أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاتن نور - حول مادية الجنة والنار..















المزيد.....

حول مادية الجنة والنار..


فاتن نور

الحوار المتمدن-العدد: 3702 - 2012 / 4 / 19 - 07:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



استغرق النص الإلهي في الترهيب والترغيب، مستهدفا الجسد فيما قدمه من صور عن الجنة والنار، فثواب الآخرة بدا عالقا بإشباع الجسد غرائزيا. وعقابها بقهره، صليه، والتنكيل به بأقصى ما يكون. وليس للروح أي حضور يُذكر في خضم هذا الانغماس بماديات النعيم الجسدي وجحيمه، وتلبية شهوات دنيوية في عالم غيبيّ لاماديّ.
واذا كان للثواب الموعود من معنى، يخلص الى رفع الحظر الذي فرضه النص الإلهي على العقل والجسد تباعا ولحساب الروح التي ستثاب في الآخرة، فالفائدة المرجوة من رفع الحظر، هي إنهاء آمد العلاقة الندية المُفتعلة بين الروح والجسد. إلا أن الروح وبجانب كونها غائبة أو مغيبة فيما قدمه النص، فهي أيضا غير مُعرّفة أو مُبهمة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.) / (الإسراء: 85)، وهذا يحفز على فهم مغاير يحرر مفهوم الجنة والنار من ثقل ماديته المفرط./ وللإمتاع الجسدي المادي صور صارخة في القرآن والمرويات الدينية لم نجد ضرورة من ذكرها فهي بينة ومتداولة.
فإذا كان الجسد هو المُعرّف الحاضر، والمحور لموضوعة الجنة والنار، والروح هي المبهم الغائب، فلم لا يكون الجسد بنعيمه وجحيمه الآخروي رمزا كنائيا عن نعيم الروح وجحيمها، وما التصوير المادي للروح كجسد، سوى محاكاة لمادية العالم الدنيوي، ومقاربة لـ "ذهنية مادية" يعيشها الإنسان محكوما بغرائزه الفطرية وشهواته الجسدية أولا وأخيرا. فمهمة العقل الأولى هي إدارة غرائز الجسد وتلبيتها بشكل جيد دون هتك أو كبح، فما ينتجه العقل من آثار فكرية وثقافية ينبع من آثار الغرائز ونداءاتها، ليعود عليها بفوائد التنظيم ضمن عقود إجتماعية وقوانين وضعية تحقق التوازن النفسي لإنسان المجتمع. فالثقافة الكابحة للغرائز، أو التي أنتجت قوانين صارمة تحكم الغرائز وتحاصرها باللاممكن، أو الممكن الصعب حد الإحباط والجزع والفشل، لا تبدو ثقافة سوية، لأنها تحاول قهر مهمة العقل الأولى التي لا تقهر بأي حال لكونها من فطرة الخلق.
اما العقاب فوسيلة ردع دنيوية، تحقق أغراضها بانصياع الإنسان لشريعة الرب والقبول بتعالميه ووصاياه خوفا من العقاب وطمعا بالثواب. بمعنى آخر، أهل الجنة هم حصاد الرب المرجو من وراء ترهيب أهل الدنيا بنار الآخرة وترغيبهم بثوابها، ولا حصاد آخر ممكن أن ندركه من وراء إنزال العقاب فعلا على من لم يرتدع، فتنفيذ العقوبة بعد الإخفاق يبدو ناشزا عن أصل الغرض "الردع والانصياع"، ولا يحقق أي قيمة منظورة في عالم الآخرة، لا سيما وأن الرب لم يحدثنا عن فرصة أخرى لأهل النار في حياة ثانية يزاولونها مرتدعين بذاكرة الجحيم الذي ذاقوه، فالخلود "الآخروي" أيا كان، حليف الإنسان بعد الحساب وفقا للنص.
السؤال: هل أخفق الإنسان في فهم الغرض الدنيوي وراء الترهيب من النار، فتصوره عقابا فعليا مع سبق الإصرار والتنفيذ؟
هذا السؤال يحلينا الى موضوعة "الحقيقة والمجاز في القرآن "، المختلف عليها ما بين منكر ومجوّز. وغالبية علماء الدين من المذاهب الأربعة وخلافها، وعلماء اللغة والبيان، هم من المجوزين وحسب اطلاعنا.. ويقف ابن تيمية على رأس قائمة المنكرين فهو أول من انكر المجاز في النص الآلهي وفي معرض حديثه عن الشريعة والتوحيد على وجه الخصوص، كما انكره في اللغة بشكل عام وفي هذا بعض بؤس. ولم يسبقه الى نكران المجاز سوى نفر قليل من أهل العلم والدين. وقد حدا حدوه من تأثر به سائرا على خطاه، مثل ابن القيم الجوزية الذي بالغ في إنكاره للمجاز فصوره طاغوتا. ولسنا بصدد سرد حجج ومسوغات كل فريق، أو أنواع المجاز وتصنيفاته ، إلاّ أن الحجة الكبرى لفريق الإنكار بتصورنا، هي الخشية من تحريف حقائق القرآن بتأويل نصوصه حسب المزاج والهوى .مع أن المنكرين للمجاز وقعوا في مطباته مأولين. فهذا ابن تيمية كبيرهم، وعلى سبيل المثال ، يرى ملامسة النساء، في قوله تعالى ( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً.) / (المائدة: 6)، كناية عن الجماع، وهذا صرف واضح عن معنى اللمس الذي يستدعي الوضوء في الآية، فالجماع يستدعي الاغتسال.
ما يهمنا في موضوعة المجاز، هو جمهرة المجوزين له، ففي الوقت الذي هم فرقاء فيما بينهم، فكل يصرف اللفظ الى مجازاته التي يريد، والتي تخدم ايديولوجيته العقائدية فتكسبها قدسية إلهية تحت سقف نفس الدين، قد أجمعوا على الفهم الحرفي- المادي لموضوعة الجنة والنار، بكل ماورد عنها من توصيفات سواء في النص الإلهي أو الحديث وخلافه، ولم نجد ما يشير الى فهمها فهما مجازيا أو كنائيا أو رمزيا من كلا الفريقين. وهذا ما يثير دهشتنا فإجماع رجال الدين على أي أمر كان لا يعني بالضرورة صحته والتسليم به كيقين يغلق باب الشك والجدل، لا سيما هنالك ما يحفز على فهم مغاير لمسألة الثواب والعقاب، ومنه الصور المادية للجنة، فهي منشأ من ذهب وفضة له مداخل وأبواب، وبه أنهار من خمر وعسل مصفى وحدائق وأعناب وكواعب أتراب..الخ، وهكذا بالنسبة لتوصيف النار. وصور الإستغراق في الشهوات والغرائز الجسدية من أكل وشرب وخمر وجنس. كل هذه الماديات لا تتسق مع الروح المزمعة التي سيكونها إنسان الجنة ، ولا مع الأجواء الروحانية الطاهرة جوار الرب وملائكته. أما الصورة الجسدية التي سيكون عليها كما هو مسرود في المرويات، فهي صورة مقترحة ومعومة خارج علم الأحياء ومقتضاياته الفيزولوجية، ولا تحمل نفس خصائص الجسد الأرضية ووظائفة البيولوجية، فالتلذذ في المأكل والمشرب والجنس وما إليه، لا يكون بالكيفية التي يعرفها إنسان الأرض، وهذا يعزز ميلنا لرمزية الصورة التي قدمها النص عن الثواب والعقاب. فالصور جاءت بثيمة دنيوية- مادية يستوعبها عقل الإنسان، باذخة في الإشباع الغريزي كي يسعى من اجل الفوز بها، وهكذا بالنسبة لأمر النار وعلى طرف نقيض.
وإذا كان النص الآلهي قد نأى عن التعريف بماهية الروح، فتعريفه بإمتاع الروح كثواب، أو تعذيبها كعقاب،لا يبدو مجديا لبني البشر، أو محفزا لهم، أو مفهوما، فالأصل المبهم، سيكون ثوابه أو عقابه اكثر إبهاما. وفي ذات الوقت سيبدو إخفاقا إلهيا أو سهوا لو حدثنا النص عن متعة شيء غير معلوم، لا يملك الإنسان معرفته بما أُوتيّ به من علم قليل، وفي وهذا خروج عن الكمال المطلق للنص ومنتجه.
بصرف الصور التي قدمها النص الإلهي عن ماديتها الصرفة، تلك الصور التي تحيط بعالم الغيب اللامادي وتمثله، وفهمها فهما رمزيا أو شكلانيا، وبالنظر الى تجسيد اللامادي بالمادي في النص جاء لغرض الإقناع والاستيعاب الدنيوي كضروة، بمثل هذا الصرف سيسقط عن النص الكثير من ابتذالات فهمه وتفسيره.


فاتن نور
April, 18, 2012



#فاتن_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سأشتهيكَ.. بالقليل من دغدغة الضجر
- نحن أمة كرامتها الشهادة!
- هل يمكن عصرنة الأنظمة الديكتاتورية؟
- شجن المشهد المقلوب..
- نهايات آيلة لسجال..
- التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي..3/3- القسم الثالث
- حوار مع الشاعرة العراقية فاتن نور.. حاورتها الصحافية المغربي ...
- النزعة الأيديولوجية في تقييم النصوص الشعرية
- التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي ..3/3- القسم الثاني
- دهاليز وجهيّ المُبتذل..
- التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي ..3/3
- التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي ..2/3
- التأويل المُضاعَف والعكسيّ للنص الأدبي ..1/3
- هل دينكم بلا منطق أم منطقكم بلا دين؟
- من هنا
- ما الذي كسبه الشعب العراقي بعد السقوط ؟
- أنا إنسان بحريني- فيديو وتمهيد
- محنة الثورة في البحرين..
- ليعلن المسلم نفسه شيوعيا ماركسيا إذن!..
- الإنتفاضة الليبية بعد إنقلابٍ أبيض وتاريخٍ أسود..


المزيد.....




- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاتن نور - حول مادية الجنة والنار..