أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - قصة قصيرة / صديقي الفأر















المزيد.....

قصة قصيرة / صديقي الفأر


عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 3865 - 2012 / 9 / 29 - 00:24
المحور: الادب والفن
    



رغم الدماء التي تسيل من أنحاء جسدي الا أن المحقق قد خرج بخفي حنين.لم ينفع معي استعمال الدولاب ولا الضرب بالكابل الرباعي ولا تقليع الأظافر...كنت مصرا على كلمتين:"والله ما بعرف شي"...والمحقق مصر على أني من قيادات هذا الحراك المعارض...فشكلي يوحي بذلك...سحبت كالخرقة البالية من غرفة التحقيق ...عشرات الدرجات الى الأسفل فالأسفل حتى توقفنا أمام باب حديدي ما أن فتح حتى ظهر أمامنا دهليز طويل كالأفعى يتلوى ويبتلع كل من يلج فيه...صراخ من الجانبين يتعالى ويرد عليه بالشتائم ممن يقودني الى مصيري المجهول..
بات الصوت القادم من الجانبين يخفت تدريجيا حتى لم أعد أسمع الا صوت الضربات التي تنهال علي وتحثني على الاسراع في المشي...لعل الطريق استغرق دهرا كاملا...ما أعرفه أن بابا صدءا يصدر صريرا عجيبا فتح على عجل والقي بي الى الداخل.
ببطء شديد أدرت رأسي متفحصا مكان اقامتي الجديد...ظلمة حالكة تحيط بي منعتني من معرفة ما حولي...اعتمدت على اللمس لأكتشف أني محتجز في زنزانة لا يتجاوز حجمها المتر بنصف المتر ....لا طاقة نور فيها...لا اتصال مع العالم الا من خلال باب حديدي تفوح منه رائحة الصدء وفي أسفله كوة صغيرة مغلقة....في الزاوية جردل لقضاء الحاجة...أرض الزنزانة باردة يغطيها بطانية ممزقة وأخرى كان من قبلي يستخدمها كغطاء يقيه الرطوبة والبرد...لا أدري كم من الوقت مر على وأنا متكوم حول نفسي ذاهلا...هل هذه هي النهاية ؟أهنا سأموت كخرقة بالية دون أن يعرف أحد؟لا أعرف لم احتجزت ...ولماذا تم اعتقالي أصلا ...مافهمته من التحقيق أنني متهم ببث اخبار كاذبة تنال من السلم الاجتماعي وتحرض على العصيان... استغربت التهم فأنا حريص على أن لا أتدخل في السياسة ومنذ بدء المظاهرات قبعت في المنزل خائفا...لا أغادره الا للضرورة القصوى...لكن حظي العاثر قادني الى ذلك السوق اللعين ودون أن أدري وجدت نفسي في وسط مظاهرة طيارة...وحين هجم الأمن فر الجميع الا أنا...لم أهرب فأنا لا ناقة لي ولا بعير بهذه المظاهرة، لكن عناصر الأمن انهالوا علي بالضرب المبرح وشحنت الى هذا الفرع اللعين.
سمعت صريرا يصدر من جهة الباب..قفزت فرحا لعلهم تيقنوا من برائتي وقدموا لاطلاق سراحي...لكن الباب الموصد لم يفتح والصرير أصبح من حولي...عرفت عندئذ أنها الفئران التي جاءت لتتعرف على الجار الجديد لها...كنت أحس بأشياء تتقافز من حولي لكن العتمة تمنعني من رؤيتها...مر الوقت كالدهر الى أن سمعت خطوات قريبة والكوة أسفل الباب تفتح وصوت يجلجل:
" أكلك يا حيوان"
سرعان ما أغلقت الكوة...تحسست ما رمي لي فاذ به طبق من الألمنيوم به حبيبات صغيرة لم أميزها ان كانت أرزا أم برغلا فقظ اختلطت بحساء غريب رائحته نتنة كالبراز...عافت روحي الطبق وتركته بالقرب مني...الصرير يتصاعد من حولي...فهمت أن جيراني الفئران قد اجتذبتهم رائحة الطعام ..بدأت أرمي لهم اياه بعيدا في الزاوية...أحس بعراكهم من علو صريرهم...عندما فرغ الطبق ولم يعد للرائحة من وجود اختفى الصرير وكأن ضيوفي قد رحلوا...خمسة أيام كاملة...عرفتها من عدد الوجبات الملقاة لي وأنا قابع في مكاني ...ومن جلسات التحقيق اليومية حيث يفتح الباب فجأة وتمتد يد مارد ضخم لتسحبني وسط الصفعات والركلات والشتائم...ذات الأسئلة وذات الأجوبة التي ما أن يسمعها المحقق حتى يستشيط غضبا وتزداد كمية التعذيب الى أن أفقد الوعي وأجد نفسي مبللا وملقى بي على ارضية الزنزانة الرطبة...لم أعد أحسب الأيام فقد باتت متشابهة وأنا لا أعرف عن العالم الخارجي أي شيء...كل ما يربطني به الفئران التي ما أن تفتح الكوة حتى تهل مسرعة...توقف تعذيبي بعد ايام لم أعد أتذكر عددها لكني تركت ككيس قمامة تفوح منه رائحة النتن في تلك الزنزانة اللعينة....كأن المحقق أراد أن أتعفن هنا ...باتت الفئران لا تهابني...بل ان فأرا صغيرا أصبح يقترب مني ويقفز في حضني وفي احيان كثيرة كان يلاعبني بالركض من بين كتفي...بات صديقي الفأر ونيسي في زنزانتي...لهذا اسميته أنيس...
في احيان كان يقطع صوت الصمت صوت رشقات نارية بعيدة ...مؤخرا باتت الأصوات أكثر قربا وبتواتر أكبر....منذ أيام استيقظت من النوم مذعورا على صوت انفجار ضخم قريب سرعان ما تلته اشتباكات وانفجارات متلاحقة كانت تقترب منا أكثر فأكثر....من شدتها كأنها في داخل المبنى الذي احتجز تحته... سكتت اصوات الانفجارات و الاشتباكات فجأة...بعد أيام قليلة فتح باب الزنزانة وصرخ على صوت جش :اخرج لقد أفرج عنك...لم أصدق ما سمعت نهضت راكضا الى الأعلى هناك تفحصني عنصر الأمن محاولا الا يقترب مني وقال:لقد تأكدنا من براءتك ، اخرج واحرص أن لا أرى وجهك هنا مرة اخري والا ستكون نهايتك...
خارج سور الفرع كان الناس ينظرون الي بخوف وريبة...لحيتي الكثيفة وشعري الأشعث ورائحتي النتنة أخافت الجميع ...ظنني الناس معتوها...كلما اقتربت من أحدهم للسؤال عن المكان الذي أنا فيه كان يبتعد سريعا الى أن أشفقت علي سيدة عجوز وبينت لي مكاني وطريق العودة الى منزلي...
في الطريق أحسست بحركة في سترتي وما أن مددت يدي حتى استقر فيها أنيس...سررت به كثيرا فقد كان خير صديق لي في أيامي السوداء...نظرت اليه قائلا :لن يفرقنا الآن سوى الموت يا صديقي...طوال الطريق أحادثه ونظرات الاستهزاء تلاحقني في الشارع ...كان المارة يتناقصون كلما دنوت من حينا ...الى أن بت وحدي في طريق الدمار يجيط به من الجانبين...لا أثر للحياة هنا...لم أتعرف على المكان... كأن زلزالا أطاح ببيوته ...بجهد كبير وصلت الى منزلي...هنا كان بيتي العربي وهنا كانت الياسمينة وشجرة النارنجي...لم يبق الا الدمار...جلست القرفصاء لا أدري اين أذهب الآن بينما قفز صديقي من جيبي ودخل بين أنقاض المنزل...
ساعات طوال وانا بين الردم أتنقل من مدخل البيت الى أرض الديار...اكتشفت أن المطبخ لم يتعرض لأضرار كبيرة وكذلك المرحاض...وبالامكان هكذا أن أنام في المطبخ وأعيد ترتيب حياتي من جديد...استطعت سحب بعض الأثاث من بين الأنقاض وأعدت ترتيب كل ما حولي...وبت الساكن الوحيد في حارة مهجورة ينعق فيها الموت والخراب...
توازنت حياتي بعد أن حظيت بحمامي الأول والنوم على فراش دافئ وغطاء سميك...في الأيام الأولى بدأ بعض الجيران في العودة لتفقد منازلهم المدمرة وحمل ما يستطيعون حمله من حاحيات لم يطلها الدمار...لكن الحياة لم تعد الى الحي خاصة مع تواجد بعض القناصة على المدخل الشمالي منه...كنت أتسلل ليلا من منزلي المتاخم للبساتين وأهبط الى عمق المدينة للعمل كحمال هناك أو لشراء الخبز....كان برفقتي دوما صديقي الحميم...هالني أن المدينة لم تغير طباعها وكأن الموت والدمار يحدث في كوكب آخر وليس في ضواحيها الملاصقة لها...البارات والمطاعم والأسواق على حالها...وان خفت حركة روادها عما قبل.
اشتقت الى أصدقائي القدامى وجيراني وحتى تلك المرأة الممتلئة التي كانت تلهب قلبي بصوت طرقات حذائها...استطعت الوصول الى بعض الأصدقاء الذين نزحوا الى مناطق اخرى...استقبلوني بالأحضان في البداية لكنهم ما أن لاحظوا حديثي مع أنيس حتى انفضوا من حولي مرددين:مسكين لقد فقد عقله في الفرع...حاولت التقرب من أكثر من امرأة لكن ما أن تكتشف الواحدة منهن صداقتي مع الفأر حتى تولول هاربة......
كل فجر اكتشف أني بحاجة الى زوجة ورفيقة درب...بعد أن فقدت جميع الأقرباء والأهل..لكن صداقتي مع أنيس تحول دون ذلك...بت في ورطة كبيرة فقد عاهدته على الوفاء الى الأبد...بت كثير الشرود والذهول ...ولا بد أن صديقي قد انتبه الى الأمر فقد بات يختفي لساعات طوال وحينما يعود يحاول عدم الاحتكاك بي ...كأنه يدفعني لطرده من حياتي...أتعبني التفكير...وحينما اتخذت قراري أخيرا بمكاشفته بأحوالي والطلب منه أن يجد حلا لمشكلتي...فوجئت به ينظر الي نظرة حزينة كأنه قرأ أفكاري ويركض الى الشارع...ركضت خلفه ....لا أعلم لم انعطف باتجاه المدخل الشمالي للحي فقد أخبرته من قبل عن خطورة المكان ... توقفت ...حاولت أن أناديه لكن صوتي تجمد ...لقد سمعت أزيز الرصاصة يمر من جانبي ويصيب أنيس...لقد اكتشفه القناص فأرداه قتيلا...



#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة / انفجار
- قصة قصيرة جدا / شكرا
- قصة قصيرة جدا / لبيك يا رسول الله
- قصة قصيرة جدا / ولادة
- قصة قصيرة جدا / رؤوس
- قصة قصيرة / موت ورخام
- قصة قصيرة جدا / حور عين
- قصة قصيرة جدا / ضيفة آخر الليل
- قصة قصيرة جدا / كاميرا
- قصة قصيرة جدا / حماة الديار....
- قصة قصيرة جدا / نشيد
- أحلام صغيرة
- قصة قصيرة جدا / جثة مجهولة
- قصة قصيرة جدا / نهاية شبيح
- قصة قصيرة جدا / الاقلية الصامتة
- قصة قصيرة جدا / مجنون داريا
- قصة قصيرة جدا / مذيعة حسناء
- قصة قصيرة جدا / مقبرة -2
- قصة قصيرة جدا / مقبرة
- قصة قصيرة جدا / خطأ


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - قصة قصيرة / صديقي الفأر