|
انترنت
نبيل جديد
الحوار المتمدن-العدد: 3851 - 2012 / 9 / 15 - 15:43
المحور:
الادب والفن
أفسدتني زوجتي سريعا ،فتعلمت الاسترخاء ،والإنصات ، وصرت أحد الصيصان التي تستظل بجناحيها المتهدلين حتى الأرض : فبعد أن كنت مشاكسا شرسا لا يهدأ عن الانتقاد السياسي و الاقتصادي و الجنسي ؛ قامت بوضع الخطوط الحمراء أمامي مع مجيء كل ولد ، ثم أكدت أن الحياة مليئة بالمتع الصغيرة ، التي تبدأ من ابتسامة رضا منها ، ولا تنتهي عند ضحكة مصوتة من أحد أطفالنا ، وبرهنت أن الاعتقال لأي سبب ليس بطولة ، لا سيما في مجتمع يمكنه زجّك السجن لسبب تافه ، أو حتى ... دون سبب ، وصرخت : أي نموذج تناضل من أجله يا رجل ؟!.. ففي أكثر المجتمعات ديمقراطية في العالم يمكن لشرطي أن يدس عشرة غرامات مخدرات ضمن أمتعة أي بريء ، وبعدها يقرأ عليه حقوقه المدنية ، ثم يكبله بالأصفاد . و قبل أن تشق الفأس الرأس ، وجدتني محاطا بدائرة حمراء ، تتضمن تشكيلة أحاديث : مطبخ الجيران ، غسيلهم ، نفاياتهم ، علامات الأولاد المدرسية ، وألبستهم وجمالهم ... ولما كنت لا أجيد النميمة ، و لا أفهم بالأناقة ، ومعنى الذوق عندي يختلف عن مذاق الطعام ، لذت بالصمت ، مع بعض الثورات التي كانت تنتابني حينا بعد حين ، لكنها ما لبثت أن تباعدت ووهنت ، فسجنت في أعماقي : المتهور ... ونتيجة لبلوغي الخمسين ، ويقيني أن العد التنازلي لحياتي قد بدأ ، رحت أتقيد بالنظام الشكلي بدقة : فالقمامة لها موعد ، و تجاوز الشارات الضوئية ، والدور على الفرن و أمام كوى المؤسسات الرسمية ، واحترام اللباس الكاكي بأنواعه ، والارتياب بالزي المدني ... إضافة لأشياء أخرى متعددة يأتي في نهايتها : غض البصر وان كنت أرسل _ من تحت لتحت _ نظرات فاحصة تبدو كأنها البحث عن مسلك لخطواتي ، عند ممارستي للمشي : الحل الذي اخترعه الأطباء لمن هم في سني كوسيلة للابتعاد عن الثرثرة و التدخين . و لم يكن مسيري تسكعا ، بل اختراقا للشوارع والأرصفة ووجوه الناس الغريبة الملامح ، كأنني على موعد ، أو أقصد هدفا محددا ، حتى اللحظة التي فاجأتني " المرأة التفاحة " ، عندها ، لم أستطع كبح خطواتي عن التباطؤ و أخذ مظهر التسكع لثوان قليلة أمام إحدى الواجهات ، ثم الانعطاف المفاجئ ، و ملاحقة التفاحة دون وقار ، وكأن اللقطة الخاطفة للوجه _ مع استكمال الصورة من الخلف _ كانت كافية لتحديد عمرها تماما ، بل ويوم مولدها ، ولحظة زواجها ، ووقت طلاقها ، وسبب حرمانها من الأطفال ، و هوسها بالأناقة ، و إفراطها بالنظافة ، وعملها ، أحمر الشفاه ، وصباغ الأظافر ، نوعية العطر ، وملمس الأصابع اللدنة اللطيفة . وهكذا سايرت مشيها ، و أنا أضيف بعض التفاصيل كل خطوة ، و المسافة الفاصلة بيننا تتقلص _ ماديا وروحيا _ فأعرفها أكثر ، و تشعر بأنفاسي ، لكن كبرياءها تمنعها من الارتباك أو الالتفات أو تغيير الاتجاه ، مما ضاعف جرأتي ، فلامستها ، وبرفق شديد لملمت شعرها بكفيّ ، وضممت خدّيها ، دغدغت شفتيها ، وباتت عيناها في عيني ، فطفقت أرفع سترتها ... ورحنا ... ... في لحظة ما , شعرت بكف حديدية تطبق على معصمي ، وتلفني بقوة ، فيصبح "الشخص " مع ذراعي خلف ظهري ، وبيده الأخرى أمام عيني شاشة صغيرة ، تعرض غرفة تغطي جدرانها زهرة كالستائر ، وحمامة كالسرير يحتويني مع تفاحة كالسيدة ، في وضع أصبح محرجا لأن " الشخص " يشاركني رؤيته ، وخرج فحيحه من خلف أذني : أهذا ما تحلم به ؟ .. امش دون مقاومة .
#نبيل_جديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوفاة
-
الكامل
-
مجموعة ق ق ج
-
اغتيال خائن
-
الاختيار - قصة
-
حياة مواطن- ق ق ج
-
الاحفاد- قصة
-
اللائحة السوداء- قصة
-
البريق - قصة
-
استمرار الهروب_قصة
-
الكنز
المزيد.....
-
فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ
...
-
انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا
...
-
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة
...
-
الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف
...
-
حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال
...
-
الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
-
الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم
...
-
أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم
...
-
-جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال
...
-
عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|