مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 3837 - 2012 / 9 / 1 - 15:38
المحور:
سيرة ذاتية
أول الطريق ...
صفحة من سيرة حياة : من ملعب الزهر .. إلى روضة العلم -
ماذا تعرفين عن السلام ؟
سؤال طرحته عليّ سيدة غريبة عن صيدنا لأول مرة ألتقينا بها أنا والأختين الصديقتين عطية , وليندا التلي وغيرهن , في إحدى بيوت قريتي ( إشبينتي ) زكية نجمه التلي – إبنة عم والدي - سألتني الضيفة الجديدة - وكأننا أصدقاء منذ زمن بتواضعها وابتسامتها وحضورها الأنيق البسيط - ماذا تعرفين عن السلام ؟ فأجبتها كل ما أعرف بشكل ديني من تعاليم السيد المسيح : " المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة والفرح " الخ ....وبخلفية تربوية حسب معرفتي البدائية الأولية عن الحوار والأحاديث والمعلومات السياسية العامة واللقاء بالاّخر لأول مرة , كذلك جاوبن زميلاتي .
ثم أخذت تتحدث وتتكلم عن أهمية السلام للشعوب وبلدنا سورية وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية ووقوف دولة الإتحاد السوفياتي ضد الحروب وأسباب الحروب . وانتهى الإجتماع الأول بفرح ودهشة التلميذة المبتدئة بدخولها المدرسة لتعليم أبجدية السياسة دون الدخول لمعاهد وجامعات , بل من بيئة وجو عاطفي وحاضن لهذه الأفكار الجديدة التي أخذت تدخل وتتسرّب بشكل سلمي إلى أجواء عائلتي وقريتي وبلدي سوريا ..والمنطقة العربية ككل ...
.....فعلاً كان مدخلاً ذكياً موفقًا منها كبداية للتعارف والنقاش , حيث لبست من حينها هذا الثوب السياسي الدافئ الجميل دون إذن أو تخطيط مسبق , حيث كان أول لقاء ومعرفة لي على الأم والمناضلة والرفيقة فضة حلال ( أم سليمان ) – زوجة المناضل النقابي ( جبران حلال ) ..
وقد مشيت برفقة هذه السيدة المناضلة شوطاً طويلاً في دمشق وريفها , كفاحاً وعملاً تثقيفياً وتنظيمياً يومياً , بين أوساط العاملات والفلاحات والأوساط الشعبية الفقيرة ...
حقيقة لا أتذكر كيف تم الإجتماع واللقاء الأولي هذا كل ما أتذكره هو أن أحد طلاب وشباب القرية الذين كانوا يدرسوا في دمشق – في الثانوية الأرثوذوكسية ( الاّسية ) بجانب كنيسة المريمية – الذين كانوا يحملوا الفكر التقدمي والشيوعي , رتب اللقاء معها وأحضرها معه لبيت جدته في صيدنايا . جدتي وجدة هذا الشاب ( عبدالله ... ) جيران , وصديق أخي الكبير شحاذه أيضاً , وكان هذا التحضير والإجتماع المعرفي والتنظيمي والسياسي الأول في حياتي , وفي بلدتي أيضاً بالنسبة للعمل السياسي النسائي .
الأرضية السياسية كانت " بور" نظيفة خالية من أي تشويه وفساد وانتهازية , ومن أي معتقد وأيديولوجية سياسية قبل هذا اليوم . الأرض الطيبة خام ( عذراء ) صالحة للبذار , والحرّاثين الأمناء , والأجواء الشعبية بحاجة إلى بذار نظيف " بلدي " أصلي يعطي ثماراً للأجيال الجديدة , وفعلاً هكذا كان بستان صيدنايا الفكري والسياسي في الأربعينيات و الخمسينات من القرن الماضي ..
اّه يا إلهي ..! اليوم أسترجع تلك الذكريات التي أعطتني البصمة والطريق والمسيرة الكفاحية الطويلة التي سرت عليها وفيها منذ عام 1949 حتى اليوم , دون أن أحيد أو أبتعد عن مضمونها الطبقي والثوري الوطني ,, الملازم لتحرر الشعوب وبناء عالم أفضل بعيد عن التبعية والتخلف والفقر والظلم , والهيمنة السياسية والإقتصادية للنظام الإمبريالي العالمي القديم , والرأسمالي العولمي الحالي..
أخذت تتوسع هذه الخلية النسائية شيئاً فشيئاً حتى أصبح العدد بالمئات نساء وفتيات واجتماعات متناوبة وفعاليات أسبوعية وشهرية حسب الأوضاع الداخلية للبلد كما في عيد المرأة العالمي , وعيد الطفل . أحياناً كان بعض الرفاق يدير الإجتماع وأحياناً نديرها بأنفسنا نحن الفتيات الصغيرات , وأصبحت الأعياد الوطنية ( الجلاء ) , والدينية ( عيد السيدة 8 اّذار , وعيد الكبير الفصح , وأعراس وأفراح البلدة مناسبات تجمعنا وتوحّدنا أكثر فأكثر وتوطد العمل وتوسّع العلاقات مع الناس والدعاية للتنظيم والفكر الجديد , وأصبحنا خلية عمل نشيطة , وعائلة واحدة بالمحبة والتواضع والمساعدة والتثقيف والمشاركة الشعبية في البلدة نموذجاً وقدوة للإنفتاح والتحرر ..
واستمر هذا التواصل في مدينة دمشق فيما بعد حيث تم انتقال أهلي للسكن في الشام عام 1950 - 1951 , وانتقال بعض الرفيقات أيضاً للعمل أو الدراسة في مدارس و مستشفيات ومعامل دمشق, وبقي التواصل بالقرية الأم وخاصة في فصلي الربيع والصيف ..
معظم الرفيقات كان إخوتهم الشباب طلاباً يدرسون في ( الاّسيّة ) , ومدارس أخرى , وما أدراك ما الاّسية والجو الدمشقي في تلك الفترة من سوريا كانت بمثابة ( جامعة ) للثورة والتقدم والأفكار الإشتراكية والتحررية ,, ميلاد نجمه , فايز معمر, فايز ماريا , عبدالله التلي , نقولا كحلا , بطرس شاهين , شحاذة نجمه , عقل عساف , حنا عساف , أديب سعادة , أسعد الزهر , جريس الهامس , نقولا الزهر , إيليا وويلسن سرحان , محسن عازار , أسعد الخوري ثلجة ,, وغيرهم وغيرهم الكثير ..
كل هذه المجموعة من شباب القرية كانوايجتمعون و يسهروا مع بعضهم ويلتقون بنقاشات وحوارات ثقافية أدبية وسياسية , وكثيرا ما كانوا يسهرون في بيتنا مع أخي , و قد شاركت معهم الكثير من ندوات الشعر والسياسة هذه ..
وأصبحت مجلات الإتحاد السوفياتي باللغة العربية تدخل بيتنا , كنت أقرأها لوالدتي وهي فرحة نشوى بما تسمع من رخاء البشرية . لقد تشرّبت والدتي بها وأحبت الحياة الشيوعية والمجتمع الإشتراكي , هي أصلاً إبنة عائلة عاملة وكادحة وطنية , وبقيت أمينة ومخلصة لطبقتها ونشأتها وعكست سلوكها وأخلاقها علينا أنا وإخوتي , رغم وضع والدي المادي الجيد المريح , في تلك الفترة من حياة القرية وسوريا ككل .. ولذلك لم تتوانى والدتي وديعة رحمها الله أن تزور المعتقلين السياسيين الشيوعيين في سجن القلعة وغيره – في دمشق - وتساعدهم برفقة أم سليمان , وتساهم في اشتراكات الحزب دون أن تنتمي فعلياً أو تخبر أحد .. !
***
...... هذا كان قبل انحراف الحزب الشيوعي السوفياتي عن الخط الثوري والأممي , وخط الدولة الإشتراكي ,,
وحين كان الحزب الشيوعي السوري في مرحلة مدّه الجماهيري .. والسياسي – قبل أن يصبح تحريفياً أيضاً , وذيلاً ومدافعاً ومسانداً للنظام الإستبدادي القمعي الفاشي الأسدي ....والأخطاء كثيرة سأتناولها فيما بعد بالتفصيل ..
ليعذرني القارئ فقد كتبت بشئ من التفصيل وهذه سمة كتابة المرأة كما يقال لا أدري ؟؟
فالتاريخ الطبقي والسياسي والشعبي يجب أن يكتب بأمانة لأنه ملكاً للشعوب , وللأجيال السورية الجديدة , التي تخوض غمار ثورات الكرامة والحرية والديمقراطية بالنار والدم والاّلام ..
مريم نجمه / هولندة / اّب - 2012
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟