عادل عبد المهدي والنهج الاقتصادي ل“الليبرالية الجديدة“


حسان عاكف
الحوار المتمدن - العدد: 6017 - 2018 / 10 / 8 - 17:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عادل عبد المهدي والنهج الاقتصادي لـ“الليبرالية الجديدة“ بنسختها العراقية المشوهة…

أثار تكليف السيد عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة الجديدة الكثير من النقاش والجدل، بين متحمس ومعارض، حول مواصفاته الشخصية والسياسية والاجتماعية، وتقييم تجربته السابقة في الحكم وآفاق نجاحه في المهمة التي كلف بها.

الاسطر التالية تتضمن أفكارا ذات علاقة بالنهج الاقتصادي الذي يتبناه ويروج له السيد عبد المهدي، خصوصا وانه رجل اقتصاد بقدر ما هو رجل سياسة ان لم يكن أكثر، والاقتصاد هو المحرك الحقيقي في المجتمع، هو عصب الحياة السياسية والاجتماعية وبه ترتبط افاق التطور والتنمية المستدامة وعمليات الاصلاح والبناء المطلوبة وانعكاساتها الانية والمستقبلية على حياة المواطنين بشكل خاص.

أبدأ حديثي بالقول يمكن اعتبار السيد عادل عبد المهدي واحدا من ابرز ممثلي التوجه الاقتصادي للسياسات الليبرالية الجديدة بنسختها العراقية المشوهة، وهذا ما يمكن متابعته دون عناء من خلال كتاباته وتصريحاته في المواقع والفعاليات السياسية والاعلامية والحكومية الرسمية خلال السنوات التي اعقبت التغيير عام ٢٠٠٣ .

والليبرالية الجديدة، باختصار شديد، هي حزمة من السياسات الاقتصادية التي انتشرت على نطاق عالمي في العقود الأخيرة في ظل العولمة المتوحشة للاقتصاد الراسمالي،على عهد رئيسة الوزراء البريطانية ماركريت تاتشر والرئيس الامريكي دونالد ريغن.
تدفع هذه السياسات باتجاه ”اطلاق العنان لنظام السوق للسيطرة على كافة ميادين الاقتصاد، واحلال القطاع الخاص محل الحكومات في معظم وظائفها“، وتنهض مؤسسات مالية قوية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية بالترويج لا بل لفرض الليبرالية الجديدة في جميع أنحاء العالم.
الليبرالية الجديدة في نهاية المطاف تبقى نهجا لخدمة الاثرياء على حساب الفقراء.

واذا عدنا الى كتابات السيد عادل عبد المهدي سنرى انه من انصار:
- تحرير الاقتصاد؛ اي تحجيم دور الحكومة وتقليص تدخلها في التخطيط والادارة لثروات البلد. وما دوره الاخير في صياغة قانون شركة النفط الوطنية وتمريره عبر البرلمان السابق سوى مثال واحد على ذلك.
- الخصخصة: بما يعني بيع المشروعات والبضائع والخدمات التي تمتلكها الدولة إلى رجال الأعمال المحليين او المستثمرين الاجانب. والحديث هنا عن المنشآت الصناعية الحيوية المملوكة للدولة بما فيها الكهرباء، وعادة ماياتي ذلك ضمن اشتراطات صندوق النقد الدولي. في عراق اليوم هناك ما يربو على ١٨٠ منشأة ومؤسسة حكومية معطلة وشبه مشلولة يراد لها الخصخصة.

- هيمنة السوق تحت يافطة ” كل السلطة للاسواق“، ”، وباتت السوق بمثابة الكنيسة الكونية او المرجعية المقدسة بالنسبة لليبراليين الجدد، ومع مزيد من الانفتاح على التجارة والاستثمار الدولي بشروط المستثمرين أكثر مما هي بمنظار الحفاظ على الثروة الوطنية، وربط الاقتصاد المحلي الوطني بالاقتصاد العالمي، ورفض تدخل الدولة لضبط الأسعار، وإتاحة الحرية شبه الكاملة لحركة رؤوس الأموال والبضائع والخدمات.
.
- تقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والقضاء على مفهوم “الصالح العام”؛
مثل تقليص الانفاق على التعليم والرعاية الصحية، وتخفيض الإنفاق على الضمان الاجتماعي، وخدمات المياه والكهرباء، ضمن نهج تقليص دور الدولة وفسح المجال للقطاع الخاص للانطلاق في هذه الميادين. الالتفاف على برامج الرفاهية الاجتماعية، وتقليص ميزانية البرامج الاجتماعية. والليبراليون الجدد هنا حريصون على الاستجابة لأملاءات صندوق النقد الدولي.

ما يسجل للسيد عبد المهدي صراحته في التعريف بتوجهاته، وبالتالي فان ما نذكره بشأنه ليس اتهاما او تجني عليه، انما تعريف بافكاره وطروحاته الاقتصادية، والتي يشكر على صراحته في الحديث عنها والتعريف بها.

في مقالته التي طرح فيها شروطه للقبول بتكليفه بتشكيل الوزارة الجديدة، اشار السيد عادل عبد المهدي في الفقرة واحد انه سيعمل على الخروج من ”الاقتصاد الريعي لمصلحة الاقتصاد الحقيقي خصوصاً الزراعي والصناعي والخدمي..“
لا جدال في ان اعتماد الدولة على الاقتصاد الريعي(اقتصاد أحادي معتمد عادة على مورد طبيعي)، هو مؤشر لاقتصاد مشوه غير مستقر ولا يحقق اي قيمة مضافة، على خلاف الاقتصاد الانتاجي المرتبط بتنويع مصادر الدخل الوطني عبر ميادين الزراعة والصناعة والخدمات والموارد البشرية.

لكن حتى نفهم حقيقة المقصود مما يريده السيد عبد المهدي هنا دعونا نعود الى مقال سابق ذكر فيه ”إن التغييرات التي حصلت في بنية الدولة العراقية منذ أواخر الخمسينات وبدايات الستينات (أي بعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ حسان) خربت الكثير من البناءات التي حصلت سابقاً….. أن القوانين الجائرة ضد الاقتصاد العراقي حوّلت الاقتصاد العراقي من اقتصاد دولة الى اقتصاد ريعي يعتمد بنسبة كبيرة على واردات النفط“.
اذن يربط السيد عبد المهدي ريعية الاقتصاد العراقي بدرجة كبيرة بما يسميه ”التخريب الذي احدثته القوانين الجائرة منذ أواخر الخمسينات وبدايات الستينات“، اي القوانين والمنجزات الاقتصادية والاجتماعية التي احدثتها ثورة ١٤ تموز، وتلك التي تحققت في فترات لاحقة. وقد اشار الى هذه القوانين والاجراءات في مقالات متفرقة له من موقع المنتقد والمخطيء لها، وهي قانون النفط رقم ٨٠ لسنة ١٩٦١، وقانون تأميم النفط رقم ٦٩ لسنة ١٩٧٢ ، وقانون الاصلاح الزراعي رقم ٣٠ لسنة ١٩٥٨، وقانون الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970 المعدل، وقوانين العمل والضمان الاجتماعي.. وغيرها.

-اعتبر السيد عبد المهدي مؤخرا ان ”اقرار قانون شركة النفط الوطنية بحد ذاته، رغم بعض الملاحظات، نقلة تاريخية ونوعية مهمة سياسية واقتصادية واجتماعية ومفاهيمية. فهذا اهم واخطر ما شرع من قوانين.. وقد يشكل خطوة مهمة للبدء بالانتقال من الدولة الريعية الى دولة الجبايات.“
هذا في الوقت الذي يرى فيه الكثير من الاقتصاديين والخبراء العراقيين في شؤون النفط، بضمنهم اقتصاديين وخبراء من ممثلي الرجوازية أو الراسمالية الوطنية، ان مصدر خطورة هذا القانون، الذي اقره البرلمان في العام الماضي، يتاتى من سعيه لتشكيل دولة اقتصادية عميقة داخل الدولة العراقية وعلى حساب وزارة النفط والشركات ذات العلاقة والدور الوطني الصحيح والمطلوب لشركة النفط الوطنية في تطوير الاقتصاد العراقي لصالح تنمية اقتصادية بشرية، وليس، كما يسعى القانون الجديد للشركة الى فتح منافذ جديدة للفساد واهدار المال العام، وارباح اضافية وامتيازات تذهب في جيوب الاثرياء والمتنفذين ممن سيتحكم في الصناعة النفطية وزبائنهم في الداخل والخارج.

- في مناسبات عدة يصف السيد عادل عبد المهدي الاقتصاد ”الريعي“ للنظام السابق، الذي هيمنت على مقدراته البرجوازية البيروقراطية والبرجوازيةالطفيلية، حتى بعد عسكرته وبيعه خردة في وضح النهار للمحاسيب والمريدين ، بانه اقتصاد اشتراكي !!، وهو مسعى وتجني لتشويه فكرة الاشتراكية واقتصادها لغرض الترويج للاقتصاد النيوليبرالي الذي يتبناه.