أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن نور - حول الفن وعصبيات قراءته..3















المزيد.....

حول الفن وعصبيات قراءته..3


فاتن نور

الحوار المتمدن-العدد: 3805 - 2012 / 7 / 31 - 10:11
المحور: الادب والفن
    


تحد العصبيات من توازن الإنسان النفسي والأخلاقي، وتأزم علاقته مع الآخر وتربِك تفاعله مع العالم. وعند الاقتراب من الفن بسواد عصبية ما، يتعثر فهمه كجوهر لإذكاء الخبرات الجمالية فتنحدر قراءته من الاسترسال بالانفعال التذوقي مع مكوناته، الى قراءة اخبارية موجزة تشوبها النعرات بحثا عن مضامين أو ظواهر من داخل جغرافيا الوطن أو جغرافيا القومية أو جغرافيا العقيدة وحسب صعيد العصبية وشدة نهمها.
بفقد الانتماء الى الكون، الى الأرض، الى الهوية الإنسانية؛ تنصهر الشخصية في هوية أضيق وجغرافيا أضيق، فتكرس الحق والباطل لنصرتها، وتتفاعل معها بنرجسية تُسقِط جغرافيا العالم أو تتجاهلها. فالعصبية الوطنية لا تعكس هوية الانتماء الى "الوطن" بصفته المكون الأساس في بناء الشخصية، بقدرما تعكس ترهل الشخصية بأدران مكونها الأساس. ومثلها الهوية القومية العالقة بمفهوم القوم والأمة، فقد تنحدر عنها عصبية تقوم على الاستعلاء وتمجيد الذات القومية واستبعاد الآخر. وأكثرها تعقيدا العصبية العقائدية المنحدرة عن الدين المشترك ووحدة تاريخه بالاستعلاء على عقيدة الآخر أو الخروج عليها، أو التناحر داخل فضاء العقيدة الواحدة بما تفرزه من عصبيات طائفية ومذهبية وخلافه.
وقد لعبت "العصبيات" دورا رياديا في تشرذم الهوية الإنسانية والنزوع الى حروب عسكرية، كالحرورب الصليبية، والحروب الإسلامية أو ما يسمى بـ "الفتوحات الإسلامية"، أو ظهور النازية والصهوينة بتداعيات التعصب القومي الذي ساهم من جهة أخرى في سقوط الأندلس مثالا، وهلم جرا وحتى يومنا هذا المُستنزَف بمثالب عصبياته. فكثرما تعقد مقارنات عبثية بين الهويات الثلاث بذات العصبية المراد تفضيل هويتها وتحقيق سيادتها على الأخريات. وفي هذا المعترك يهتك الفن فهما وتقييما لمسوغات عصبية بحته.
والصعيد الجامع لما ورد من عصبيات وما لم يرد، هي العصبية الواقعية أو التعصب للواقع. ولأن الفن كثرما يطالب بتجسيد حقيقة أو التعبير عن واقع؛ نبدأ بسؤال عن المحطة الأولى لركوب الواقع أو مطالعته، وهو سؤال صعب لسحر بساطته: ما الوطن؟
هل هو الأرض التي يولد عليها الإنسان ويأكل من خيراتها معززا مكرما.. الخ.. وحسب التقرير النظري المبسط لتربية النشء، أم هو الأرض التي يولد عليها الإنسان مهمشا مقموعا، أو محبطا، ويأكل اللصوص خيراتها.. الخ.. وحسب التقرير الواقعي؟
أي التقريرين يبدو زائفا، النظري المتخيل والممنهج تربولوجيا، أم المعاش المنظور واقعا؟
أو أيهما يمثل الحقيقة، المتحقق على الأرض، أم الغير متحقق الذي يحلم الإنسان بتحقيقه ؟
والسؤال "الأهم والأبسط" لكونه مزدوج: ما الواقع وما الحقيقة؟
هل الحقيقة هي زيف الواقع، أم الواقع هو زيف الحقيقة؟ أو- بمعنى آخر- ما حقيقة الواقع وما واقع الحقيقة؟
حيرت "الحقيقة" الإنسان منذ بداية التأريخ وأتعبت مفكري العالم وفلاسفته على مر العصور. فهي إيجازا عالم المثل، أو جوهر الأشياء، وهي الفكر المطابق للواقع، ثم المحايث له؛ كما صورها فلاسفة الإغريق مختلفين فيما بينهم كما أختلف اللاحقون بعدهم. وحتى ظهور مفهوم "نسبية الحقيقة" مع ظهور الفلسفة التشكيكية والنتشوية والوجودية وغيرها، وحتى قيل أواسط القرن العشرين (لحسم الأمر لربما)؛ أن جوهر الفلسفة هو البحث عن الحقيقة وليس إدعاء امتلاكها.
وكل البشر بتقديرنا يؤمنون بنسبية الحقيقة من حيث يدرون أو لا يدرون. والذين لا يدرون يؤمنون بنسبيتها حد التعصب من حيث لا يعلمون. فالإنسان المتعصب طائفيا على سبيل المثال لا الحصر، يؤمن بأن هويته الطائفية هي "الحقيقة الراجحة أو الأرجح"، المتفوقة بنظره على "حقائق" الهويات الآخر المنتمية لنفس العقيدة، فهو يعلن "لاشعوريا" عن "نسبية الحقيقة العقائدية" عبر تعصبه لما يراه من نافذة طائفته.
أما "الواقع" فبثقافاته ومجرياته لا ينفك عن السلطات الصانعة له، السلطة السياسية أولا، وهي "سلطة لاأخلاقية" كما وصفها ميكافيللي أحد أقطاب الواقعية السياسية، وهي هكذا على مستوى التطبيق بتقديرنا. تتبعها السلطة الدينية التي تحاول تشكيل الواقع ليكون مدخلا حسنا لآخرة تشبع الإنسان بعد مماته، وهذا اعلان ضمني بتصورنا، عن اخفاقها في صناعة واقع مشبع في الحياة الدنيا يحقق طموحاته. وتتبعها سلطات شتى متنفذة برؤوس أموالها وأفكارها أو فلسفاتها.
والفن نافذة حرة لاسلطوية، مشرعة على "الواقع" المتمترس بهذه السلطات والمصاغ بها، يستلهم منه ابداعيا أو يعيد صياغته عبر مؤثراته على ذات الفنان وعناصره المحفِزة لها، وينأى عن تقديمه بشكول تقريرية أو صيغ شعاراتية أو نسخه بورق الكاربون. وبتقديرنا، ابتعاد الفن عن واقع أو حقيقة الى ضفة آخرى أو عالم متخيل، هو بحد ذاته تعبير عن واقع غير مُشبِع أو حقيقة. والتصادم معه أو زحزحته فنتازيا، ثضمين لواقع مؤلم. تخريبه أو تجريده هو إحالة الى واقع مرفوض. وهذه أمور يلهج بها عالم الفن بوسائله الخاصة ويستلهم محفزاتها الجمالية عبر علاقة جدل وجداني مع العالم توحد أضداده أو تتصارع معها بكيفيات مبتكرة، فالسخرية والنكتة السليطة على سبيل المثال، هي المكون الجمالي في الكوميديا السوداء. والانتقال من التركيز على الشكول الكلية للأجسام الى ابراز سطوح أجزائها هندسيا، هي المكون الجمالي في الرسم التكعيبي. وتحرير متشظيات المكبوت في مكامن اللاوعي هي مكون جمالي في الفن السوريالي.. وهلم جرا.
للواقع والحقيقة قراءات لا تنتهي مرحليا أو بعد مضي المرحلة، ومطالبة الفن بتناول حقيقة أو واقع هي مطالبة غرضية هشة لفرض قراءة بعينها ومن نافذة محددة تقيد الفن وتتصادم مع نافذته الحرة. فلكل فنان فلسفته فيما يقرأ ويحيل الى أسلوبه الفني، بهذا تتسع نافذة الفن وتمتد آفاقه في كل الجهات والشعاب، وتتنوع مناخاته ومساراته بمصداقية بعيدا عن التصنعات الجبرية. والتأثر بمدرسة أو فلسفة بعينها يفقد مشروعيته إذا تقهقر الى نعرة عصبية ضاغطة باتجاه محدد. وكان الرسام والنحات الإيطالي مايكيل انجيلو على سبيل المثال، يرى في كل صخرة تمثالا يسكنها، يسعى النحات الى اكتشافه والاشتغال على تحريره من ثقل أوصالها الزائدة. تلك كانت فلسفته أو تصوراته الخاصة التي أثمرت عن منحوتات فنية باذخة الجودة والجمال. وكل الفنون بتقديرنا نحت في صخور صماء يرى الفنان فيها ما لا يراه غيره ويحاول تحريره بإزميله الخاص.
عودة وجيزة الى "الذكاء التذوقي" الذي ذكرناه هامشيا في الجزء الأول كضرورة لقراءة الفن. مع أن الذكاء بمفهومه العام، يرتبط بعوامل كثيرة مثل الوراثة والبيئة والثقافة، وترتبط به الذائقة تباعا؛ إلا أنه لا ينتج بالضرورة "ذكاءً تذوقيا" ما لم يتفوق على التعصب بشتى صوره ويتجاوز الحقيقة الى نسبيتها. فحتى القيم العليا المتفق عليها عالميا هي مطلقة فقط بدلالاتها اللغوية المجردة، فهي نسبية حال ارتباطها بموقف أو حدث. بالذكاء التذوقي يتسنى للإنسان فتح نافذة سايكولوجية صافية لفهم الفن لا تعكرها العصبيات. فلا يطلق أحكاما متوترة ولا يدفع بالفن كما يحلو له أن يكون، وطنياً أو قومياً أو عقائدياً، أو فناً سياسياً أو تراثيا، فالفن يحتمل كل شيء فلا يحتمل الجبرية. وينأى بنفسه عن غائيات التدنيس والتقديس الموحشة الى غايات فارهة تسع الهوية الإنسانية بذخيرتها الجمالية وأساليبها التعبيرية وذائقاتها المختلفة، والفن في النهاية ليس موضوعا بل أسلوبا، والأسلوب لصيق بكينونة الفنان وجوهره الوجداني، مع ضرورة التفريق بين الأسلوب والذاتية.
والإنسان وحسب الفيلسوف الألماني كارل ياسبرز، هو "الحقيقة الأساسية" التي يمكن ادراكها في العالم، وبالإنسان وحده، يصبح كل ممكن واقعا.


فاتن نور
July, 31, 2012



#فاتن_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الفن وعصبيات قراءته..2
- حول الفن وعصبيات قراءته..1
- تَرْسِيل خارج الإطار..
- خدوش طفيفة المآل..
- قبل الأوان بقليل..
- التعددية الديكتاتورية في العراق..
- حول مادية الجنة والنار..
- سأشتهيكَ.. بالقليل من دغدغة الضجر
- نحن أمة كرامتها الشهادة!
- هل يمكن عصرنة الأنظمة الديكتاتورية؟
- شجن المشهد المقلوب..
- نهايات آيلة لسجال..
- التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي..3/3- القسم الثالث
- حوار مع الشاعرة العراقية فاتن نور.. حاورتها الصحافية المغربي ...
- النزعة الأيديولوجية في تقييم النصوص الشعرية
- التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي ..3/3- القسم الثاني
- دهاليز وجهيّ المُبتذل..
- التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي ..3/3
- التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي ..2/3
- التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي ..1/3


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن نور - حول الفن وعصبيات قراءته..3