سالم الصادق
الحوار المتمدن-العدد: 3831 - 2012 / 8 / 26 - 06:53
المحور:
الادب والفن
رحل أصحابي الذين قاسمْتُهم شقاوةَ الطفولةً ومغامراتِ المراهقةِ والشباب ، رحلوا من غيرِ أن يودِّعوني . جميعُهم كانوا يبتسمون حين أبحروا في بحار الوطن المائجة ، حاملين شِباكِ الأحزان وأشرعةِ الحلم . كانوا يريدون أن يستودعوني أمانةً عظيمة ً رحلوا من أجلها . أجلسُ وحدي أنبشُ ذاكرتي علِّي أجدُ ما يغنيني عن متابعةِ وجهِ التلفزيون الرمادي القبيح ، أشعرُ بالغثيان من رائحةِ الموت ، أنَّاتُ الأطفالِ ونواحُ النساء تملأُ الصدى ، لم تعد الشمسٰ تأتي بالنهار كعادتُها كلَّ يوم ، فرَّت الدقائقُ والساعاتُ من أصابعِ الزمن . تشابهت الأشياءُ والأجسادُ المبعثرةُ يغطيها ركامُ الوطن . اشتعلَ السُّعارُ في عروقِ الوحشِ الأسطوري الجديد ، لم يكنْ ذلك فيلماً كرتونياً عن مخلوقاتٍ فضائيةٍ تدمِّرُ كوكبَنا الأخضر .
إنها أوديسةُ الوطن يكتبها اليومَ شعبٌ أبيٌّ بدمائِه الطاهرةِ ، فيقفُ العالم الذي يدَّعي الحريةَ مشدوهاً أمامَ أبطالِها الخارقين ، وصمودِ مسرحِ الوطن الحر . أعودُ بذاكرتي إلى حقيبتي المدرسية ، فأقرأ من كتاب ِالتاريخِ عن اغتصابِ فلسطينَ ولواءِ اسكندرون ومعركة ميسلون ، فأرى وجوهَ الشهداء تتزاحمُ لتطلَّ من بين صفحاتِه ، يريدون أن يقصُّوا علينا عن زمنِ الاستبدادِ الذي عاشوه ، فيصمتون ، وعيونُهم تشخصُ مستنكرةً سحبَ الدخان الذي يخنقُ الشمس ، فأغلقُ الكتابَ لأجنبَهم مرارةَ الإدلاءِ بشهاداتِ أشدَّ إيلاماً هذه المرة .
أعودُ إلى حقيبتي فأفتحُ كتابَ اللغةِ العربيةِ ، أقلِّبُ صفحاتِه بفتورٍ حزين فترتدُّ الأناشيدُ التي حفظناها بحماسٍ صادقٍ مبحوحةً متعثرةً لاتكاد تُسمع .
كراسةُ الرسم التي نحبُها سالت منها ألوانُ العلم ، وتقطرت دموعاً حمراءَ بللتْها من أولِ ورقةٍ إلى آخرِ ورقة . أمسك حقيبتي أحاولُ الاختباءَ فيها ، لم تتسعْ
لجسدي غيرِ المبرر . أغلقُها، تفرُّ روحي باتجاه زمنٍ رائعٍْ لمَّا يُولدْ بعد.
#سالم_الصادق (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟