أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - أيها الخراب .. -جئتُ لأراك-















المزيد.....

أيها الخراب .. -جئتُ لأراك-


صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)


الحوار المتمدن-العدد: 3867 - 2012 / 10 / 1 - 22:41
المحور: الادب والفن
    



تنوعت تجربة الفنان (كريم رشيد) في الاخراج والتمثيل والبحث العلمي ، إذ يعد من المخرجين المشاكسين الذين تفاعلوا مع التجارب المسرحية المثيرة للجدل لا سيما تجاربه مع المخرج (صلاح القصب) في التمثيل و الاخراج ، فضلا عن ذلك قدرته في إخراج نصوص مسرحية أثارت الكثير من الجدل والتي نذكر منها اخراجه مسرحية (الحر الرياحي ) التي كتبها الشاعر (عبد الرزاق عبد الواحد) والتي تعد واحدة من النصوص العصية على الاخراج لما تمتاز من لغة شعرية من الصعب إختزالها على خشبة المسرح ، إلا ان (رشيد) استطاع ان يضع بصماته الاخراجية عليها، أما في البحث العلمي فقد إختار التعاطي مع موضوع إشكالي كانت الكتابة فيه ولم تزل بمثابة الغوص في بحر متلاطم الامواج بما يحمل من مصطلحات ومفاهيم متنوعة ،إلا أن ( رشيد) استطاع ان يرسم خارطة طريق في دراسته المهمة للماجستير:(جماليات المكان في العرض المسرحي العراقي المعاصر) ، وبعد ان غادرنا إلى بلاد الثلج حيث تتوارد الاخبار عن إشتغاله في تقديم العروض المسرحية على قاعة المسرح البلدي في السويد وعن محاولاته الجادة في كتابة النص المسرحي والتي كانت آخر ثمارها نص مسرحي حمل عنوان (جئت لأراك) والذي شارك في مسابقة الهيئة العربية للمسرح وحصل على الجائزة الاولى في عام 2011 .
ثنائية المعنى في النص الدرامي:
لم يكن إختيار عنوان المسرحية إعتباطياً بل على العكس من ذلك فقد أفاد المؤلف من قصدية العنوان في تأسيس فرضيات النص اللاحقة والتي دفعت هي الاخرى بالمتلقي إلى قراءة العنوان على وفق تحولات الحدث في داخل المتن النصي.
(جئت لأراك) مفردات لغوية مختزلة إمتلكت معان عدة في داخل النص فهي في البدء تشير إلى لهفة الغائب في رؤية الوطن الحاضر في الذاكرة التي ظلت محتفظة بالتفاصيل التي لاحدود لها .. فالشوارع والازقة كانت حاضرة في ذاكرة الغائب الذي لم يخف لهفته في رؤية الوطن الذي تمثل إبتداءاً في أجهزة الامن التي إستقبلته في المطار تفتش في جسده وروحه عن بقايا الاحلام التي جاء يحفظها في بلاده قبل ان تنطفئ حياته ، لم يمنح المؤلف بطله فرصة مثالية للقاء بوطنه بعد سنوات من الغربة التي طحنت عمره حتى بات كومة من العظام المتهالكة ، بل على العكس من ذلك دفعه إلى مواجهة شخصية (الضابط) الذي لم يدخر وقتاً او جهدا في رسم علامات السخرية من (العائد) دافعا به إلى إسترجاع ذاكرة طويلة من القهر والقسوة التي كان يمني نفسه بأن تكون قد إنتهت في بلاده التي جاء ليراها وهو يحلم بأن تكون في طريقها الصحيح في إحترام الانسان ومراعاة حقوقه ، وإنما جاء التصور مغايرا لذلك تماماً إذ سارع (الضابط) إلى تجريده من ملابسه بحجة الحفاظ على الامن القومي الذي يمكن أن يشكل (العائد) تهديدا عليه ، وسرعان ما ادرك الضابط بان (العائد) لايمكن ان يعترض نسمة هواء سمح لها بالدخول وعلامات السخرية ترتسم على وجهه وهو (يتفحص أثر جرح قديم في ذراع (العائد) .. أنت أشبه بركام من حطام .. تفضل يمكنك المرور).
لم تترك صدمة اللقاء الاول بالوطن أثارها في وعي (العائد) الذي يتملكه حنين عميق إلى بلاده التي طالما كان يبحث عنها في جميع المدن التي كان يجوبها مهاجرا ، وعلى الرغم من انه إختار أن يتزوج من إمراة مهاجرة ، من اجل العيش في رحلة جديدة مع الاوهام التي تتمثل في قدرته على التكيف مع البلاد التي هاجر إليها، إلا ان ذلك لم يمنعه من العودة إلى الوطن تاركاً الزوجة والامان والطمأنينة ، إنما حوله المؤلف في إشارة نابهة إلى طراز خاص من الشخصيات التي تعيش في بلاد المهجر وتظل تعيش قلق الهجرة وما يدفعها إلى التعايش مع الاخر لايكون كافياً للتعويض عن إحساس المهاجر بل على العكس من ذلك يدفعه إلى التفتيش في ذاكرته عن بقايا الوطن ، ومن جهة اخرى فإن المؤلف عمل على تأكيد الاغتراب الذي يعيشه المهاجر وذلك من خلال عدم قدرته على تأسيس عائلة وفي ذلك شعور متجذر في وعي الشخصية التي ترفض بناء أسرة في وطن غريب لاينتمي للثقافة التي سكنت في اعماق (العائد) .
ومن جهة اخرى فإن المؤلف عمل على رسم شخصياته الاخرى بدقة عالية سواء على مستوى الشكل الجمالي او المعنى المزدوج ، كما هو الحال مع شخصية (المصور) وهو صديق (العائد) وتكمن اهمية هذه الشخصية في أن المؤلف منحها وظيفة تمتلك القدرة على إستعادة الماضي والمحافظة على الذاكرة من خلال صناعة أرشيف صوري للخراب الذي أصاب البلاد في السنوات التي كان فيها صديقه (العائد) يتمسك بذاكرته التي تحجرت على بلاد تركها ولم تزل تحتفظ بشيء من الجمال والانسانية ، إلا أن (المصور) يكشف امامه حقيقة الدمار الذي حصل في بلاده .. إلا ان الحنين الذي كان (العائد) يحمله في صدره لم يتغير حتى بعد ان إكتشف أن صديقه (المصور) لم يكن شاهداً صورياً على الخراب فحسب بل كان مشاركاً في صناعته بشكل ما ، فقد إعترف (المصور) أنه كان سبباً في هجرة (العائد) بعد ان تواطأ مع سلطات النظام السابق في بلاده ، الامر الذي جعل من عائلة (العائد) تعيش تحت مطرقة السلطة القمعية التي كانت تستثمر جميع الاساليب والطرق في القضاء على معارضيها في الخارج وقد كان (العائد) واحدا منهم.
إلا ان (المصور) لم يركن للسكون وهو يتلقى الاتهامات من صديقه (العائد)؛ بل راح يواجهه بإسلوب تهكمي من اجل الهروب من فضيحة الخيانة التي اطاحت بالصديق :
(المصور) : الغربة .. كيف طعمها ؟
(العائد): طعمها مر كالدواء ولاذع كالخيانة.
(المصور) : أية خيانة تقصد .. فأنت خنت الكثيرين ، الحبيبة ، الأصدقاء ، أم الوطن؟
(العائد) : أنا لم اخن احداً.
(المصور): وهي ؟ تلك التي ركلتها مثل خطيئة أردتَ محوَها ، تركتها وحيدة تحاول أن تجد تفسيرا لرحيلك المفاجيء.
(العائد): انت تعرف أنني لم أخنها ، لم يكن أمامي غير أن أختار بين الرحيل أو البقاء ومواجهة الموت مثل أبله يظن نفسه بطلا ً.
(المصور): فهاجرت لتمثل دور الضحية فهو أرقى منزلة وأكثر أثارة للشفقة والأحترام من دور بطل مهزوم.
(العائد) : وأخترت أنت البقاء لتمثل دور الشهيد فهو الأبهى من بين كل الأدوار.
(المصور): لستُ شهيدا ، أنا محض رقيب يسجل كل شيء ، شاهد على خيانات الأصدقاء .
وعلى الرغم من الصدمة التي أحاقت بـ(العائد) إلا ان الامل لم ينتهي عند خيانة الصديق ، إذ لم تزل هناك الحبيبة التي كانت يمني النفس بأن تكون في إنتظاره ألا ان الحقيقة كانت شاخصة في وجه صديقه (المصور) الخائن في الماضي المخلص في الحاضر الذي ظل يحفظ في ذاكرته بصورة لايمكن تجاهلها ذلك انها تمثل صورة صارخة للموت في أبشع أشكاله، والذي تمثل بسيارة مفخخة إقتنصت روح الحبيبة التي كانت تمثل الوجه الاخر للوطن الذي جاء صديقه لكي يراه ... إلا ان العبارة التي شكلت عنوان المسرحية ظلت عالقة لا تجد صداها في حاضر (العائد) المفجوع بالخراب والغياب .. الذي لم يجد من يقول له (جئت لأراك) فالوطن لم يعد كما كان يحلم ويتمنى ان يكون ، والصديق ظل شاخصاً على خراب الامكنة وفساد الاصدقاء ، والحبيبة غادرت قبل أن تسمع كلماته الاخيرة :
(العائد): كل شيء كان خطأ .. كل الطرق التي سلكتها لم توصلني الى أي مكان .
(المصور) : وصلت الى الجنة ، فلماذا عُدت .. لماذا عُدت ؟
(العائد) : جنتي يملأوها الثلج ، ليس فيها فسحة أرض لجسدي إذا ما مت .
(العائد) : جئتَ لتموت ؟
(العائد) : (( وهو يصارع الموت )) لا.. جئتُ.... لأبـق َ .
وبذلك يضع (كريم رشيد) نهاية للاحلام والامنيات التي جاء (العائد) باحثاً عنها في بلاد كانت حاضرة في عقله وروحه ، وقد إنتهى به مطاف البحث عن وطن وحبيبة واصدقاء وحياة كريمة إلى البحث عن ارض يمكن أن يحفر فيها قبره.. لأن بلاد المهجر لاتمنح القبور للاجئين .



#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)       Samem_Hassaballa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية توظيف الرمز في مسرحية -مطر صيف-
- القصدية وإشكالية تأويل العلامة في (حروب) إبراهيم حنون
- المقولات التي تفقد معناها في العرض المسرحي
- محنة الجنون ولذة العسل ..في مسرحية أيام الجنون والعسل
- جماليات بريخت في مسرح ابراهيم جلال
- المخرج الانتقائي في المسرح العراقي
- مسرحية روميو وجوليت في بغداد .. مقترحات طائفية تغازل الثقافة ...
- دلالة الحركة وجماليتها في مسرح عوني كرومي
- الصورة تعيد إنتاج الحلم في تجارب صلاح القصب المسرحية
- مسرح فاضل خليل :بين النص الواقعي والرؤية السحرية
- الفيلم العراقي (كرنتينة) صناعة الواقع من ذاكرة لا تموت !!
- مسرحية ( البَرَدة ) : جماليات المكان وحدود الاشتغال التأويلي
- (ندى المطر) عرض مسرحي يتجه نحو المجهول !
- (فيس بوك) :عرض مسرحي بعيد عن تكنولوجيا التغيير
- الإيقاع المسرحي في عرض خارج الزمن
- مسرحية (camp ) : محنة الرفض والقبول في الثقافة العراقية
- -غربة - سامي عبد الحميد على خشبة المسرح
- المؤسسة الرسمية تفتح الأبواب للمزورين
- مونودراما الممثل الواحد في مخفر الشرطة القديم
- رؤى ومعالجات إخراجية للأزمة الاقتصادية في مهرجان القاهرة الد ...


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - أيها الخراب .. -جئتُ لأراك-