شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 1118 - 2005 / 2 / 23 - 11:22
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
صباح يوم الأحد 13/2/2005 قام العراق الجديد الرشيد بتلقين العرب الدرس الأول في الديمقراطية الحقة.
وقف ثمانية ملايين استاذ ديمقراطي عراقي كان يشكلون حوالي 60 بالمائة من الناخبين العراقيين وألقوا على العربان في طول الوطن العربي وعرضه الدرس الأول للتطبيق الواقعي والنـزيه للديمقراطية العراقية الجديدة التي اكتملت وقامت وتم تطبيقها لأول مرة في تاريخ العرب منذ أكثر من 1500 سنة.
كان الدرس العراقي الديمقراطي الذي اعلنت نتائجه في صباح الأحد حين أعلنت المفوضية العراقية العليا للانتخابات العراقية نتائج الانتخابات العراقية التشريعية يقول الكثير من الحِكَم والعظات والعِبر الديمقراطية التي راهن معظم العربان في مشارق الأرض ومغاربها على عدم تحقيقها وعلى نتائجها غير الشرعية.
إن نتائج الانتخابات العراقية هذه ليست نتائج عربية ولا تمت إلى الحضارة العربية بصلة. فحضارتنا حضارة لنا الصدر دون العالمين أو القبر. وهي حضارة لا تعترف بالأخر . وما حققه العراق بالأمس من نتائج انتخابية باهرة يمت بكل الصلة إلى الشعوب الراقية التي قطعت شوطاً كبيراً وطويلاً في التاريخ السياسي.
لم أكن أتصور أن الشعب العراقي على هذه الدرجة الكبيرة من الشفافية والنضج بحيث يخرج لنا مثل هذه النتائج التي تصلح أن تكون بدء التاريخ الديمقراطي العربي الحقيقي، وما عداه في زبالة الزبالات وعار العارات و تفاهة التفاهات.
فاحرقوا صناديقكم أيها العربان وخذوا بالصناديق العراقية.
وانسوا أيها العربان ما حفظتموه من دروس الديمقراطية المزيفة السابقة وأقرأوا ألف باء الديمقراطية العربية الجديدة من خلال التجربة الديمقراطية العراقية.
احرقوا كراريس الديمقراطية العربية المزيفة التي أملتها عليكم الديكتاتورية العربية والمثقفون العرب من الفاشست الدينيين والقوميين.
خذوا الحكمة الديمقراطية من الرجل العجوز العراقي الذي ضحى بحياته وحياة ابنائه وعائلته وتحدى الموت واقترع صباح الثلاثين من يناير فجر شروق الديمقراطية العراقية الجديدة.
خذوا الحكمة الديمقراطية من عجائز النساء اللائي جئن محمولات على ظهور أولادهن وأحفادهن من أجل كتابة السطر الأول من الديمقراطية العراقية الجديدة.
تعلموا أيها العربان هذه الارقام الجديدة المقدسة التي اعلنتها نتائج الانتخابات العراقية: 47 بالمائة (نسبة مقاعد الائتلاف العراقي)، 26 بالمائة (نسبة مقاعد الأكراد)، 14 بالمائة (نسبة مقاعد قائمة علاوي) 2 بالمائة (نسبة مقاعد رئيس الجمهورية الياور). فلأول مرة تتكحل عين العرب بمثل هذه النسب الحضارية الرفيعة المستوى بعد أن اعتاد العرب ألا يروا غير التسعات السوداء في أرقام الانتخابات البهلوانية الهزيلة المضحكة.
من يسألني عن العراق الجديد غداً سأقول له بكل بساطه:
هاك هذه الأرقام الأربعة، إنها العراق الجديد:
47، 26، 14، 2.
وكفى بالله شهيداً.
-2-
ماذا يقول الدرس المفيد من العراق الجديد للعُربان غير المعاصرة لعصرها؟
يقول لهم بوضوح وصراحة:
1- أن العراقيين كانوا من أكثر الشعوب العربية وعياً وفهماً لحركة التاريخ، عندما عملوا بنصيحة ومقولة ابن خلدون من أنه "من الضروري تقليد المغلوب للغالب". فالعراقيون ارتقوا إلى مصاف شعوب العالم عندما ردوا على الاحتلال بالتحدي الخلاق، كما فعل الشعبان الياباني والألماني في القرن التاسع عشر والعشرين عندما انفتحوا على الحداثة، وقلدوا غالبيهم سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً. في حين أن الفلسطينيين والقيادات الفلسطينية فعلت العكس من حيث عدم تماهيها باسرائيل وتقليدها في حسناتها. وانصرفوا إلى الانطواء الذُهاني على الهوية، وغلّبوا الانفعالي على العقلاني في علاقة الغالب بالمغلوب.
2- أن الديمقراطية ليست قيمة سامية يؤمن بها الجميع ، بل هي قيمة نفعية آمنت بها المجتمعات الناضجة وقبلت وعملت بها من أجل تجنب الصراعات العنيفة والدموية على السلطة كما حصل في الماضي في العراق وفي العالم العربي، وما زال يحصل حتى الآن في العالم العربي وسيظل يحصل ما دام هذا العام محروماً من ممارسة الديمقراطية على الطريقة العراقية.
3- أن الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة للفصل بين السلطات الثلاث فصلاً وعملاً لا فصلاً قولاً فقط. فكل سلطة بموجب القوانين والأنظمة توقفها سلطة أخرى عند حدودها المرسومة لها في الدستور. ومن هنا يكون التوازن السليم والصحيح للقوى الثلاث في الدولة .
4- أن لا حجة لأي نظام حكم في أن يؤخر الاستحقاق الديمقراطي. فانظروا كيف اندفعنا اندفاع العاشق إلى معشوقته نحو صناديق الاقتراع يوم الثلاثين من يناير 2005 تحت نير احتلالين وليس احتلالاً واحداً. الأول احتلال التحرير والثاني احتلال التدمير، وكان أحلاهما مُرّاً ورغم هذا فقد غامرنا بأرواحنا ودمائنا من أجل الحرية وذهبنا واقترحنا. فلا يعيق تقدم الحرية غير الموت. والميت وحده هو الذي لا يطالب بحريته.
5- أن الغرب – صاحب التجربة الديمقراطية العريقة - يقف مبهوراً أمام ما جرى في العراق ويقول إن الناخب الغربي يتخذ من أي مشكلة بسيطة حجة لعدم ممارسه حقه الانتخابي. فلو جاء يوم الانتخابات ماطراً أو مثلجاً أو بارداً جداً فإنه لا يخرج للانتخاب في حين أن الشعب العراقي تحدى الموت وتحدى السيارات المفخخة وعفاريت احتلال التدمير وخرج ليقول كلته للعالم ولله وللتاريخ.
6- أن العربي لو أمتلك الارادة الكافية قادر على تحقيق ديمقراطية نظيفة تغسل عار الديمقراطية العربية ذات التسعات الخمس (999و99) التي ابتلي بها العرب منذ فجر الاستقلال إلى اليوم.
7- أنه لأول مرة في تاريخ العرب الطويل ينال حزب رئيس الجمهورية أقل نسبة من الأصوات حوالي 150 ألف صوت فقط سيحتل بموجبها خمسة مقاعد فقط في الجمعية الوطنية من مجموع 275؛ يعني حوالي 2 بالمائة من مقاعد الجمعية الوطنية. وهذا يعني بأن حزب رئيس الجمهورية الياور مع عشائره وقبائله أصبح حزب الأقلية في الجمعية الوطنية. وهذا درس عميق وكبير للأحزاب الحاكمة في العالم العربي.
8- أن حزب رئيس الوزراء أياد علاوي كان ترتيبه الثالث في هذه الانتخابات ولم يحصل إلا على 38 مقعداً ونسبة 25 بالمائة فقط من عدد مقاعد الجمعية الوطنية. وكان بامكانه أن يزور الانتخابات ويكون هو الفائز الأول كحاكم على الطريقة العربية التقليدية في الديمقراطيات العربية المزيفة.
9- لم يحرم أحد من الاشتراك في صنع القرار العراقي حتى الشيوعيون الذين انطفأت نارهم ولم يبق في العالم كله شيوعية إلا لدى الرفيق كاسترو أحسن الله خاتمته. وأصبحت الشيوعية أيقونة في متاحف التاريخ السياسي، وتنتمي إلى عصر الديناصورات المنقرضة.
10- صنع القرار العراقي لن يصنعه غير العراقيين في الجمعية الوطنية من الشيعة والأكراد والسنة العقلاء الذي أدركوا أحوالهم في آخر لحظة بينما راحت على السُنّة المجانين الذين قالوا بمقاطعة الانتخابات وظهر العراق الآن على حقيقته الواضحة التي تخرق عين الشمس دون جدل.
11- أظهرت نتائج الانتخابات العراقية بأن الرابحين هم طلاب الديمقراطية وهم طلاب المستقبل أيضاً وأن الخاسرين هم من اعتبروا أنفسهم حرباً على الديمقراطية . وأن إرادة التاريخ لا راد ولا صاد لها. وأن التاريخ يتحرك إلى الإمام لا إلى الخلف. وأن الحداثة هي قدر العالم. ويمكن لأحد أن يعطّل الحداثة، ولكن لا أحد على الإطلاق يمكنه إلغاء ذلك أبداً.
12- لقد راهن العرب وبعض العجم على قيام حرب أهلية بعد الانتخابات. وكانت المفاجأة أن الانتخابات جاءت بقائمة الأكثرية الممثلة للإئتلاف العراقي الموحد (132 مقعداً ونسبة 47 بالمائة من الجمعية الوطنية) التي تضم إئتلاف العراق الحقيقي الموحد من شيعة وسنة ومن رجال دين وتكنوقراطيين وعلمانيين وغيرهم.
13- وأخيراً، كان العرب وبعض العجم يخوفون من أن تقوم في العراق دولة دينية أو دولة شيعية، فإذا العراق يقيم من نتائج هذه الانتخابات دولة عراقية لكل الفئات ولكل الأطياف السياسية ولكل المذاهب. وهنا يصدق موقف الليبراليين الجدد الذين وقفوا إلى جانب العراق منذ اللحظة الأولى من فجر التاسع من نيسان/ابريل المجيد وبشروا بحرية العراق وديمقراطية بينما الآخرون من القومجيين والدينيين كانوا وما زلوا يلوكون ويجترون شعارات الخمسينات والستينات وشعارات الحرب الباردة، وهي شعارات ابنة عصرها وانتهى مفعولها بانتهاء عصرها. وتلك هي سُنَّة التاريخ، ولكن العرب لا يعترفون بحركة التاريخ المنطلقة إلى الأمام بقدر ما تسيطر عليهم فكرة التاريخ الماضي لضعفهم وخوفهم دائماً من المستقبل وتلك هي حالهم منذ قرون طويلة.
-3-
هناك من المعلقين السُنّة العرب من أصحاب القلوب الطيبة والنوايا الحسنة وسياسة عفا الله عما مضى.. الخ من يطالب باشراك السُنّة الذين قاطعوا الانتخابات العراقية في الحكم لكي يتم ترميم الديمقراطية مما أصابها من دمار الارهاب، وأنه يجب تمثيل السُنّة بشكل ديمقراطي.
أما أنا فأقول - وانا سُنّي أباً عن جد - أنه يجب أن يظل زعماء السُنّة الذين لم يحرمهم أحد من حقهم الديمقراطي إنما حرموا أنفسهم بأنفسهم وبجنونهم وبعُصابهم الهاذي، أن يبقوا محرومين بحرمان أنفسهم عقابأً لأنفسهم بأنفسهم. فلا حق سياسياً مشروعاً لهم، والحق كل الحق للذين خرجوا يوم الثلاثين من يناير وضحوا بحياتهم وتحدوا الارهاب الأسود واقترعوا. وهؤلاء السُنّة هم الذين أرادوا ذلك، وكادوا أن يعبثوا بمستقبل العراق. ومن حق الشيعة ومن حق الأكراد ومن حق السُنّة الآخرين الذين اقترعوا وباقي الطوائف الأخرى الاستمتاع بالحكم وبتكليف هذا الحكم. فهم الذين جاهدوا وصابروا وظفروا أما زعماء السُنّة الذين عارضوا هذه الانتخابات فهم قد عارضوا العراق كله ومستقبل العراق ولا نصيب لهم في الحكم الآن. وعليهم أن ينتظروا انتخابات ديسمبر القادم للجمعية الوطنية الدائمة بعد أن يكون قد عرفوا أن الله حق، وأن الديمقراطية حق، وأن العراق كان على حق، إذ لم يعرفوا ذلك حتى الآن.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟