أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل جديد - ابن حرام















المزيد.....

ابن حرام


نبيل جديد

الحوار المتمدن-العدد: 3855 - 2012 / 9 / 19 - 20:04
المحور: الادب والفن
    


داهم القرية خبر اختفاء حصان كامل اغا، فانتشر الرجال والفتيان بحثا عنه في السهلة والبقيعة والحرشة وخلف الاكمات وفي المنخفضات، مع نداءات الرجاء والتشجيع واوامر التعنيف والشتم...وبمرور الساعات كان الغضب في صدر كامل اغا ينسكب قلقا في نفوس اهل القرية، فراحت التخمينات تتعدد وتتوزع بحثا عن متهم يتحمل عبء الخطيئة، فكان اسم "حميدان" يترأس كل قوائم الاحتمالات، لأن الخيول لاتسلم اعنتها دون حمحمة احتجاج الا له.... بيد ان العثور على الحصان في صبيحة اليوم التالي وقد تم خصاؤه، اسقط حميدان من لوائح الاتهام لما عرف عنه من عشق للخيول ووله بها وتدريبها ومرافقتها، واستعداده لغفران كل الخطايا مفابل ساعة مع حصان يلاعبه وينظفه ويسوسه، بالاضافة الى معرفة الجمبع _بمن فيهم كامل اغا_ ان حميدان غادر القرية منذ يومين ولااحديخمن عودته، اذ كان كثيرا مايختفي لأيام او اشهر متتاليات، وباعتياد اهل القرية ذلك امتنعوا عن الاستفسار، وتركوا للآغا تلك المهمة، الذي مل بدوره، وبات يكتفي بمواويله العذبة خلال السهرات الليلية (لتحديد تواجده في القرية)، فحميدان مطرب القرية وشاعرها، بغيابه تفقد المساجلات بريقها خاصة اذا تواجد شاعر مغن من قرية اخرى، فيفتقد الجميع حميدان، كونه الوحيد القادر على تبييض وجوههم... حتى ان بعضهم خمن هجراته القصيرة: بلجوئه الى الغناء المأجور بعيدا عن قريته، لأنه الوحيد الذي ترك اعمال الزراعة، منذ سيطر الاغا على ارضه، استيفاء لديون متراكمة على والده، فصرت لاتراه في الطرقات إلا وهو يحمل على كتفه جراب الدبق او الربابة، ويمسك بيده غصن حورة غضا وقد عراه من الاوراق محتفظا بواحدة على ذؤابته، يلوح بالغصن الطري: ملقيا السلام (الله يعطيكم العافية، او يهش به الذباب لدى اقتعاده حجرا يشوي مااصطاد...او تراه متطوعا في بعض اعمال القرية الجماعية، غير طامع إلا بوجبة تتخلل عمله في حصاد القمح، او دحل الاسطحة، والمشاركة ب(السليقة)، وقشر القمح، وترميم جدار حاكورة، او عجن الطينة مع القش باقدامه العارية، لتقوم النسوة بتلييس الجدران، وهن يناكدنه ليدفعنه الى موال او قصيدة غزل بصبية منهن تتباهى بكلماتها كأنها شهادة فنان حيادي لاغرض له إلا الجمال، فالكل يعرف: عزوفه المعلن عن الزواج، منذ فوجئ بحبيبته وقد اضحت الزوجة الثانية لكامل اغا، تلك الحادثة التي كانت السبب في انتقال كراهية حميدان للاغا الى المكاشفة والصراع، ثم انتهت بهروبه من القرية لأكثر من عام، وبغيابههذا تعززت تسمية "ابن حرام" عنه لأنه كما قال الأغا: بدون اصل، نسي الخبز والملح وغاب..ذلك اللقب الذي لم يجرؤ احد على مناداته به الا عندما كان صغيرا طري العود، أما فيما بعد، فصار الاسم يتسرب همسا بين الفتيات تعبيرا عن الاعجاب الشديد بصوته و النغمات التي يؤديها، أو يلفظه الشباب خافتا بحسد: "ابن حرام" وهو يبزهم جميعا في مسابقات رمي "القاموع" ورفع "العرجلينة" أو "المغالبة"، بينما عزا كبار القرية ذلك اللقب الى فوضى الرضاعة المختلطة الذي أدى الى ظلال شكوك حول زواج أبويه، أما حميدان كان يخبئ في رأسه صورة والدته التي ماتت على حضنه، وهو بعد طفل صغير، بينما تبوح: آلامها وكامل آغا يغتصبها وسط صرخاتها التي أغرقت القرية، دون أن تأتيها نجدة، فقدت عقلها، ثم دفعت زوجها الى الموت باستسلام سريع بعد تشكيكها المتواتر برجولته؛ تلك الحكاية الأخيرة من حكايا الأم الليلية ـوالتي لم يفهمها الطفل آنذاك ـ كانت تومض في ذهنه كلما كبر، وتتوضح معانيها مع اكتمال رجولته، فيشتعل رأسه، ويفقد السيطرة، فينطلق راكضا عبر شعاب القرية ـبعد مشاكسة مفتعلة مع الآغاـ ليختفي أياما، يعايش الأشجار والصخور، والحيوانات الصغيرة والمفترسة، يداور فيصطاد ليأكل، ويناور فينجو لينام، فحفظ حجارة الأودية وشجيرات السفح وأعشاب القمة، وهو يبرمج لمخططات انتقام سرعان ما تتهاوى ليستكمل بناء غيرها، وينتظر اللحظة المناسبة للتنفيذ، والتي لم تأت أبدا، بل كانت حادثة الزوجة الثانية، ومحاولة حميدان عرقلة العرس، ثم تاليا الاختلاء بالعروس، سببا في تفجير غضب الآغا، واطلاق: اشارة اصبعه التي تعني القتل، فهرب حميدان ليتطوع مع الثوار، لكنه لم يستطع الا الظهور ثانية يمتطي فرسا جموحا، لاتسمح لأحد بالاقتراب من رسنها أو مداعبتها، ولا تهمد الا لملامسات حميدان المطمئنة، الذي كان يتألق فخرا لعشقها هذا، فلم يكن شعور التعلق الذي أبدته الفرس غريزة أو امتنانا، بل هو لصفائه يبدو حبا انسانيا تماما، ورأى الناس في الفرس بطاقة مقتل حميدان، فتاريخه الأسود، وشغف الآغا بالامتلاك، كانا كافيين ليتوقع الجميع حادث موت قريب ... لكن ايقاعات الأيام التالية أثارت دهشة الجميع: فانطلق حميدان ـ بناء على طلب الآغا ـ ليكون مطرب السهرات؛ أما الكبار فكانو يهزون رؤوسهم مخمنين فتنة الآغا بحميدان .
لم يفاجأ حميدان لدى ظهوره في القرية ـ بعد أيام ـ بنجاح مخاتلته، فقد خطط لها أسابيع عدة، كما اعتاد ريادته للمسالك غير المطروقة، ولم يكن خوضه لمثل وادي (العرايس) جديدا عليه، فما زالت عملية تهريبه للتركي طازجه في ذهنه، اذ اتفق معه على أخذ فرسه الأصيلة مقابل ايصاله الى مشارف تركيا مبتعدا به عن دروب الثوار و طرق القوات الفرنسية و الانكليزية، ولم ينس بعد افتقاده للنوم في مغامرته تلك، قلقا من مفاجأة ثائر أو خيانة التركي ـ بعد اقترابهما من الهدف ـ فسعى عبر حلقات متتالية ليبقيه في حيرته، لدرجة كاد بها يتوه معه في الغابات الوحشية والوديان المقفرة، لكن بوصلته الداخلية التي لم تخطئ أبدا، جعلته يتحرك كأنما مازال في قريته التي يحفظ دروبها و منعطفاتها و أشجارها و نتوءات طرقاتها، هذه البوصلة بالذات هي ماجعل قائده في الثورة يعتمد عليه في المهمات التي تحتاج لمجهود فردي وقطع مسافات طويلة، وهي التي مكنته من العمل كشافا عبر جبال "الشعرة" وصولا الى "الغاب" مع عصبة سليطين لتهريب الدخان، كما أنها حددت له التوقيت الملائم للهرب من غضب الآغا، و هي التي أرشدته في الظلمة الحالكة الى مكان الحصان، فعبر به القرية مخوضا ذلك الجزء من الوادي الممتد بين العين الشرقية و النبع الغربي، العصي على الانس حيث لا مسالك ولا دروب، بل صخور لامعة كصفاء المياه، ومساقط عالية حادة، بالاضافة الى أصوات طبول و مزامير وزغاريد تتكرر بين وقت وآخر، عزاها أهل القرية الى أعراس للجن فسموه: (وادي العرايس)، وعزز اعتقادهم قصصا توارثوها عن اختفاء بعض أجدادهم في الوادي الغامض، فاكتسب بذلك سمعته التي احتاجها حميدان لارضاء غروره بالاكتشاف، و تنفيذ خطته بسرقة الحصان وتلقيح فرسه، خاصة بعد عثوره على مغارة عظيمة الاتساع والارتفاع يغطي مدخلها الدفلى والريحان و الديس، فانطبعت في ذهنه كمكان مثالي لعرس الخيول، ومن يومها لم يفارق فرسه، من فرط رعبه عليها تارة، ومن فرحه بالمهر القادم طورا، فيرى نفسه: عابرا جدائل الشمس على صهوته، كارجا في كل الجهات لا يلامس أرضا، بل يطاول السماء .



#نبيل_جديد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بطيخة
- انترنت
- الوفاة
- الكامل
- مجموعة ق ق ج
- اغتيال خائن
- الاختيار - قصة
- حياة مواطن- ق ق ج
- الاحفاد- قصة
- اللائحة السوداء- قصة
- البريق - قصة
- استمرار الهروب_قصة
- الكنز


المزيد.....




- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل جديد - ابن حرام