|
كيف تلاشتْ النصوصُ الحكيمة؟
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3878 - 2012 / 10 / 12 - 08:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فرضت الثقافة العربية الدينية التقليدية نفسَها على واقع الشعوب والأمم الإسلامية في العصر الحديث، ولم تستطعْ أن تقيمَ ثقافة ديمقراطية عقلانية إنسانية بسببِ هيمنةِ الشمولية والذاتية المتطرفة فيها. القيمُ النضالية للجماعةِ المتساوية الحقوق، المُعليةُ للموضوعية أُزيحت جانبا، وتصاعدَ التكريسُ للأفراد الخارقين المرتفعين فوق الجماعة. وإذا بدا ان ثمة تقديسا للكائنات النجومية ولرموزِ الحجر والقوى المفارقة اللاطبيعية واللاإنسانية فهو وعي شمولي، يلغي الذاتَ الجماعيةَ الديمقراطية الحرة لزمنِ التأسيس في مقابلِ الخضوعِ للكياناتِ السياسية الاستغلالية البيروقراطية المتحكمة في مصائر الناس. الذاتيةُ المتطرفةُ وليست الذاتية العقلانية المنتجة المبدعة في ظل العلاقة الديمقراطية بالجماعةِ هي التي فرضتْ نفسَها، ولهذا هي تقزمُ الذواتَ الأخرى، وإذا تمردوا سحقتهم، وإذا أبدعوا قصتْ أجنحةَ الإبداعِ عن الطيران الخلاق وجعلتْ الكائنَ السامي يزحفُ على الأرض من أجل الدراهم. تقود هذه الذاتية للاعقلانية، إلى عدم سيرِ السياسة بشكلٍ حكيم، يراعي التطور، ويقرأ المشكلات، وإلى استنزافِ المواردِ حيث تحيطُ الخزانةُ بشخصِ الآمرِ المسيطر على الموارد، بهذه الذاتِ التي تجعل الوجودَ خاضعا لها، وليس أن تكون هي خاضعةٌ للقانون وعقلانية توزيع الفوائض، ولهذا فإن النصوصَ الحكيمة تتلاشى فعليا من التداول العقلي، وتسود النصوصُ التي تقضي على العقلانية، ومن هنا تظهرُ عبادةُ النجوم، حيث تُلحقُ مصائرُ البشرِ بكائناتٍ طبيعيةٍ لا علاقة لها بالمصير البشري، أو لسيادةِ القبور والأشباح والأرواح. أو بنصوصٍ تفقدُ القدرةَ على النطقِ المباشر، وتُؤدلجُ وتنتشرُ مجلداتٌ لفحصِ جزئياتٍ هامشيةٍ فيها ويُترك الجوهرُ وهو العلاقاتُ الموضوعيةُ الحرة التي شكلها الناسُ المكافحون في الزمن الديمقراطي السابق. تضخمُ الذات المهيمنة في الواقع العربي المسيطرة على الموارد يقود إلى (تشبيح) المواطنين العرب على مر التاريخ، وإلى انتشارِ الثقافة الانتهازية، ثقافة النظرة الجزئية المقطوعة السياق عن الكل، حيث يغدو الجزءُ منفصلا عن كل القضية والمشكلة وتصوير الشخصية، وتقطع السيرورة التاريخية الاجتماعية للقضية والمشاهد والشخوص عن جذورِها ونتائجها، فتتضاءل الذواتُ الحقيقية، أي البشر العاديون المنتجون لتظهر الشخوصُ اللامنتجة سائدة، ولتنتشر ثقافة القطع والقطيع والتعليق في الفضاء الخارجي حيث تُربط هذه الشخوص الفارغة بالنجوم والكواكب والأرواح الخالدة. كلما ذُبل النصُ ارتفع صاحبهُ، وكلما خبتْ القصيدةُ ارتفع الممدوح والمادح في هذا الفراغ الاجتماعي المتحلل النازف للثروة، ولكن كما انتشرت ثقافة الزيف والنفاق فإن كتابا موضوعيين وجدوا وعاشوا قرب التراب والترابيين، وهم ندرة لكن يجمعون الكلمة بالحقيقة، ويرون ما وراء الظواهر، والأشباح، ويحللون المشاهدَ المرئية، ويكشفون العلاقات الحقيقية، ويرون الصلات بين انتفاخ البالونات وتدهور الاقتصاد، وجفاف الأرض وكثرة الخراج وانتشار التفاهة في الشخوص والذل والعجز عن الإنتاج والخوف وتدمير القوى الداخلية الخلاقة عند الشخوص، فيدرسون العمران الثقافي الحقيقي الذي يضمر لحساب العمران المادي البذخي للأقليات. وجاء العربُ في العصر الحديث بسمات الماضي نفسها، وخلال قرن كامل كانت الثوراتُ من أجل أفراد كبار يتحولون إلى نجوم أخرى معلقة في الترميز المقدس، ويقومون بعرقلة التجديد الذي ادعوا قيادته، ولم يرفعوا الذل عن أعناق الجماهير، بل تركوهم يتسولون ويعيشون بلا ثقافة إنسانية، معلية للذوات، فجاء العسكر والشموليات تتويجا للنجوم وصارت على الأكتاف وتثقب العقول، وبهذه الثقافة الساحقة للتميز المعلية للذوات الكبرى خاضوا الثورات، فظهرت أعماق الجماهير خالية من الذوات القيادية المبدعة، وانكشف تاريخ من الانسحاق وحاول الفيضان الجماهيري الذائب الملامح المعدوم البصيرة العقلانية الحديثة أن يتلمس طريقه في الظلام ويصعد أقرب الجلادين إلى أجساده، وينتخب أكثر (الحرامية) دهاء، فانتقل من عبادة الشخوص إلى عبادة النصوص، ومازال يتخبط، وهو يحتاج إلى عقود طويلة لكي يرى، والخارج من الكهوف يحتاج إلى تبصر الكهوف التي خرج منها ودخل إليها.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراعٌ طائفيٌّ متخلفٌ
-
الإخوانُ والرأسمالية الحرة
-
الطائفية وتدهور الثقافة
-
صراعٌ طائفي إقليمي
-
التطورُ الاقتصادي السياسي في الخليج
-
الأجهزة والتجارة
-
العسكرُ والقومية
-
ولايةُ الفقيهِ والقاعدة (٢-٢)
-
ولاية الفقيهِ والقاعدة (١-٢)
-
القيمة في التوحيد
-
بنتُ الشاطئ وأبوالعلاء المعري
-
تحرك عربي ماركسي ديني (٢-٢)
-
تحركٌ عربيٌّ ماركسيٌّ دينيٌّ ´- 1
-
ثورة وثورة مضادة
-
حقوقُ الإنسانِ والعقلُ السياسي التحديثي
-
عنفُ ما قبل الحداثة
-
جانبا التشكيلة يمرضان
-
الثالوثُ العسكري وفجائعُ الحروب
-
الاصطداماتُ الثقافيةُ الدينية
-
مشروعٌ متأزمٌ
المزيد.....
-
لماذا انتقد الداعية الكويتي سالم الطويل المذهب الإباضي ومفتي
...
-
واشنطن تضيق الخناق.. -الإخوان- في مرمى التصنيف الإرهابي
-
سالم الطويل.. فصل الداعية الكويتي بعد تهجمه على المذهب الإبا
...
-
سفير إسرائيل في بروكسل: التكتل سيخسر إذا عاقبنا بسبب غزة ولم
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال
...
-
الأردن.. توقيف أشخاص على صلة بجماعة الإخوان المحظورة
-
روبيو: نعمل على تصنيف -الإخوان- كتنظيم إرهابي
-
روبيو: الولايات المتحدة في طور تصنيف جماعة الإخوان منظمة إره
...
-
بعد 11 عاماً من تهجيرهم.. مسيحيو قره قوش يتحدّون إرث -داعش-
...
-
علي الأمين: إيران ربما تفعل الورقة الشيعية للدفاع عن سلاح حز
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|