”الشيوعيون تائقون إلى تصغير الوطن لتكبر الفكرة“،،،!! رد على مقال …


حسان عاكف
الحوار المتمدن - العدد: 7134 - 2022 / 1 / 12 - 13:55
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

رئيس تحرير ”جريدة الصباح“: ”لم يكن العراق وطنا عند الشيوعيين، بل كان جزءاً من مشروع أممي“…!!
”الشيوعيون تائقون إلى تصغير الوطن لتكبر الفكرة“،،،!!
في عددها الصادر يوم ٤ كانون الثاني الجاري نشرت جريدة الصباح الرسمية مقالا لرئيس تحريرها السيد احمد عبدالحسين، في عموده ”قرطاسي“ عنونه «العراق المشكوك به»، وأعاد نشره على صفحته الخاصة في الفيسبوك، إفتتحه بكلمات للملك فيصل الاول عبر فيها الملك عن مرارته وخيبة أمله من العراق والعراقيين بعد عشر سنوات من تنصيبه على حكم البلاد : "أقول وقلبي ملآن أسى، إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقيّ بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أيّ فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة“.
إتخذ السيد عبد الحسين من أسى الملك، بعد ان أطربه صداه، مدخلا ليضع فيه، وبشكل غريب ومتعسف، التيارات السياسية العراقية على إختلاف منابعها الفكرية ومواقفها ومفاهيمها، يضعها في سلة واحدة بشان موقفها من مفهوم «الوطن»، لينال من مفاهيمها ويشوه مواقفها، حيث اشار ”لم يكن العراق وطناً أكيداً، لا عند القوميين ولا الشيوعيين ولا الإسلاميين. كان مكاناً لتنفيذ مشروعٍ أكبر منه، مشروع عروبيّ تارة، وأمميّ تارة أخرى، وخلاصيّ قياميّ كما هو حاصل اليوم عند كثير من حركات الإسلام السياسيّ“ !!.
وقبل الرد على هذا التشوش الذي تضمنه المقال، يتهيء لي انه اراد بمقالته هذه دغدغة مشاعر الشباب المنتفض ومجاراة شعار ”كلا كلا للاحزاب“ المشَوَش والمشوِش، الذي رفع أبان انتفاضة تشرين الباسلة، ولكسب ود الشباب وعاطفته بعدما شعر السيد رئيس التحرير بابتعادهم عنه منذ الانتفاضة، التي كان شبه غائب عن ساحاتها وفعالياتها مقارنة بحضوره الواضح في السنوات التي سبقت الانتفاضة.
الدليل على هذه الدغدغة والسعي لكسب الود ما ورد في نهاية المقال عن ”الشبان“ و“الجيل الجديد“ والتبشير والمباركة بـ ”تشكيكهم بكل الافكار“، في محاولة لأيهامنا ان غالبيتهم ماتزال تستهين بالعمل الفكري والتنظيمي، متغافلا عن المتغيرات الايجابية التي شهدتها السنتين الاخيرتين، وكيف ان غالبية التنسيقيات الشبابية الميدانية، ورغم كل الصعوبات والملابسات، باتت تتلمس طريقها وتتمثل تجاربها وتشعر باهمية الافكار والتنظيم والبرامج السياسية للحراكات الشعبية، واهمية البحث عن اطر وتحالفات تنظيمية لها وهي تواصل السير في هذا الطريق.
سأترك للقوميين والاسلاميين مهمة الرد على التهم التي وجهت إليهم ان رغب أحد منهم بذلك، وسأكتفي بالرد على التهمة التي لصقها بنا نحن الشيوعيين، وأبدأ بالتساؤل ان كان قد حصل خلط أو إلتباس عند السيد عبد الحسين بين مفهوم ”الاممية“ ومفهوم ”الكوزموبوليتية“، الامر الذي دفعه الى اتهامنا نحن الشيوعيين بعدم تيقننا من فكرة الوطن واننا ”تائقون إلى تصغير الوطن لتكبر الفكرة“ ؟.
لذلك اجد من المناسب تناول هذا الالتباس بالاشارة الى ان «الكوسموبوليتي- تعني مواطن عالمي، غير المحلي، شائع الوطن، لا انتمائي، أي من يعتبر العالم وطنا له!!، ومن حيث المدلول السياسي والاجتماعي فان الكوسموبوليتي من يتجاهل عمدا واقع المجتمع والعالم الذي يعيش فيه وبنيته التعددية، القومية والاثنية والعقائدية وما يترتب عليها من قضايا تعددية مختلفة. وبخلاف ذلك تماما فان الاممية بالمفهوم الماركسي تتوجه بدراسة المجتمع التعددي من خلال ربط عضوي جدلي بين العام والخاص المميز، بين الاممية والقومية الوطنية كوحدة عضوية»-*.
منذ بداية تعلمنا وتمثلنا للمفاهيم الاولى لليسار والماركسية والشيوعية تعلمنا أن ” لا أممية حقيقية بدون وطنية حقيقية“، وعرفنا انه من هذا المبدأ الاممي نحت باني حزبنا الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف (فهد) مقولته الشهيرة التي أطلقها بوجه سجانيه في قاعة المحكمة نهاية أربعينيات القرن الماضي : ” لقد كنتُ وطنياً قبل أن أصبح شيوعياً. وعندما أصبحتُ شيوعياً لم أجد ما يناقض عقيدتي الوطنية غير أنني صرتُ أشعر بمسؤولية أكبر تجاه وطني“.
هذه المقولة التي واصلت اجيال الشيوعيين المتتالية وماتزال استلهامها، وتجسيدها في سلوكها وعلاقاتها ونضالاتها وتتغنى بها في الهبات والانتفاضات الشعبية، وترد بها على اتهامات سجانيها وجلاديها في الزنازين والمعتقلات وأمام منصات الاعدام ورشقات الرصاص الغادر.
لهذه الساحات والميادين والمعتقلات والزنازين ولكل شبر من تراب الوطن العراقي المخضب بدماء الشيوعيين وهم يدافعون عن مثلهم ووطنهم وحقوق ابنائه، والفقراء منهم بشكل خاص، أحيل السيد احمد عبد الحسين عله يعرف معنى الوطن والوطنية والاممية عند الشيوعيين العراقيين وكل شيوعيو العالم بوجه عام.
لقد تضمنت وثائق الحزب وإصداراته على مدى سني عمره النضالية الكثير من المواقف التي تؤكد هوية الحزب وربطه الجدلي بين الوطنية والاممية ومالذي يعنيه الوطن بالنسبة للشيوعيين : ”حزب يضع مصلحة الشعب والوطن فوق كل اعتبار ويكافح لتحقيق استقلال البلاد وسيادتها الوطنية …“***
وترجم الحزب أمميته من خلال تربيته « لأعضائه وأصدقائه بروح التضامن مع الشعوب، ومساندة حقها في تقرير المصير واختيار النظام الذي تريد، ونضاله من اجل تثبيت القيم الإنسانية وحمايتها، ولإقامة نظام عادل للعلاقات الدولية، وحماية البيئة، وتعزيز دور المؤسسات الدولية وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة….».****
من جانب آخر جسد الحزب الشيوعي أمميته في بنائه التنظيمي الداخلي في تناغم وتلاحم عضوي مع وطنيته وأصبح « بحق حزب العراقيين, فهو يضم في صفوفه العربي والكردي والتركماني و الكلداني السرياني الأشوري وكل الأقوام القاطنة في العراق, وهو الحزب الوحيد الذي يجمع المسلمين بكل طوائفهم, والمسيحيين بكل مذاهبهم, وألايزيديين والصابئة وغيرهم. كما يضم في صفوفه أعضاء ينحدرون من كل زوايا العراق, من زاخو شمالاً مروراً بالموصل وتكريت وبغداد والنجف حتى البصرة جنوباً. ومن عانه وراوه غرباً إلى خانقين و جصان شرقاً, إلامر الذي لعب دوراً كبيراً في المساعي الهادفة إلى تشكيل مقومات الهوية الوطنية, بعيداً عن التعصب الديني والمذهبي والقومي و المناطقي والعشائري.» *****
وقبل الختام أجد من المناسب ان اهدي الى من يجهل وطنية الشيوعيين أو يشكك بها كلمات الكبير مظفر النواب وهي تعبر خير تعبير عما يجول في نفوس وعقول الشيوعيين تجاه وطنهم : «النشامى الما نبيع گشاش من ترابنا بجنة».
أخيرا ليسمح لي رئيس التحرير بسؤال؛ اذا كنت على قناعة بان ”العراق لم يكن وطناً أكيداً، لا للشيوعيين ولا للإسلاميين بل كان مكاناً لتنفيذ مشروعٍ أكبر منه“، فلماذا كرست جل طاقاتك السياسية والفكرية والميدانية في سنوات الاحتجاجات الجماهيرية لجر الاطراف المدنية، وبضمنها الحزب الشيوعي، للاندماج باحتجاجات الصدريين ؟. وكيف اصبحت عضوا في “اللجنة الخماسية“ التي شكلها السيد مقتدى الصدر وعملت تحت اشرافه لبناء حزب جديد له (حزب استقامة)، تمهيدا لتأسيس ”تحالف سائرون“ الذي ضم التيار الصدري المؤمن بولاية الفقيه والشيوعيين ”التائقين إلى تصغير الوطن لتكبر الفكرة“ واطراف سياسية أخرى؟، ضمن وهم تشكيل نواة ”الكتلة التاريخية“ ؟، هل أنك لم تكن متأكدا ان العراق ” لم يكن وطناً أكيداً، لا عند الشيوعيين ولا الإسلاميين“، وأنك تأكدت اليوم من ذلك ؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- / أحمد سعد -شتان ما بين الكوسموبوليتية والاممية الثورية في مدلول الموقف من الحقوق القومية.
**- بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي/ أواخر آذار 2012
***- برنامج الحزب الشيوعي العراقي الصادر عن مؤتمره العاشر/ ٢٠١٦
****- بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي/ أواخرآذار2012
نفس المصدر السابق-*****