حسان عاكف -عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي- في حوار مفتوح حول: قراءة في شعار المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي: -دولة مدنية ديمقراطية اتحادية.. عدالة اجتماعية-.


حسان عاكف
الحوار المتمدن - العدد: 3859 - 2012 / 9 / 23 - 12:25
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا - 88 - سيكون مع الأستاذ د.حسان عاكف -عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي - حول: قراءة في شعار المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي: "دولة مدنية ديمقراطية اتحادية.. عدالة اجتماعية".


تضمن التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي المنعقد في الفترة 8-13 أيار المنصرم عموم المواقف و السياسات التي تبناها الحزب و سعى لتطبيقها في نضاله اليومي خلال السنوات الخمس التي اعقبت المؤتمر الوطني الثامن، الى جانب تحديد السياسات و التوجهات المستقبلية للسنوات القريبة القادمة.

وبهذا الخصوص يمكن النظر الى شعار المؤتمر "دولة مدنية ديمقراطية اتحادية، عدالة اجتماعية"، باعتباره التعبير او التجسيد المكثف لاهم تلك السياسات و المواقف الآنية و المستقبلية.
وضمن هذا الفهم حرص الشيوعيون العراقيون ان يضمنوا شعار مؤتمرهم الاخير البعدين الاساسيين لنضالاتهم و نضالات الجمهرة الواسعة من ابناء الشعب و القوى الوطنية والديمقراطية؛ و هما البعد الوطني الديمقراطي السياسي(دولة مدنية ديمقراطية اتحادية)، و البعد الاجتماعي-الاقتصادي(عدالة اجتماعية)، بكل ما يعنيه هذان البعدان من مواقف و سياسات و نضالات مرحلية واستراتيجية، متوسطة المدى وبعيدته.
وهذا الاختيار للشعار لم ينطلق من رغبة ذاتية لطرح المواقف و البرامج السياسية، بل جاء مستندا الى الحاجات الفعلية الموضوعية لواقع البلاد، و المهام و التحديات الاساسية العملية، التي تطرحها الحياة امام جميع القوى السياسية، من اجل بناء "دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة، بنظام جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي.." كما أكدت المادة الاولى من الدستور العراقي.
لقد بات معروفا للقاصي و الداني كيف ان الصراع حول المستقبل وشكل الدولة ومضمونها والنظام السياسي- الاقتصادي- الاجتماعي، يشكل اليوم محورا اساسيا من محاور الصراع الدائر بين الكتل السياسية الحاكمة في بلادنا، الى جانب المحور الاساسي الاخر المتمثل بالنظر الى السلطة و الدولة باعتبارهما غنيمة مغرية، لابد من خوض الصراع من اجلهما للهيمنة على مراكز صنع القرار والنفوذ و الثروة .
من هنا كان لزاما على الحزب الشيوعي العراقي، كما هو لزام على جميع القوى السياسية، ان يحدد موقفه من هذه القضايا الستراتيجية الهامة.

دولة مدنية ديمقراطية.....!

تعتبر الدولة مسألة اساسية في السياسة، و يحتل الموقف منها موقعا مركزيا في نضال أي حزب سياسي.
و معلوم انه لحد الان ينظر الى العراق، و على الرغم من مرور أكثر من تسع سنوات على الخلاص من النظام الدكتاتوري، ينظر اليه باعتباره دولة قيد البناء و التكوين (دولة قيد الانجاز اذا صح التعبير).
ورغم ان مصطلح "الدولة الديمقراطية" يعني ضمنا "دولة مدنية"، إذ من الصعب، أو الاستحالة، الحديث عن دولة ديمقراطية عصرية دون ان تكون مدنية بالضرورة، الا ان الشيوعيين العراقيين كانوا حريصين على التاكيد على الطبيعة " المدنية" للدولة التي يريدون، الى جانب طبيعتها الديمقراطية، و تثبيت ذلك في الشعار المركزي للمؤتمر. ويأتى هذا الحرص من الواقع الذي تعيشه بلادنا كون قوى الاسلام السياسي في العراق تحتل مواقع مفصلية في نظام الحكم والدولة المنشودة. كما يتأتى من الجو العام السائد في المنطقة بعد انتفاضات الربيع العربي، المتمثل في جانب منه برغبة اطراف سياسية دينية منتشية بالتجاحات الانتخابية التي حققتها، رغبتها في تشكيل دولة دينية ثيوقراطية.
و مفهوم الدولة المدنية الذي يتبناه الحزب الشيوعي، و معه قوى واطراف عديدة؛ وطنية و ديمقراطية و مدنية و اسلاميين متنورين بات معروفا للجميع، بما في ذلك جمهرة واسعة من المواطنين غير المرتبطين باحزاب سياسية، الذين باتوا يطرحونه و يؤكدون عليه، باعتباره مرادفا للدولة العلمانية، ويدعو الى فصل الدين عن الدولة و السياسية، و بديلا عن مفهوم الدولة الدينية، الذي يشاهدون تجربته ونموذجه التسلطيان و المحافظان في عدد من بلدان المنطقة و يرفضونه.
و منذ البداية، و حتى قبل سقوط النظام الدكتاتوري، كان الحزب الشيوعي العراقي حريصا على وضوح موقفه تجاه حلفائه في قضية علاقة الدين بالسياسة، و واصل التعامل مع الرأ ي او الموقف السياسي للقوى و الاطراف الدينية ضمن معايير سياسية مدنية ديمقراطية معاصرة، يمكن الاشارة الى اهمها:-
- التعاطي مع هذه الاراء على ارضيية سياسية وطنية بالاساس، و بالتالي فهي آراء يمكن الاتفاق معها او تخطأتها ورفضها، حالها حال ما يطرح من القوى و الاطراف السياسية المدنية و العلمانية. حيث لا توجد مواقف مقدسة، أو معصومة، لا يطالها النقد و التصويب في القضايا السياسية، التي هي في طبيعتها خلافية و متغيرة، ويمارس الكثير من محترفيها الالاعيب و الحيل التي لا تنسجم مع القيم الانسانية الحقيقية للاديان.
- في الموضوعات السياسية و العمل السياسي نميز في التعامل بين "الفتوى الدينية"، بما تعنيه من اضفاء صفة المقدس الديني غير الخاضع للجدل على المواقف و الاراء السياسية، و بين "الراي او الموقف السياسي المستند الى ارضية فكرية دينية"، وفي الوقت الذي نتعامل فيه بايجابية مع اي راي أوموقف سياسي مستند الى مرجعية أو نظرية دينية، في اطار حرية الراي و الراي الآخر، نتعاطى ونتفاعل معه، نجادله، ننتقده، نرفضه اذا كنا نتقاطع معه ، الا اننا رفضنا و نرفض الاقحام الفج للفتوى الدينية في العمل السياسي، و تصدينا على الدوام بوسائل مختلفة لهذه الفتاوى و نبهنا الجماهير لمخاطرها، و المنزلقات المظلمة التي يمكن ان تقود المجتمع اليها.
- أكد التقرير السياسي للمؤتمر التاسع في اكثر من مكان اننا كنا و مانزال مع إعتماد مبدأ المواطنة، و مع نبذ توظيف الدين لاغراض سياسية ليبقى في منأى عن التنافس والصراع السياسيين، و مع نبذ أشكال التعصب الديني والمذهبي والقومي والعشائري جميعا. وبدون ذلك يصبح الحديث عن التوجه لاقامة دولة المؤسسات والقانون المدنية، فضلا عن الشروع ببنائها خدعة سياسية و بضاعة بائرة لن تنطلي على احد.

- سنبقى مواظبين مع الاخرين من الديمقراطيين و عموم القوى و الشخصيات الوطنية العلمانية و الاطر الاجتماعية و المدنية و الثقافية و الاكاديمية و الدينية المتنورة، سنبقى جميعا مثابرين في مواجهة المحاولات التي تستهدف الالتفاف على حرية المعتقد و الضمير و حرية التعبير عن الراي، أو تستهدف قضم ما موجود من حريات و قيم و انشطة اجتماعية و ثقافية، بحجة منافاتها للدين و القيم الاجتماعية و غيرها. و خاض الشيوعيون و اليساريون وعموم الديمقراطيين و النخب الثقافية و المدنية المواجهات السياسية و الاجتماعية و الاعلامية، متصدين لمساعي جهات حكومية لالغاء فعاليات فنية و ثقافية في هذه المحافظة او تلك، و وقفوا بوجه سلطات محلية و اتحادية تجاوزت على نوادي و اماكن اجتماعية و ثقافية، و كان آخرها "صولة فرسان الحكومة" على عدد من النوادي الاجتماعية و الثقافية في بغداد.
- منذ الايام الاولى بعد التغيير وقفنا ضد مسعى الاخرين لالغاء منجز وطني كبير وملمح اساسي من ملامح الحياة المدنية الديمقراطية المتعلق بحقوق المراة، واعني به مسعى الغاء قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959. و معروف موقفنا المتحفظ أو الرافض للمادة 41 من الدستور الخاصة بنتظيم الاحوال الشخصية للعراقيين و مطالبتنا بتغييرها.
- سعينا مع الاخرين و الملايين من ابناء الشعب لاضفاء اوسع بصمة حضارية مدنية على الدستور و تخفيف القيود المحافظة عليه، و بالنهاية جاء الدستور بالصيغة التي هو عليها الان، كحصيلة لتوازن القوى الاجتماعية و السياسية في لحظة تاريخية معينة. و هو على العموم دستور جيد رغم الثغرات و نقاط الضعف التي يحتويها.
- الدولة المدنية الديمقراطية تتقاطع بكل تاكيد مع المساعي التي تقوم بها قوى سياسية متنفذة في الحكم في احياء اطر اجتماعية-ثقافية، تعود الى تشكيلات المجتمع الاهلي، الذي ساد في العصور الاقطاعية و شبه الاقطاعية، كما هو الحال مع مجالس الاسناد العشائرية و مؤتمرات شيوخ العشائر و غيرها من التشكيلات الحاملة للهويات الثانوية، التي نميز تماما بينها كأطر للتعبئة و التنظيم الاجتماعيين عفا عليها الزمن، و بين جمهرة منتسبيها من المواطنين الذين هم في غالبيتهم مواطنون مخلصون لبلدهم ويسعون جاهدين لخدمته.
- الدولة المدنية الديمقراطية تتقاطع مع الاستهانة بالقوانين و الدستور، و تفسيرها حسب الرغبات و المصالح و الامزجة، و هي تتعارض تماما مع احتفاظ احزاب رئيسية حاكمة بميلشيا خاصة بها ، تهدد و تلوح بها بين الحين و الاخر.


الدولة الاتحادية...!

يعتبرالتوجه نحو بناء الدولة على اسس من اللامركزية في الحكم والنظام الفدرالي(الاتحادي) تجربة تاريخية جديدة في بلادنا، ماتزال في بداية مسيرتها و تطبيقاتها، بعد قرابة ثمانية عقود من الحكم المركزي التسلطي، وممارسات شوفنية من جانب اغلب الحكومات التي تعاقبت على السلطة طيلة تلك العقود.

وينظر الحزب الشيوعي العراقي الى هذا التوجه باعتباره شكل الحكم المناسب لبلد بحجم العراق وتنوعه القومي و الثقافي و الاجتماعي، خصوصا بعد ان اكدت تجربة الحكم فيه على مدى السنوات الـ 80 من عمر الدولة العراقية استحالة ادارة شؤون البلاد عبر حكم مركزي، يدار من العاصمة بغداد لوحدها.
الحكم الاتحادي هو شكل من اشكال الادارة الذاتية، وينسجم مع طبيعة النظام الديمقراطي الذي يعطي الاولوية للمواطنين في اية محافظة او اقليم في تنظيم وتقرير شؤون حياتهم الاقتصادية و المعيشية والاجتماعية، وهو التجسيد الافضل للقيم الديمقراطية. ولم يكتفِ التقرير السياسي للمؤتمر بتثبيت هذا المبدأ العام، بل كان حريصا على اعلان موقف الحزب من الطروحات التي شهدتها الساحة السياسية العراقية في السنوات القليلة الماضية، حول موضوعة الفدرالية و تشكيل الاقاليم، معتمدا في ذلك على قناعاته السياسية و الفكرية، و مستندا على ماورد في دستور البلاد.
و كان الحزب صريحا في رفضه التعامل الانتقائي المزاجي والبراغماتي مع هذه القضية الهامة، و سعي الفرقاء السياسيين لتوظيفها ضد بعضهم البعض، في عملية الضغط و الابتزاز السياسيين، في حلبة صراع المحاصصة الطائفية و الاثنية وإقتسام المغانم . لذا اكد المؤتمر "ان الفيدرالية رهن بأرادة العراقيين الحرة وحقهم في اختيار شكل دولتهم ونظامهم، بعيدا عن اي ظرف آني طاريء، وبما يصون مصالح العراقيين جميعا على اختلاف قومياتهم واديانهم وطوائفهم. وبهذا المعنى فهي تتعارض على طول الخط مع دعوات التقسيم والانفصال، وتشكيل الاقاليم خارج سياقاتها الدستورية".
وشهد المؤتمر الاخير للحزب حراكا نسبيا في الموقف من الحقوق القومية والادارية والثقافية للقوميات الاخرى من غير العرب والكرد، واعني بهم التركمان والكلدان السريان الآشوريين والأرمن، بما يتيح لابناء هذه القوميات التمتع بالادارة الذاتية للقرى والبلدات التي يشكلون فيها الأغلبية السكانية، وصولاً إلى صيغة حكم ذاتي ملائمة عندما تتوفر الظروف والمستلزمات الموضوعية لذلك. وجاء هذا الحراك انطلاقا من المبدأ الاممي في حق الامم والشعوب في تقرير مصيرها، و من الحرص على تعزيز النضال الوطني المشترك والتآخي القومي بين قوميات شعبنا كافة.


العدالة الاجتماعية.....!

يجسد مفهوم "العدالة الاجتماعية" في شعار المؤتمرالبعد الاقتصادي- الاجتماعي لنضالات الحزب الشيوعي، في اطار مرحلة تاريخية طويلة، تستهدف السعي للوقوف على الدوام الى جانب الفئات و الطبقات الاجتماعية الفقيرة و الكادحة، وتبني مصالحها الراهنة والجذرية-المستقبلية. كما تستهدف وضع سياسات تسعى الى اقامة نظام اجتماعي ديمقراطي في العراق، ينزع على الدوام نحو العدالة الاجتماعية، ويحقق عبرعملية تاريخية و صيرورة اجتماعية اقتصادية متواصلة مستلزمات البناء الاشتراكي، بما يتناسب و ينسجم مع ظروف العراق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و الروحية.
وعند الحديث عن ماهو آني في هذا الشعار يمكن القول ان وثائق المؤتمر التاسع، خصوصا وثيقتي البرنامج والتقرير السياسي، أفردت حيزا هاما للجوانب الاقتصادية و المعيشية و الخدمية في البلاد. وقد جرى تحديد السمات الاقتصادية– الاجتماعية للواقع الراهن. و تشخيص حالة غياب الرؤى والستراتيجيات والسياسات الموحدة للدولة في مجال التنمية و المجال المالي وغيرهما. و تناولت الوثائق ايضا سياسة الاضعاف القسري لدور الدولة ، خاصة في الميدان الاقتصادي. و اطلاق العنان لآليات السوق المنفلتة و المغالاة بها دون المعاينة للواقع الملموس. و كان لابد ان تقود هذه السياسات، مع استشراء الفساد المالي و الادراي، الى اتساع فجوة الفقر في المجتمع و اشتداد التفاوت في توزيع الدخل والثروة.
و توقفت وثائق المؤتمر عند حالة الحراك الذي طال بنية وتركيبة المجتمع الطبقية ووزن وثقل مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية، مؤكدة استعادة الفئات الوسطى لدورها الاجتماعي و الاقتصادي تدريجيا، لا سيما العاملة منها في الدولة، الى جانب تعزز دور الكومبرادور التجاري والفئات الطفيلية والبيروقراطية، على حساب الكادحين وذوي الدخل المحدود .
و انطلاقا من تحليل معطيات الواقع الراهن يرى الحزب ان العلاقات الرأسمالية ستسود في العراق لآماد بعيدة نسبيا، ارتباطا بطبيعة المرحلة التي يعيشها البلد، وتناسب القوى الطبقي والسياسي فيه، والاجواء و الظروف الدولية الراهنة. من هنا التأكيد على اهمية مواجهة النتائج والتداعيات السلبية للتطور الراسمالي على الكادحين و عموم ابناء الشعب، وعلى ضرورة مواصلة النضال لتحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية و اجتماعية لجميع الفئات و الطبقات الاجتماعية المتضررة من سياسية اقتصاد السوق المنفلتة.
و ارتباطا بهذا الواقع اكد التقرير ان المطلوب اليوم هو الانطلاق الحقيقي على طريق تنمية اقتصادية–اجتماعية مستدامة و متوازنة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وايلاء انتباهة خاصة للكادحين والفئات الاجتماعية الأكثر تضررا، وإعادة توزيع الثروة بشكل عادل .
أما اذا انتقلنا الى البعد الاسترتيجي لشعار "العدالة الاجتماعية" فلابد من القول انه ارتباطا بطبيعته الطبقية باعتباره حزبا يستهدف الدفاع عن المصالح الجذرية لمنتجي الخيرات المادية و الروحية وعموم الفقراء وذوي الدخل المحدود، يحرص الحزب الشيوعي العراقي من مواقعه الماركسية الى بناء مجتمع خالٍ من كل اشكال الاستغلال و التسيد و الاستلاب والقهر المفروضة على الفرد و المجتمع، ويهدف الى تحسين شروط الحياة المادية و الروحية ومنح الاولوية لرفاه الانسان، وصولا في نهاية المطاف الى بناء الاشتراكية بما ينسجم و يتناسب مع ظروف بلادنا. و كما تمت الاشارة فان الحزب يرى ان عملية انضاج شروط البناء الاشتراكي تتضمن سلسلة طويلة من المحطات و الانتقالات تغطي حقبة تاريخية طويلة نسبيا.

واجد انها فرصة مناسبة هنا للتذكير بوثيقة "خيارنا الاشتراكي دروس من بعض التجارب الاشتراكية"، التي صدرت عن المؤتمر الوطني الثامن للحزب/2007، و التي لحقها غبن واضح، كما ارى، لانها لم تنل حظها من الدراسة و الاهتمام من جانب اعضاء الحزب و منظماته، و كذلك من جانب الكتاب و الباحثين و المتخصصين.
تعاملت هذه الوثيقة الفكرية مع مفهوم الاشتراكية وفق ثلاثة مضامين اساسية هي الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و تشريك الجزء الاكبر من الاقتصاد( تحقيق الملكية الجماعية لوسائل الانتاج).
وحسب الفهم الاشتراكي للديمقراطية لابد من اعطاء معنى حقيقي لمفهوم المواطنة و سيادة الشعب، يتجاوز ، الى حد بعيد، مجرد حق الانتخاب الشامل و الحقوق السياسية الاخرى. كما تسلم الاشتراكية بضرورة تغلغل الديمقراطية في جميع جوانب النظام الاجتماعي.
ويستهدف مبدأ المساواة الاشتراكي ازالة اشكال التفاوت المفرط في كل جانب من جوانب الحياة، و الذي يميز المجتمعات المنقسمة على أساس الدخل و الثروة و السلطة و الفرص المتاحة. مع التاكيد ان الاشتراكية تهدف الى بناء مجتمعات تختفي فيها، مع الزمن، الانقسامات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية العميقة.
و تستلزم الاشتراكية تشريك الاقتصاد، بمعنى اخضاع الجزء الاعظم من وسائل النشاط الاقتصادي، و خاصة الاساسية منها، لاشكال شتى من الملكية و الرقابة و الادارة الاجتماعية او العامة.
و لان الوثائق الرئيسية الصادرة عن مؤتمرات الاحزاب السياسية مترابطة جدليا و تكمل احداها الاخرى، لذا لم اجد افضل ما اختتم به هذه الورقة من اقتباس الفقرة التالية من مقدمة برنامج الحزب كونها تتوائم والتوجهات الواردة في شعار المؤتمر التاسع، و تلقي ضوءا اضافيا عليها؛-

"الحزب الشيوعي العراقي حزب ديمقراطي في جوهره، يعمل على إقامة نظام ديمقراطي أساسه التعددية الفكرية والسياسية، والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان، وضمان الحريات الشخصية والعامة، واعتماد مبدأ تكافؤ الفرص، وتأمين العدالة الاجتماعية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، الدولة الديمقراطية العصرية".

مصادر تم اعتمادها في إعداد هذه المقالة:
- برنامج الحزب الشيوعي العراقي المقر في مؤتمره الوطني التاسع.
- التقريرالسياسي الصادر عن المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي.
- وثيقة " خيارنا الاشتراكي دروس من بعض التجارب الاشتراكية"/ المؤتمر الوطني الثامن للحزب الشيوعي العراقي.
- الاشتراكية لعصر شكاك – رالف ميليباند-.

-إنتهى-