أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حبيب هنا - محمودالغرباوي الغائب الحاضر















المزيد.....

محمودالغرباوي الغائب الحاضر


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 3758 - 2012 / 6 / 14 - 23:33
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


ما زلت لا أصدق أن رفيقنا بالأمس مات ، مضى ولم يعد ، رفيقنا محمود الغرباوي الذي كنت بين الحين والآخر التقيه بالصدفة المحضة ، غير أنها محببة ومفعمة بالأشواق .. نتحدث فيها عن المزاج العام ، عن الأدب والسياسة ، عن الأحوال الصحية لكلينا ، كأننا على موعد مفاجئ لمرض يحاول التسلل إلى أجسادنا والفتك بها، منذ تم اعتقالنا على يد الاحتلال في نفس الفترة الزمنية تقريباً ، وأحيانا يأخذنا الحديث لأكثر من ساعة متواصلة ونحن وقوفاً دون الشعور بأدنى تعب .
لقد كان الغرباوي الذي رافقته معظم الوقت خلال العشر سنوات التي أمضاها في اعتقاله الأول ، أكثر من مجرد شخص ، خاصة ، عندما تتغلغل إلى مملكته الداخلية التي بناها بالكتابة السياسية والأدبية ،بغية نشر الوعي بين الرفاق الجدد لدرجة لا يمكن الفصل فيها ما بينه كسجين وبين القضية التي سجن لأجلها فتماها معها تماماً ، الأمر الذي تأكد دون شك بعد خروجه من الاعتقال ومواصلة الكفاح والعودة إلى السجن بعد قيادته لمنظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة على مدار أربع سنوات هي المدة الفاصلة بين الاعتقالين .
ويحسب له أن تلك المرحلة كانت من أدق مراحل العمل الوطني باعتبارها جاءت في أعقاب نكوص وتراجع العمل الثوري برمته ، بل وكذلك حافظ خلالها على مبدأ العمل السري ،وبالتالي نهض بالجبهة الشعبية نهوضاً ملحوظاً لم يسبق له مثيل على مستوى العمل الوطني .
ولا ريب أنه كان يرى في الوطن ورفاقه ما يستحق التضحية لأجلهما أكثر بكثير مما أعطاهما ، وهذا وحده كفيل بإعطائه نفساً جديداً وإصرارا غير محدود وتوتراً بيناً ووضوحاً صارماً على تقديم المزيد من التضحيات ، وهذا بحد ذاته كان يكفي لتميزه عن الآخرين . فضلاً عن فكره ووضوح رؤاه وتعبيراته اللغوية التي تمزج بشكل خلاق بين السياسة والأدب .
بهذا المعنى تشبع جسده بالبرد والحزن وقليل من الفرح ، على نحو لا يدركه إلا منْ خاض التجربة بكل قسوتها.
ولئن كانت الجدران الصماء والقضبان الحديدية والسجان الذي يرقبه يشكلون عالمه الوحيد ، فان جمالية الجانب الآخر من الصورة يضيء حياته على الدوام بفكرة سيطرت على عقله : لا تتحرر الأرض والإنسان إلا بمزيد من التضحيات !
ثمة في السجن وحشة ، غير أنها وحشة تعطي للحقيقة وجهها الطبيعي . فعند درجة معينة من الاكتئاب يبدو الرفاق بإصرارهم الزاخر والصمود المتواصل هم الثروة الطبيعية لشعب ووطن ينتظران تحررهم من قبضة السجان بفارغ صبر حتى يصلوا بهما إلى نهاية الطريق وترتفع عيونهم إلى السماء ويشربون معاً من نقاء الليل وصفائه .
وهكذا بدأت بين الغرباوي الذي اعتقل منذ بواكير شبابه علاقة غرامية بفلسطين ورفاقه ، وهي علاقة سجل عنها في قصيدته يقول :
"بالأمس مات رفيقنا الذي مضى ولم يعد
بالأمس مات
لم ، ولم يمت ذات يوم بسمة الأطفال
لم يدس نبتة خضراء في الجنوب
لم يشعل الحروب
في دير ياسين والسموع والأحراش ..
بالأمس مات لم، لأنه آمن بالحياة حتى الموت " ..
وطوال فترة الاعتقال لم يكف عن مغازلة الوطن كأن به فتاة أحلامه حتى تلبسته فصار من الصعوبة بمكان الفصل بين الغرباوي وفلسطين ، فلسطين العروس والمستقبل والعدل والمساواة وانفتاح الأفق أمام طوفان نوارس البحر والغوص معها في الأبيض المتوسط والاسترخاء على رماله الصفراء والأخذ بالضحك الذي يفرد جناحي المحبة على الحضور .
أنى لي أن أجزم بأن الغرباوي لم يكن شخصاً عادياً ، بل هو رمزاً لدرب من الطهارة والنقاء والحلم والحب لوطن وشعب غاب عنهما في فاجعة مفاجئة فأصابهما الحزن إلى ما لا تعلمون .
ويقيناً قريباً سنشعر بأهمية هذا الغياب عندما لا نستطيع التطهر من شرور حياتنا اليومية وانتصاب سؤال هل جاء خريف منْ ضحوا بأجمل سنوات أعمارهم في غياهب السجون من أجل فلسطين قبل الأوان وبدأت أوراقهم بالتساقط ؟ وهل هي دورة الحياة تنتهي لتبدأ من جديد بأناس جدد لا نعرف شيئاً عن مقدار استعدادهم للتضحية ولا عن طهارة أنفسهم ؟ ..
ولم يكن إيمان الغرباوي العميق بفكرة التضحية مجرد أقوال ، بل وصلت ذروتها عند اعتقاله الأخير حيث حاول الانتحار عندما أذاقه المحققون مختلف أصناف العذاب بغية انتزاع الاعترافات منه ، وذلك من خلال ضربة رأس وهو مكبل وأمام المحققين للمكتب الذي يجلسون خلفه والذي يعتليه لوح زجاج سميك ، الأمر الذي شج فيه الرأس ولم تصب الجمجمة وتفلح محاولته .
من هنا ، على منْ يعرف الغرباوي عن قرب ، أن يحاول جاداً صياغة الإيماءات التي كان يبديها إلى أفعال حتى يتمكن من اكتشاف عالمه الحقيقي الذي أمضى حياته من أجل بلورته بأشكال ووسائل تؤدي في النهاية إلى تحرير الوطن والإنسان في ظل العدالة والمساواة تحت كنف دولة القانون . حينئذٍ فقط سيتاح له أن يرى أهمية هذه المحاولة في سياقها الموضوعي .
وإنني هنا أدعي أن محاولاته الجادة بإبداع أشكال مختلفة من الصمود لا يمكن تفهمه إلا عندما نتعرف على القيم التي تتحكم بسلوكه اليومي على مدار سنوات الاعتقال . كما أنها تُدخل الفعل في إطاره الملائم حيثما أمكن ، وإذ أراد لهذه الأفعال أن تبلغ درجة السمو ، فهذا لأن السمو نوع من العبث ،خاص ، فقط ، بالذين نذروا أنفسهم للموت على نحو ما في سبيل فكرة آمنوا بها حتى النهاية .
وعليه ، فان الغرباوي الذي عاش حياة البؤس في مخيم البريج أسوة بآلاف اللاجئين ( رغم ما أتاحه موقعه في صفوف الجبهة الشعبية من تغيير مكان سكناه ) حتى اللحظات الأخيرة من حياته بعد أن هجر من بلدته الأصلية "زرنوقة" إلا أنه آثر العيش في مركز المأساة لا أن يرقبها عن بعد حتى لا يغيب عن باله لحظة واحدة وجوب تحرير الوطن ، وتجلت أشكالها بالعذابات وحياة الحرمان التي تعرض لها كما آلاف المعتقلين الفلسطينيين . على أن هذا الأمر لم يكن بمعزل عن دراسته الواعية لتجارب حركات التحرر العالمية والأفكار الأفكار التي آمن بها والقادرة وحدها على قيادة حركة التحرر والوصول معها إلى النهاية الظافرة .
وإذا كان لا بد من الإشارة إلى بعض منجزه ،على سبيل المثال ، فالغرباوي أول من أصدر مجلة أدبية في سجون الاحتلال تجاوز عدد صفحاتها المئتي من القطع الكبير ، أسماها " الأرض " غير أنه لم يقيض لها استمرار الصدور جراء حملات المداهمة ومصادرة الأوراق والكتب من قبل إدارة السجن . ناهيكم عن كونه رئيساً لهيئة تحرير المجلات الحزبية " الرفاق " " الهدف الصغير " " الصمود" ألثورة مستمرة " "الحياة الجديدة " .. الخ وهذا بحد ذاته تحدياً آخر واستمراراً لدوره النضالي الذي يلائم ظروف الاعتقال .
وبعد ، هل بعد كل هذا وفي أعقاب الغياب المفاجئ سيبقى منه ، فقط ، الاسم والصورة الفوتوغرافية أو ربما أكثر قليلاً ، أم أنه لزاماً على رفاقه أن يكرموه على نحو خاص لم يسبقه أحد إليه من قبل ، وهو فعلاً أكثر من يستحقه بكل المعاني والمعايير؟ .
فهو من قال عنه " الحكيم " بعد أن أنهى مدة اعتقاله الأول وخروجه من السجن : "الآن أصبح لدينا منظمة حزبية في قطاع غزة " .
طوبى لك رفيقنا ، فأنت الآن تحتضنك الأرض التي أعطيتها حبك .. قر عيناً أنت الآن تنفض عن كاهلك تعب المسير وعبئ المسؤولية .. تسلم الأمانة لرفاق سائرين على هدى خطاك .. لقد قدمت ما عليك للوطن والرفاق ، والآن جاء دورهم ليقدموا ما عليهم وأحسب أنهم فاعلون ..
قر عيناً يا رفيق ونم هادئ البال ، غداً موعدنا مع الدولة التي حلمت وسيكون نصبك في قلوب الجميع .



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد سعدات .. الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
- تونس بين الأمس واليوم
- الفصل 30 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 29 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 28 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 27 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 26 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 25 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 24 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 21 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 20 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 19 من رواية تصبحون على غزة
- الأول من أيار
- الفصل 18 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 17 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 15 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 14 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 13 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 12 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 11 من رواية تصبحون على غزة


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حبيب هنا - محمودالغرباوي الغائب الحاضر