أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهجت عباس - ألوها هونولولو!















المزيد.....

ألوها هونولولو!


بهجت عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3670 - 2012 / 3 / 17 - 20:59
المحور: الادب والفن
    



قد تكون اليقظة حلماً وقد يكون الحلم يقظة! أمّا ما يحدث لك فهو حقيقة ناصعة لا سبيل إلى نكرانها، وما تسمع من الآخرين أو ما تقرأ في الكتب عليك تمحيصه قبل تصديقه. ولكن هل انطلاقة الطائرة العملاقة من مطار لوس أنجليس مرتفعة عشرة كيلومترات تمزّق طيّاتِ الأجواء فوق بحر الباسيفيك وأنت جالس فيها لا تعرف مصيرك هو حُلمٌ في يقظة أم سباحة في خيال؟ لا غرو أن يطلب بعضهم كؤوساً من الشراب تذهب بعقولهم وتفكيرهم وتجعلهم يمرحون ويرقصون في نعيم موهوم . هي إغفاءة خفيفة في تفكير عميق يسحب السنين الخوالي في لحظاتٍ معدودات ويضعها أمامك كهدهد سليمان، ويجعلك تقارن الحاضر بالماضي ومسيرتك في هذا الزمن وقد مرّت عليك أقطار وبلدان كثيرة ومشاهد لا تُحصى من جِدٍّ وعبث وبعضها كان خطيراً. أهي الصدفة أم النباهة أم الحظ أم كلها مجتمعة قد وضعتك هنا ؟ ولماذا المُـرُّ من الحياة يبقى لازباً وما حلِيَ يذهب كزبد البحر؟ وهل نسيتَ ذلك اليومَ المجنون في وزارة النفط قبل أربعين عاماً حين أنقذك ألمانيّ من الوقوع في شَرَكِ عراقيّ (صديق) عندما كان يتباحث معه على صفقة نفط ؛ مقايضة ببضاعة ألمانية حيث كنت ممثلاً لشركة ميرك الألمانية التي انتدبتك لمساعدته في الترجمة والمفاوضات لإنجاح الصفقة ولإدخال النفط العراقيّ المحاصَر/ المقاطَع بعد تأميم شركة النفط العراقية (البريطانية) إلى أسواق ألمانيا ، وكان المسؤول العراقي قد ضغط على زرّ تحت منضدته لتسجيل حديثك مع الألمانيّ ، وذهب معتذراً بأنّه سيقابل المدير العام للاستشارة وسيأتي بعد دقائق معدودات . لاحظته وبقيت لا تصدّق ، أيفعلها وهو (صديقك) وأنت تساعده في مهمّته في رفع الحصار عن النفط العراقيّ المؤمَّم وقد قال لك إنّ همّ الوزير (وزير النفط) هو إدخال النفط العراقي إلى ألمانيا ؟ لو قلت للألماني مثلاً أن يعرض سعراً (بضع سنتات للبرميل) دون ما طُلِبَ منه لاعتبروه خيانة وتخريباً لاقتصاد الوطن فماذا سيكون مصيرك أيّها الغشيم ؟ لكنّ الألماني (فيرأك) ممثل شركة (برنتاغ) للنفط في ألمانيا، وطوله متران ونيف، شاهد ما عمله (الصديق) همس في أذنك أنْ لا تتكلم ! إنّه يسجّل حديثنـا ! وهكذا كان ! وهل تمّت الصفقة كما أُريد لها ؟ لمْ تتمَّ ! ثمَّ القرار بمغادرة هذا الوطن الذي سحق الأخيار والأشرار دون تمييز ولا رحمة ! وكان سفر إلى إنكلترا للدراسة وكيف عانيتَ في الحصول على قبول في إحدى جامعاتها وبعد الحصول على ما أردتَ عاودك الحنين ورجعتَ مرّة أخرى إليه و ظننتَ به الخير وكانت خيبة وهجرة مرّة أخرى إلى حيث لا تدري وزادُك الخيال الذي انقلب بعضه إلى واقع بعد كفاح. لماذا تنتاب الإنسان أشباح الماضي في الوقت العصيب؟ ذهب بي التفكير إلى أبعد من هذا وأنا معلّق بين السماء والأرض وتذكرت قصص ألف ليلة وليلة التي قرأتها في صغـري مرّات عدّة وحفظت أشعارها الجيدة والرديئة ومنها هذان البيتان :
مشيناها خُطىَ كُتبَتْ علينا ***ومَنْ كُتِبْتْ عليه خُطىً مشاها
ومَنْ كانت منيّتُـه بأرضٍ***فليس يموتُ في أرضٍ سواهــا
آه ما تزال الطائرة محلقة عالياً فوق البحر العميـق ولكنْ سلسلة الأفكار هذه انقطعت بعد ست ساعات من التحليق على نداء المضيفة أنْ شدّوا أحزمتكم فنحن متهيّـئـون للهبوط في مطار هونولولو ! الحلم إذاً تحقّـق! ها هو ذا المطار مقـفـراً عند منتصف الليل ولائحة على الجدار تقول (ألوها هونولولو) – مرحباً في هونولولو! ولكن أين نذهب، زوجتي وأنا؟ وجدت موظف استعلام في المطار جالساً في (مقصورته) فسألته إن كان ثمّة تاكسي أو حافلة تأخذنا إلى المدينة فقال هنا الطابق العلويّ من المطار وهناك حافلة تأخذكما إلى الطابق السفليّ من المطار حيث ستجدان كلَّ شيء من تاكسيات ومطاعم ومقاهٍ ، وقد صدق، فهناك كل شيء. أخذت تاكسي وطلبت من السائق الفليبيني السّحنة ، أن يأخذنا إلى فندق شيراتون برنسيس في وايكيكي وكنت حجزت فيه غرفة من سان دييغـو . أخذ يسوق ببطء والمطر يتناثر في منتصف الليل ، فتمتمتْ زوجتي: ما هي حدود السرعة هنا ؟ فعرف القصد من أننا نريد منه أن يُسرع فقد كان بطيئاً ليقرأ عدّاد السيارة أكثر ويستلم مبلغاً أكبر ، فلم يتكلم بل أسرع بعض الشيء وبعدها عرفت أنه لم يسلك الطريق السّريع (هاي ويْ) أيضاً ، بل سلك الطريق ذا المنعطفات الكثيرة إلى المدينة لتطول المسافة . وكان ما فعله إشارة أنْ نكون حذرين، فهذه جزر سياحية من الطراز الأول وفيها خداع كثير . وبعد خمس وعشرين دقيقة تقريباً وصلنا الفندق الجميل وكان عدّاد السيارة قـرأ حواليْ 27 دولاراً أعطيته ثلاثين ففرح وأعطاني بطاقـته مكتوباً عليها "أجرة مقطوعة من الفندق إلى المطار بثلاثة وعشرين دولاراً أيّ وقت". كان موظف الاستقبال في الفندق لطيفاً جدّاً وتبدو عليه السّحنة الصينية فأعطانا غرفة جميلة في الطابق الثاني والعشرين تطلّ على البحر. كان الصّباح الأول جميلاً بنسيمه الرقيق المنعش في منتصف ديسمبر. قررنا أن لا نتناول طعام الإفطار في الفندق بل في مطعم قريب كيْ نكون بين الناس وهو أرخص من الفندق على أيّة حال ، وما أكثر المطاعم هنا ولم نكن على عجلٍ من أمرنا هذا وخصوصاً كنّا شربنا قهوة في الغرفة حيث كانت مزوّدة بماكنة أوتوماتيكية وشاي وقهوة وبضع قطع من البسكويت وثلاجة فيها قنينتا ماء ! أخذنا نمشي في شارع وايكيكي الجميل ، الجزء الراقي من هونولولو ، وهو ما يشبه منطقة المنصور أو المسبح في بغداد ، فكانت الأشجار شديدة الخضرة الداكنة التي كان يحبهّا ريلكه ويصفها بربيع الحياة وبعضها معمّر يظهر من متانة جذعه العريض منتصباً على طرفي الشارع الذي لا يبعد عن سّاحل المحيط الباسيفيكي إلا بضعة أمتار. وجدنا مطعماً جميلاً اتخذنا فيه مقاعد خارجه ونحن بملابس صيفية فدرجة الحرارة كانت 24 درجة مئوية ، وكان طعام الفطور بسيطاً يتكون من بيضتين وقطعتي خبز وعصير الأناناس المشهور هناك وقهوة كلفنا 22 دولاراً فقط. وبعدها عرفنا أنّ هناك مخازن للمأكولات تبيع الطعام الحار والبارد أيضاً ولك أن تختار خليطاً من أيّ شي تريد بكلفة أقـلّ . كان علينا الطيران في الساعة الرابعة من ذلك اليوم إلى الجزيرة الجميلة كاواي (الجزيرة الحديقة كما تُسمّى) للبقاء فيها ثلاثة أيام نعود بعدها إلى هونولولو لقضاء يومين ومن ثمَّ الرجوع إلى سان دييغـو . مشينا ومشينا في شوارع هونولولو بضع ساعات عدنا بعدها إلى الفندق . ولما اتصلت بصاحب التاكسي الذي أعطانا بطاقته بالأجرة المقطوعة قال إنّه سيأتي ولكنّ وعده كان كوعد عرقوب. اضطررت أن آخذ تاكسي آخر كلفني 40 دولاراً ، ربِّما أخلف التاكسي الأول وعده لشدّة الازدحام في ذلك الوقت مما سيكلفه كثيراً ، وهذا يعني أنّ المادّة هي السائدة هنا أو في الحقيقة في كلِّ مكان ، لبعضهم على الأقلّ حيث لا قيمة للوعود . تعتبر هونولولو المدينة الأمريكية الثانية في ازدحام المرور بعد لوس أنجليس.
وهاواي تتكون من مئات الجزر البركانية ولكنَّ أكبرَهن ثمانٍ ، منها أواهو التي تقع فيها مدينة هونولولو وهي العاصمة في الوقت ذاته ، مدينة مزدحمة يقطنها 370 ألف شخص تقريباً عدا عشرات الآلاف من الزوّار. هذه الجزر البركانية التي نشأت حينما ثار البحر فهاج وماج وقذف من أعماقه الحمم اللاهبة التي كوّنت الجبال الرواسي والوديان والوهاد حيث الأشجار الوارفة بأوراقها الخضر الداكنة الأبدية ترعرت فأنبتت من كلّ زوج بهيج .
جزيرة كاواي
حلّقت الطائرة الصّغيرة Go! Makulele التي تُشبه حافلة ركاب في حجمها في الساعة الرابعة مساء على ارتفاع منخفض فوق المحيط الباسيفيك وكانت الحيتان تُرى قافـزة في البحر الأزرق الجميل مدة 29 دقيقة تماماً كما هو في جدولها لنصل مطار كاواي ومنه إلى الفندق الذي يقع على شاطئ يُسمّى شاطئ أشجار جوز الهند Coconut Beach ومنها أشجار عملاقة يتجاوز طولها 40 متراً وعمرها مائة عام . الطريق إلى الفندق مرتفعات ومنحدرات جبلية تزينها أشجار متنوعة كثيرة ، مثمرة وغير ذات ثمر. في الفندق ربطت اللاب توب بالإنترنت فكنتُ في هذه البقعة النائية من العالم غير معزول عن العالم . والواقع إنّ جزر هاواي تقع في وسط المحيط الباسيفيك في نقطة تبعد عن كاليفورنيا بحوالي 3800 كم وهو ذات البعد تقريباً عن كل من أستراليا واليابان باتجاهين آخرين مختلفين . وهذا ما جعل كل سكانها أقلية ، فلا أكثرية فيها أبداً ، فهم مزيج من صينيين وفلبينيين ويابانيين وبولينسيين أصليين ، وهي أصغر الولايات الأمريكية (نفوسها 1.36 مليون نسمة). وجزيرة كاواي الجميلة المسماة الجزيرة الحديقة ( Isle Garden ) التي يقطنها 66 الف نسمة موزّعين على أكثر من عشرين مدينة صغيرة وكبيرة ، هي أقدم الجزر في هاواي ، فقد خُلقتْ قبل ستة ملايين عام كما يُقال، والرابعة من حيث حجمها ، لذا توجد فيها الجبال الشامخة والوديان العميقة الغور مثل وادي وايمي العميق Waimea Canyon حيث يبلغ عمقه حواليْ الألف متر والبارك المشهور باسمها وهي الجزيرة التي صوِّرتْ فيها مشاهد كثيرة من الأفلام منها جوراسك بارك المعروف . في أول صباح فيها كم كان شروق الشمس ساحراً أحمر اللون ملقياً بنوره الصافي على البحر الأزرق الرائق وحفيف أوراق الأشجار يداعبها نسيم الصباح . وبالرٌغم من الشتاء ، فلا برد شعرنا به حيث جلسنا في مطعم الفندق على الشاطئ لتناول الفطور الغني (كان ضمن أجرة الفندق) ولكننا لم نأكل إلاّ بتحفّظ وخصوصاً زوجتي التي فقدت كلية واحدة أثناء عملية جراحية قام بها جرّاح بدرجة بروفيسور كنديّ في مستشفى جامعة تعليمية مشهورة عالمياً إذ نسيَ هذا (النطاسيّ الحاذق) أن يزيل المشابك الجراحية Surgical Clips عن الحالب التي وضعها قبل إجراء العملية وإهمال الطبيبة الإخصائية المشرفة عليها بعد العملية التي لم تتخذ أيّ إجراء لتشخيص الألم الحادّ الدائم الذي وجب أن لا يكون ، رغم الشكاوى المتكرّرة التي دامت أشهراً عدّة، ونصيحتها كانت أن تأخذ حبوباً مسكّنة مزيلة للألم ، وهي أيضاً أستاذة في الجامعة . فلا مدير المستشفى اعتذر رقم الأدلّة القاطعة ولا نقابة الأطباء جرّمتهما ولو بتوبيخ ، بل اعتبرت ما جرى أمراً طبيعيّاً وبقيا يزاولان المهنة في بلد (الديمقراطية) كأنَّ ما حدث لم يكنْ شيئاً مذكوراً ! . العدالة؟ ما أجملها؟ ولكن أين أجدها؟ في جولة سياحية في الجزيرة في سيّارة باص صغير كنا ستة أشخاص، دامت نهاراً كاملاً شاهدت حقول شجيرات القهوة الممتدة بضعة كيلومترات ، وجزيرة كاواي هي الجزيرة الوحيدة في الولايات المتحدة التي تُزرع وتنمو فيها القهوة على نطلق واسع ففيها 4 ملايين شجرة قهوة ممتدة على 3100 أكر (أكر واحد = 4046 م2) . في تلك المنطقة يوجد مخزن يعرض نماذج من القهوة في (سماورات) تزيد عن العشرين يستطيع أيّ واحد أن يملآ قدحه الورقي الموجود بجانبها من أيّ نوع مجّاناً مع السكر والحليب إن شاء ، سواء اشترى من المخزن بعضاً منها أو لم يشتر . مررنا بمزارع كثيرة وغابات ومدن صغيرة منتشرة على هذه الجزيرة وقد شاهدت الدّجاج والديوك البرّية تسير الهوينى بين المخازن وفي المتنزهات والحدائق بحرّية كاملة ، وتستطيع أن تصيد أيّا منها للطعام وليس لحبسها في أقفاص في البيت . ولما سألت عن كثرتها قيل لي بأنْ لا توجد أفاعٍ أو زواحف في هذه الجزيرة إذ قُضِيَ عليها تماماً بوجود حيوان النِّمس Mongoose الذي فتك بها. مررنا بغابات أشجار مُثمرة في غابات على مرتفعات جبلية فأخبرنا السائق المُرشد الذي كان يثرثر طيلة الوقت بأنّ الثمر من بابايا وكوافا وموز ومانجو وأناناس (وهو أحسن الأنواع وأطيبها في كاواي من أيّ مكان آخر) وغيرها متوفّر بكثرة في الربيع والصيف وإنْ كانت الأشجار مثمرة طيلة السنة للطقس الاستوائي الملائم فدرجة الحرارة تكاد تكون ذاتها في أي فصل من فصول السنة إن كان ثمة فصول. ومن حقّ أيّ إنسان أنْ يقطف ما يعادل كيلوغرامين تقريباً من أيّ ثمر يريد، مجّاناً كلّ يوم ! ثم كانت جولة نهرية (نهر ويلوا Wailua river ) في قارب رقصت فيه فتيات بولينيزيات على قرع الدفوف والأغنيات الشعبية المحليّة حتّى وصول القارب في النهاية إلى كهف السرخس (Fern Grotto) الذي تحيطه الأشجار الكثيفة والنباتات ويسرح الدجاج والديكة البرّية بينها دون وجل من أيّ حيوان أو إنسان. بعدها عاد القارب إلى حيث ابتدأ وعدنا في الباص إلى الفندق مارّين بمدن صغيرة وجبال ووديان جميلة مما يجعلك تنسى أنّك تعيش في عالم مضطرب .
بعد العودة إلى الفندق قضينا معظم الوقت بالتجوال في الشوارع المحدودة قرب الفندق أو بالأحرى الشارع الوحيد الني توجد على أحد جانبيه مخازن ومطاعم كثيرة وسوبرماركت للأغذية المتنوعة. الغريب أنّ الفواكه التي تنتج محلياً مثل البرتقال والموز والتفاح وغيرها تباع بضعف الثمن عما هو موجود في كاليفورنيا أو في كندا ، وكذلك الخبز والحلويات والمكسّرات و الأغذية الأخرى ، ربّما لأن الجزيرة تعيش على موارد السياحة الذي يكوّن 70% من دخلها القومي. أمّا جوز الهند المنتشرة أشجاره الفارعة الطول التي يصل طول بعضها إلى 40 متراً ، ويُرى جوز الهند عناقيد متدليّة من أعناقه ، فلا وجود له في المخازن! ولمّا سألت عن السبب قيل لي بأنّهم لا يقطفونه لأنّه يكلّفهم كثيراً فتراه متساقطاً على الأرض بجانب شجرته ومتحجِّراً ! وبعضاً من الوقت كنّا نقضي جالسين أو متمدّدين على كراسي الفندق المريحة بين الأشجار أو حول البحيرة الني تنعم بجوقة موسيقية كلّ مساء نسمع أنغاماً مختلفة وقد يرقص بعض نزلاء الفندق على موسيقى وغناء الجوقة . وقضيت وقتاً غير قليل أيضاً على الإنترنت أقرأ أخبار السرقات التي يقوم بها مسؤولون في العراق وصراع الفئات التي أصابها الحظ فنالت الحكم ، والتزوير والعمليات التخريبية والإرهابية أو أخبار الثورات الربيعية / الخريفية في البلاد التي كُتب لها أن تكون عربية فأرى آخرها أسوء من أولها ، وأبصر الجميع متهالكين لإشباع جشعهم بكل طريقة ممكنة، يحارب أحدهم الآخر بكلّ ما يستطيع ويتقاتلون دون هوادة للفوز بأكبر قطعة من الكعكة المحشوّة بكل ما يفتقده الفقراء في هذا العصر المختلف عما سبقه ، وأراهم هنا مسترخين يحترم أحدهم الآخر ولكنّي ما أزال أرى الحظّ غامضاً.
العودة إلى هونولولو
غادرت الطائرة Go! Mokulele الصغيرة جزيرة كاواي وفي أقل من نصف ساعة هبطت مطار هونولولو ومن هناك إلى فندق شيراتون برنسيس مرة أخرى لقضاء ليلتين فيه . وكانت فرصة أكبر من سابقتها لرؤية معالم هذه المدينة التي طالما سمعنا بها وتمنينا رؤيتها. فكان أن اتخذنا سفراُ سياحياً نشاهد أيّ مكان في المدينة بحافلة تسير فيه على الدوام وببطاقة نافذة المفعول لمدة 24 ساعة يستطيع حاملها أن يتوقف في أيّ بقعة من المدينة ويجول في شوارعها ومخازنها ومحلاتها وبعدها يستقل الحافلة أو الحافلات مستعملاً البطاقة الخاصة بها فقط للوصول إلى محلّ آخر والنزول في أيّ مكان تقف فيه الحافلة وهكذا. ومن هنا تسنّى لنا أن نزور معظم أنحاء المدينة ومركزها الداخليّ الذي كان مزدحماً بالناس ومكتظّاً بالمطاعم والمقاهي والبارات والمحلات الأخرى ، وصادف أن أمطرت السماء بعنف مما دخل الماء إلى الحافلة وجرى فيها ، فنوافذ الحافلة من دون زجاج ، فكان على ركّابها أن يتركوا مقاعدهم التي كانت عرضة للمطر وأن يقفوا في المكان الذي لا يصل المطر إليه . أما الجالسون على المقاعد التي لم يصل الماء إليها، فرفعوا أرجلهم عن الماء الذي كان يجرى تحتهم وكنّا من هذا الطرف ! فالسماء تمطر أكثر من عشرين مرة في اليوم ، بعض المطر يستمر بضع دقائق ويتوقف وتشرق الشمس بعده مدة قصيرة ، ثم تمطر مرّة أخرى وقد يستمر المطر أحياناً نصف ساعة أو أكثر . هذا في الشتاء. أما في الصيف، فلا مطرَ إلاّ نادراً، كما قيل لنا، فيسود الجفاف. لم نتمكّن من زيارة بيرل هاربر المشهور الذي يقع في الغرب من هونولولو والذي قصفه اليابانيون فاندلعتْ شرارة الحرب الأمريكية ضدّهم، لسوء الأحوال الجويّة. كنّا نمشي حذاء الشاطئ الجميل الطويل تارة وندخل المخازن والأسواق الجميلة المزوّدة بكلّ ما يرغب فيه السائح تارة أخرى . وفي اليوم الثاني أو الثالث من بقائنا في هونولولو غادرنا ظهراً إلى المطار عائدين إلى لوس أنجلس بعد طيران ست ساعات تقريباً ومنها إلى مدينة كارلسباد بمطارها الصغير جداً الجاثمة عليه طائرات صغيرة خاصة (ذات شخص واحد أو شخصين) بالأغنياء من ممثلين ومصرفيين ورجال أعمال وكان وصولنا في منتصف الليل ومن المطار إلى سان دييغـو التي وصلناها بعد سياقة نصف ساعة تقريباً وكانت رحلة هي إلى الخيال أقرب ، فلا يظنَّ القارئ أنّها كانت من وحي الخيال !



#بهجت_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة الموت - فايروس إنفلونزا الطيور H5N1 المحوّر جينيّاً
- ستظلّ الليلة كالبارحة ما دامت البنية التحتيّة للإنسان لا تتغ ...
- قراءة ي كتاب ( ذكريات في مسيرة الحكم الوطني الملكي في العراق ...
- العودة من برلين إلى بغداد (1964)
- Von der Terrasse meines Zimmers,
- قصيدة بثلاث لغات
- حَيْرة أبي العلاء المعري بثلاث لغات
- هل تُصبح بعض الأساطير حقيقة واقعة بفضل التقنية الجينية ؟
- في انتظار البرابرة - للشاعر اليوناني قسطنطين كفافي (1863-193 ...
- أغنية مايس
- في حقول الفلاندرز (1914-1918)
- خماسيّة بثلاث لغات
- شركات التقنية الجينية تضع جيناتك في يديك ولكن بأيّ ثمن ؟
- وردة من سانتا مونيكا
- الخلية المُصَنَّعة ماذا تعني؟
- أربع قصائد – للشاعر الأسباني خوان رامون جِيمِنِز (1881-1958)
- تكلم أنت أيضاً *- للشاعر الروماني باول تسيلان (1920-1970)
- ميلاد فينوس - راينر ماريا ريلكه
- تساؤلات - للشاعر الأسباني فيديريكو غارسيا لوركا (1898-1936)
- صدور كتاب جديد في ترجمات الشعر العالمي


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهجت عباس - ألوها هونولولو!