أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسم الهجرة إلى الشمال دور مصطفى سعيد















المزيد.....



موسم الهجرة إلى الشمال دور مصطفى سعيد


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3899 - 2012 / 11 / 2 - 19:11
المحور: الادب والفن
    


القديم والجديد والجنس العربي

حسب العالم الألسني بنفنيست، تتحدد اللغة باللفظ، هذا اللفظ ينتج وحدات، هذه الوحدات هي الشكل، والمعنى هو دمج هذه الوحدات في وحدات أعلى منها. إذن ما يقوله الراوي عن م. س.: "مصطفى سعيد كان يحضر الصلوات في المسجد بانتظام. لماذا كان يبالغ في تمثيل ذلك الدور المضحك؟" (ص 68)، هذا القول عبارة عن وحدة لفظية، بدمجها في وحدة أعلى منها، وحدة المعنى، نرى أنه يلقي عليه بكل إرهاصات المذنب "سلبًا" أم "إيجابًا"، ويجعل منه دمية متحركة أو حجرًا في لعبة الروي يقوده كما يشاء ويرضى. وبكلام آخر، عن طريق الإشارات الشكلية يبوح بما لا يُرى من معانٍ، ويلعب لعبة التشويق، بين التوتر والتمدد، توتر الإشارات، وتمدد المعاني، وذلك على مدى الروي، فيتساءل وحده ثم يجيب وحده دون أن يطلب إليه أحد ذلك: "هل جاء إلى هذه القرية النائية يطلب راحة البال؟ لعل الإجابة في تلك الغرفة المستطيلة ذات النوافذ الخضراء. ماذا أتوقع؟ هل أتوقع أن أجده جالسًا على كرسي وحده في الظلام؟ أم أتوقع أن أجده معلقًا من رقبته بحبل يتدلى من السقف؟ والرسالة التي تركها في ظرف مختوم بالشمع الأحمر متى كتبها؟" (ص 69).

وحدة الروي التي يقدم الراوي بها م. س. لا تُبدي في إشاراتها الشكلية الدور المضحك لهذا الأخير، لأن م. س. لم يسع إلى دور مضحك في حياته، وإن كان هذا الدور ميكانيكيًا، فالنهاية التي اختارها، ألا وهي الاختفاء الملغز، هي نهاية تراجيدية، وليست ميلودرامية، كما يدعي الراوي: "إذا كان مصطفى سعيد قد اختار النهاية، فإنه يكون قد قام بأعظم عمل ميلودرامي في رواية حياته" (ص 71). إذن بين الوحدة الشكلية الأولى والثانية هناك ما يدعى ألسنيًا عِوَج أو تحرّف أو تفاوت هناك اختلال في التوازن، وهذه هي طريقة تمدد وحدات المعاني على طول الرواية، وبكلام آخر عن طريق الاختلال الشكلي يكون الشكل الروائي، وبالتالي يكون المضمون بما يحويه من معانٍ.

بناء على ما سبق، سنفسر ما يُروى على اعتبار أن كل استشهاد نقدمه هو في حد ذاته وحدة شكلية ووحدة مضمونية عن طريق الإشارات في الأولى نصل إلى المعاني في الثانية، وهذه الطريق في تحرّف واختلال دائم وإلا ما كان التوسع في المعاني والوقوف على المضمون الروائي. إذن، فيما يخص اختفاء م. س. نقول: إن لهذا الاختفاء الملغز، أو الرحيل المفاجئ، معنى حياتيًا، معنى تراجيديًا، وما هو ميلودرامي هنا: الصورة التي يرسمها الراوي عن الرحيل، وليس الرحيل ذاته. الصورة الواحدة في صورتيها الاثنتين (1) جنوبًا (2) وشمالاً. (1) "وإذا كان الاحتمال الآخر هو الصحيح، فإن الطبيعة تكون قد منت عليه بالنهاية التي كان يريدها لنفسه. تصور عز الصيف في شهر يوليو العتيد. النهر اللامبالي فاض كما لم يفض منذ ثلاثين عامًا. الظلام يصهر عناصر الطبيعة جميعًا في عنصر واحد محايد، أقدم من النهر ذاته، وأقل منه اكتراثًا، هكذا يجب أن تكون نهاية هذا البطل" (ص 71). "إنما هل فعلاً النهاية التي كان يبحث عنها؟ لعله كان يريدها في الشمال، الشمال الأقصى، في ليلة جليدية عاصفة، تحت سماء لا نجوم فيها، بين قوم لا يعنيهم أمره، نهاية الغزاة الفاتحين" (ص 71).

ويربط الراوي غياب أو اختفاء أو هرب أو رحيل أو مقتل أو موت (كل هذه الاحتمالات) يربطها بلحظة عدم الحكم على م. س. بالموت حين محاكمته، هذه اللحظة التي اعتبرها مؤامرة ضده من طرف "المحلفين والشهود والمحامين والقضاة (ص 71) ليحرموه من "لذة" الموت التي لقيها أخيرًا في النيل! وكان موقف الكولونيل همند، والد آن همند التي انتحرت بسبب م. س.، أي الممثل للكولونيالية العسكرية، موقفًا مجسدًا لمؤامرة العفو عنه تلك، عندما لم يجزم في أن م. س. قد كان سببًا في انتحار ابنته، فأخذ صورة العدل من ناحية: "هذا هو العدل وأصول اللعب كقوانين الحرب والحياد في الحرب، هذه هي القوة التي تلبس قناع الرحمة" (ص 71)، وأخذ صورة الخير من ناحية ثانية: "حتى الكولونيل همند الذي كنت أتوسم فيه الخير، ذكر زيارتي لهم في الفصول في لفربول، وأنني تركت في نفسه أثرًا حسنًا" (ص 72) بينما المعنى الضمني "للخير" هنا هو "الشر"، فقد كان م. س. يطمع في أن يدينه، وبالتالي، في أن يكون الحكم عليه بالموت. وفيما يخص "عدالة" الكولونيل، لم يكن في قصده ذلك، ولكن ذلك كان في قصد الراوي الذي يفرض على القارئ وجهة نظره التي هي وجهة نظر الروي في امتداده وانحرافه.

إنه يفرض على القارئ وجهات نظره (بصيغة الجمع، فللروي وحداته المضمونية) وتوجهاته (بصيغة الجمع، فللروي وحداته الشكلية)، فها هو، بعد كل ما رواه عن م. س.، يحاول أن ينفي ملاحقته له، وبالتالي ملاحقته للقارئ، أم يظنه حجرًا للروي كم. س. بين أصابعه؟ وها هو بعد كل الرموز "الإيجابية" التي ألصقها بالقرية وأهلها، في محاولة منه لإزالة الوهم عن النفس، يسقط في الوهم، ويُسقط القارئ معه: "هنا تبدأ أشياء، وتنتهي أشياء، ومنطقة صغيرة من هواء بارد رطب يأتي من ناحية النهر، وسط هجير الصحراء، كأنه نصف حقيقة وسط عالم مليء بالأكاذيب. أصوات الناس والطيور والحيوانات تتناهى ضعيفة إلى الأذن كأنها وساوس، وطقطقة مكنة الماء المنتظم تقوي الإحساس بالمستحيل" (ص 73).

ولكن لا بد من مخرج بنيوي أمام الإحساس بالمستحيل، الإحساس بالوهم الذي هو م. س. ذاته كإحساس ملازم للراوي، ودور منشط أو مثبط للوهم، لا بد من مخرج استعاري عن طريق صورة كلاسيكية للنهر الذي يعني الحياة: "والنهر، النهر الذي لولاه لم تكن بداية ولا نهاية، يجري نحو الشمال، لا يلوي على شيء، قد يعترضه جبل، فيتجه شرقًا، وقد تصادفه وهدة من الأرض، فيتجه غربًا، ولكن إن عاجلاً أو آجلاً يستقر في مسيره الحتمي ناحية البحر إلى الشمال" (ص 73).

صحيح النهر هنا كصورة كلاسيكية هو الحياة، ولكنه في إشاراته ودلالاته صورة مصطنعة يحكمها "الشمال"، الموقف الأخلاقي الأحادي من العلاقة شرق-غرب، وحتمية التوجه نحو الشمال: صورة تجاور صورة تجاور صورة، صور خَطية (تسير في خط مستقيم كالنهر في مسيره الحتمي) صور خَطية في منطقها.

مقارنة بين "القديم" و "الجديد"
ليس هناك فصل –كما يبدو للوهلة الأولى- بين إشارات "القديم" وإشارات "الجديد"، فكأنها إشارات واحدة تجزأت إلى اثنتين عندما يعود الراوي دون كلل إلى مقارنات مثالية بين "القديم" و "الجديد"، بين "الأصيل" و "الدخيل"، ليس لنقض "القديم" في الحالة الأولى بل لتأكيده، ولا لنقض "الدخيل" في الحالة الثانية بل لتأكيده، وبين "الدخيل" و "القديم" يقيم مدلولاته: "الدنيا لم تتغير بالقدر الذي نظنه، تغيرت أشياء، طلمبات الماء بدل السواقي، محاريث من حديد بدل محاريث الخشب. أصبحنا نرسل بناتنا إلى المدارس. راديوهات. أتومبيلات. تعلمنا شرب الويسكي والبيرة بدل العرقي والمريسة، لكن كل شيء كما كان" (ص 103).

إذن، الشكل في دواله فقط ما تغير، أما المضمون، فقد بقي على حاله، وربما كان في الأمر شيء من الحقيقة، وذلك على المستوى الوظيفي، فالوحدات الخاصة "بالجديد" على علاقة بواقع قائم، لكن الراوي لا يبحث عن الأسباب بقدر ما هو مأخوذ بالمسوغات، ولصالح "القديم" المتمثل في جده، وفي كل ما يعود إليه: "وقفت عند باب دار جدي في الصباح، باب ضخم عتيق من خشب الحراز، لا شك أنه استوعب حطب شجرة كاملة، صنعه ود البصير... ولكنه لم يعد يصنع مثل باب بيت جدي، بعد أن اكتشفت الأجيال اللاحقة من أهل البلد أبواب خشب الزان وأبواب الجديد، يجلبونها من أم درمان" (ص 74).

في الاستشهاد السابق، على المستوى الوظيفي دومُا، تُشكل الوحدات الخاصة "بالقديم" كلاً واحدًا لا يمكن فصلها عن بعضها عن طريق الإدخال الوحداتي الخاص "بالجديد" مقارنة بين باب الجد المصنوع من خشب الحراز الغالي والذي يندر وجوده وبين الأبواب المصنوعة من خشب الزان وأبواب الحديد الرخيصة "الحديثة"، وذلك لتأكيده علاقة الجد بما هو غال وأصيل من الشجر، وبالتالي لتثمين علاقته بالأرض حيث تشكل داره جزءًا منها: "هذه الدار الكبيرة ليست من الحجر ولا من الطوب الأحمر، ولكنها من الطين نفسه الذي يزرع فيه القمح، قائمة على أطراف الحقل تمامًا، تكون امتدادًا له" (ص 75).

إنها الصفة الشكلية للروي، المسار الشكلي للروي، في تحرف واختلال دائم، كما سبق لنا القول، ولأجل أن نرى طرفًا آخر من المضمون في توسعه الدائم: أشياء الجد، أو بالأحرى، ما يمتلكه الجد، ومصطلح الامتلاك في محله بعد أن تبرجز وبنى دارًا "لها غرف كثيرة مختلفة الأحجام، بنيت بعضها لصق بعض في أوقات مختلفة، إما حسب الحاجة إليها أو لأن جدي توفر له شيء من المال لم يجد وسيلة أخرى ينفقه فيها" (ص75). إن أشياء الجد تصبح ميزانًا للغرور أو التواضع، صفة تركيبية للغة قبل أن تكون تعبيرية: "ارتفاع السرير عن الأرض، في زعم جدي، من الغرور، وقصره من التواضع" (ص 75). تصبح استمرارًا لحركة قديمة: "تخيلت جدي جالسًا على فروة صلاته، وفي يده مسبحته من خشب الصندل، تدور في حركة دائبة كقواريس الساقية" (ص 75). تصبخ ترمومترًا ضد الطقس: "دار متاهة، باردة في الصيف، دافئة في الشتاء" (ص 75). تصبح إعجازًا ضد الزمن: "إذا نظرت إليها (إلى دار الجد) من الخارج، دون عطف، أحسست بها كيانًا هشًا لن يقوى على البقاء، ولكنها تغالب الزمن بشيء كالمعجزة" (ص 76). وتتكرر الأسطوانة دائمًا عن ارتباط الجد وداره بالحقل: "هذه الدار مصيرها مرتبط بمصير الحقل... " (ص 76). ولكن الزمن هنا يقف، لأنه متوقف على شخصية "البطل الأوحد"، فنحن لا نراه كعلاقة اجتماعية، ولا في علاقاته بغيره من الفلاحين، إننا نراه كعلاقة فوقانية، كحالة فريدة، ومن خلال علاقاته بعدد من الفلاحين المتبرجزين و "المهووسين" كما سنرى، ولغويًا كعلاقة لغوية، كتركيب جُمَلي (من جملة)، لكل جملة عدة اتجاهات يقف عند نهايتها الجد كنقطة التقاء.

يطغى الجد على اختلال الروي، فكأنه الاختلال عينه، وقد أخذ صفته، وغدا الامتداد لما تحمله وحداته من معانٍ، لتصبح أشياؤه ميزانًا بين التقشف والترف: "رائحة تذكرني بتقشف جدي في الخشب، وترفه في لوازم صلاته" (ص 76). تصبح فخارًا ومدعاة للزهو: "وهو يفتخر خاصة بمسبحته لأنها من خشب الصندل، ويداعب حباتها، ويمسح بها وجهه، ويستنشق رائحتها" (ص 76). تصبح تميمة يطرد بها الشيطان: "وكان إذا غضب من أحد أحفاده ضربه بها (بالمسبحة) على رأسه، يقول إن ذلك يطرد الشيطان" (ص 77).

ويصل الراوي عن طريق الوحدات المتجاورة السابقة إلى هذه الخاتمة الأولى: "وهذه الأشياء جميعًا مثل غرف داره، والنخل في حقله، لها تاريخ قصه عليّ جدي مرارًا وتكرارًا، في كل مرة يحذف شيئًا ويضيف شيئًا" (ص 77). في نيته أن يعطي أهمية لتاريخ القرية من خلال جده بينما يقدم تاريخًا خاصًا بجده، تاريخًا "فريدًا" (ص 77) "لكيان عميق" (ص 77) وُجِدَ وقت وُجِدَت الأرض (!)، أي لا تاريخًا.

ويصل الراوي عن طريق الوحدات المتجاورة السابقة إلى هذه الخاتمة الثانية: "نحن بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي فلاحون فقراء، ولكنني حين أعانق جدي أحس بالغنى كأنني نغمة من دقات قلب الكون" (ص 77).

1) في "نحن" وكذلك في "هم" (مقاييس العالم الصناعي الأوروبي) تعميم وديماغوجية وسكونية وغباء ذهني للراوي. إنها افتراضات تظل دائرة في الفلك الوظيفي للدوال وليست تأكيدات من طرفنا.
2) بأي حق يتكلم عن الفلاحين الفقراء، ويعتبر نفسه واحدًا منهم، وهو الموظف الكبير في الحكومة؟ وهو لا موقفًا ولا ممارسة معهم أو منهم. إنها افتراضات تظل دائرة في الفلك الوظيفي للمدلولات وتصاغ على شكل سؤال من طرفنا.
3) من عملية التسويغ المتبعة، في حالة جده، يريد الراوي القول إن كل غنى جده هذا لا شيء أمام "العالم الصناعي الأوروبي"، إذن، هو، بالنسبة إلى ذلك العالم "فقير" ماديًا، أما روحيًا، فهو "غني"، أغنى من الأوروبيين أنفسهم، وهذا ما يفسر إحساس الراوي بالغنى عند معانقته لجده. لا افتراضات هنا، وإنما استنتاجات من داخل منطق الوحدات الخاصة بالجد، وذلك للتوضيح السردي والتعميق الدلالي.

ويصل الراوي عن طريق الوحدات المتجاورة السابقة إلى هذه الخاتمة الثالثة: "إنه (الجد) ليس شجرة سنديان شامخة وارفة الفروع في أرض منت عليها الطبيعة بالماء والخصب، ولكنه كشجيرات السيال في صحارى السودان، سميكة اللحى، حادة الأشواك، تقهر الموت لأنها لا تسرف في الحياة. وهذا وجه العجب! إنه عاش أصيلاً رغم الطاعون والمجاعات والحروب وفساد الحكام" (ص 77).

هنا لا حاجة إلى التوضيح والتعميق وقد أخذ الراوي على عاتقه هذه المهمة بطريقة تفخيمية هذا صحيح، لكنه يقوم بدوره كراوٍ، يروي، خاصة هنا، يكمل ما روى، بل وأكثر، يصوغ. هذا التعبير "فساد الحكام" يتكرر في أكثر من موضع، يعيد صياغته، لا يهم أن يضعه بمعناه الأخلاقي و "فك عتب" لا غير، لأن المسألة ليست مطروحة بالنسبة للراوي على أساس الصراع الاجتماعي وإنما على أساس الروي في تحرفه وامتداده الدائم، ومن خلال هذا الامتداد، الذي هو امتداد في المعنى، في هذا الامتداد المنحرف، يأخذ "الحكام" مكانًا إلى جانب الطاعون والمجاعات والحروب بمعناها التجريدي. وبنفس طريقة التهويل التي "صاغ" فيها م. س.، "يصوغ" جده وكيان جده. في حالة م. س. قدح، كصفة للروي لا أكثر، وفي حالة الجد مدح، كصفة للروي لا أكثر، وفي هذه الحالة ما قصده إلا إعطاء البديل، ولكنه لا يعطي البديل بقدر ما يعطي التسويغ، وفي التسويغ بعض المفارقات "العجيبة". إن وجه العجب، عبارة محببة للراوي، في صورة الجد المكرورة عن "الخير"، فنحن لا نرى فيه إلا ما هو "إيجابي"، ومدعاة ذلك الموقف الذاتاني والأناني للراوي، ذاتاني وأناني كشخصية حية لا كشخصية غير حية، شخصية افتراضية، شخصية "فيكشن"، والقائم على "الزهو"، وهو يأخذ بعدًا شوفينيًا أحيانًا من أبعاد المعنى، أو عنصريًا أحيانًا، فضاءان مضافان هما، بنيويًا، ليسا أساسيين إلا من ناحية علاقتهما بالراوي الشخصية الحية.

الجنس "العربي"
تحت هذا الباب، تسيطر الشخصية غير الحية للراوي، وكأن لدينا راوي الراوي، إنها إرادة مضمون الوظائف التي تجعل من الراوي متفرجًا، وبالتالي ناقلاً للروي، فيرتدي ثوب الطيب صالح، أو الطيب صالح يرتدي ثوبه، فالطيب صالح هو من يرسم الصورة التقليدية "للعربي المنكاح"، ويقدمها بتلذذ واضح، رغم محاولته الميكانيكية لنقضها بصورة تقليدية أخرى "للعربي النقي". الأولى عبرت عنها شخصية ود الريس، والثانية شخصية الجد، وفي كلتا الحالتين بقيت المرأة "جارية" للرجل لا حقوق لها. إن لمن المفترض أن يكون هذا هو وضع المرأة السائد في المرحلة المعبر عنها فنيًا، لكن كل محاولات الراوي (الطيب صالح) في "الدفاع عنها" تذهب سدى، لأنها تبقى رهن عادات وتقاليد المرحلة، بل وجزءًا منها، فيضيع العامل المحفز للروي سدى.

الصورة الأولى "للعربي المنكاح" في حكاية ود الريس: "وبعد، يا حاج أحمد (الجد) أركبت البنت أمامي على الحمار، وهي تفلفص، وتتلوى، وبالقوة جردتها من جميع ثيابها حتى أصبحت عارية كما ولدتها أمها، كانت فرخة عديلة من جواري بحري بلغت توها. النهد يا حاج أحمد كأنه طبنجة، والكفل إذا طوقته بذراعك لا تصل حده. وكانت مدهنة ومدلكة جلدها يلمع في ضور القمر، وعطرها يدوخ العقل، ونزلت بها إلى منطقة رملية وسط الذرة، ولما قمت عليها... إلخ" (ص 78).

يتابع الراوي وصفه لود الريس: "وواضح أن ود الريس يدرك ذلك، وقد سمعت أنه كان في شبابه آية في الحسن، وأن قلوب الفتيات كانت تخفق بحبه قبلي وبحري، أعلى النهر وأسفله. كان كثير الزواج والطلاق، لا يعنيه في المرأة أنها امرأة، يأخذهن حيثما اتفق، ويجيب إذا سئل: الفحل غير عواف" (ص 82).

من الملاحظ هنا أن الأحداث الخاصة بم. س. في تتاليها قد جرى تعليقها إلى حين، وهذه صفة جديدة من صفات الروي في تحرّفه واختلاله، إنه يمتد دومًا، ويمتد تبعًا لوحدات مضمونه، وليس فقط تبعًا لوحدات شكله، حتى ولو أوقفنا تركيبه التعبيري الكلي على فواعله (الشخصيات)، على وظائفه الكبيرة، كالتي تنتج عن الصعود التدريجي للوحدات الوظيفية، كما يقول رولان بارت. لهذا كان تركيز الروي على ود الريس، وكان الرجل عبره هو الأجمل، تخفق قلوب الفتيات بحبه، وكل الفتيات في كل مكان، وليس العكس، وهو يأخذ المرأة كموضوع نكاح فقط، ليبدو الجنس كمرادف للفحولة. وإذا كان هناك نقد لهذا، فهو خارجي، لأن الطيب صالح (وليس الراوي) يبدو متعاطفًا مع ود الريس، حتى وإن لم يكن متفقًا معه.

الروي هنا يلخص ما في رأس الطيب صالح، المرأة كموضوع نكاح تبدو مجسدة في شخصية بنت مجذوب، التي يتعاطف معها الراوي أيضًا إلى حد الإعجاب، وذلك عندما يجعلها تقول متلذذًا هو لا متلذذة هي: "عليّ الطلاق يا حاج أحمد كنت حين يرقد زوجي بين فخذيّ أصرخ صراخًا تجفل منه البهائم المربوطة في مراحها في الساقية... عليّ الطلاق، كان عنده شيء مثل الوتد حين يدخله في أحشائي لا أجد أرضًا تسعني. كان يرفع رجليّ بعد صلاة العشاء، وأظل مشبوحة حتى يؤذن آذان الفجر. وكان حين تأتيه الحالة يشخر كالثور حين يُذبح... إلخ" (ص 79).

إذا كان هناك إحساس بأن للمرأة دورًا في عملية الجنس (كنت حين يرقد زوجي بين فخذيّ أصرخ صراخًا...)، فهو لمتعة الرجل ولذته لا غير (يشخر كالثور حين يُذبح)، أي أنها شيء للاستهلاك، موضوع نكاح لا يستقبل فقط بل ويعطي شروط الاستقبال: هيمنة الرجل وقدرته وطاقته واستعباده إلى آخر الخطاب الرجولي السائد، نحن ما يهمنا كيف تم الروي في امتداده، بفم راوٍ واحد او بأفواه عدة رواة، على أن يترك الروي انحرافه من ورائه، صورة العربي المنكاح من ورائه، ليصل بنا إلى صورة أخرى، صورة مقابلة في السياق الذي نحن فيه.

الصورة المقابلة "للعربي المنكاح"، الصورة الملوثة لأصحاب "الأرض" هي صورة العربي النقي، أو صورة الطهارة لأصحاب "الجنة"، وهو الجد: "حاج أحمد هذا طول اليوم في صلاة وتسبيح كأن الجنة خلقت له وحده" (ص 81).

يقول الجد: "الحق لله أنني كدت أتزوج في مصر، المصريون ناس طيبون، ويحفظون العشرة، والمرأة المصرية تعرف قيمة الرجل. تعرفت برجل تقي في بولاق، كنا نلتقي دائمًا في صلاة الفجر في مسجد أبو العلاء. دخلت بيته، وتعرفت على أهله. كان أبو بنات، عنده ست بنات كل واحدة تقول للقمر قوم وأنا أقعد محلك. بعد مدة قال لي: "يا سوداني أنت رجل متدين وتحفظ العشرة خليني أزوجك بنتًا من بناتي. الحق لله يا ود الريس نفسي مالت إلى البنت الكبيرة. لكن بعدها بقليل جاني تلغراف بوفاة المرحومة أمي، فسافرت في الساعة والحين" (ص 86).

أهم ما في الوحدة السردية السابقة أنها دال ومدلول في آن واحد، تلخص نفسها بنفسها، وتجمل هوية الجد: هو طيب والناس في مصر طيبون، هو تقي ولا يتعرف إلا على الأتقياء، ومكان التعارف المسجد، وفوق هذا، في صلاة الفجر، حتى ولو كان الطقس باردًا والنوم خير من الصلاة، وهو جميل لا يستأهل إلا من هي بمقامه من البنات كالقمر في جمالها، ويأتيه أبوها –وهذا شيء ضد القاعدة- يعرض عليه الزواج من ابنته بدلاً من أن يطلبها هو، ولكنه من دافع مثاليته "العظمى"، يترك الناس الطيبين في مصر، وفتاة كالقمر، ومصاهرة الأتقياء، أي يترك ما هو مثالي إلى ما هو أعظم مثالية عندما يستلم برقية تعلمه بوفاة أمه، فهو فاضل ابن أمه "الفاضلة" (ص 86).

صورة النقاء هنا المفعمة بالفجيعة والميلودرامية ليست كاملة إلا من ناحية كونها صورة شخصية، إذ يقول الجد لود الريس: "أظنك كنت رجعت ومعك امرأة. هذا هو كل همك. أنا رجعت، ومعي المال، فاشتريت الأرض، وعمرت الساقية، وطهرت أولادي" (ص 85). صورة ليست لأحد آخر غير الجد، وبشكل ضمني "العربي النقي". لأن قوة المال تشوهها، وهذه الفلسفة البديلة لإحدى الشخصيات، شخصية بكري، الواقفة إلى جانب الجد ضد ود الريس: "أنت يا ود الريس مجنون، رجل كبير لكن ما عندك فهم، النسوان نسوان، في مصر أو السودان أو العراق أو واق الواق. السوداء والبيضاء والحمراء كلهن سواسية" (ص 86).

فلسفة متخلفة تعتبر المرأة "ثقبًا" يُقذف فيه، هذا من ناحية ود الريس، أما من ناحية الجد، فالوظيفة تختلف، لأن المعايير البنيوية في حالته تختلف، ولكن ود الريس هو الذي يظل في قلب التمدد والتحرف الروائيين، فتفشل مهمة الراوي (الطيب صالح، سبق وأوضحنا لماذا) في عرضه للصورة النقية المتمثلة بالجد "الطاهر" مقابل الصورة الملوثة المتمثلة بود الريس "الفاسق". ويغطي فشله عن طريق قدرته السردية ككلي العلم عندما لا يساوي فقط ما بينهم بل ويحدس مستقبل البشرية معطيًا لنفسه من الأهمية –كالعادة- الشيء الكثير: "ونظرت إليهم، ثلاثة شيوخ وامرأة شيخة، ضحكوا برهة على حافة القبر، وفي غدير يحلون. غدًا يصير الحفيد أبًا والأب جدًا، وتستمر القافلة" (ص 88). ويقول ود الريس: "أستغفر الله العظيم. أيام نقضيها على وجه الأرض، وبعدها ربنا يفعل فينا ما يشاء" (ص 88). يقارن الجنس بالغيب، ويصبح الجنس وحده الحقيقي، القدر الأرضي! وهذا هو المستوى "الرويي" الجواني بعد مستويي الوحدات الشكلية والوحدات المعنيية (من معنى) التي تلفها.

هنا، يحاول الراوي (الطيب صالح) إدخال عنصر آخر إلى جانب عناصر الروي السابقة ليداوم الروي على مساره، وليتوافق الروي في مساره، وذلك من خلال علاقته بحسنة بنت محمود، زوجة م. س.، فيضع صورة العربي النقي، صورة الجد (الفصل السادس) مقابل صورة العربي المنكاح، صورة ود الريس، الذي يتزوج من حسنة عنوة، فتقتله، وتقتل نفسها. من المفترض أنه بذلك يريد أن يصل إلى تأكيد هيمنة "الشر" على "الخير" في العالم، وفي هذا نقد لصورة النقاء في الجنس على أنها عاجزة، ويجدر تغييرها أو تمزيقها. وربما على العكس، يريد القول إن حسنة صورة مزدوجة للجنس الشرقي والغربي: "اتحدت الصورتان في ذهني... فخذان بيضاوان مفتوجتان في لندن، وامرأة تئن تحت ود الريس الكهل. امرأة نبيلة الوقفة أجنبية الحسن" (ص 92)، وهي، بالتالي، "شيء ليس موجودًا حقيقة" (ص 92) مثل زوجها م. س.، ولأنها أكذوبة، رغم أنها أكذوبة خيّرة، قُضي عليها بالموت، أما الحقيقة الخيّرة، الجد ومعه الراوي، فهي الباقية!

كل ما سبق عبارة عن علامات تساعد الناقد على التحليل، وفي الروي علامات ذات حدين، تفك وتربط، كما رأينا، بين صورتي النقاء والتلوث اللتين يحاول الراوي من خلالهما أن يرد الكذبة، في واقعة أخرى، إلى حقيقتها، عندما يعود في ذاكرته إلى م. س. أثناء محاكمته، ويجعله يقول: "أنا لست عطيلاً، أنا أكذوبة!" في صفحة 98 بعد أن سبق وجعله يقول: "أنا لست عطيلاً، أنا أكذوبة! في صفحة 37، أي أنه يعكس الأدوار، فيأتي م. س. الإنجليز غازيًا: "إنني جئتكم غازيًا في عقر داركم" (ص 98) بينما، في الحقيقة، العكس هو الصحيح، كما تقول العلامات الفاكة الرابطة، لكن في قلب الحقيقة وصول بالجنس المنكاحي على الطريقة العربية إلى التفسير السياسي التالي: إنني أنا الراكب الحقيقي وإن كنتُ المركوب! أي أنني مستعمر لكم –على طريقتي التي هي جنسية- كما أنتم مستعمرون لي –على طريقتكم التي هي سياسية- فلا تنم عن ذلك سوى مقامرة لغوية لا غير على حساب علامات الفك والربط.

ما يهمنا في هذا الباب عبر علامات الفك والارتباط هو الموقف من المرأة: "النسوان نسوان" (ص86) "الرجال قوامون على النساء" (ص 101) "المرأة يلزم لها الستر" (ص 89) "وحين ترقد على البرش الأحمر بعد صلاة العشاء، وتفتح فحذيها، يشعر الرجل كأنه أبو زيد الخلالي" (ص 84). المرأة-الموضوع-الشيء-المتعة في عوالم الرجل إبي زيد الهلالي. حقًا الجنس شيء ضروري للمرأة وللرجل في آن واحد، كحاجة إنسانية، كدفء، كإحساس بوجود الآخر، كأخذ وعطاء بالتساوي، كحب متبادل، وطفولة بالغة، ومداعبات ساخنة. وفي العملية الجنسية وصول، وتجدد، ومتعة متعددة الجوانب، وليس الانتهاء، والاهتزاز، والقمع البطريركي، والاغتراب في الجسد وعن الجسد، وهذا هو المستوى البراني المقابل للمستوى الجواني الذي سبق لنا الحديث عنه، تتفرق فيه العلامات، فتعجز عن الربط والفك، يفلت التضمين، ويكون التفسير قسريًا لعناصر لا تتواصل مع بعضها في بنية الروي.

وما يهمنا في هذا الباب أيضًا، ما يدعوه غريماس "النظير"، الإشارة ومضمونها، موقف الراوي (الطيب صالح) كإشارة من هذا العالم البطريركي، ومدى تحالفه كمضمون لهذا الموقف، أو على الأقل، تعاطفه مع المرأة: "لكنني الآن أسمع صوتًا واحدًا فقط، صوت بكائها الممض" (حسنة الشابة تبكي لأنها لا تريد الزواج من ود الريس الكهل)، نقول تبسيطًا ما نقول، لأن الأمر أعمق: "ولم أفعل شيئًا. جلست حيث أنا بلا حراك، وتركتها تبكي وحدها لليل حتى سكتت" (ص 98). وفي مكان آخر، ينتقد وضع المرأة في عالم الرجل، نقده هو الإشارة: "لكن ود الريس الذي يبدل النساء كما يبدا الحمير... إلخ" (ص 99). يقارن النساء بالحمير حقًا بلهجة مرة، ولكنه لا يقف في موقف المدافع عنها كمضمون لهذا النقد، إنه لا يتضامن مع حسنة بالفعل. وبدلاً من أن يقوم "بثورة" ضد الأمر الواقع، الثورة كإشارة، تقوم الثورة كمضمون للأمر الواقع: "بغتة تدفق من ود الريس غضب جنوني لم أكن أظن أنه من طبيعته. ثار ثورة عارمة، وقال شيئًا... إلخ" (ص 100). وعند انهزاميته كإشارة يفسر ذلك بالواجب كمضمون: "أهل البلد كلهم يلهجون بحمدك، لأنك تقوم بالواجب نحو أولاد مصطفى سعيد، رحمه الله، خير قيام" (ص 102). يقول نحو الأولاد ولا يقول نحو حسنة، نحو المرأة، رغم أن "الواجب" هنا يشملها. ولماذا كل هذا؟ "أنت تعرف نظام الحياة هنا. المرأة للرجل، والرجل رجل حتى لو بلغ أرذل العمر" (ص 102).

نظام حياة متخلف للبورجوازية الفلاحية الصغيرة حتى لو بلغت أرذل العمر، نظام من النظائر الذي تتنافى فيه الإشارات ومضامين هذه الإشارات.

وكنظير من الممكن أن تكون الإشارة وسياقها، ما يشد الراوي (الطيب صالح) بالمرأة كإشارة عطرها والفانتزم حولها كسياق: "وأحسست بعطرها ليلة أمس، وتذكرت الأفكار التي نبتت في رأسي بشأنها في الظلام" (ص 107). وعندما يشار إليه بإنقاذها من ورطة مصيرية بالزواج منها كإشارة يرفض، ويعتبر ذلك "مزحًا" (ص 106) كسياق، بينما يفسر حبه لها كإشارة بأنه "ليس معصومًا من جرثومة العدوى التي يتنزى بها جسم الكون" (ص 107) كسياق، فالاستعارة هنا "جرثومة العدوى" تشير إلى الحب، ونحن نتساءل، هل الكون مريض بالحب كإشارة أم أن الحب هو التعبير عن إنسانيته كسياق؟

حول الفصل الأخير
من الملاحظ أننا قمنا بتحليل بنيوي، وإذا قلنا بنيوي، فنحن لا نفصل البنية عن الموضوعات التي تحبل بها، البنيوية كأداة تحليل، وليس كإيديولوجيا، وهي من هذه الناحية قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، وهي من هذه الناحية منفتحة على كل زمان ومكان، وعلى أدوات التحليل الأخرى التي من الممكن أن يلجأ الناقد إليها إضافة إلى البنيوية. وبخصوص موسم الهجرة إلى الشمال، نحن لا نظن أننا سنقول أكثر مما قلناه بسبب الأفكار المكررة التي لا وظيفة لها سوى أن تعيد التشكل عبر خطاب اعتمد التطويل وليس التعميق أو التطوير أو حتى التشويق بعد أن قذف الراوي بكل أوراقه على طاولة القارئ منذ الصفحات الأولى، فما بقي سوى التلاعب اللغوي لا غير.

على الأقل، هذا ما يتعلق بالستة فصول الأولى من العشرة التي تحويها الرواية. وفيما يخص الفصل الأخير، حين يدخل الراوي النهر، ولا يريد الغرق أو الاختفاء، على طريقة م. س.، وفي فعل كهذا كل البعد التراجيدي يكمن، نسمعه يقول: "طول حياتي لم أختر ولم أقرر. إنني أقرر الآن أنني أختار الحياة" (ص 170) مقولة من ومقولات الوجودية تُستعمل كعامل نظيري –ككل المقولات في الرواية برأينا- إنه لا يختار الحياة بمعناها الصراعي والإنساني، ولكنه سيختار –إذا ما اختار حقًا- حياته كسلطوي: "سأحيا لأن ثمة أناس قليلين أحب أن أبقى معهم أطول وقت ممكن، ولأن عليّ واجبات يجب أن أؤديها" (ص 170). الأناس القليلون الذين يحبهم منهم جده ومحجوب، الأول يعبر عن "الأصالة" الساكنة في الماضي السحيق، والثاني عن "الحداثة" المحدودة بواقع عاجز أو مستديم، أما واجبات الراوي، فهي واجباته تجاه عمله كمفتش لدى السلطة، أو تجاه ولدي م. س. وأولاده الذين سيكبرون على شاكلة آبائهم، وإن اختلفت أشكالهم، وهذا شكل من أشكال الانسجام الاجتماعي، أما على مستوى الانسجام "الرويي"، فقد تراوح ذلك بين شد وجذب لا ينتهي، وربما كان ذلك صفة من الصفات العامة لموسم الهجرة من الشمال.

إن اختياره –إذا ما اختار حقًا اختياره الحر كما يقول جان بول سارتر- للحياة التي "لا يعنيه إن كان لها معنى أو لم يكن لها معنى" (ص 171) هو اختيار صدفوي، "عرج بنيوي" –كما يقول رولان بارت- لأنه كاد يغرق أراد العيش لأجل أن "يحيا بالقوة والمكر" (ص 171)، كلام يذكرنا بشهرزاد ونيتشه، مقولة النظير دومًا، وهذا الموقف موقف مبدئي للسلطوي المتشبث برباط عنقه والأناني، ولا يوجد رمز لهذا أقرب ولا أبعد من أنوف النقاد السلطويين الذين يريدون أن يوحوا بذلك دون أن ينجحوا، فمشاريع الراوي المستقبلية كلها شخصية، وما يسميه "قرار الاختيار" (ص 170) كان مدفوعًا إليه بسبب دوامات النهر الأقوى، أي أنه لم يختر الحياة حقيقة، وإنما لخوفه من الموت، ولقلقه، ولرعبه، ولتشبثه بالحياة التي اختيرت له، يصرخ: "كأنه ممثل هزلي يصيح في مسرح: النجدة! النجدة!" (ص 171)، فإذا كان المتفرجون من السلطويين الصغار أو الكبار، مدوا له يد العون حتمًا لإنقاذه، وإذا كان المتفرجون من الأشقياء والملعونين، عملنا على أن يعوا حقيقته الزائفة، ليغرق، وهم يقهقهون، "فالممثل الهزلي" لا يُكتب له النجاح إلا إذا ما أثار الضحك.



خاتمة

1) نريد أولاً وقبل كل شيء أن نؤكد، مرة أخرى، التمايز بين شخصية الطيب صالح وشخصية الراوي أو شخصية مصطفى سعيد، وإن كانت الشخصيتان الأخيرتان إنتاجًا للطيب صالح، فهما إنتاج البنية الفكرية التي ينتمي إليها الطيب صالح الروائي، وليس الطيب صالح في شخص ذاته، الطيب صالح الصديق، ولا الطيب صالح "العبقري" –كما يدعي الكتاب السريع الذي كتب عنه- وهو إذا كان عبقريًا لرواية، فللرواية السلطوية لا "العربية" كما هو دأب السلطويين على الإشهار والتعميم. إن البنية الفكرية التي ينتمي إليها الطيب صالح هي بنية فكر وعقل السلطة التي هيمنت على حركة التحرر الوطني والاجتماعي العربية عند صعودها، من مواقع أخلاقية وقومية واجتماعية إصلاحية، كانت في زمنها تمثل خطوة متقدمة عما سبقها في عهد كان السودان والعالم العربي يختنق في قبضة الإقطاعية –أو في قبضة جزء منها- بالتحالف مع الاستعمار، لهذا السبب، يبقى الطيب صالح عنصرًا وطنيًا، وليس "ابنًا للغرب"، أو "ابنًا للإمبريالية"، كما يمكن أن يتخيل المغرمون بهذا المصطلح، فنواياه الحسنة أكيدة، لكن النوايا شيء، والواقع المتغير والمتطور وكذلك قوانينه شيء آخر، والوقوف على تغير الواقع وتطوره، أي الوعي به، هو الأساس. إن الوعي الحقيقي بواقع المجتمعات العربية وبعلاقاتها بالمجتمعات الغربية لم يكن –في زمن الرواية- إلا وعيًا "أخلاقيًا أحاديًا"، وعيًا مثاليًا، متقدمًا في زمانه، متخلفًا في زماننا، وقد انكشف عجز السلطة في الأوقات العصيبة التي مرت فيها حركة التحرر الوطني والاجتماعي العربية، وانفضحت "برامجها"، وبعد حرب لبنان وحصار بيروت 1982 غدا من الضرورة التاريخية إقصاؤها عن القيام بدور القيادة. إذن، يمكن أن تكون المادة السردية متقدمة أو متخلفة بالنسبة لزمنها، ولكن مقياس هذا التقدم وذاك التخلف هو دومًا أدواتنا النقدية ورؤيتنا نحن العلمية للعالم التي تفضح رؤية النص أو تتكامل –ولا نقول تتماهى- معها، وفي كلتا الحالتين الهدف هو التعميق.

2) لقد كان نقدنا للرواية المباشر اعتمادًا منا على اللامباشر فيها، أي أننا نقول مباشرة ما يقوله الكاتب لامباشرة باحثين في النص تحت الرؤية العلمية للعالم. وبما أن النص يحتوي على رؤية للعالم أخرى مثالية، جاء نقدنا نقضًا، فابتعدنا عما يسمى "التماهي" بين النقد ومادته، وهذه طريقة مكرورة لدى فيصل دراج (9) وزملائه،، وقمنا بالتفسير البنيوي التحتي، أي المتعامل مع النص على أساس الثالوث العلمي: طريحة نقيضة حصيلة، والذي يقبل التأويل في بعض الحالات على أساس أن يكون جزءًا من التحليل العام ومدعمًا له لا دخيلاً عليه، ولم نقم بالتفسير السكوني الوصفي الذي يقول مباشرة ما يقوله النص مباشرة، تفسير يسقط فيه النقاد السلطويون عربًا كانوا أم عجمًا، ماركسيين كانوا أم قوميين (!)، ولم نسقط في التشطيحات والتنظيرات والتفلسفات، وليس هذا حال فيصل دراج فقط، بطل ميتافيزيقيا المعنى، بل وإلياس خوري أيضًا في كل كتاباته وتنظيراته وحتى خاطراته –كدنا نقول قاطراته- عن حرب لبنان الغامضة غموض كاتبها الذي لم يهضم أو يستوعب بعد مادة الكتابة، بالطبع كتابته. هذان الناقدان "الماركسيان" السلطويان، ولكن على الخصوص، الناقدة يمنى العيد (10)، وعلى الخصوص مرة ثانية، دراستها عن موسم الهجرة إلى الشمال في العدد الثالث/الرابع من مجلة الطريق 1981، التي تقول فيها ما تريده هي أن تقوله لا ما يريد النص أن يقوله، فالكاتبة تلصق تصورها "الشيوعي" على تصور الطيب صالح، وتجعل من شخصيات الكاتب شخصيات واعية لزمنها سواء أكان هذا الزمن "سلبيًا" في حالة الرواي، أو "إيجابيًا" في حالة مصطفى سعيد، ما يقصده الطيب صالح، بل ولا تستطيع بنيته الفكرية إلا أن تنتج وبشكل أحادي العكس تمامًا. هذا ما ندعوه التدخل الفوقي للناقد الذي يقول ما يريد هو أن يقوله –فالراوي حالة "إيجابية" "حقيقية" معارضة للحالة "السلبية" "الوهمية" التي هي مصطفى سعيد (في ص 112 تصل العيد إلى أن اللاغريب –أي الراوي- هو الوهمي والغريب هو الحقيقي) وفي كلتا الحالتين الحقيقة تبقى غائبة، لأن الحقيقة المقدمة هي الحقيقة الكاذبة، ولأن الراوي ومصطفى سعيد خارج "الفصاء الروائي" –كما تسمي ذلك الناقدة- هما وهمان يكمل أحدهما الآخر ولا ينقضه. ولهذا السبب، يبقى السرد الروائي عاجزًا عن إنتاج دلالاته ذات الجذور في الواقع الموضوعي القائم. ووعي الشخصيات هنا لا يصبح وعيًا تاريخيًا سلبيًا –نلح على مصطلح التاريخي السلبي- إلا إذا جرى نقضه من خلال عملية تفضح بنية فنية، وبالتالي اجتماعية عاجزة، وتكشف عن آفاق جديدة، سيتأكد فيها الوعي التاريخي الإيجابي الحقيقي. إن المسألة ليست في "تملك الوطن" (ص 105) يا يمنى العيد، ولكن في كيفية التملك الذي هو هنا ميلودرامي لا "مأسوي" (ص 105) في حركة أحادية لا "حركة صراع" (ص 105) دون "دينامية" (ص 105) في العمل الروائي بقدر ما فيه من ميكانيكية، و "نمو" (ص 105) إلى الوراء معاكس للنمو السردي. إن العيد تقوم بتحليل المباشر في النص، وتبتلع، عند استعمالها لمصطلحي "شرق" و "غرب"، بكل التعميم والتعتيم اللذين يحملانهما، كل أوهام الطيب صالح، وهي إن أكدت على "زمن لا تاريخي" (ص 108)، وهذا صحيح، فهي تجعله طرفًا في صراع "دينامي" هو غير موجود أساسًا، أي أنها لا تفصل بين موقف النص من التاريخ وموقفها هي "الماركسي" من التاريخ، وما استنتاجاتها (ص 122) إلا استناجات يمنى العيد الشخصية، نقول مرة أخرى "كماركسية"، تقذفها بالطيب صالح وعيًا وممارسة كتابية، فتثقل بها هامته. إنها لا تفعل أكثر من أن تُسقط أفكارها على النص، تُسقط وهمها، وعندما يقوم التحليل على خطأ باسم العلم والموضوعية، يتحول ما هو لا علمي ولا تاريخي ولا حقيقي إلى علمي وتاريخي وحقيقي، وبالتالي إلى عمل جبار ورائعة من الروائع! ما الفرق، إذن، بين هؤلاء النقاد "غير الحُمر" الذين يجعلون من الطيب صالح "عبقريًا"، وهو، بالفعل "عبقري" لهم، وبين يمنى العيد الكاتبة "الماركسية"؟ لا شيء في التحليل الأخير، لأن الماركسية هنا "غير حمراء"، أي لم تحطم بعد كل أو بعض ما تبقى من سلاسل الموقع الطبقي الذي تنتمي إليه.

3) أخيرًا نريد أن نؤكد، مرة أخرى، أنه إذا ما اعتبرت هذه الرواية "رائعة"، فهي رائعة من روائع الأدب الذي تنتمي إليه، والذي هو في انحطاط متواصل. وما كان نقدنا إلا لنقض مثل هذا النوع من المضامين الروائية ذات الوعي الخاص بها لصالح الأخرى ذات الوعي العلمي الحقيقي لا المشوَّه ولا المغلوط ولا المزيف أو الدوغماتي، حتى نعطي رواية ناجحة، ولن تكون بالفعل ناجحة إلا إذا كان الروائي متمكنًا من استعمال أدواته الفنية التي لا بد أن تكون على مستوى عال من التقدم والنضج: نضج للرواية كنوع أدبي كوني عام، يتجاوز المحلية المقيدة، ذي مضمون خاص إنساني عميق.


مراكش، العام الدراسي 1983-1984




هوامش

1 ندوة اشترك فيها الكيب صالح، محي الدين صبحي، خلدون الشمعة: الطيب صالح روائيًا وناقدًا، مجلة الموقف الأدبي، عدد 4-5، دمشق 1973، ص 53.

2 الطيب صالح: موسم الهجرة إلى الشمال، الطبعة الثالثة عشرة، دار العودة، بيروت 1981.

3 هناك احتمال ثالث: "سادته" هم أولئك الذين يجعلون من العلاقة وهمًا سواء أكانوا عربًا أم بريطانيين، وهم أولو الأمر، مع ملاحظة أن المقصود هنا الرواي كإحدى شخصيات الرواية، وليس الطيب صالح.

4 وهذا موقف مبدئي في الكتابة للطيب صالح عبر عنه في ندوة السوربون: انظر الطيب صالح: تفتيت العالم لعيسى السعيد، مجلة الكرمل، عدد 9، قبرص 1983.

5 يخاطب مصطفى سعيد نفسه ب "يا مستر مصطفى سعيد... " ص 43 كأنه إنسان آخر. إنه يكذب عن "وعي"، يويف نفسه عن "وعي"، ونحن نستعمل كلمة "وعي" بمعناها التبسيطي لأن الوعي في حالة مصطفى سعيد غير موجود، إنه حالة غير تاريخية في زيفها، وعند محاولة نقضها لزيفها، لأن في المحاولة تأكيد لحالة تاريخية أسيرة لعلاقة العجز والقوة بين قطبين تجمعهما إرادة مباشرة.

6 سوف ندعو الجد لاحقًا البورجوازي الصغير أو البورجوازي المتوسط، وهذا لا ينفي عنه سمة الكدح أو الكد قبل وصوله إلى هذا الموقع.

7 ابتداء من هنا سنقصر استعمالنا لمصطفى سعيد على الحرب الأول من اسمه (م. س.)، ونحن، بذلك، نؤكد ناحيتين: اختزال هذه الشخصية اللاحقيقية، ثم نقضها لنقض الكاتب لها، وبقائها في عالم الوهم، وإبقائها لعالم الوهم، وذلك عندما اعتبرها وهمًا للعلاقة شرق-غرب، وحاول إزالتها لغرض "تطهير" العلاقة، بينما أبرزها "ملوثة" في بنيتها، في تكوينها، وفي طريقة "التوفيق" السياسي والاجتماعي المعبرة عنها.

8 في صفحة 68 يسخر من هذا الحزب، وفي صفحة 101 يمتدحه! في صفحة 68 يسميه "الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي"، وفي صفحة 101 يسميه "الحزب الوطني الاشتراكي الديمقراطي"، أي أنه يقدم ويؤخر بين ديمقراطي واشتراكي دون اهتمام أو تدقيق، ولهذا دلالة على علاقة الطيب صالح "الهشة" بالسياسة، فنحن لا نعتقد أن في المسألة خطًأ مطبعيًا محتملاً.

9 نذكر، على سبيل المثال، مقالة فيصل دراج –وكل مقالاته- حول كتاب الجابري "الخطاب العربي المعاصر" المنشورة في مجلة اليسار العربي عدد أكتوبر 1983 باريس، والتي نقلتها جريدة البيان المغربية الصادرة في 25/10/1983. ومن ناحية أخرى، هذا لا يعني أننا نؤيد المفكر المغربي محمد عابد الجابري في أطروحاته.

10 لقد اخترنا النقاد الثلاثة السابقي الذكر بصفتهم كانوا يتزعمون ما يسمى "النقد الماركسي" قبل حرب لبنان وحصار بيروت، والذين كانوا، بشكل مياشر أو لا مباشر، جزءًا من الإيديولوجيا "الثورية" السائدة، إيديولوجيا أدت إلى الهزيمة، وهم لا يزالون يواصلون الكتابة بنفس الطريقة، دون حشمة، وكأن الحرب لم تقع، وإن وقعت، فليس لها إلا المدلول الميتافيزيقي في دفاترهم.

11 كل ما له علاقة بأساطين البنيوية مجلة كومينيكاسيون عدد 8.




أعمال أفنان القاسم

المجموعات القصصية

1) الأعشاش المهدومة 1969
2) الذئاب والزيتون 1974
3) الاغتراب 1976
4) حلمحقيقي 1981
5) كتب وأسفار 1988
6) الخيول حزينة دومًا 1995

الأعمال الروائية

7) الكناري 1967
8) القمر الهاتك 1969
9) اسكندر الجفناوي 1970
10) العجوز 1971
11) النقيض 1972
12) الباشا 1973
13) الشوارع 1974
14) المسار 1975
15) العصافير لا تموت من الجليد 1978
16) مدام حرب 1979
17) تراجيديات 1987
18) موسى وجولييت 1990
19) أربعون يومًا بانتظار الرئيس 1991
20) لؤلؤة الاسكندرية 1993
21) شارع الغاردنز 1994
22) باريس 1994
23) مدام ميرابيل 1995
24) الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون 1995
25) أبو بكر الآشي 1996
26) ماري تذهب إلى حي بيلفيل 1999
27) بيروت تل أبيب 2000
28) بستان الشلالات 2001
29) فندق شارون 2003
30) عساكر 2003
31) وصول غودو 2010
32) الشيخ والحاسوب 2011
33) تراجيديا النعامة 2011
34) ستوكهولم 2012
35) شيطان طرابلس 2012
36) زرافة دمشق 2012
37) البحث عن أبولين دوفيل 2012
38) قصر رغدان 2012
39) الصلاة السادسة 2012
40) مدينة الشيطان 2012
41) هنا العالم 2012

الأعمال المسرحية النثرية

42) مأساة الثريا 1976
43) سقوط جوبتر 1977
44) ابنة روما 1978

الأعمال الشعرية

45) أنفاس (مجموعة قصائد أولى – ثلاثة أجزاء) 1966
46) العاصيات (مسرحية شعرية) 1967
47) المواطئ المحرمة (مسرحية شعرية) 1968
48) فلسطين الشر (مسرحية شعرية) 2001
49) الأخرق (مسرحية شعرية) 2002
50) غرافيتي (مجموعة قصائد فرنسية) 2009
51) غرب (ملحمة فرنسية) 2010
52) البرابرة (مجموعة قصائد أخيرة) 2008 – 2010

الدراسات

53) البنية الروائية لمصير الشعب الفلسطيني عند غسان كنفاني 1975
54) البطل السلبي في القصة العربية المعاصرة عبد الرحمن مجيد الربيعي نموذجًا (جزءان) 1983
55) موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح 1984
56) البنية الشعرية والبنية الملحمية عند محمود درويش 1984
57) نصوص خاضعة للبنيوية 1985 – 1995
58) دفاعًا عن الشعب الفلسطيني 2004
59) خطتي للسلام 2004
60) شعراء الانحطاط الجميل 2007 – 2008
61) نحو مؤتمر بال فلسطيني وحوارات مع أفنان القاسم 2009
62) حوارات بالقوة أو بالفعل 2007 – 2010
63) الله وليس القرآن 2008 - 2012
64) نافذة على الحدث 2008 - 2012



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسم الهجرة إلى الشمال الراوي كيف يرى العالم؟
- موسم الهجرة إلى الشمال المفهوم عن الشرق
- موسم الهجرة إلى الشمال المفهوم عن الغرب
- موسم الهجرة إلى الشمال المفهوم عن الذات
- ضد الدين وليس ضد الإسلام
- تأملات في واقع الثورات العربية
- رسالة إلى العفيف الأخضر
- الحل الوحيد للمسألة السورية
- هنا العالم رواية الثورة الإعلامية
- مدينة الشيطان رواية الثورة الإسرائيلية
- الصلاة السادسة رواية الثورة التونسية
- قصر رغدان رواية الثورة الأردنية
- زرافة دمشق رواية الثورة السورية
- البحث عن أبولين دوفيل رواية الثورة المصرية
- نافذة على الحدث الأعمال الكاملة
- حوارات بالقوة أو بالفعل
- دمشق كروما فاشية فأينهم مقاتلو الظل؟
- الله وليس القرآن الأعمال الكاملة
- الجنس والله
- الكون لم يخلقه الله


المزيد.....




- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسم الهجرة إلى الشمال دور مصطفى سعيد