أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند صلاحات - مشهد















المزيد.....

مشهد


مهند صلاحات

الحوار المتمدن-العدد: 1133 - 2005 / 3 / 10 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


(قصة قصيرة )
على أحد مقاعد الشارع الخشبية يجلسان.. تقابلهما حركة السيارت والضجيج... نعيق أبواق السيارات وصوت محركاتها وفرملتها في بعض الأحيان ينبعث في المكان ... صوت الناس يتحدثون عن غلاء الأسعار والمستجدات الاجتماعية واحيانا قليلة الثقافية والسياسية يصاحب الصخب السابق.
يمر من أمامهما شخص وزوجته تقول له : كان لابد من إهانته.. هذا الغبى.. لست عبدا له ... سمعا الرجل يتفاخر أمام زوجته.. قبل أن يضيع صوته فى ضجيج الشارع..

مستمران في الجلوس على المقعد الرصيفي، والسيارات والناس لم تزل في حركة دائمة باعثة الحياة في أجواء المكان، وألوان السيارات ووجوه الناس أمامهما تتبدل بشكل مستمر.

يبحث في ملامح وجهها عن شيء أضاعه في الناس كلها، ولا يمكن أن يكون إلا في وجهها و في خجلها المتوزع فيها والمنثور في كل الأجزاء... فربما كانت نبراته خجلاً ارتسم ملامحا على وجهها ... أقام خارطه العالم في عينيها بحثا عن ما كان يناجي في وجوه الناس عبثاًًًًً.

يزداد الجو برودة ويزداد معه رذاذ المطر، فيظهر البلل على أطراف ثوبها وكأنها تموجات بحر تحاول الإرتفاع أكثر بإتجاه السماء.

يضح يده على حافة المقعد خلف ظهرها بينما يحاول أن يرسم صورا وحركات متفرقة لكلامه باليد الأخرى.

تخرج الكلمات منه دون وعي، دون تفكير مثقل فيها، فمجرد أن ترد على لسانه الكلمات تنطلق ... حتى تاريخ إعلانهما حبهما يذكرها به دون أن يكون له علاقة بالموضوع الذي كان يحدثها فيه ... يحدثها عن أشياء عادية بسيطة ... وفي أحيان أخرى يصف لها أشياء لا توصف ... فقط يريد أن يتكلم وهي تنصت لما يقول بهدوء مفعم بالتمعن ... لكنها تعي تماماً كل كلمة يقولها ... تحللها ... تفسرها ... وتعيش في أركانها بذات اللحظة .

يستمر بالحديث معها وهو يجلس على طرف المقعد الأيمن ويده اليسرى تلتف خلف ظهرها وهي صامتة ... منصتة ... مستمتعة ... متأملة ... تعي كل كلمة يقولها حتى لو خرجت منه بدون تفكير .

قطرات المطر تزداد وهي تزداد هدوء وخجل ... وإحمرار وجنتيها يطغى على لون وجهها الابيض .

تمسك كوب القهوة الكرتوني بكلتا يديها وهي تجلس على يسار المقعد ... وتنظر بإستمرار داخل الكأس ... تحركه يميناً ويساراً متأملة تموج القهوة بداخله ... وتنظر للبخار المتصاعد منه .

يستمر بالحديث معها ... وهي تحدثه بداخل نفسها قائلة : أرجوك إبق هكذا لأخر يوم في العمر ... إبق ببساطتك ... برونقك هذا ... بروعتك حتى نشيخ معاً في ظل حبنا الحالي الدائم ... لا تجعلني أشعر بفراغ غيابك من عمري ... من حياتي ... من تفكيري ....
كن قدري ... وكن قمري ... كن كل شيء يملأ هذا العمر ضجيجاً ... لكن إياك أن ترحل .

لكنها تشعر بالخوف من أن تقطع كلامه لتقول له هذا الكلام بصوت يسمعه ... بذات الوقت تبقى مطمئنة بأن هذا الشعور وتلك الكلمات وصلت إليه عبر صمتها وتحديقها في فنجان القهوة الذي تتمنى أن يبرد قليلاً كي تشربه ، فربما تحاول قراءة شيئ قادم فيه ... رغم أنها جاهلة بقراءة الفنجان ... فكل ما تتقنه هو أن تحبه بملئ رغبتها بالحياة ... وتشعر بأنها تعشق الحياة لأنه فيها ... وكأنه صار بلحظة سبب وجودها.

سذاجته أحياناً ... وبساطته في معظم الأحيان ... جنونه المتواصل والذي يطغى على تقيده بالقواعد وإشارات المرور والعرف والعادة ... إنفعاله المستمر مصاحباً كلماته ... وأهم ما في كل ذلك جنونه غير المفسر، لانه جنون ... والجنون لا يفسر ... ولأنه حبيبها ... ولأن الذي يحب لا يفكر .

يحاول أن يشرح لها وأن يفسر ... أن يفلسف الأشياء وكل نظرة وكل كلمة ... يحاول أن يقرأ لها حتى وجوه الناس في الشارع ... ويقنعها بأنه يسمع الزهور حين تتنفس ... ويحدثها عن كلمات سمعها في تعريف العشق كانت حديثة عليه ورائدة ...

لا أحد من الناس السائرين أمامهما على الرصيف يعيرهما إهتماماً ... لكن جلوسهما معاً في هذا المقعد في ظل هذا البرد حيث تحتضنهما معاً قطرات المطر كافية تلك القطرات بأن تشعرهما بأن هذا المشهد هو الحياة كلها ... معاناة ... حب ... عذاب ... شعور متبادل ... إحساس بالبعد رغم جلوسهما متقاربين ... وإحساسهما بالقرب حدَّ الإلتصاق رغم المسافة القصيرة التي تفصلهما عن بعض ... كلها تفسيرات للحب المجنون ... للجنون الذي يمسهما معاً ويعيشانه بكل حيثياته .
وما الحياة دون أحدهما ... دون هذا الشعور الذي ينتابهما في هذه اللحظة !!!

هذا الجنون يتطور فيهما لحظة بلحظة ... وينمو كالطفل ويكبر في كل ثانية ... وقد بدى أنه قد وصل حده حتى جعل الهادئة الصامتة الخجولة في مقعدها تتخذ قراراً أكثر أهمية من قرارات الأمم المتحدة أو الدول الخارجة عن ميثاقها ... وبسرعة أكبر من أن تخضع لتفكير عميق ... ودون تدقيق طويل فيما ستقول ... وضعت كوب القهوة الكرتوني الذي لم يبرد حتى الأن حتى تتمكن من شربه كله ... قامت عن المقعد وخطت خطوتين لتكون أمامه بالضبط وقالت :
( قبلني الآن ).

نهض بدهشة تملأ وجهه وملامحه ... تأمل فيها لحظات وفي وجهه ألف سؤال وسؤال عن سرِّ هذا الجنون الذي تملكها فجأة ... تملكه شعور إعجاب لم يسبق أن إنتابه تجاهها رغم عشقه لها حد الجنون ... تمنى في هذه اللحظة بأن يمتلك القوة الكامنة ليرفعها في السماء عالياً ... وتمنى لو أنه يملك الجرأة كذلك ليفعل هذا .

فقال لها : لم أسمع ما قلت ... أعيدي .

قالت : وبصوت أكثر حدة : قبلني الآن ... وهنا في هذا المكان تحديداً ... أنا أحبك ولن أكون لسواك أبداً ... فما يمنع أن تقف وتقبلني !!!
أنت قلت لي بأنك وصلت للجنون ... وحبك سببت لي الجنون ...
حبنا جنون وهذا الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أفسر فيه كل شيء ... ما تملكني في هذه اللحظة ... تمسكي فيك ... بقاءنا طوال الوقت معاً ... وكل شيء ... فلا تتلكأ وقم وقبلني الآن .

سادت لحظات صمت قصيرة بعد كلامها ... وهو يحاول تفسير ما يحدث ... ولكن لا شيء يفسر .
عادت من جديد لتحدثه قائلة : بماذا تفكر ... وماذا تنتظر .

أجابها محاولاً تهدئة وتيرة عنفوانها : أخفضي صوتك أرجوكِ ... أنا أحبك أكثر من نفسي ومن أي مدى يمكن أن تتصوريه ... ولأني أحبك لن اقبلك أمام أحد ... ولن أدع أحداً يشترك في طريقة حبنا ومشاهده .

فقالت ووتيرة صوتها تزداد : لا تبرر ولا تحاول تهدأتي ... أما كنت دوماً تقول لي أن حبنا قادر على كسر الأعراف والعادات والتقاليد ... قادر على كسر كل قواعد العادة ؟؟
ألم تقل لي بأن من يحب لا يفكر !!! ... لماذا تفكر الأن ؟
لا تفكر ... ولا تعر أحداً أي إهتمام ... لا تشعر بأحد أخر ولا تفكر بأحد سواي .

أمسك يدها ومضى معها ... تاركين خلفهم مقعداً فارغاً ... وكوباً من القهوة يتصاعد منه البخار مدللاً على أنه لم يزل دافئاً وأن من تركه لم يبتعد كثيراً .


بقلم : مهند عدنان صلاحات
• عضو تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين
[email protected]



#مهند_صلاحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارون يفضل القهوة العربية المرّة
- عن ...فتاة تتزوج الحقيقة
- ميلاد الفجر في غزة ...
- أحلام المجانين ... ليلة صيف
- أتى عيد العشاق... سيدتي
- هل تحولت السلطة الفلسطينية إلى مركز أمني جديد في المنطقة الع ...
- محاكمة الذات بالمعايير المبدأية
- لا بد أن يسقط القمر
- وصايا الشهداء
- شعارات / قصة قصيرة
- قررت الزواج ببحر غزة
- الخطأ في شمولية الحكم على الفكرة / ردا على مقالة محمد الموجي ...
- محاولة لترجمة النهى في ليلة راس السنة
- من يحسن قراءة الوطن على أعتاب السنة الجديدة ؟
- المُخٌلِّص
- التكفير سلاح الجاهل ... ردا على الأستاذ محمد الموجي حول كفر ...
- علمانية الفرد العربي ... الحقيقة المرفوضة
- الأندلس الجديدة ... والطاغوت على أبواب المدينة
- لماذا أبو مازن مرشح الإجماع الفتحاوي
- الحوار المتمدن ... ويكفي أن نقول هو المكان السليم للحوار الم ...


المزيد.....




- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند صلاحات - مشهد