أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهجت عباس - الشيخ والقطّ مرجان














المزيد.....

الشيخ والقطّ مرجان


بهجت عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3776 - 2012 / 7 / 2 - 01:36
المحور: الادب والفن
    


(من ذكريات الطفولة)

كان اسمها مرجانة ، هكذا أتذكر اسمها ولست متأكداً ، فقد كنت في السادسة من عمري ، ولست متأكداً من عمري هذا أيضاً ، فقد يقلّ أو يزيد بعام واحد . أتذكّرها امرأة وحيدة منزوية في دار خربة بباب محطَّم وأرضية طين ونوافذ مفتوحة على الخارج ملتصقة بدور أخرى تشبهها بناء وتصميماً وبعضها قد يفوقها بناء وتنظيماً . هي امرأة إيرانية في الأصل ، يعني عجمية بلغة أهل الكاظمية وكانت مُقعدة تقريباً. أما مصدر رزقها البسيط ، فلا أعرف ، فهي أرملة لا أقارب لها كما أتذكّر ، ولكنّي أعرف أنّ بعض المحسنين من الجيران يزوّدونها بما تجود به أيديهم من طعام تقرّباً لله . وكان لها قطّ (هـرّ) ، رفيقها وصديقها ومعيلها ! كان اسمه (مـرجان) ، وهذا مؤكَّـد . هذا الهرّ القاسي الملامح ذو العضلات المفتولة هو كلّ شيء في حياتها، وكنّا نحن الصِّغار نهاب سطوته ولا نتحرّش به أبداً أينما حلّ وذهب. ففي ذلك الزمان كانت القطط تسرح وتمرح في البيوت والشوارع بحريّة تامة ، وحينما نراها نقذفها بالحجر أو نضربها بقطعة خشب أو حتّى بالنعال . لا أعرف سبب قسوتنا ، وخصوصاً الأطفال، على الحيوانات . لكنّ الهرّ مرجان شيء آخـر، فهو مَهيب ويعود إلى امرأة تسكن محلّتنـا ، القطّانة ، وهو يختلف عن الهررة والقطط، ويقال إنّه من الجنّ ، فهو يفهم مرجانة ويُطيعها ويُلبّي رغباتها. كانت إذا افتقدتها تناديه مرة واحدة (مرجان!) ، فما أسرع ما ينتصب أمامهـا حتّى ولو كان على بعد عشرة بيوت عنها ! أمّا ما كان يقوم به مرجان من خدمات لها ، فهو شيء غريب. كان يسرق اللحوم والدجاج والسمك من البيوت ويأتي بها إليها ! لذا كان مصدر رزقها الأساس . ضجّ أهل المحلّة من أعمال مرجان اللصوصيّة ، فاتفق بعض (الشقاوات) من المحلّة أن يضع حدّاً له ، ذلك بقتله والتخلّص منه إلى الأبد. ولكنْ لا بدّ من فـتـوى تحلّل قــتـل مـرجان لئلاّ يأثمـوا ! كان في المحلّة شيخ موفور الحال لاستلامه الزكاة والأموال من الناس ، هذه الأموال التي كان عليه أنْ يوزّعها على فقراء المحلّة ، ولكني لا أتذكّر أحداً كان له نصيب منها. لكنّي أتذكّـر أن جارته ، خديجة الخبّازة التي كانت تعيل ستّ بنات أو سبعاً ببيعها الخبز بعد أن تقاعد زوجها مدحت بائع الجتّ الذي بلغ من الكبر عتيّا فلم يستطع المشي إلاّ بشقّ النفس . كانت تبيع رغيف خبزها الحار بعشرة فلوس وكان والدي يرسلني إليها بعض الأحيان لأشتري بعض الأرغفة عندما يكون في مزاج حسن ، لأن خبزها غالٍ في نظره ، فهو يفضّل خبز البربر لأنّه أرخص منه. أفقـر الدهـر خديجة ، فذهبت إلى الشيخ تستعطفه قائلة : شيخنا ؛ الله يحفظك ، إنني جارتك، وأنت تعرف فقري وعوزي ومدحت مُقعَد لا يستطيع عملاً، وأنا أعيل ست بنات من خبزي هذا ، ولكنّي لا أستطيع شراء طحيناً كافياً لقلّة فلوسي ، وإن الناس المحسنين يجلبون لك التمّن والدهن والطحين لتوزيعها على المحتاجين ، فمن هو أحقّ منّي ؟ أتوسّل إليك أن تعطيني طحيناً لأخبزه وأبيعه لنعيش من ثمنه . أجابها الشيخ : إنك لا تستحقّين شيئاً لأنك تستطيعين العمل ، وهذه المواد هي لمن لا يستطيع أن يعمل . وبإلحاح وتوسّل أعطاها ستة كيلوغرامات (جارك) طحين ، يعني لخبز يوم واحد . جاءوا إليه يستفتونه في قتل الهـرّ مـرجان ، وبأنّه يؤذيهم ويسرقهم ، فقال لهم : أولادي إنّه حيوان لا يفهم ، وقتله حرام! فذهبـوا . ولكنّ الهرّ مـرجان كان حقّـاً غبيّـاً لا يفهم ، فقد سرق إحدى دجاجات الشيخ التي كانت تضع بيضها بعد أن خنقها وجاء بها إلى سيدته مـرجانة . فجُنَّ الشيخ وأفتى بقتله فوراً قائلاً : إنّ هذا القطّ شيطان وشريّر وقتله واجب. ضربوه بالقامات ، كما سمعتُ ، فهل كان خالي رحمه الله واحداً منهم ؟ أتمنّى أنّه لم يكن ، وإن كان ، فأطلب له الغفران . لا أنسى أبداً منظر ذلك الحيوان الذكيّ الغبيّ المسكين وهو يجرجر يده المقطوعة المدلّى والدم ينزف منها وهو يصرخ من الألم بمواء غريب ذاهباً إلى حضن سيدته مـرجانة التي كانت تبكي وهي تشاهد موته ، والتي قالت: إنها لا تستطيع العيش بين هؤلاء القساة الجناة بعد هذا . لم أسمع أيّ خبـر عنها بعد ذلك .



#بهجت_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألوها هونولولو!
- صناعة الموت - فايروس إنفلونزا الطيور H5N1 المحوّر جينيّاً
- ستظلّ الليلة كالبارحة ما دامت البنية التحتيّة للإنسان لا تتغ ...
- قراءة ي كتاب ( ذكريات في مسيرة الحكم الوطني الملكي في العراق ...
- العودة من برلين إلى بغداد (1964)
- Von der Terrasse meines Zimmers,
- قصيدة بثلاث لغات
- حَيْرة أبي العلاء المعري بثلاث لغات
- هل تُصبح بعض الأساطير حقيقة واقعة بفضل التقنية الجينية ؟
- في انتظار البرابرة - للشاعر اليوناني قسطنطين كفافي (1863-193 ...
- أغنية مايس
- في حقول الفلاندرز (1914-1918)
- خماسيّة بثلاث لغات
- شركات التقنية الجينية تضع جيناتك في يديك ولكن بأيّ ثمن ؟
- وردة من سانتا مونيكا
- الخلية المُصَنَّعة ماذا تعني؟
- أربع قصائد – للشاعر الأسباني خوان رامون جِيمِنِز (1881-1958)
- تكلم أنت أيضاً *- للشاعر الروماني باول تسيلان (1920-1970)
- ميلاد فينوس - راينر ماريا ريلكه
- تساؤلات - للشاعر الأسباني فيديريكو غارسيا لوركا (1898-1936)


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهجت عباس - الشيخ والقطّ مرجان