أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - رشا أرنست - مشهد جنازة الصحة في مصر كوميديا سوداء














المزيد.....

مشهد جنازة الصحة في مصر كوميديا سوداء


رشا أرنست
(Rasha Ernest)


الحوار المتمدن-العدد: 3908 - 2012 / 11 / 11 - 01:31
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    




حين نتكلم عن الصحة في مصر فلا نقصد فقط الطبيب والمريض ولكن المنظومة ككل، وهذه المنظومة تضم كل ما يخص هذا الملف المتهالك من تأمين صحي لا يسعف الفقير، ومستشفيات جرى عليها الزمن بعضها تحوّل إلى أكوام من القمامة، ونتكلم عن الدواء ونظام العلاج، وعن الطبيب الذي درس سبع سنوات في كلية الطب وبعدها عليه أن ينسى ما درس ويتعامل بالمتاح بالمستشفيات، ويكتمل الحديث عن الصحة بالمريض وهو الطرف المعني بكل هذه المنظومة وهو في نفس الوقت الطرف الذي يدفع الثمن الأكبر نتيجة خراب الصحة في مصر.
انه إحدى الملفات الملغمة في إرث السيد مبارك، والتي تستحق أن تكون من أولى الملفات على مكتب السيد الرئيس والسيد رئيس الوزراء، فحين نتكلم عن الصحة نتكلم عن صحة المصريين، عن وجودهم بعافية لا يتوفر الحد الأدنى منها. تابعت كما تابع اغلب المصريين المسيرة الجنائزية التي أعدها أطباء مصر تعبيراً واضحا منهم لوفاة الصحة أي انتهاء صلاحيتها بشكلها الحالي مما دعاهم أن يقيموا لها العزاء في القاهرة وخرجت جنازتها يوم الخميس 8 نوفمبر في مشهد مهيب من جامع عمر مكرم. لا ادري كيف سيكون رد فعل أي إنسان في أي بقعة من العالم وهو يرانا نقيم عزاء في وفاة الصحة، أي في وفاة الأمل بأننا نكون أصحاء. مشهد تراجيدي يحمل قدر كبير من الكوميديا السوداء التي لا يدركها إلا عاقل يعرف قيمة الطب، هذا الاختراع الذي يرجع إلى حضارتنا الفرعونية العريقة، والذي ساهم يوما بعد يوم في حفظ سلامة الإنسان وإعطاؤه بدائل حتى ينعم بصحة أفضل تمكنه من الحياة بشكل أكثر تألقاً، وها نحن ننصب عزاء فيه. يا لسخرية الفساد!!
حين سمعت عن إعلان الأطباء لوفاة الصحة وموعد تشييع الجنازة، حضر بذاكرتي فيلم أمريكي شهير، شاهدته مرات كثيرة وفي كل مرة يُذهلني بحواره الرائع، وكأنه يعزف على وتر الإنسانية بانسيابية تأخذك إلى عالم حساس، الجميع فيه يشعر ويُشارك حتى في أكثر الأوقات ألماً، فيلم Patch Adams هو فيلم إنساني من الدرجة الأولى بطولة النجم روبن ويليامز يناقش علاقة الطبيب بالمريض، ورسالة الطب الإنسانية ... يتحدث الفيلم من خلال حياة البطل الذي يقرر بنفسه دخول مصحة للإمراض العقلية لأنه راغب في الانتحار، ومن خلال فترة محدودة يُدرك انه قادر على أن يُساعد الآخرين، وينطلق من خلال مشاركاتهم خارج حدود ذاته. يبدأ في التفكير بالمرضى وكيف يستطيع فهمهم والحديث معهم في ذات الوقت الذي يرى طبيبهم المعالج لا يكترث لما يشعرون، أو يقولون وينطلق من اكتشافه انه قادر على مساعدة الآخرين ليرى جانب لم يراه سابقا في حياته، انه القدرة على العطاء والخروج من الانغلاق حول الذات إلى العالم من حوله، ويرى في مهنة الطب قدرة كبيرة على العطاء ومساعدة الناس ولكنه يراها بشكل جديد، يجعله يصطدم عدة مرات بدكاترة الجامعة حيث التحق بكلية الطب ليتعلم أولا ويستطيع أن يُمارس المهنة. نقطة الصدام بينه وبين الأطباء الأساتذة في مفهوم العلاج عند كلا منهم، فهم يروا أن العلاج هو كيفية تخفيف الآلام في محاولة لإطالة عمر الإنسان، وهو يرى العلاج في تحسين حياتهم، في أن يجعل حياتهم أفضل حتى مع الألم، أن يجعلهم يبتسمون ويضحكون وهو بذلك يُخفف عنهم الكثير.
يطرح الفيلم شكل عام عن الطب ورسالته، وشكل خاص عن علاقة الطبيب بالمريض، تلك العلاقة التي لا يدركها مسئول في مصر يسأل عن ماذا يريد الأطباء غير الكادر الذي سنعطيهم إياه؟!! لا استطيع أن اجزم بان الأطباء في مصر جميعهم يؤمنون برسالة الطب، ولكني اجزم أنهم يقدمون خدمة كبيرة لهم. ليس كل الأطباء يعملون بالطب كمهنة فقط، فالبعض منهم يعتبرها رسالة معاشة يوميا وسط المرضى، وفي الحالتين هو محتاج لجو نظيف مُجهز ليُمارس مهنته حتى يستطيع أن يقدم الأفضل للمريض.

مهنة الطبيب من المهن التي لها جانب إنساني كبير في مساعدة الآخرين، مساعدة الآخرين التي تجعلنا نتغلب على مشاكلنا الشخصية ولا ننحصر فيها، بل تجعلنا ننفتح على الأخر ونُشاركه آلامه، وفي المشاركة نجد معنى لحياتنا. ولا ينبغي أبداً أن نربط مساعدة الآخرين بمقابل مادي أو إجراءات روتينية، حيث الفقير لا يستطيع أن يحصل على مساعدة طبية كما يحصل عليها الغني.
في احد أروع مشاهد فيلم باتش ادم وهو اسم البطل في أحداث الفيلم الذي أنتج عام 1998 يقول لصديقه بعد رؤيته موقف مؤسف بالمستشفى: "ليس من العدل أن تقضي امرأة أخر لحظات من حياة ابنتها وهي تملأ بيانات".. نعم، الروتين في المستشفيات هو نظام عالمي، يكون في أحيان كثيرة عقبة في إنقاذ مصاب، أو إعطاؤه فرصة لان يكون مع أحبائه بأخر لحظات حياته. وفي بلدنا الروتين لا يكتفي بذلك فقط بل انه يقتل الآلف المصابين سنويا حين لا يستطيع إسعافهم بالوقت المناسب لنقص الإمكانيات أو روتين الانتظار على القائمة لان ملف الصحة لدينا لا يأخذ الميزانية الكافية لسد الاحتياج الحقيقي، فما يحدث اليوم داخل المستشفيات هو حسب إمكانياتها التي تكاد تكون معدمة.
حين يبدأ الطبيب في مصر بعد ثورة يناير بالشعور الإنساني اتجاه المريض، ويبدأ في الإعلان عن مطالبه ومنها تحسين ملف الصحة في مصر ولا يكتفي بزيادة راتبه علينا أن نشكرهم ونساندهم لان أعينهم انفتحت على صحة الإنسان ورسالة الطب ورسالة الطبيب اتجاه مريضه، ونظرته للطب كمركز ومستوى اجتماعي ومادي لم تعد هي كل شيء. علينا مساندتهم بالدعم المعنوي على الأقل فليس هناك وقت للسخرية منهم أو اتهامهم والمزايدة عليهم، علينا أن نساندهم قدر استطاعتنا ليحققوا مطالب عادلة ستعود علينا بالخير حين نرى مستشفى ادمي جاهزة لاستقبال أي حالة بأي وقت. حين نرى الدواء في متناول الجميع. حين نرى أن الفقير يحظى بعناية كافية، وله مكان أينما كان. حين تعود لدينا الثقة في المستشفى الحكومي كالخاص. ربما يكون إصرار الأطباء على رفع ميزانية الصحة لتطهيرها هو إصرار على تحسين جزء هام في حياة المصريين، وعلينا جميعا دعمهم ومساندتهم، وفي ذات الوقت مطالبتهم بواجبهم الإنساني والوظيفي اتجاه المرضى في مصر.



#رشا_أرنست (هاشتاغ)       Rasha_Ernest#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معركة الدستور المصري المقبلة
- حاكموا الإعلام بتهمة الإساءة للإسلام
- فيلم -اجورا- يكشف عن الكنيسة وحرية الإبداع
- دون أن تعرف
- المرأة المسيحية وتحديات ما بعد الثورة
- أحبك.... ولكن!!
- ما اصعب الأنتظار
- جبهة أحرار مصر لمناهضة تسييس الكنيسة
- لعبة العنكبوت
- على هامش الميدان
- يا مصر قومي
- الثورة... الحلم المشروع
- شكراً اوبرا
- إلى قداسة البابا شنودة: أخبرنا عن موقفك مما يحدث؟
- كلمة -الأقليات- كيف نسقطها من قاموس واقعنا اليومي؟
- بلاغ لم يقدم ضد رئيس هيئة السكة الحديد ووزير النقل والمواصلا ...
- المصريون وشعار الصبر هو الحل
- عمار يا مصر وخراب يا حياتنا
- الأموات ينهضون والأحياء ينعون أنفسهم في أوبريت الضمير العربي
- لبنان... على قياس مَن؟


المزيد.....




- بعيدا عن الكاميرا.. بايدن يتحدث عن السعودية والدول العربية و ...
- دراسة تحذر من خطر صحي ينجم عن تناول الإيبوبروفين بكثرة
- منعطفٌ إلى الأبد
- خبير عسكري: لندن وواشنطن تجندان إرهاببين عبر قناة -صوت خراسا ...
- -متحرش بالنساء-.. شاهدات عيان يكشفن معلومات جديدة عن أحد إره ...
- تتشاركان برأسين وقلبين.. زواج أشهر توأم ملتصق في العالم (صور ...
- حريق ضخم يلتهم مبنى شاهقا في البرازيل (فيديو)
- الدفاعات الروسية تسقط 15 صاروخا أوكرانيا استهدفت بيلغورود
- اغتيال زعيم يكره القهوة برصاصة صدئة!
- زاخاروفا: صمت مجلس أوروبا على هجوم -كروكوس- الإرهابي وصمة عا ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - رشا أرنست - مشهد جنازة الصحة في مصر كوميديا سوداء