشتراكية) التي كانت تصدر في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا. لقد كان موقف السلفيتي نظريا صائبا في التقييم حركة المقاومة، و م .ت. ف وميثاقها الداعي لتحرير كامل التراب الفلسطيني، واعتبار الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، كما ادن السلفيتي ممارساتها التي اتسمت بالمغامرة والإرهاب، وموقفها المتطرفة التي وضعت الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، على قدم المساواة مع الامبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
ونتيجة لموقف حزبنا من الكفاح المسلح وممارسته عمليا، فقد قيم الرفيق السلفيتي حزبنا تقيما سلبيا ( مجموعة من الماركسيين المغامرين).
وقد عملت قيادة الحزب الشيوعي الأردني آنذاك على محاصرة حزبنا وتحريض الأحزاب العربية والعالمية على عدم الاعتراف بها بحجة رفضه قرار مجلس الأمن رقم (242)، وعدم التعامل معه رسميا، وحجبت أية مساعدة تقدم إيه. أكان ذلك في تأمين المنح الدراسية الأكاديمية، والحزبية، وعلاج مرضاه، أو الزيارات و الراحة، في البلدان الاشتراكية، وعلى الرغم من موقف هذه القيادة إلا إن الأحزاب العربية الشقيقة قد قدمت لحزبنا مساعدات متعددة لا تنسى، خصوصا من الحزب الشيوعي المصري، والحرب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش والرفيق يوسف فيصل والحزب الشيوعي اللبناني والعراقي والحزب الاشتراكي اليمني وبعض المنظمات الفلسطينية، واخص بالذكر الجبهة الديمقراطية بتعليمات من الرفيق ياسر عبد ربه، الأمين العام المساعد وجبهة النضال الشعبي وأمينها العام سمير غوشة والجبهة الشعبية بدعم من الرفيق محمد رمضان (أبو نضال).
ومن المثير للدهشة وللأسف الشديد، إن الرفيق السلفيتي كان سيرفض حضور إحدى مؤتمرات الحزب الشيوعي السوري، إذا لم تشطب كلمة ( الفلسطيني) من رسالة التحية التي أرسلتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة، وعندما صدرت وثائق الحزب الشيوعي السوري ع هذا المؤتمر، لاحظنا إسقاط كلمة (الفلسطيني) منها، إرضاء ا للرفيق السلفيتي، كما اخبرني الرفيق يوسف فيصل شخصيا بهذه الواقعة، وتساءلت حينها ألم تكن هذه القيادة ذاتها التي شطبت كلمة (فلسطيني) يوم حولت عصبة التحرير الوطني الفلسطيني إلى الحزب الشيوعي الأردني؟ هذا بالإضافة إلى انه حين تشكل فصيل (الأنصار) الذي قاده أساسا الحزب الشيوعي الأردني، استثنى حزبنا من المشاركة فيه، على الرغم من وجود قيادات عسكرية مدربة ومؤهلة من رفاق حزبنا، التي ناضلت في صفوف " قوات التحرير الشعبية" وجيش التحرير الفلسطيني الذي كان يقوده ضباط شيوعيون وتقدميون
ومن العجيب كذلك إن قيادة الحزب الشيوعي الأردني آنذاك، وبعد انقسام فهمي السلفيتي وتشكيله تنظيم "الكادر اللينيني" انتقلت القيادة من إدانة حركة المقاومة الفلسطينية كحركة مغامرة وإرهاب، ورفض ميثاق م.ت. ف الداعي لتحرير فلسطين، إلى موقفها "الجديد" الذي انعكس في البيان الأول لفصيل " الأنصار" الذي قاده الرفيق عبد العزيز العطي عضو المكتب السياسي، وميدانيا الرفيق إسحاق الخطيب عضو اللجنة المركزية للحزب وعضو المجلس المركزي ل م.ت.ف الصادر في الثالث من آذار(مارس) سنة1970، الذي جاء فيه:" إن قوات الأنصار تحمل السلاح لمقاومة الغزاة الصهاينة وحماتهم الامبرياليين، وللدفاع عن شعبنا وحقه في تقرير مصيره على ارض وطنه" وهذا بالضبط هو موقف حزبنا الذي حاربته هذه القيادة. ويضيف البيان" وتحقيق الغايات التي تعمل لها حركة المقاومة من اجل تحرير فلسطين" وهذا ما رفضه حزبنا وظل متمسكا بموقف الشيوعيين في حل القضية الفلسطينية حلا واقعيا قائما على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها حق شعبنا في تقرير مصيرهن وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطنين عودة ألاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها عام194 "ص257-259.
هذا التوثيق لتاريخ الحزب الشيوعي الأردني الذي أسهم عمليا في إكمال المشروع التصفوي للأرض وللشعب الفلسطيني لحساب الاردنة والمفاهيم الأممية المغلوطة، فكان الحزب يخدم المشروع الصهيوني ـ إن وعى ذلك أم لم يعي، فهو ستبدل الأممية بالوطنية وقدم العام على الخاص. وتجاهل تشريد الشعب الفلسطيني وتناسى احتلال فلسطين بكاملها، مراعاة موقف السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، فعمل الحزب الشيوعي الأردني على وضع فلسطين وشعبها ضمن المصالح الأممية، إن كان ذلك يتوافق مع الواقع أم لان، وما يستدل من هذه الفقرة أن الحزب كان يتأثر بشخصية فهمي السلفيتي كثيرا، من هنا نجد موقف الحزب المغاير بعد انشقاقه ( فترة العمل الفدائي الفلسطيني في الأردن، 1970) وهذا مخالف لعمل الحزب حيث تمثل المركزية الديمقراطية أهم ركن في تنظيمه، كما يمثل هذا الموقف انسجم مع لواقع بحيث لم يعد هناك تفكير بالخطر المحدق بالأمن القومي العربي أو الوطني الفلسطيني، فالمحاربة الشرسة للحزب الشيوعي الفلسطيني من قبل فهمي السلفيتي قبل وبعد الانشقاق وتشكيله للكادر اللينيني يمثل هذا التناقض وسوء الفهم عند الشيوعيين الأردنيين، فعمليا لم يكن هناك فهم لخطورة المحو للفلسطنة، وما يزيد من حجم الجرم الذي اقترفه الحزب الشيوعي الأردني هو وجود العديد من عناصر القيادية فيه من أصول فلسطينية، من الأمين العام للحزب فؤاد نصار مرورا بفائق وراد وفهمي السلفيتي وسليمان النجاب وعبد العزيز العطي وغيرهم فلسطينيين، وكذلك العديد من الكوادر وعناصر الحزب كانت فلسطينية، فعمليا لم تكن العناصر الأردنية تشكل ذلك العدد أو الحجم داخل الحزب، من هنا يذهلنا هذا الموقف المناقض تمام طبيعة تلك القيادة، فهي ـ بموقفها ـ أعطت العناصر الأخرى في العصبة التي بقية في فلسطين المحتلة مبررا ودافعا للانطواء تحت راية الشيوعي الإسرائيلي دون أي شعور بالذب، فعمليا لم يكن هناك كم أو نوع من العناصر الأردنية قادر على تولي المناصب القيادية في الحزب، ويعود ذلك لطبيعة العناصر في شرق الأردن التي لم تكن في حينها مؤهلة لمثل هذا العمل. وقد استمرت عملية المحاربة للفلسطنة الحزب حتى عام 1981، حيث فرض عليه الاعتراف بالحزب الشيوعي الفلسطيني مكرها، راجع كتاب "حمد الموعد العمل الشيوعي الفلسطيني في سورية"

الاعتقال
من المسائل المهمة التي ذكرها عبد الرحمن عوض الله في مذكراته تجربة الاعتقال في السجون المصرية وما تعرض له المناضلين الفلسطينيين على يد النظام المصري أن مكان في عهد الملكي أم في الجمهوري، فعملة القمع والبطش بالمناضلين الفلسطينيين كانت أهم ما يميز الاحتلال المصري للقطاع، ففي بعض صفحات استطاع الكاتب أن يرسم لنا الصورة السوداء لهذه المعتقلات وللأساليب غير الإنسانية التي أقدم عليها القائمين على الاعتقال، فقد تم التعامل معهم بطريقة اشد بطشا من الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 67، وهذا يمثل حجم المأساة التي وقعت على أبناء فلسطين من ـ إخوتهم العرب، ومع كل هذا القهر وكافة أنواع وأساليب للإذلال المتعددة استطاع الفلسطيني أن يحافظ على التفكير المنطقي والسليم، وان يتجاوز كل هذه الجراح، ومن ثم يحكم على الأمور والأحداث بحيادية وليس بشخصنتها أولا، كما استطاع الفلسطيني أن يجدد العطاء ويشحذ الهمة من جديد بعد احتلال عام67 وضياع بقية فلسطين بيد الإسرائيليين " فوجئنا فيما بعد بان هناك عددا من المجندين الشيوعيين يشاركوننا السكن في الطابق الثاني من عنبر (ج) كانوا حوالي سبعين مجندا من الشيوعيين والمشتبه بهم في السجن الحربي ولم يكتف الجلادون بتعذيبهم لبل نهار في هذا السجن ، بل جاء رجال المخابرات للتحقيق معهم، وعلى رأسهم اليوز باشا ( النقيب) شمس الدين بدران مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر، بحضور حمزة البسيوني قائد السجن وجئ بهم، ووقفوا صفا واحدا في حديقة أمام مبنى إدارة السجن، واخذ المجندون يدخلون إلى المكتب قائد السجن واحدا بعد الآخر ويخرجون دون أن يدلي أي منهم بأي اعتراف فكان يلقي الواحد أرضا وتنقض عليه الكلاب تمزق جسده وصوت جهوري يصيح " الموت لمن لا يعترف لا شيوعية في بلادنا سنقضي على كل الشيوعيين هنا وفي العراق سنذبحهم " ولكن الرفيق المجند محمد طه واجهه شمس الدين بدران قائلا " أنني احتج على هذه الأعمال الإجرامية أنكم تنسبون كل الجرائم التي ترتكبونها هنا للعراق، إنكم تزعمون أن هنا سحلا وذبحا في العراق بينما تمارسون انتم هذه الجرائم هنا " ويجن شمس الين ورجاله، فهذه أول مرة تسمع مثل هذه الكلمات في السجن الحربي، وعربدت كل قوى الشر و الإجرام وانطلقت تعيث بأجساد المجندين السبعين وينال المجند محمد طه النصيب الأوفى، فقد ضرب ثلاثمائة جلدة ثم طرح أرضا ليركل بالأحذية وأطلقت عليه أربع كلاب تنهشه ثم أمروا بإلقائه في زنزانته كتلة من اللحم تنزف دما وصديدا. ثم توقف التحقيق في السجن الحربي لينتقل إلى إدارة المخابرات بكوبري القبة حيث كان هؤلاء المعتقلون يساقون إليها جماعات جماعتا وكان المعتقلون يجلسون القرفصاء في دائرة وينظرون إلى زملائهم وهم يعلقون من أرجلهم في سقف الحجرة حيث يتدلى جسد المعتقل كذبيحة وينهال الضرب على كل جزء من جسمه ثلاث أو أربع ساعات وكان زملاء المشبوح ينظرون شاخصين بأبصارهم إليه و هو يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة ثم يفكون الضحية ويأخذونه إلى الفناء حيث يربط في ساق شجرة ويظل هكذا حتى صباح اليوم التالي والحارس يضربه بالكرباج بين الحين والآخر حتى إذا جاء الصباح كان الذي تعرض طيلة الليل للتعذيب يجر من قدميه إلى مكتب ضابط التحقيق ويطلب من الاعتراف حتى إذا صمت المعتقل ورفض انهالت عليه ألوان أخرى من التعذيب كالكي بالكهرباء في الأماكن الحساسة من الجسد ثم يعاد إلى السجن الحربي وفي اليوم التالي كان المعتقل يساق مرة أخرى إلى إدارة المخابرات وتتكرر العملية الإجرامية لتشمل الجميع ولكن الشيوعيين المجندين صمدوا البعض ذهب التعذيب بصوابه و أصيب بالجنون والبعض الآخر تهشمت جمجمته وتعفنت جراحها وانتشر الدود فيها أما الرفيق المجند مصطفى شوقي البهنساوي الذي كان قد هاجر من قريته في دريرية جرجا للبحث عن عمل في القاهرة فقد عمل في احد مصانع النسيج ثم انضم إلى المنظمات الشيوعية وظل يناضل في صفوف العمال إلى أن استعدى لأداء الخدمة العسكرية وذات ليله القي القبض عليه وسيق إلى إدارة المخابرات بالقاهرة في الثاني من تموز (يوليو) 1959 كانت عمليات التعذيب على أشدها ضد المجندين المعتقلين وفي إدارة المخابرات مورست ضده كل أصناف التعذيب المركزي فقد شبح من قدميه واستمر ضربه لمدة أربع ساعات ثم انزل وسئل هل تعترف ؟ فأجاب بكل شجاعة " لن تأخذوا مني كلمه واحده " فعلقوه في شجرة في الفناء و واصلوا ضربه بشده ثم سئل أن كان سيعترف فكرر إجابته " لا اعرف شيئا ولن تأخذوا من أي كلمة " فربطوه في سيارة جيب وجروه و واصلوا ضربه حتى فقد وعيه، فالقوا به أرضا وسمعت حشرجات تصدر منه، لم تمضي لحظات حتى لفظ نفسه الأخير، وقتها وقف ضابط المخابرات إزاء جثه البنهساوي وضربه بحذائه على رقبته قائلا " يا ابن الكلبة بتمثل ؟ حتخدعنا وتتظاهر بالموت ؟ إحنا رايحين نقتلك بصحيح " وانهال هو وحراسه عليه بالضرب إلى أن اكتشفوا انه قد مات فعلا فحملوا جثته بعيدا ودفنت سرا .
أما الجندي المتطوع محمد هلال فقد ذاق كل مراحل التعذيب وأصيبت ساقه بالغر غرينا وبترت بسبب الضرب المبرح لم يكن محمد هلال شيوعيا ولم يكن له أي نشاط سياسي على الإطلاق لقد كانت " جريمته " أن أخاه شيوعي تمكن من الهرب فالقي القبض عليه رهينة انتقاما من فرار أخيه ومثله الصول ( المساعد في الجيش ) محمد مختار جمعه الذي اعتقل في السجن الحربي ومرست ضده كل أساليب التعذيب و الوحشية جلد على قدميه أكثر من ألف جلده وبات ليلتين واقفا على رجليه في زنزانة محكمة عاريا كما ولدته أمه وسط مياه تصل إلى صدره وأطفأ الجلادون أعقاب السجائر في أجزاء مختلفة من جسمه وربط بين لوحتين من الثلج حتى ذابا وكوي جسده بالأسياخ الحديدية المحماة حتى الاحمرار وشبح مرارا وضرب بالكرابيج حتى أغمي عليه ومنع عنه الماء لمدة يومين لم يكن الصول محمد مختار جمعة شيوعيا ولم ينشط سياسيا كان مجرد عسكري يقوم بواجباته العسكرية فقط وكانت " جريمته " أن المخابرات قد أعدت قائمه بأسماء عدد من الضباط الشيوعيين والجنود الذين يريدون التخلص منهم وطلبوا منه التوقيع أنهم أعضاء في شبكة شيوعيين داخل الجيش ولكنه رفض بإصرار ويذكرنا هذا الموقف الشريف بموقف الأستاذ خليل عويضة وهكذا فعلوا بالاخوان المسلمين فقد كان الصول أمين المكلف بتعذيبهم يلوط من لا يتعرف منهم، أو يحضر معذبوه وزوجته أو أخته للاعتداء عليها أمامه حتى يعترف و بالإضافة إلى الأساليب التي ذكرناها كانوا يلجان إلى استخدام الكهرباء في التعذيب أو خلع الأظافر أو وضع المعتقل في زنزانة صغيره جدا تتسع لمعتقل واحد فقط ذاعت عتبه مرتفعه جوالي نص متر مليئة بالماء البارد وذات باب حديدي حيث يظل المعتقل واقفا ليل نهار حتى ينهار ويعترف بما يمليه عليه الجلادون.
كان المعتقلون الفلسطينيون في السجن الحربي يتذكرون نهش الكلاب لأجسادهم وذات يوم قلت للعم نمر خليل هنية : يا عم أبو خليل كيف تعاملت مع الكلاب " لاكي " ؟ هل أكلك الكلب ، ولك عوف عكروت هوا في كلب بيوكل نمر؟" ص188-190، هذه الصورة الواقعية لنا جرى من أحداث في فلسطين تمثل كبر المسؤولية التي ألقيت على كاهل الشعب وعلى طلائعه المناضلة تحديدا، فقد تجاوزوا كافة الجراح والآلام التي وقعت عليهم، وعفوا عما سلف، كل ذلك في سبيل فلسطين وشعب فلسطين، من هنا لم تتوانى هذه العناصر الشريفة والمخلصة تم تمد يدها للتعاون مع من بطش بها وأذاقها اشد أنواع القهر والعذاب، من هنا كان نكران الذات ـ وهو احد سمات المناضلتين الشرفاء ـ لصالح الوطن فلسطين والمواطن الفلسطيني، وتجسدت النظرية والتطبيق في أبهى صورها من خلال هذا التعاون، ويا ليتنا نستطيع أن نستفيد من هذا الدرس في العطاء والعفو حتى يتسنى لنا الاستمرار في خدمة هذا الوطن وهذا الشعب، فرحمة الله على هؤلاء المنسجمين بين ما قالوا وما فعلوا، فهم يستحقوا منا الاحترام والوقوف إجلالا وإكبارا لهم.
أساليب التعذيب العديدة التي مارستها الأجهزة الآمنة المصرية بحق المناضلين الفلسطينيين لم تكن لتحول دون تقديم كافة التسهيلات للقوات المصرية والتعاون معها في سبيل فلسطين، فهي اكبر من كافة الجراح الشخصية والتنظيمية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة تحديدا، استطاع أن يعطي صورة صادقة عن الشيوعيين الحقيقيين، الذي فهموا قضيتهم بطريقة صحيحة وسليمة ولم يقعوا في مستنقع الأممية الفضفاض، كما نجد عندهم الانسجام مع المفاهيم الشيوعية التي امنوا بها، فلم يتراجعوا عن شيوعيتهم أو يعترفوا عن رفاقهم رغم هول وحجم البطش الذي انصب فوق رؤوسهم "فرشحوا لي اسمك، وانأ مستعد أن أوفر لك كل متطلبات العمل السري المقاوم ، ومن مطابع وألغام، وسلاح موجود بين أيديكم، لتكون قادرا على تنظيم وقيادة حركة مقاومة شعبية، ورايح أكون صريح معك: قطاع غزة ساقط عسكريا" ص244 كما إن موقف الشيوعيين الأردنيين من قضيتهم، لم يثنهم عن مد اليد لهؤلاء وذكرهم بالرفاق، من هنا كان لا بد من إبداء الإعجاب بهذا الحزب وهؤلاء الأفراد الذين شكلوا أنموذج حي في لممارسة والتطبيق

رائد الحواري



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رائد الحواري - الذاكرة الخصبة