أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تميم منصور - من مذكرات معلم سابق (1): مدير ليوم واحد .. !














المزيد.....

من مذكرات معلم سابق (1): مدير ليوم واحد .. !


تميم منصور

الحوار المتمدن-العدد: 3881 - 2012 / 10 / 15 - 20:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




هذا ليس لغزاً أو طرفة، بل هو حقيقة واضحة وضوح الشمس: لقد امتد عمر تعييني مديراً ليوم واحد، كيف حدث ذلك!
في مساء الثلاثين من شهر تموز من عام 1996، كانت عقارب هذا اليوم في السلم الزمني تشير إلى أن العطلة المدرسية الصيفية في حالة احتضار، وأنها تلفظ أنفاسها معلنة عن اقتراب السنة الدراسية الجديدة، والأجراس على أهبة الاستعداد للقرع.
كان وداع سنة دراسية قد مضت وإشعال شمعة ميلاد سنة جديدة بالنسبة لي روتينياً، عادياً، فكل شيء بقي على حاله داخل المدرسة وخارجها. الدواليب التي تحمل تفاصيل أيام العمل وساعاتها سوف تعود للدوران- كما كانت في السنة التي سبقتها. كمعلم تاريخ فان المادة الدراسية التي تفرضها المناهج لم تتغير أو تتجدد.. الفتوحات الإسلامية أصبحت في ذمة التاريخ، وانتصارات العرب في الإندلس كانت، والحروب الصليبية كانت، وشروق شمس الدولة العثمانية وغروبها كانت، والحضارة العربية بعلومها وآدابها وفلسفتها كانت ولم تعد، القضية الفلسطينية وتشرذم العرب على حاله لم يتغير. هدف الطلاب من حفظ هذه المواد وغيرها ليس من اجل بناء أبراج شاهقة من المعرفة، بل كي تكون جسراً عابراً يمرون من فوقه للحصول على شهادة المدرسة الثانوية، وتأشيرة الدخول إلى الجامعة.
في ذلك اليوم لم يكن شيء استثنائي يشغلني ويعكر مزاجي, سوى "ونونة" وزعيق ابنتي الصغيرة, التي أعلنت بانها ترفض الدوام في الروضة لسنة أخرى، لأنها تعتبرها "مظبة" وسجناً, فقررت أن تكسر القيود. وكعادتي كنت أحاول أن أضع أمامها كل الإغراءات, وقدمت الرشاوي كي تعدل من موقفها, ولكن دون جدوى..!
دق جرس الهاتف كما يدق كل مرة، وكان المتحدث عبر الهاتف احد معارفي المقربين. لم يكن الحديث يحمل نغمة اخذ الرأي والاستشارة, بل حمل طابع فرض الأمر الواقع. قال بكل بساطة: "اسمع يا أستاذ.. بحب أقلك بان رئيس المجلس في كفر قاسم ومعه عدد من الضيوف في طريقهم لزيارتك". أبلغته بان لا علم لي بقدومهم. قال: "اعرف ذلك.. هم يريدون أن تكون زيارتهم لك مفاجئة". سألته: "هل هم قادمون لطلب يد عروس؟! أنا لا يوجد عندي بنات في سن الزواج". أجاب: "جاؤوا كي يطلبوا يدك, لأنك بالنسبة لهم أهم من كل العرايس.. بصراحة هم بحاجة إلى مدير لإدارة المدرسة الشاملة، ولم يجدوا أفضل منك لهذا المنصب".
كانت علاقتي مع بلدة كفر قاسم مميزة, فقد ربطتني بالمئات من سكانها علاقات ودية وأخوية, لأنني قضيت من عمري خمسة عشر عاماً أعمل في مدارسها.
وصل رئيس المجلس المحلي ومرافقوه وكانوا جميعاً من طلابي. وبعد أن أخذوا قسطاً من الراحة, تخلله فتح أرشيفات الذكريات التي حوت النوادر الطلابية والمدرسية. والقصص والحكايات الطلابية, ووضعت المجاملات إلى جانب فناجين القهوة التي اتكأت على الصواني، توجه رئيس المجلس لي بأسلوب التودد المليء بالرجاء وقال: "أنت الوحيد يا أستاذ الذي يستطيع إنقاذ مدرستنا من الورطة التي أوقعنا بها مدير المدرسة الحالي. لقد قرر أن يتركنا ويهرب، والوقت بالنسبة لنا ضيق. جميعنا طلابك وأبناؤك، ونعتبرك علماً من أعلام بلدتنا، ونحن بحاجة إلى قدراتك للنهوض بهذه المدرسة". حاولت التملص من الموضوع بوضع العراقيل التي تمنعني من قبول هذا المنصب. ومن بينها كوني ناشطاً سياسياً وعضوا في المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني. كما أبلغتهم بأنني إذا خيّرت بين الحزب وإدارة المدرسة، أختار الحزب دون تردد, لأن الحزب كان بالنسبة لي كل شيء، وقد ساهمت في تأسيسه. أيضاً أخبرتهم بأنني لا أستطيع التوقف عن كتابة مقالاتي السياسية الناقدة الحادة ضد سياسة إسرائيل الاحتلالية، وضد سياسة المحسوبية والعنصرية التي تتبعها وزارة المعارف.
هذا الموقف لم يثن رئيس المجلس ومرافقيه عن الاستمرار بالضغوط والإلحاح عليّ لقبول هذه المهمة، وقال: "نحن نعرفك ونعرف مواقفك السياسية وكتاباتك الدائمة، وهذا الشيء دفعني لقبولك واختيارك". واجزم رئيس المجلس المحلي بأن باستطاعتي الاستمرار في الكتابة والنهج السياسي، فذكرتهم بأن "وزارة المعارف سوف ترفض اختياركم لي مديراً للمدرسة"، فكان جواب المسئول عن ملف التعليم في السلطة المحلية: "نحن المسئولون عن المدرسة الثانوية ، ولن نسمح لأحد حتى لو كان من وزارة المعارف التدخل في المدرسة الثانوية وهي التي تهمنا. ونحن على استعداد لفصل الإعدادية عن المدرسة الثانوية (كانت المدرسة حسب النظام الشامل إعدادية مع ثانوية) لتسهيل قبولك للعمل في المدرسة الثانوية".
حاولت وضع شروط تعجيزية أمامهم, لكن هذه الشروط ضاعفت من إصرارهم على اختيارهم لي، فلم تصمد جبهة إصراري أكثر أمام إصرارهم. ووافقت على أن تنشر في المستقبل القريب مناقصة قانونية حتى يصبح التعيين شرعيا يتضمن مقاييس تربوية. وكان يساورني في داخلي ذلك الشعور الذي يؤكد لي أن شيئاً غامضاً سيخرج من بين جحور وزارة المعارف.. !



#تميم_منصور (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا تحصد زرعها..!
- نتنياهو ومرسي ينفخان في قرب الخداع
- الحشاشون الجدد
- مبروك لمصر بعد أن استقر مرسي تحت عباءة عبد الله وإبط كلنتون
- صمام أمان القومية العربية مربوط بأيدي حماة الديار .
- صمام أمان القومية العربية مربوط بأيدي حماة الديار
- ابنكم نظيف ( الى روح الشهيد اسامة عقل حسن منصور )
- في حديقة الربيع العربي أمريكا ترفع يدها..!
- انقلاب طنطاوي الابيض
- وعِزُّّ الشرقِ أوّلهُ دِمشق
- من دلف الإخوان إلى مزراب الفلول
- الحكام العرب صبية تلاعبهم امريكا
- سحيجة نتنياهو وطبل موفاز
- وما من طاعة للظالمين
- عمر بن اليعزر مرشح الرئاسة في مصر
- تركيا متعددة الوجوه والأقنعة
- القضاء على القضاء في مصر
- وفد إسرائيل العربي في الدوحة
- الرقص فوق جثث الأطفال
- قطار الربيع العربي خرج عن مساره


المزيد.....




- رغم إعلان ترامب لوقف إطلاق النار.. شاهد كيف كانت الدفاعات ال ...
- وسط إرباك حول توقيته.. وسائل إعلام من إيران وإسرائيل تُعلن س ...
- ترامب يُعلن دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ ويوجه -رجاءً- ...
- إسرائيل.. الكشف عن حصيلة قتلى الهجوم الإيراني على بئر السبع ...
- -فُرض على العدو بعد مهاجمة العُديد-.. شاهد كيف وصف التلفزيون ...
- رضا بهلوي من باريس: أنا مستعد لحكم إيران وعلى خامنئي أن يرحل ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على وقف لإطلاق النار
- فيما تتصاعد حرب الإبادة في غزة: المهمّات المباشرة لإسناد فلس ...
- حادثة الطفلة غيثة تشعل المغرب.. موجة غضب وتضامن
- ثمرة واحدة قبل النوم تُحسّن جودة نومك بشكل ملحوظ


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تميم منصور - من مذكرات معلم سابق (1): مدير ليوم واحد .. !