أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صاحب الربيعي - الملوك والفلاسفة وتهمة الإلحاد














المزيد.....

الملوك والفلاسفة وتهمة الإلحاد


صاحب الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1124 - 2005 / 3 / 1 - 12:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


العلاقة بين الملوك والفلاسفة على مر التاريخ لم تكن علاقة متكافئة لاختلاف التوجهات بين الطرفين، فالملوك يحاولون استمالة الفلاسفة إلى جانبهم للاستئناس بآرائهم وإبعادهم عن المجتمع. في حين يجد الفلاسفة في تلك العلاقة أسلوباً سلمياً لإقناع الملوك بمطالب المجتمع، من خلال إسداء النصح لهم في التعامل الايجابي مع مطالب المجتمع وحثهم على إحقاق العدالة والمساواة.
وحين تتعارض توجهات الجانبين وتتعطل سُبل الحوار لتحقيق المصالح يلجأ كل منهما لاستخدام سلاحه في محاربة الأخر، وتبقى ثنائية الخير والشر هي المعادلة الحكم لتوجهات الجانبين. فعند إخفاق الفيلسوف في إقناع الملك بتوجهاته نحو الخير، يلجا إلى المجتمع لإقناعهم بعدم إطاعة أوامر الملك لأنه غير عادل.
ويلجأ الأخير إلى تلفيق التهم للفيلسوف بغرض عزله عن المجتمع ومن ثم محاكمته، باعتباره مروجاً لآراء إلحادية تفسدهم. وفي الحقيقة أنها دعوى لاستئصال نخب المعارضة وإحكام القبضة على المجتمع، وعدم إجراء أية إصلاحات في نظام الحكم ورفض مطلب إرساء قيم العدالة والمساواة.
وتظهر الوقائع عجز سلطات أثينا عن إسكات صوت الفيلسوف ((سقراط)) بالتهم العادية الملفقة أمام المحاكم، فاتهمته بالإلحاد. وأصدرت إحدى محاكمها الحكم بإعدامه بتهمة التحريض ضد القيم والإلحاد وإفساد عقول الشباب، وحينها خاطب القضاة قبل مغادرته قاعة المحكمة قائلاً:" الآن قد حان الوقت لمغادرة قاعدة المحكمة، فأنا أغادرها إلى الموت وأنتم تغادورنها إلى الحياة فمن منا سيكون الأسعد، هذا الأمر مجهول لدينا جميعاً".
وبالرغم من الأحكام القاسية المتخذة من قبل السلطات الحاكمة ضد الفلاسفة من أجل كتم أصواتهم الداعية للعدالة والمساواة، لم تنجح أساليبهم في استئصال تلك الأفكار العادلة الراسخة في عقول البشر. وبالعكس فإنها أنتجت فلاسفة جدد ساهموا في تطوير أفكار وآراء من سبقوهم من الأولين. وكانوا أشد نقداً ضد السلطات الحاكمة من أجل إحقاق الحق والدعوة للسلام والعدالة الاجتماعية.
لم تمنَ الأفكار الفلسفية العظيمة بالهزيمة كما اعتقدت السلطات حال تغيب أصحابها بأحكام جائرة، بل العكس تنامت أكثر وتطورت وأصبحت مطالباتها أكثر تنظيماً وشدة.
في حين لم يطور الملوك منهجهم في الحكم، بل حدثوا من أساليبهم في القصاص من المعارضين. ورغم الخسارة التي منيت بها أثينا عند إقدامها على إعدام شيخ الفلاسفة ((سقراط)) لم يتعظ حكامها بما جنت أيديهم من إلحاق العار بأثينا التي ذاع صيت فلاسفتها أكثر من حكامها.
فبعد بضع سنوات، أُتهم المعلم الثاني للفلسفة بتهمة الإلحاد ذاتها، فقد أتهم ملك أثينا ((ديوستين)) وحزبه السياسي ((أرسطو)) بتهمة الإلحاد، فغادرها الأخير قائلاً:" لاحاجة لإعطاء فسحة جديدة لحكام أثينا لارتكاب جريمة جديدة ضد الفلاسفة".
وهذا الخيار ذاته عُرض على المعلم الأول ((سقراط)) لكنه رفضه وكان مصيره الإعدام، في حين ((أرسطو)) انصاع إليه بغرض حماية نفسه وعلمه من انتهاك حكام أثينا، وبذلك حقق فائدة كبيرة للأجيال اللاحقة وبذات الوقت حقق رغبات حكام أثينا الرافضة لأي صوت معارض ومحرض للشعب على المطالبة بحقوقه.
إن تهمة الإلحاد على مرًّ العصور (ومازالت) إحدى الأساليب الخبيثة المستخدمة من قبل السلطات ضد المعارضين من الفلاسفة والعلماء والمثقفين من أجل إسكات أصواتهم. تعتبر أثينا مهد الفلاسفة ومشرعة لعلم الفلسفة الداعية للوصول إلى الحقيقة ونشر مبادئ العدالة والمساواة بين البشر، لكنها أنجبت حكاماً قساة شرعوا تهمة الإلحاد التي مازالت تستخدم كسلاح ضد المعارضين في مشارب الأرض.
انتقلت عدوى التنكيل بالفلاسفة من أثينا بعد عقود عديدة إلى المنطقة العربية ونال الفلاسفة العرب ما ناله أقرانهم من فلاسفة اليونان العظام. لقد مارس الملوك العرب أساليب وتًّهم لاتقل قسوة واضطهاد عن أقرانهم من ملوك أثينا، فالخليفة ((المنصور بن سليمان)) اتهم الفيلسوف العربي ((أبن الرشد)) بالإلحاد وأمر بإحراق كتبه الفلسفية ومنعه من الاشتغال بعلوم الفلسفة.
وكاد أن يحكم عليه بالإعدام، لكن خفف الحكم إلى نفيه خارج قرطبة إلى ((إليسانة)) وبالرغم من تفي ((أبن الرشد)) لتهمة الإلحاد بالحجج والأدلة فأن كتبه القيمة تم حرقها في الساحة العامة للمدينة، وتم إثارة العامة من الناس ضده.
بعد بضع سنوات قضاها ((أبن الرشد)) في المنفى خارج قرطبة، أعاده الخلفية ((المنصور بن سليمان)) إلى قرطبة مكرماً معززاً وأعاد إليه مكانته الاجتماعية وأصبحت كتبه في متناول اليد. ولم يكن هذا النفي وتهمة الإلحاد لـ ((أبن الرشد)) إلا درساً لإسكات صوته المعارض للحكم، وعندما فهم الدرس أعاده الخليفة من المنفى وأكرمه وقضى باقي حياته في كنف الخليفة.



#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام الديمقراطي والسلطة السياسية
- الفشل في تحقيق الذات وانعكاساته السلبية على المجتمع
- العنصر الثالث لدعم الاستقرار والتوازن الاجتماعي
- سلطة القانون في المجتمع
- مواصفات الرئيس وشروط الرئاسة
- شروط وآليات العقد السياسي والاجتماعي في كتابة الدستور
- المرأة والحب في عالم الفلاسفة والأدباء
- انعدام سُبل الحوار والنقاش مع الإنسان المقهور
- النزاعات العرقية والمذهبية في المجتمعات المقهورة نتاج سلطة ا ...
- تنامي ظاهرة الحقد والعدوانية في المجتمعات المتخلفة
- شرعنة العنف والقتل في الدولة الإرهابية
- العنف والإرهاب نتاج طبيعي للتخلف والاستبداد
- سلطة القانون وآليات الضبط الاجتماعي في المجتمعات المتخلفة
- الطاغية المستبد والشعب المقهور
- الاستبداد والعنف وانعكاسه على المجتمع
- الشعوب المقهورة والزعيم المنقذ
- العسكرة والأدلجة في الثقافة والإبداع
- نتائج العنف والاستبداد على الشعوب المقهورة
- الحثالات والرعاع في المجتمع المادة الخام للإرهاب
- موقف الفلسفة من الشعر والشعراء


المزيد.....




- السعودية.. تركي آل الشيخ يرد على حملة ضده بعد تدوينة -الاعتم ...
- مدى قدرة جيش إسرائيل على بسط سيطرة كاملة في غزة؟.. محلل إسرا ...
- إعلام رسمي إيراني: المعدوم بتهمة التخابر مع إسرائيل كان عالم ...
- إشادة فرنسية أمريكية.. حكومة لبنان تتجه لنزع سلاح حزب الله
- المجلس الأمني الإسرائيلي يقر خطة نتانياهو -للسيطرة على مدينة ...
- دبي .. روبوت في اجتماع رسمي
- حراك شعبي في هولندا دعما لغزة وتنديدا بالمجازر الإسرائيلية
- تحقيق يكشف فظاعات وجرائم ارتكبت بمخيم زمزم للنازحين في دارفو ...
- خمسة مبادئ وانقسام حاد.. تفاصيل قرار -الكابينت- لاحتلال غزة ...
- مصر.. صورة مبنى -ملهوش لازمة- تشعل سجالا واستشهادا بهدم كنيس ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صاحب الربيعي - الملوك والفلاسفة وتهمة الإلحاد