أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - جابر عُد للبيت















المزيد.....

جابر عُد للبيت


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 3770 - 2012 / 6 / 26 - 22:14
المحور: الادب والفن
    




- التراجع بلا نهاية يقود الانسان الى لا شيء.
هكذا افتتح استاذ الفلسفة محاضرته .
- هل تعني لكم هذه الجملة شيئا؟
لم يتوقع تعليقا من طلابه، كعادته في استرساله وعدم انتظاره رد فعلهم. انما هدفه، كما أكد ذلك منذ درسه الأول، اثارة عقولهم الخاملة بعد عطلة نهاية الأسبوع.
- أعرف ان اختياركم للفلسفة كان وراءه دوافع كي يحظى كل واحد منكم بفهم معنى أحداث تدور في محيط حياته ولا يجد لها تفسيرا. فجأة تقع المفاجأة الأولى، يعتلي المنصة محاضر بنظارات سميكة، وملابس متنافرة الألوان ، ويبدأ محاضرة حول معنى فلسفة المعنى.
ارتسمت ابتسامات كبيرة على وجوه الطلاب،وتغامزوا بحذر، هم يتأملون استاذهم بنظارته السميكة وملابسه متنافرة الألوان، شعره الكث المشتاق لحلاق يعطيه شكلا متناسقا. اعتادوا مظهره بل عشقوا حضوره وتمتعوا بمحاضراته ذات الأسلوب خفيف الظل، يشرح المسائل الفلسفية بأسلوب سهل ، الدرس أحيانا يبدو وكأنه مسرحيد ، مليء بنبض الحياة وليس درسا حول قضايا أشغلت وتشغل العقل البشري منذ ظهر عصر الفلسفة قبل 2500 عام، محدثة نقلة حاسمة من نهج الايمانية الوثنية في فهم ظواهر الطبيعة، الى البحث والتفسير العقلاني لهذه الظواهر.
- لو تحدثنا عن معنى فلسفة المعنى فإننا سنواجه اتجاهات عديدة متناقضة، المرأة ترتب البيت قبل حضور الشغالة، الرجل يرتب السرير بعد مغادرة الشغالة.اذن لكل حالة او شخص معنى مختلف من الشغالة.
ضحك الطلاب ،رغم علمهم ان استاذهم يغضب من سماع صوت نشاز في القاعة. اشار لهم بالصمت وواصل:
- اذن معنى فلسفة المعنى يختلف . تماما كما ان المرأة تحب ان تسمع كلمة "أحبك" والرجل يحب ام يسمع كلمة " أريدك .هنا يجب ان ننتبه للمدلولات المختلفة من وراء المعاني المختلفة أيضا.
كيف نوفق بينهما؟ هل يتوهم شخص عاقل انه يمن التوفيق بين المعنيين والمدلولين ؟!
ستفشلون عندما تحاولون. ماذا يعني الزوج لزوجة ملت من زوجها بعد سنوات طويلة؟ ماذا ستقول له حتى لا تكون غبية وفظة؟ عليها ان تختار مدلولا مناسبا لمعنى مللها. ستقول له: أه يا زوجي الحبيب،انت تذكرني بالقارب البحري الذي ركبناه أثناء شهر العسل قبل ربع قرن. ليس لزرقة عينيك الشبيهة بزرقة البحر، وليست بسبب قمصانك الواسعة الجميلة التي تشبه شراع القارب، وليس بسبب شعرك الغزير الناعم الذي يتطاير في الريح، والسبب يا زوجي الحبيب اني كلما اراك اصاب بالغثيان.
المعاني المتنوعة هنا ومدلولاتها المختلفة توصلنا الى سؤال:هل سيفهم الزوج الحبيب قصد الزوجة؟
اذن معنى فلسفة المعنى لا يتحدد بتعريف مختصر ، بل يتفرع فلسفيا الى الاهتمام بمواضيع مختلفة من المعاني والمدلولات.
لنضرب مثلا حول سفر جابر الى الهند لأجل فهم حكمة الهنود والبحث عن معنى للحياة. مرت أشهر ولم يصل منه أي خبر. سافر شقيقه للبحث عنه. لم يعرف من أين يبدأ. ارسلوه الى كاهن هندوسي يقال انه الأكثر ذكاء في الهند. لا يخرج من المعبد ولا يستقبل زواره إلا بعد انتظار اسبوعا على باب هيكله، ولا يسمح لسائله إلا بثلاث كلمات. خلال اسبوع رتب الشقيق بعد تفكير مضن الكلمات الثلاث الأكثر أهمية في ذهنه.وانتظر اسبوعا كاملا على باب المعبد حتى سمح له بالدخول.وبعد انتظار تلقى اشارة من الكاهن ان يقول كلماته، فقال:"جابر عد للبيت"!
هنا نلتقي بمدلول فلسفي لمعنى الكلمات الثلاث، لشخص ربما لم يلتق بالفلسفة.ولكن تفكيره المنطقي وتحديد الكلام قاده الى صياغة ثلاث كلمات لها معنى ومدلول هام. هذا ما اريد ان انبهكم له، عندما تثرثرون بدون حساب، وتصبح الثرثرة مقياسا اجتماعيا وسياسيا لمن يثرثر أكثر. الدلالات للمعنى واضحة هنا وليس بالثرثرة تنجز الأهداف.
طلابي المساكين، أعرف ان ذهنكم قد يتعب معي. كما ترون فقد استعملت تعبير المدلول مرفقا لإصطلاح المعنى. هل من علاقة بين المعنى والمدلول؟ طبعا أنتم تهزون رؤوسكم بالموافقة. شكرا لكم. المسألة أكثر اتساعا مما تظنون. لا انتظر موافقتكم بل فهمكم حتى لا ينطبق عليكم المثل الصيني القديم :"في كل جماعة يوجد غبي، الذي لا يراه ولا يميزه، هو الغبي نفسه".
لا بد من سؤال لنتقدم نحو فلسفة المعنى والمدلول.كما يبدو أصبح واضحا لكم او لبعضكم، لا معنى بلا مدلول للمعنى. اذن المعنى غير مستقل في الفلسفة. لا شيء مستقل عن الأشياء الأخرى. وهنا تكمن قيمة التفكير الفلسفي بالربط بين الأشياء، بين المعاني وبين المدلولات. لا حدود للتفكير الفلسفي. الرئيس الأمريكي الأسبق، ايزنهاور، كان جنرالا وقائدا للحفاء في الحرب العالمية الثانية في اوروبا. قال أمرا عميق المعنى وعميق الدلالات:" من تجربتي تعلمت ان لا قيمة للخطة العسكرية، ولكن لا بديل للتخطيط العسكري ". نحن لسنا عسكريين. ولكن لهذه المقولة معنى اجتماعي واقتصادي وعلمي. حتى للزواج يجب ان يكون تخطيط واضح. الخطة يتقنها الكلاب والقطط أيضا. غريزتهم ترشدهم. التخطيط لا يتقنه إلا الحيوان العاقل الذي لا يعتمد على الغرائز وللأسف مجتمعاتنا بعيدة عن معنى التخطيط ودلالاته. تسودها عقلية الخطة.
الايمان يُنقل للإنسان بالغرائز.هذه عملية نفي قسري للعقل. العلوم تنجز مهامها بالتخطيط. النجاح لا يتحقق بالغريزة، بل بالتخطيط والتفكير ولا يتحقق بالإتكال بل بالنشاط العملي الواعي. الغريزة هنا لا تساعد. بعضكم سيغضب لكلامي.لأن مدلولات كلامي تتناقض مع عقله الذي لم يتخلص من الغرائز بعد. هذه اصعب مسألة في عالم الانسان ونتيجتها حاسمة في النهاية .
سترسبون في متاهات الفلسفة بدون التخطيط والاحتكام للتفكير العقلاني. غرائزكم التي نشأتم عليها يجب نزعها بدون رحمة من عقولكم وبالتأكيد من عواطفكم أيضا.. او قولوا وداعا للفلسفة، وداعا للمنطق، وداعا للعقل ، وداعا للوعي ووداعا للمعرفة. ليس سهلا ما أطلبه. ان تحديد الهدف هو أصعب ما في المعركة. حين يصاغ الهدف بشكل صحيح، يصبح النجاح مضمونا.الفلسفة الصحيحة هي تخطيط دراسي وليس خطة دراسية. الموضوع ليس ذكاء وحفظا. هذا ينفع في الحصول على العلامات ولا ينفع في رقي العقل.
لنضرب مثلا. هل تظنون ان الرجال أكثر ذكاء من النساء؟
الأجوبة متعددة وتنتشر على مساحة الأفق كله ومدلولاتها تمتد للأعماق . نعم... بإمكاننا تحديد هدف من السؤال. عندها تصبح الاجابة سهلة. مثلا يمكن الاعتماد على دلالات نشاهدها في الحياة دائما لأننا أحيانا لا نريد ان نعترف بذكاء النساء وتفوقهم على الرجال. الطالبات سعيدات؟ لم أقل بعد أي معنى أو دلالة لما أقصد. لنفترض حالة اجتماعية بسيطة. هل شاهدتم امرأة تركض وراء رجل غبي لأنه يملك سيقانا جميلة؟
لا ضرورة لمزيد من الكلام لنفهم أين الغباء عند الرجال. المدلول واضح ومعناه واضح. ارى ابتسامات وإخفاء ضحكات.لا اقدم لكم مسرحا هزليا. فكروا خيرا من ان تضحكوا.
ما معنى ومدلول ان تفكروا جميعكم بنفس الشيء كما ألاحظ من ابتساماتكم وضحكاتكم المخفية والغبية؟ معناه ومدلوله واحد: لم تفكروا. غريزتكم تحكمت بعقلكم.
اذن ما هو معنى التعلم اذا لم يغير ما نشأتم عليه من فكر مليء بالخوارق والعجائب والتكرار؟
لدينا مدلولات متنوعة لمعنى التعليم. مدلولات لا تطير في الهواء، بل لها قاعدة بلورت شخصية المعلمين. المعلم هو نتاج بيئة اجتماعية، المعلم الأول متوسط القدرات ولا يعرف إلا ان يقول، وعلى الطلاب اتقان السمع والحفظ والتكرار.المعلم الثاني جيد، يشرح، ولكن لا ينجح بالربط بين الشرح والعقل. المعلم الثالث ممتاز، يعرض نماذج لشرحه ويربط مدلولاتها بالمعنى الذي يعلمه. المعلم الرابع معلم كبير : يثير التفكير، حيث أن وجهة نظره تقول ان اعاقة التفكير لدى الطالب هو جريمة انسانية في عالم عقلاني يجب ان يعاقب عليها القانون ، وان تنشأ لها محاكم دولية. قتل العقل هو اول مدلولات معنى قتل الجسد البشري. هنا نقتل الزمن الانساني أيضا. اينشتاين في تفسيره لنسبية الزمن قال: "ضع يدك على صفيحة ساخنة ستشعر أن الدقيقة ساعة، اجلس بجانب امرأة جميلة ستشعر أن الساعة دقيقة". تحرير العقل من الغرائز والخوارق وغباء الموروث الذي لا حياة فيه، واندماج الانسان بالوعي والتفكير والتطور هو جلوس متواصل بجانب امرأة جميلة، او شاب جميل حتى لا "تزعل" زميلاتنا.
اذن المعنى والمدلول يخضعان للنسبية ايضا. المدلول هنا اكثر اتساعا من مجرد الظاهرة التي ذكرتها. المدلول هنا ينعكس على كيف سنكون عندما نحمل الشهادات. هل نكون منفتحين على عالم العقل والتفكير؟ ام خاضعين لعالم الغرائز بشهادة لا تنفع إلا لإشعال الحطب في موقد الشتاء؟ انا لا اريد ان ارى مجرد حملة شهادات.لا اريد ان أشعر بتأنيب الضمير كل عمري. ما اريده عقل حر مفكر ومخطط ينتمي للعالم الذي لا يحترم المتخاذلين.
هل من سؤال قبل ان انهي الدرس هنا؟
رفعت نسرين أصبعها، تلقت الإذن للكلام:
- ما هو المدلول للقول ان الحقيقة هي مضمون التنور؟
- سؤال جيد، أتركه للتفكير وفقط أضيف تتمة له، الانسان المتنور هو الانسان الذي يقول الأمر الصحيح وفي الوقت الصحيح!!
قالت نسرين:
- اذن على الانسان المتنور أن يصمت في غالب الأحيان؟!



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قليلات العقل وكاملو العقل..
- الحداثة: ثقافة تحرير ارادة الانسان
- رمزي ابو نوارة في تجربة فريدة
- هل نشهد ربيعا شعريا...؟
- نساء...!
- صراع بين الحرامية
- لننصف النساء في مجتمعنا أولا ... - تعقيب على مقال اساف اديب ...
- سعيد نفاع يقيم مأتما في الجنة
- كتاب تاريخ الناصرة – مسيرة عبر العصور
- دعما لرفض مئات الشباب الدروز للخدمة العسكرية
- ظواهر مقلقة في ثقافتنا
- ما ينبغي ان يقال عن الثقافة والمثقفين!!
- كيف صار لله شعب مختار؟
- النقد والثقافة النكدية
- إستقلال شر من شتات!!
- حسين مهنا شاعر ومثقف موضوعي يبني قصيدته كمهمة ثقافية وفنية
- حتى الفضيحة الاحتلالية القادمة...
- السامية مكشوفة على حقيقتها
- إسرائيليات: الجنرال موفاز انتصر بأصوات العرب
- هل بدأ -الرينيسانس-* في الشرق؟!


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - جابر عُد للبيت