أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - مراجعة كتاب للأديب الراحل حبيب بولس















المزيد.....

مراجعة كتاب للأديب الراحل حبيب بولس


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 3780 - 2012 / 7 / 6 - 00:19
المحور: الادب والفن
    


مراجعة كتاب للأديب الراحل حبيب بولس

قرويات - بين الحنين والجذور

نبيل عودة

الكتاب: قرويّات ( نوستالجيا / حنين )
المؤلف: الدكتور حبيب بولس


الناقد الراحل د. حبيب بولس ترك تراثا واسعا وهاما يشكل أحد أعمدة ثقافتنا العربية داخل اسرائيل. ويمكن القول انه كان عمود الخيمة المركزي في حركتنا النقدية، اذ خص معظم اعماله النقدية وكتاباته التنظيرية لطرح قضايا ثقافية من صميم ما يؤثر على مسيرتنا الثقافية ، سلبا او ايجابا.
بعض مقالاته اثارت ضجيجا كبيرا، اذ طرح فيها ظواهر سلبية انتقدها بحدة وسخرية، ولم يشملها حبيب في كتبه.
وكنت قد نشرت تلك المقالات في جريدة "الأهالي "(2000 – 2005)
التي كنت نائبا لرئيس تحريرها الكاتب والمفكر والشاعر سالم جبران، الذي قال عنه حبيب انه كان وراء تحوله الى النقد. اذ رصد قدرات حبيب النقدية وحثه على للانخراط في النقد. قال لي حبيب مرات عديدة انه ناقد بفضل "المعلم سالم جبران" كما كان يصفه حبيب.
انخراط حبيب بولس بالحركة النقدية المحلية اخرجها من كونها حركة لا تتعامل الا مع اسماء محددة،وحركة نقدية معزولة عن ابداعات الشباب. الى حركة نشطة ترصد الابداعات كلها ، وأقول ذلك بغض النظر عن حالتنا النقدية المترهلة اليوم.
بالطبع لا انفي اسماء نقدية بارزة ودورها، ولكني اتحدث عن خصوصية مدرسة حبيب بولس النقدية.
حبيب اعتنق الفكر الماركسي الذي أثر على اتجاهه النقدي، ولكنه الى جانب الفكر الماركسي كان يتمتع بحس لغوي وذوقي مرتفع جدا أشبه بالبارومتر .
وليس من الصعب الملاحظة ان حبيب دمج بين الفكر الماركسي والاتجاه
الذوقي في تقييمه النقدي. كان أديبا في روحه ، وأكبر اثبات على ما ادعيه
كتابه "قرويات" الذي أعتبره من أجمل ابداعات صدرت في ادبنا المحلي،
ومن أجمل كتابات حبيب بولس، وقد صارحته مرات عديدة بموقفي، وسالته لماذا لم يتجه للكتابة الابداعية وهو يثبت بقروياته انه يملك الحلم القصصي واللغة السردية الجميلة؟
لا اذكر اجابة محددة!!
سالته: هل يكون سالم جبران بدفعه للنقد قد حرمنا من كاتب قصصي مبدع؟
كل أجوبته كانت ابتسامته العريضة وتعليقات عن اهمية النقد في ثقافتنا، التي تشعرك انك امام انسان معطاء بنكران للذات، وان نشاطه الثقافي هو مهمة وطنية من الدرجة الأولى. كان على وعي بحالتنا الثقافية المأزومة بعد فترة شعراء المقاومة، وانبهار العالم العربي بشعرنا المقاوم. فنجده ينتقد بلا مواربة، بلا حساسيات وحساب للعلاقات الشخصية، فغضب من يظنون انفسهم فوق النقد. حبيب استمر في قناعاته ، وقال لي ما معناه أن كلمة الحق يجب ان تقال ، والا تحولنا الى مهرجين.
كان مستشاري الخاص أحيانا قبل نشر بعض المقالات، او الكتابات الفكرية او الأدبية الابداعية،التي اشعر بتردد من نشرها، بل وقال لي مرة عن احدى قصصي الطويلة انها تراجعا عما انتجته،ونصحني بعدم نشرها، فأسقطها من حسابي !!
جبيب بولس كما قلت كان يملك زمام الكتابة الابداعية القريبة من أجواء النص الروائي. وهذا يبرز بقوة في قروياته، التي كتبت مراجعة عنها بعد صدورها. انشرها اليوم ضمن تعريف القراء على هذا الأديب الانسان المناضل والمعلم، الناقد د. حبيب بولس.

*******

"قرويات" حبيب بولس- حتى لا نفقد ذاكرتنا الجماعية

"المفارقات بين واقعنا وماضينا".. هذا ما يتجلّى للوهلة الأولى أمام قارىء كتاب "قرويّات" للدكتور حبيب بولس. لكن الإبحار مع نص "قرويات" يكشف لنا نوستالجيا غير عادية عايشها حبيب بولس في قروياته، مسجلاً تفاصيل بدأت تختفي من أجواء قرانا ومدننا العربية، من علاقاتنا وممارساتنا اليومية، من شوارعنا وبيوتنا، من ألعابنا وتسالينا، ومن وسائل تنقِّلنا، من مدارسنا، من معلمينا، من أفراحنا وأتراحنا، من مفاهيمنا السياسية ووطنيتنا، من مواسمنا وسهراتنا، من أعيادنا وعقائدنا الدينية، من ثقافتنا وفنوننا ونضالاتنا.
التغيير الذي يرصده حبيب كان أعمق من الشكل، لدرجة انه شكل لنا مضامين جديدة، أفكاراً جديدة، رؤية سياسية جديدة، ثقافة جديدة، أطعمة جديدة، بل ولغة جديدة أيضاً في مفهوم معين. كأني به يرصد التاريخ والعوامل "التاريخية" والثقافية التي غيّرت مسقط رأسه، قريته الجليلية "كفرياسيف" بشكل خاص وغيّرت واقع بلداتنا كلها بشكل عام وغيرتنا نحن (الناس) في الحساب الأخير. الى حدّ ما تذكِّرني "قرويَّات" حبيب بولس بكتاب للروائي السعودي عبد الرحمن منيف عن مدينة "عمّان".. حيث يعود بذاكرته الى عمّان في سنوات العشرين من القرن الماضي ليعيد تشكيلها.
حبيب في قروياته يرسم "لوحة نثرية" ان صحَّ هذا التعبير، لقرية عَلَمٍ من قرانا، كانت عَلَماً سياسياً وعلماً ثقافياً، وهو بذلك يضيف لها بعداً جديداً، علماً تراثياً أصيلاً، وربما يريد ان يقول لنا ان هذه الأصالة التي عرفتها كفر ياسيف، هي أصالة دائمة لا تنتهي، انما تتحول وتنطلق نحو أصالات جديدة دوماً.
حبيب في قروياته يريد ان يقول لكل واحد منا ان في داخله أصالة حقيقية، يجب ان يخرجها من داخله ويورثها لأبنائه. وهذا بالضبط ما يفعله حبيب بولس، وهو بالطبع يختار ابنه، ليورثه أصالة أجداده وأصالة قريته، وأصالة شعبه.. يختار ابنه ليورثه أهم ما يملكه الانسان في حياته، ذاكرته الخصبة.. وليملأه بالكرامة وعزة النفس، مقدِّماً نموذجاً شخصياً، استفزازيا لكل واحد منا، ولكنه استفزاز طيب وانساني، يحثنا بسياقه على الكشف عن جذورنا الأصيلة، عن نقاوتنا، عن قيمنا المغروزة بأعماقنا الانسانية، عنى جوهرنا الطيب الذي كان العنصر الحاسم في صيانة شخصيتنا الوطنية والانسانية أمام ما يجري في مجتمعنا من ردّة حضارية، وتعصّبات قبلية وسياسية ودينية حمقاء، هذه هي المفارقة الاخرى التي يصدمنا بها حبيب في كشفه عن جوهر اللؤلؤة المكنونة كفر ياسيف، بصفتها نموذجاً وطريقاً وتاريخاً. هذا النص الأدبي يتجاوز الكتابة التسجيلية التاريخية، ويقترب من النص الثقافي الحكائي، البطل فيه هي قرية كفر ياسيف وأهلها، والهدف حفظ الذاكرة الجماعية لكفر ياسيف، ولعلها الخطوة الاولى لبدء حفظ ذاكرة شعبنا الجماعية في كل أماكن تواجده. "البطل" الآخر في هذا النص هو الراوي نفسه، وكأني به يعود الى الأيام الخوالي، ليتقمّص شخصية الراوي التي عرفتها قرانا وسهراتنا ايام زمان، وليجعل من هذه الشخصية ذاكرة للزمن ايضاً، يستعين بها الراوي- الكاتب لينقل للأجيال الجديدة، ابنه في المفهوم الضيق، وأبناء كفر ياسيف، وكل ابناء شعبنا من الأجيال الناشئة في المفهوم الواسع، أصالة الماضي وأصالة الانسان، وأصالة الشعب وليس فقط الحنين الذاتي (النوستالجيا ).
ربما هي نوستالجيا فعلا، ولكنها نوستالجيا لأبناء جيلنا الذي حان الوقت ليسجلوا ذاكرتهم حفظاً من الضياع. حبيب اختار اسلوباً جيداً ليروي لنا روعة الماضي، عبر المقارنة الدائمة مع الواقع اليوم، وذلك ليعمق، ليس روعة الماضي فحسب، بل روعة الانسان الذي اجتاز المأساة الوطنية وصمد، وواجه القمع القومي بأبشع أشكاله، ولم يفقد بوصلته الانسانية.. وبدأ يبني نفسه من جديد وينطلق الى آفاق رحبة من العلوم والثقافة والتطور والصمود. في قروياته نكتشف حبيب بولس الآخر، حبيب الحالم، نصاً ولغة، فنراه يقترب من لغة القص في سرده، ليتغلب على السرد التوثيقي والتاريخي، ونراه يستطرد في إعطاء النماذج والحكايات ليجعل قروياته أكثر قرباً للرواية والدهشة الروائية وعناصر التشويق الحكائية، وليس مجرد تسجيل توثيقي للذاكرة.
و
أقول بلا وجل: هي حقاً رواية من نوع جديد بطلتها قرية بناسها وأحداثها. قد لا يوافقني بعض الزملاء على تصنيفي لقرويات حبيب بولس ضمن النصوص الروائية، قد يكونوا صادقين شكلياً، وأقول شكلياً، اذا التزمنا المفاهيم المتعارف عليها في التعريفات الأدبية. ولكن من يملك الحق في جعل التعريفات قانوناً، وهل يعترف الإبداع بقوننة جنونه؟
الأمر الأساسي، هل من قيمة للتصنيف الأدبي؟ وهل يضيف التصنيف لقيمة العمل؟ ألا يكفي الكاتب، انه أعطى القارىء نصاً لا يفارقه بعد طيّ الصفحة الأخيرة؟ حبيب في قروياته، أعطانا عملاً توفرت فيه العديد من المركبات الناجحة، اللغة اولاً، الفكرة ثانياً، والأسلوب.
كتاب "قرويات" يسد فراغاً كبيراً بمضمونه المميز، وهو ليس مجرد نوستالجيا (حنين) بل كشف عن ثراء شعبنا وأصالته وعمق جذوره في هذه الأرض الطيبة. ولعل قرويات يكون فاتحة لتسجيل التاريخ الشفهي، والتراث الشعبي المتوارث شفهياً، وسجل نضالنا الأسطوري الذي يملأ صفحات، اذا ما سجلت ستشكل ثروة اجتماعية سياسية ثقافية، عن بقايا شعب، لم يفقد ثقته بنفسه، واجه المستحيل وانتصر.. واجه الضياع وبنى ذاته من جديد، ليقف اليوم في مرتبة متقدمة بين الشعوب، فخوراً معتزّاً متفائلا..
وأخيرا : ادعو مؤسسات شعبنا الى اعادة طباعة أعمال الراحل خاصة كتابه الهام قرويات لما فيه من نقل للتجربة الحياتية الغنية والمثمرة نضالا وابداعا ادبيا .
حبيب خاطب ابنه في نص قرويات، وهو يعني ابناء كل أب وكل ام يعز عليهم ابنائهم ومستقبلهم ووطنهم وكرامتهم.


[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعا اديبنا واستاذنا الناقد د. حبيب بولس
- -خطى- لبنى دانيال في الطريق الصحيح
- جابر عُد للبيت
- قليلات العقل وكاملو العقل..
- الحداثة: ثقافة تحرير ارادة الانسان
- رمزي ابو نوارة في تجربة فريدة
- هل نشهد ربيعا شعريا...؟
- نساء...!
- صراع بين الحرامية
- لننصف النساء في مجتمعنا أولا ... - تعقيب على مقال اساف اديب ...
- سعيد نفاع يقيم مأتما في الجنة
- كتاب تاريخ الناصرة – مسيرة عبر العصور
- دعما لرفض مئات الشباب الدروز للخدمة العسكرية
- ظواهر مقلقة في ثقافتنا
- ما ينبغي ان يقال عن الثقافة والمثقفين!!
- كيف صار لله شعب مختار؟
- النقد والثقافة النكدية
- إستقلال شر من شتات!!
- حسين مهنا شاعر ومثقف موضوعي يبني قصيدته كمهمة ثقافية وفنية
- حتى الفضيحة الاحتلالية القادمة...


المزيد.....




- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - مراجعة كتاب للأديب الراحل حبيب بولس