أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - إشكالية توظيف الرمز في مسرحية -مطر صيف-















المزيد.....

إشكالية توظيف الرمز في مسرحية -مطر صيف-


صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)


الحوار المتمدن-العدد: 3804 - 2012 / 7 / 30 - 20:04
المحور: الادب والفن
    


ان حتمية تشكيل الكون إستندت على فرضيات عديدة ، ويعد الانتظار من ابرزها ،إذ ارتبط حضوره بالحركة والسكون حتى بات مفهوماً شمولياً لا يقتصر إشتغاله مع الجنس البشري فحسب كما جرت العادة مع غيره من المفاهيم ، بل تعداه ليكون فاعلاً مع الكائنات الاخرى ؛ فالحيوان ينتظر ان يحل الربيع لكي يخرج من جحره باحثاً عن حياة جديدة ، كذلك هو الحال مع النباتات التي تنتظر انحسار الجليد لتكون حاضرة في ربيع أخضر ، وحتى الصخور الجامدة تنتظر ان تغير الطبيعة من شكلها كما تفعل قطرات المطر مع الصخرة الصماء ؛ من جهة اخرى فإن الانتظار بات يشكل عنصراً فاعلاً في الطروحات الدينية السماوية (اليهودية ، المسيحية ، الاسلامية) وغيرها من الديانات والمعتقدات التي لا يسعنا ذكرها هنا ، والتي تسعى جميعا إلى انتظار (المخلص ، المنقذ ، المختار ، المنتظر ... وغيرها ) وهناك العديد من الاسماء التي تختلف بحسب اختلاف المعتقد الديني إلا انها تتفق على فكرة انتظار الغائب الأبدي الذي يعتقد الجميع بحضوره في زمن ما من اجل القضاء على الفساد وإحلال السلام وإيقاف نزيف الدم الذي يأبى المختلفون في الرأي والدين والمعتقد أن يتوقف ؛ ولم يكن المسرح بوصفه الفن الأقرب إلى المتلقي بعيداً عن قراءة تلك الفكرة الفلسفية والتي كانت حاضرة في أبهى صورها في مسرحية (انتظار غودو) لمؤلفها (صموئيل بيكيت) والتي جاءت تعبيراً عن حالة الانتظار المزمن في الحرب وما رافقها من حالات انهيار في المجتمع الغربي .
من جهته إختار المخرج العراقي (كاظم النصار) نصاً درامياً من تأليف الكاتب العراقي (علي عبد النبي الزيدي) ؛ يستند على ثيمة الانتظار في مسرحية (مطر صيف ) والتي قدمت على خشبة المسرح الوطني في بغداد ، وقد جسد الادوار التمثيلية في العرض كل من الفنانة (هناء محمد ) والفنان (فاضل عباس ) ، في محاولة لتوظيف فكرة الانتظار الفلسفية وإسقاطها على الواقع العراقي الراهن.

تحولات الرمز بين النص والعرض

يمتلك النص الدرامي الذي أنتجه المؤلف إبتداءً معطيات النص التعبيري وقد بدا ذلك واضحاً في التعاطي مع منظومة اللغة التلغرافية التي تعد واحدة من ثوابت المذهب التعبيري والتي تمنح المخرج الحرية في تفعيل العلامات البصرية التي تسهم في تطوير منظومة العرض المسرحي ؛ إلا ان المؤلف لم يستمر في توظيف المعطى التعبيري بل راح يقدم نصاً سردياً يكاد يكون عبارة عن مونولوغات طويلة لم يكن العرض بحاجة إليها ذلك ان المنطوق التعبيري كان حاضراً وفاعلاً في وعي المتلقي الذي وقف حائراً بين منظومة تعبيرية على مستوى النص والعرض وبين منطوق سردي يفقد من خلاله القدرة على تأويل المنتج البصري الذي لم يكن يخلو من علامات فاعلة بما تحوي من رموز تحيل هي الأخرى إلى منظومة إشتغال أخرى تقف بعيدة عن اللغة التلغرافية من جهة والانهمار السردي من جهة اخرى.
لم تكن العلامات البصرية داخل العرض بعيدة عن منظومة النص الاصلي بل إنها شكلت البيئة التي طرحها النص غير ان المخرج عمل على توظيف رؤيته الاخراجية في (المكان / المنزل) المقترح في النص ، وذلك من خلال الكشف عن تشكيل بصري معلق في عمق المسرح يتمثل بوجود إطار مربع الشكل يضم في داخله عدداً من الاعضاء البشرية البلاستيكية وهي اجزاء نصفية (لمانيكانات) بلاستيكية أراد المخرج من خلالها التعبير عن فكرة العرض أو نبوءة العرض التي تحمل معها نهاية لجميع الشخصيات السياسية المستنسخة بحسب فكرة ( نص / العرض) ، تلك الشخصيات التي عملت على إزاحة الوطن والمواطن مقابل مصالح شخصية وفئوية ، فقد عمل المخرج على تذكير المتلقي بين حين وآخر بوجود تلك البقايا من اجل التأكيد على مقولة العرض الأساسية والمتمثلة في أن (الزوجة / الوطن) ترفض أن يقودها مستنسخ معزول لا يمتلك القدرة على التواصل مع أبناء الوطن والإحساس بمعاناتهم ، فضلا عن ذلك فإن المخرج عمل على إغراق العرض بالرموز التي إمتلكت من الدلالات الشيء الكثير لكي تسهم في تطوير فكرة العرض كما هو الحال في استخدام اشرطة التسجيل التي باتت تمثل إيقونة واضحة الدلالة أكثر من كونها رمزاً ؛ فهي تعبر على نحو واضح عن الذاكرة التي تعيد (الزوجة) ترميمها بين الحين والآخر فتارة تعمد إلى تفريغ شرائط الكاسيت من محتواها ، وتارة اخرى بإعادة ترتيبها من أجل استعادة الماضي الذي غادرها برحيل زوجها ، كذلك هو الحال مع المكان الذي إختاره المخرج لكي يكون حاضراً في وعي (الزوجة) والذي تمثل في المرآة التي تتزين امامها.
إلا ان المخرج عمل على إزاحة المرآة لكي يظل مكانها خاوياً كأنما اراد الاشارة إلى ان (الزوجة ) تنظر إلى أوهامها التي تتمثل (بالزوج) الذي طالما كان مسؤولاً عن حمايتها إلا ان نظراتها تذهب إلى الفراغ إلى ان تأتي لحظة يتحول فيها إطار المرآة إلى إطار لصورة (الزوج) (الحقيقي / المستنسخ) الذي يدفع بالزوجة للدخول في عالم من الأوهام التي لا تنتهي.
وعلى الرغم من فاعلية الرمز داخل فضاء العرض إلا ان بعض الرموز دفعت عجلة التأويل إلى قراءات أبحرت بعيداً عن سفن الرؤية الإخراجية ، كما هو الحال في (المانيكان النسائي) الذي ظل شاخصاً على خشبة المسرح من دون ان يمتلك فاعلية الحضور الذي أراده مخرج العرض ، ذلك ان وجوده كان علامة شاخصة على أن (الزوجة) هي الأخرى باتت كائناً مستنسخاً ، وهذه الفرضية تحيل العرض إلى العدم ، فإذا كان (الرجال / الازواج) ، مستنسخون ولا وجود للرجال الذين يمتلكون القدرة على النهوض بالبلاد والعباد ، وإذا كانت (الزوجة / المانيكان) هي الاخرى ليست حقيقية بحسب علامات العرض ؛ فذلك يعني انها لا تمثل (المرأة / الوطن) ، وبذلك يكون المخرج قد دفع بالرموز التي إشتغل عليها ضمن منظومة بصرية واضحة المعالم إلى التقاطع فيما بينها .
وفي قطيعة دلالية اخرى يكشف المخرج عن وجود عدد كبير من الوسائد موزعة على خشبة المسرح حاملة معها دلالة مباشرة يمكن من خلالها إثارة التساؤل الدلالي المتمثل بضرورة وجود هذا العدد من الوسائد في بيت ليس فيه (زوج)! وبما ان المخرج قد ادخلنا في منظومة الرمز فإن التأويل سيكون حاضراً في قراءة تلك الرموز ، والقراءة التأويلية لهذا الشكل البصري بما يحمل من جماليات المشهد المسرحي تختلف كلياً عن طروحات نص العرض ، ذلك أن تعدد الوسائد يشير إلى تعدد الرجال الذين دخلوا المنزل من دون ان يكون (الزوج ) حاضراً ويدفع بـ (الزوجة) إلى حاضنة الخيانة بعد ان صورها المؤلف إبتداءً والمخرج تالياً لكي تكون رمزاً للوطن ، وربما يكون المخرج قد إشتغل على تفعيل هذه الفرضية لكي تكون منسجمة مع سكون الشارع العراقي وعدم فاعليته تجاه القضايا المصيرية التي تعصف به بين الحين والآخر وهو بذلك يكون قد تقاطع مع التأسيس الابتدائي للعرض المسرحي ، وبذلك سيكون متقاطعاً مع الفضاء البصري الذي جعله متشحاً بالسواد على العكس من وسائد النوم والراحة التي حملت معها اللون الابيض ، وتلك متاهة اخرى من الافتراضات التي لم نجد جواباً واضحاً لها في منظومة العرض المسرحي.

النص الدرامي وفاعلية الاداء التمثيلي

ان ما يميز النص المحلي عن غيره من النصوص المسرحية العالمية أو العربية هو امتلاكه شحنات عاطفية عالية تمنح الممثل القدرة على التعاطي معها من اجل إثارة المتلقي ، كما هو الحال في نصوص الكاتب (فلاح شاكر) المسرحية ، والتي يمكن ان يندرج نص مسرحية (مطر صيف ) في المنطقة ذاتها التي إشتغل عليها (شاكر) وهذا بالتأكيد حق مشروع للمؤلف (علي عبد النبي الزيدي) ذلك أنه يدرك على نحو واضح فاعلية اللغة عند الممثل العراقي من جهة والمتلقي من جهة اخرى ، وهو الامر الذي أفاد منه الممثل (فاضل عباس) الذي كشف عن قدرته الادائية التي كانت مهاجرة لسنوات طويلة كما هو حال أغلب الممثلين العراقيين ومنهم الفنانة (هناء محمد) التي تشارك في العرض.
وقد بدا الانسجام واضحاً بينهما ويعود ذلك على نحو أساس إلى انهما يعرفان معنى ان تكون بعيداً عن مكانك الحقيقي ، ويدركان جيداً المعنى الآخر والأكثر ألماً والمتمثل بوجود من يتحكم بمصير الوطن والإنسان من دون ان يمتلك القدرة على الارتقاء بهما.
تلك العوامل كلها كانت حاضرة في الاداء التمثيلي للفنانة (هناء محمد) والفنان (فاضل عباس ) وعلى الرغم من وجودهما على خشبة المسرح الوطني الواسعة إلا انهما عملا جاهدين على إستنفار الطاقات الادائية الصوتية منها والحركية من اجل التعاطي مع فرضيات الرؤية الاخراجية ، إلا أن المتن السردي الذي لم يعمل كل من المؤلف والمخرج على تكثيفه دفع الممثلة (هناء محمد) إلى فقدان الحس الأدائي ، حتى ان طاقتها بدأت تخونها في النصف الثاني من العرض ، من جهة اخرى فإن الفنان (فاضل عباس) بما يمتلك من قدرات صوتية عالية ومرونة جسدية تستحق الانتباه إلا أنه لم يكن موفقاً في تقصي أبعاد الشخصيات المستنسخة ، وربما يكون القصد من وراء ذلك هو إدخال المتلقي في لعبة (الوهم / الحقيقة) ، إلا ان المتلقي استمر في البحث عن السبب الذي دفع المخرج إلى أن يقوم ممثل واحد بأداء اكثر من شخصية رغم أن وجود اكثر من شخصية يمكن له ان يكون فاعلاً في الاداء التمثيلي على نحو أفضل ، وإذا كان الامر يتعلق بالوهم فإن الازياء المسرحية كان من الممكن ان تكون حاضرة على نحو واضح.
مسرحية (مطر صيف) لم تختر ان تبلل أوجاعنا بقدر ما إختارت ان تتنبأ بمستقبل السياسة العراقية التي لم تزل هجينة على المتلقي .



#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)       Samem_Hassaballa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصدية وإشكالية تأويل العلامة في (حروب) إبراهيم حنون
- المقولات التي تفقد معناها في العرض المسرحي
- محنة الجنون ولذة العسل ..في مسرحية أيام الجنون والعسل
- جماليات بريخت في مسرح ابراهيم جلال
- المخرج الانتقائي في المسرح العراقي
- مسرحية روميو وجوليت في بغداد .. مقترحات طائفية تغازل الثقافة ...
- دلالة الحركة وجماليتها في مسرح عوني كرومي
- الصورة تعيد إنتاج الحلم في تجارب صلاح القصب المسرحية
- مسرح فاضل خليل :بين النص الواقعي والرؤية السحرية
- الفيلم العراقي (كرنتينة) صناعة الواقع من ذاكرة لا تموت !!
- مسرحية ( البَرَدة ) : جماليات المكان وحدود الاشتغال التأويلي
- (ندى المطر) عرض مسرحي يتجه نحو المجهول !
- (فيس بوك) :عرض مسرحي بعيد عن تكنولوجيا التغيير
- الإيقاع المسرحي في عرض خارج الزمن
- مسرحية (camp ) : محنة الرفض والقبول في الثقافة العراقية
- -غربة - سامي عبد الحميد على خشبة المسرح
- المؤسسة الرسمية تفتح الأبواب للمزورين
- مونودراما الممثل الواحد في مخفر الشرطة القديم
- رؤى ومعالجات إخراجية للأزمة الاقتصادية في مهرجان القاهرة الد ...
- جلسة مسرحية في الجحيم !


المزيد.....




- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - إشكالية توظيف الرمز في مسرحية -مطر صيف-