بين زمنين: رسالة التيار الصدري للآخرين .. ودرس الانتفاضة الراهنة..


حسان عاكف
الحوار المتمدن - العدد: 6378 - 2019 / 10 / 13 - 08:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

خلال التظاهرات التي اندلعت عام-2015-، والتي واصلها الشيوعيون والصدريون، كان الاخوة في التيار الصدري حريصين على ادارة مشاركتهم في هذه التظاهرات بطريقة تبعث برسالة واضحة للشعب وللقوى السياسية في الداخل وللجهات الخارجية المعنية بالشان العراقي، يقول مضمونها؛ انتبهوا !، نحن هنا، نحن التيار الشعبي الأقوى، نحن من يحدد اتجاه بوصلة الحركة السياسية في العراق، وليس غيرنا ..!.، ومن يريد ان يتداول بشان ازمات البلد عليه ان يتوجه صوب الحنانة..!

ووظف الصدريون بذكاء ادارتهم للاعتصامات الاسبوعية حينها، فكنا نراهم احيانا يحشدون قواهم من كل المحافظات في بغداد في تظاهرات خاصة واسعة، اطلقوا عليها اسم ”التظاهرات المليونية“، إرتبطت باسمهم وضاع فيها الاخرون، يترافق ذلك مع توقفهم احيانا عن المشاركة وترك الشيوعيين ومن معهم من المدنيين لوحدهم في ساحات الاحتجاج، لاظهار انهم، اي الصدريين، الاساس في هذه الاحتجاجات والتجمعات، وان الحضور في الفعاليات التي يغيبون عنها لا يتجاوز المئات في بغداد وبعض المحافظات، ولا يتجاوز العشرات في محافظات اخرى.

كان هاجس التيار الصدري ايصال رسالة تؤكد وجودهم وثقلهم الكبير في الساحة، وهذا حق طبيعي لهم وتكتيك سياسي ذكي من جانبهم نجحوا فيه. وظلوا حريصين على ذلك ويفكرون به ربما اكثر من انشغالهم بتحقيق المطالب المشروعة في الاصلاح، التي كانت ترفعها الاحتجاجات الشعبية. وكي لا نتهم بالتجني على الاخرين نقول هناك امثلة عديدة تؤكد ذلك، ليس أقلها اتفاقهم مع المتحاصصين على مفوضية انتخابات غير مستقلة شكلت وفق اسس محاصصية بامتياز، وآخرها تصويت ممثليهم في كتلة سائرون البرلمانية على قانون سانت ليغو بصيغة ١،٩ سيئة الصيت.

ما يدعم استنتاج اولوية التيار الصدري في ايصال رسالة تفوقه على الاخرين على مطالب الاصلاح، جاء عبر رد زعيمه السيد مقتدى الصدر في لقائه التلفزيوني في برنامج «بالحرف الواحد» على قناة الشرقية في تشرين الثاني عام ٢٠١٧، حين أجاب على استفسار مقدم البرنامح عن سبب توقفه وتراجعه المفاجيء، بعد اعتصامه بالمنطقة الخضراء ودخول انصاره المحتجين الى البرلمان وبوابة مجلس الوزراء بالقول ان دخوله الخضراء واقتحام انصاره للبرلمان وتظاهرات التحرير ”لم يكن أكثر من جرة إذن، وراحت (ذَهبتْ).“ !!.

كما يدعمه ايضا موقف قيادة التيار الصدري وسائرون المترقب والمراقب لاحداث الانتفاضة الاخيرة، خصوصا في ايامها الاولى وحرصهم على ابقاء مسافة واضحة بينهم وبين الهبة الشعبية وعدم الدعوة للمشاركة فيها، رغم مشاركة اعداد غير قليلة من جمهور سائرون في الانتفاضة من خلال مبادراتهم الفردية..

لابد من القول ان كون الصدريين شكلوا القوه السياسية الاساسية المنظمة لم يكن يجافي حقيقة الواقع السياسي الاجتماعي، لذلك نجحوا في ايصال رسالتهم السياسية للجميع، تنظيمات سياسية وجمهور، ولكتاب وباحثين واعلاميين ومثقفين من المحسوبين على القوى المدنية واليسارية، الذين راحوا ينظرون ويروجون لمقولات وافكار، فيها من الاحلام والاماني، وحتى من الاوهام، اكثر مما فيها من حقائق ومعطيات واقعية تبرر تلك الطروحات…!.

وعلى حقيقة كون التيار الصدري في السنوات الاخيرة هو التيار الاكثر شعبية وقدرة على تعبئة الجمهور المهمش والمضطَهد، جرى تبني وهم كبير، وفق نظرة قاصرة لم تجهد نفسها للغوص في عمق المجتمع ومعرفة ما يمور في أغواره، مثلما لم تأخذ بنظر الاعتبار حركة الواقع المتسارعة ومتغيراته، وتجسد هذا الوهم في النظر الى التيار الصدري ليس فقط باعتباره التنظيم القادر على تعبئة جماهير واسعة وتحريكها، بل باعتباره التنظيم السياسي الوحيد، اكرر الوحيد، القادر على ذلك. الامر الذي قاد الى تنظيرات وطروحات سياسية وفكرية، وصلت الى حد التشكيك بقدرة اعرق قوة سياسية عراقية على مواصلة النضال لتحقيق منجزات حقيقية للشعب بدون التحالف مع الصدريين، وقاد ذلك الى تحالفات سياسية غير متوازنة.

حتى جاء الاول من تشرين الاول الحالي، حين فجرت شرارة الوجع العراقي والمعاناة الشعبية أوسع انتفاضة شبابية من قاع المجتمع وفي قلبه، بعيدا عن تنظيرات الاحزاب والتنظيمات السياسية وعن تحالفتها. وتعبيرا عن الخيبة المؤسفة بالقوى السياسية المتواجدة على الساحة اعلن شباب الانتفاضة عن هويتهم باعتبارهم شباب مستقل ليس له ارتباط باي حزب سياسي، لا بل راحوا ابعد من ذلك حين اعلنوا، في خطوة لا تخدم الانتفاضة، انهم يرفضون دخول اي حزب سياسي على خط تحركاتهم وتظاهراتهم…!!.

وأفرزت الانتفاضة حقيقة ان هناك تيارا شعبيا واسعا، سعة مساحة العراق وحجم المعاناة الشعبية، هو الاكبر والاعمق جذورا في المجتمع، والاكثر قدرة على تحريك الاوضاع وادخال الهلع والارتباك في قلوب الحكام، وان بدا للوهلة الاولى محصورة في محافظات الوسط والجنوب، ورغم افتقاره الى القيادة والتنظيم.

وليس هذا فقط بل أظهرت سعة الانتفاضة وعنفوانها والتعامل البوليسي الشرس معها من جانب الحكومة؛ ان تظاهرات الساحات العامة الاسبوعية في المحافظات قد ادت، وبشرف، دورها المجيد، ولابد من ابتكار اساليب ووسائل جديدة للاحتجاج والمواجهة تتناسب مع الدروس المستنبطة من الانتفاضة الاخيرة ومستوى وشكل التحدي الذي افرزته، وما سيطرأ من مستجدات على المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للجماهير…