تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3768 - 2012 / 6 / 24 - 22:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الانقلاب الأبيض الذي قام به مجلس طنطاوي العسكري مستغلاً انشغال واصطفاف ملايين المصريين في الطوابير أمام صناديق الاقتراح، هذا الانقلاب خطط له جيداً من حيث الزمان والمكان، جاء من حيث التوقيت قبل أيام قليلة من قيام الإخوان المسلمين بزفاف الرئيس الجديد وهو في طريقه إلى قصر الرئاسة في القاهرة لأن هذا الرئيس من اختيارهم.
ذكّرنا هذا الانقلاب الأبيض حتى الآن بالانقلاب المضاد الذي قامت به قيادة الجيش الجزائري بقيادة الجنرال (خالد نزار) عام 1991، لقد تنكرت هذه القيادة لنتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الجزائر في تلك السنة، كانت نتيجتها مخالفة وغير منسجمة مع تطلعات قيادة الجيش لأنها فازت فيها الجبهة الإسلامية وحلفائها، رفضت قيادة الجيش الاعتراف بالنتائج وأخضعت البلاد لقوانين الطوارىء وأعقبها اعتقال العديد من قادة وزعماء الجبهة الإسلامية ، بررت قيادة الجيش الجزائري تصرفها هذا بأن السلفيين الذين وصلوا إلى الحكم بطريقة ديمقراطية سوف يستحوذون على الحكم سنين طويلة لأنهم لن يسمحوا بتغييره بالطرق الديمقراطية، بعد هذا الإنقلاب اجتاحت الجزائر حرب أهلية خاضها الجيش ضد الجماعات التكفيرية التي تدعى الجهاد، فقد قامت هذه الجماعات بقتل وذبح النساء والأطفال والمثقفين وغيرهم من القطاعات المدنية.
اليوم فإن التاريخ يعيد نفسه في مصر، ولكن الفرق بأن مجلس طنطاوي العسكري نفذ انقلاباته بخطوات تدريجية هادئة وباسم الثورة، مع أنه عدوها الأول، بدأت مراحل هذه الإنقلابات عندما وقف المجلس العسكري حاجزا أمام أجهزة القضاء المصري كي لا يقول كلمته الصحيحة والصادقة ضد مبارك وفلوله، جيّر هذا المجلس القضاء لصالحه كي تتم لعبة خداع المواطنين ويقوم بتمرير كل مخططاته ضد مطالب الشعب العادلة.
الخطوة الثانية من الانقلاب المضاد للثورة، جاءت أيضاً تحت غطاء القانون والشرعية بدأها بالسماح لمرشح الفلول بالاستمرار في الترشيح للرئاسة أيضاً بإسم الشرعية والقانون الصادر عن المؤسسة القضائية الخاضعة لسيطرة وتوجيه هذا المجلس، الخطوة الثالثة بدأها مجلس طنطاوي بضربة قلبت كل الموازين وفضحت أكثر نوايا هذا المجلس فقد صدر قرار باسم الشرع بحل البرلمان المصري وإغلاق أبوابه بالشمع الأحمر، ومع أننا نختلف مع غالبية أعضاء هذا البرلمان من الناحية الفكرية لكن أعضاءه يمثلون من اختارهم من أبناء الشعب المصري.
إن مجلس طنطاوي العسكري يحاول من خلال تصرفاته وتوجهاته الإعلامية أن يتقمص الدور الذي قام به مجلس قيادة الثورة بقيادة جمال عبد الناصر، لكن شتان ما بين ثرى مجلس طنطاوي الذي تربى ونشأ أعضاءه في محراب واشنطن وبين ثريا الضباط الأحرار الذين أضاءوا مصر بكاملها بالعزة والكرامة ومعاداة الامبريالية، عندما أيقن هذا المجلس بأن حصان الفلول الذي راهن عليه في انتخابات الرئاسة لم يصل إلى عتبات القصر الجمهوري، رأى بأن حل مجلس الشعب لم يعد كافياً للقضاء على الثورة، عندها وجه ضربته القاضية وسوف يتبعها خطوات أخرى.
قام بتكبيل أطراف الرئيس القادم لأنه من الإخوان المسلمين، جاءت الضربة من صنع معامل شرعية هذا المجلس ولا أحد يعرف من الذي منحه هذه الصلاحيات سوى تهديده بالسلاح الذي يملكه الجيش وتذوق أعضاءه حلاوة السلطة.
قام المجلس بضربته تحت عنوان (الدستور المكمل) هل يجوز اصدار ملاحق لدستور غير قائم بعد؟ كانت الذريعة عمل توازن في توزيع السلطات، من قال أنه من حق هذا المجلس التفريط بانجازات الثورة مع أنه امتدادا لعهد مبارك، والقاصي والداني في مصر وخارجها يعرف بأنه يتحرك بإيحاء من السفارة الأمريكية في القاهرة وبالتنسيق مع السفارة السعودية والمخابرات الإسرائيلية لم يكن قرار الانقلاب المذكور عشوائياً بل جاء في اللحظات الحاسمة والمصيرية من تاريخ مصر .
لم يستغرب أحدٌ من مباركة وسائل الإعلام الإسرائيلية لهذه الخطوة، فقد أثنت صحيفة يديعوت أحرونوت في عددها الصادر في منتصف الأسبوع الحالي على هذه الخطوة واعتبرتها ضربة معلم تصب في مصلحة إسرائيل.
ما أثلج قلوب الإسرائيليين قيام المجلس العسكري بتجريد الرئيس القادم من صلاحيات لم يعهدها العصر الجمهوري في مصر من قبل، في مقدمتها منع رئيس الجمهورية من التدخل في قرارات قيادة القوات المسلحة، إننا نعرف بأن رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات دستورية واسعة في غالبية دول العالم وفي مقدمتها الدول الديمقراطية كالولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وغيرها، من بين هذه الصلاحيات الدستورية اعتبار رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يصدر المجلس العسكري مثل هذا القرار في زمن حكم الرئيس المخلوع مبارك؟ إننا على يقين بأن المجلس العسكري كان سوف يستغني عن هذا الانقلاب فيما لو وصل مرشح الفلول إلى رئاسة الجمهورية.
إن هذا القرار سوف يترك المجلس العسكري مسيطراً على البلاد، من حقه وحده إعلان الحرب والسلم، من حقه إعلان حالة الطوارئ واستدعاء قوات الاحتياط ونشر الأسلحة الثقيلة في ميادين المدن وغيرها، من حقه الإشراف على كل أنواع التعاون والتنسيق الأمني مع أية دولة يريدها وهذا ما تريده وانتظرته إسرائيل، لأن ثورة 25 يناير لم تقطع التعاون الأمني الكامل بين مصر وإسرائيل تحت إشراف واشنطن.
من بين البنود التي نص عليها دستور الانقلاب، حق المجلس العسكري فقط اتخاذ الإجراءات التي يراها مناسبة للتعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات داخل البلاد كما أن من حق هذا المجلس وحده وضع الميزانيات الخاصة للقوات المسلحة دون تدخل رئيس الجمهورية، ادعى المجلس بأن هذه القرارات ستبقى جارية حتى يتم انتخاب برلمان جديد ووضع دستور دائم لمصر ومتى يتم ذلك لا أحد يعرف؟
هذا الانقلاب التدريجي على الثورة سيحول دون الاستقرار داخل مصر وسوف يجد المواطنون أنفسهم في هذا البلد يتعاملون مع دولة داخل دولة ومع نظامين مختلفين، هذا الوضع يذكرنا بالتصريح الصادر عن السفارة الأمريكية في القاهرة في شهر كانون أول الماضي، جاء في هذا التصريح بأنه في حالة فوز ممثل الإخوان المسلمين لرئاسة الجمهورية سوف يكون الشغل الشاغل لهذا الرئيس في القضايا الداخلية فقط، سوف يغرق في علاجه لقضايا العنف والفقر والبطالة والسياحة والتعليم والعشوائيات وغيرها.
لقد طمأنت صحيفة يديعوت الإسرائيليين بأن وصول مرشح الإخوان إلى الرئاسة في مصر لم ولن يعكر العلاقات بين الدولتين خاصةً بعد هذا الانقلاب، وأضافت أنه باستطاعة كل طيور التطبيع من اليهود التحليق في سماء مصر متى يريدون وسوف يجدون رئيس المخابرات المصرية اللواء مراد وافي بانتظارهم وسوف يستقبلهم بالحفاوة التي كانوا ينعمون بها قبل أن يصبح مرسي رئيساً للجمهورية.
#تميم_منصور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟