أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الدين.. والتبعية!..















المزيد.....

الدين.. والتبعية!..


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3758 - 2012 / 6 / 14 - 17:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


• الدين.. والتبعية..
"الدين هو رأي من لا رأي له!".
"كلّ ما زاد عن حدّه، انقلب إلى ضدّه!".
" هل يوجد الدين بلا عبودية؟"..
بالنسبة للذين يرجع تكوينهم الثقافي لما قبل العصر الأمريكي، ترتبط صورة الدين بالتقوى والورع والنزاهة والصدق، وسواها من القيم الخلقية اللامادية. لكن مفهوم الدين اليوم يختلف تماما، بل يتناقض مع مفهوم الدين السابق. هذا المفهوم هو جزء من ثقافة العصر المادية الاستهلاكية غير المنتجة، واقتصاد السوق التجاري المفتوح في كافة الاتجاهات. وبالنتيجة.. انتهى الورع والصدق والتعفف الديني في ظل الانغماس الرائج في مستنقع الماديات والنزعة الاستهلاكيةوالتنافس في الثراء ومظاهر البهرجة وحب الظهور.
قبل التغير العصري، لم يكن الدين مهنة أو عنوانا وظيفيا، بقدر ما كان خدمة طوعية أو أدبية يقوم بها من له الرغبة والمقدرة. الأمر الذي حفظ للدين ورجل الدين درجة من التقدير الاجتماعي والمكانة الخاصة. يومها كان الناس يقصدون رجل الدين عند اقتضاء حاجات معينة، قد لا تكون دينية تحديدا. لكن التغيرات الكبيرة في أنماط المعيشة والمفاهيم، استتبع تغيرا جذريا في كثير من مجالات الحياة والقيم الثقافية، ومن ضمنها الدين. ولعلّ من أسوأ تلك التغيرات، هو وقوع الدين –فكرا ونظاما- في تبعية السياسة والاقتصاد [الهيمنة ونظام السوق].
يعتبر مؤرخو المسيحية أن ارتباط المسيحية بالدولة في أواخر حكم الامبراطور قسطنطين ( 323م)، أسوأ التحديات التي انعكست سلبا على المسيحية. وكان تدخل القيصر في أمور الدين سببا رئيسا في شق الكنيسة إلى شرقية وغربية (451م). ثم استمرار انشقاق كلّ منها على نفسها. ولعلّ من الدروس الأثيرة التي لا تحظى باهتمام أحد، الآثار السلبية على انتشار المسيحية (الاسمية) وتوسعها الجغرافي. وتشكل الحروب الصليبية ذروة الكوارث المترتبة على فكرة امبراطورية الدين ودين الدولة؛ والتي كانت عتبة رئيسة لأكبر انشقاق كنسي في القرن الخامس عشر على يد مارتن لوثر.
لكن عدم ادراك الآثار الحقيقية السلبية دفع الأمور باتجاه تكرار الظاهرة الرومانية، في صورة [الدولة الاسلامية] بمشروع امبراطوري توسعي تحدى نفوذ الامبراطورية الرومانية وسعى لاقتصاص أراضيها من الأطراف الشرقية الجنوبية. فلا غرو.. أن تقع الدولة الجديدة في نفس أخطاء الدولة الرومانية وتتجاوزها، إذا أخذنا بنظر الاعتبار، أن الامبراطورية الرومانية لم تكن شوفونية عنصرية، ولم تتدخل في خصوصيات الشعوب الخاضعة أو المرتبطة بها، وفي حالات معينة، تركت لهم نوعا من الحكم الذاتي أو شبه الاستقلال.
ان من مساوئ الدين السياسي الرسمي، هو الاغراء الذي يجتذب البعض لتسلق عربة الدين في سبيل الارتزاق واستسهال نمطية المعيشة والوجاهة المجانية في المجتمع.
من الآثار السلبية لتاريخ الاسلام السياسي، هو جملة الاشكالات الكارثية الأقرب لاستحالة الحل، التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وفي المقدمة منها التمذهب الطائفي، وآثاره الاجتماعية السيئة.
يصف المؤرخون حرب داحس والغبراء باعتبارها أطول حرب في (أيام العرب) وكانت مدتها خمسين عاما. ولكن الصراع الشيعي- السني في الاسلام، هو أطول صراع من نوعه في العالم. ان معظم مصائبنا ذات طابع ديني، وكلّ ذلك من آثار الدولة العربية الاسلامية، أو الاسلام السياسي بعبارة أخرى. لقد كان لهذه البلدان [شمال أفريقيا وشرق المتوسط] أن تواجه مصيرها بحسب ظروفها وخصوصياتها لولا أنها وقعت تحت طائلة حسابات غير مدروسة وغير قابلة للحلّ اليسير.
لقد يبدو أن هدف الاسلام – حركة سياسية اقتصادية - توحيد القبائل العربية في الجزيرة تحت زعامة قريش. ولكن هذا الاسلام السياسي، نفسه، سرعان ما شقّ قريش نفسها، كما شقّ الاسلام نفسه، إلى شقين، خندقين، اسلامين. وإذا كانت القبائل العربية، البدوية، قادرة على الاجتماع في أسواق التجارة مثل عكاظ، والاتحاد في أطر (أحلاف قبلية/ قبائلية)، فأن شقي قريش والاسلام، ما زالا عصيين على أي اجتماع أو تحالف، بقدر ترشح المستقبل عن صراعات أكبر، وأخطر.
ويلحظ أن معظم الدول والدويلات والامارات التي ظهرت منذ ظهور الاسلام حملت طابعا دينيا طائفيا أو مذهبيا. بل أن صراع المذاهب كان سببا رئيسا للاضطهاد السياسي الديني أو عدم الاستقرار الذي قلب الدول على نفسها، مثل الدول الدينية في شمال أفريقيا.
ومن أمثلة تدخل الدولة في الدين/ تدخل الدولة الدينية في حياة الناس، انشاء مدارس دينية كالأزهر من آثار حكم الفاطميين لمصر، وأثره في تسييس الدين في مصر. فغالبية رجال الدين وشيوخ مصر من خريجي تلك المدرسة الجامعة. ورغم الأثر الثقافي لتلك المدرسة، والمرتبطة بسياسات دولة محمد علي العصرية، فأن اتجاهات الجمود والانغلاق كانت ردّ فعل على الانفتاح العصري، مدفوعة بأسباب سياسية أكثر منها دينية أو ثقافية. ان مصير اصلاحات دولة محمد علي [1769- 1848 ] في مصر، لم يختلف عن مصير اصلاحات السلطان العثماني أحمد الثالث [1673- 1736]، في زيادة التزمت الديني انتهاء بسقوط الامبراطورية العثمانية. وقد سقطت دولة محمد علي فعلا على أيدي العسكر، وسقطت دولة العسكر وما زال التزمت والمبالغة في التدين ديدن مجتمعات الشرق الشرق، إلى جانب مزيد من التبعية والعجز والضياع.
فوجود الدين كمؤسسة دولة رسمية، أفرز عبر التاريخ طبقة عريضة من حاشية الارتزاق الديني، لا تقل خطورة عن حاشية الارتزاق السياسي والرسمي. واذا أخذنا بنظر الاعتبار عمر الدولة الدينية، وأفترضنا نسبة معينة للحاشية المرتزقة لكل سنة، سيظهر رقم مهول لملايين المرتزقة والتنابلة على مدى تاريخ العرب.
ثلاثة عقود من حكم مبارك في مصر أنتجت عند مناوئيه مصطلح [الفلول] لتصفية غير الموالين في العملية السياسية الجديدة، كما شاع في العراق تعبير [البعثيين أو أذناب النظام السابق]، ولكن الجماعات الدينية التي تستخدم الدوغما لتسويق لغتها التصفوية، لا تختلف عن الأنظمة السابقة لها، وقد نجحت في انتاج طبقات شعبية [ذيلية] ذات تنظيم تراتبي بحسب الأعطيات ونظام الغنائم الوظيفية، تعتاش على دماء الناس واستغلالهم.
*
في السبعينيات أنشأت الحكومة العراقية فروعا للدراسة الدينية تحت عنوان (الشريعة) ملحقة بكليات التربية المختصة بتخريج كادر تدريسي. وقد تم توظيف بعض خريجي الشريعة لادارة المساجد المرتبطة بالدولة. بتلك الطريقة، ساهمت الدولة (العلمانية) بتوفير كادر أكاديمي ديني، آخذ بالاتساع والزيادة الدورية السنوية، وبشكل تعجز فرص العمل المتاحة في التدريس والمساجد، عن استيعابهم. ومع اضطراب عوامل الاستقرار في البلاد منذ الثمانينيات، كان لأولئك الخريجين دور في دفع حركة المد الديني السياسي إلى أقصاه في البلاد.
فالتوسع الديني -أكادميا- إضافة لظروف الحروب والكارثة، انعكس سلبا على العامل الثقافي العلماني أو المنفتح في العراق، وبالشكل الذي انعكس على ملامح الهوية الوطنية العراقية، أو بورتريه الشخصية العراقية، فوسمها بملامح غير أصيلة، لم تكن كذلك قبل عقود قليلة. فقد كان للنظام السابق، اضافة للتغيرات الاقليمية والدولية، دور في خدمة حركة المدّ الديني التي تستغرق مجتمعاتنا. بل ان اصطباغه الديني – بعد الغزو- عزله عن مضمونه العلماني العصري، وجعله يلتصق بالعربة من الخلف، متناسيا تصريحاته القديمة في ربط الجماعات الدينية بالخارج، واليمين العالمي.
حركة المدّ الديني لم تقتصر على الجانب الاسلامي، انما تعدّتها للجماعات الدينية الأخرى، كالمسيحية التي تشكل الديانة الثانية في بلادنا. معاهد الدراسة المسيحية محدودة قياسا للمعاهد والكليات الأخرى. ورغم تطور ملحوظ في تلك الفترة، فأن تأثيراتها تبقى نسبية، لمحدودية نسبتهم لحجم السكان. وتعتبر مصر الدولة الأولى عربيا في عدد الكليات المسيحية ونسبة الخريجين، وذلك على تعدد الطوائف الدينية فيها. كما تساهم مصر بالحصة الرئيسة - على صعيد العالم- في تجهيز المؤسسات والبرامج الدينية بالكوادر البشرية، سواء من المسلمين أو المسيحيين. وتمثل مصر - مصدر- الموارد البشرية الرئيسة، ليس لسوق العمل العربية والعالمية، وانما، بدرجة أشد، في سوق العمل الديني وبرامج التبشير والدعوتية العالمية.
*
فالدين.. بدأ ممارسة فردية أخلاقية روحية، يجتهد فيها المرء حسب قدراته، سرعان ما تحول إلى مؤسسة اجتماعية ثقافية دوغمائية، تجاوزت دوافعها الأولية إلى غايات شمولية ذات أساليب تنافسية ووسائل ميكيافيللية لا تتورع عن انتهاك حقوق الأفراد وحرياتهم واضطهادهم، لتحويل المجتمع الانساني إلى مجتمع قطيعي، يسهل سوقه وابتزازه لخدمة حفنة اقطاعية تتربع على قمته، وتحصد ريع أتعاب الآخرين. بعد مقولة نيتشه، تظهر مقولة كريلنغ (لقد مات الدين)، وهو يتحدى ضمن واقعه المسيحي أن يطبق رجال الدين النصوص التي يعظون بها، لكنهم يعظون بها لمجرد التسويق والاستهلاك، لتثبيت مواقعهم.
موت الدين هو انفصاله عن مضامينه الخلقية الانسانية، ولهاثه الأعمى وراء المال والسلطة والسيطرة، ومن أجل ذلك، لا بدّ من استخدام الناس لدفع العربة!.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين.. والسيطرة*!
- الدين.. والطبيعة
- اللغة والزمن..
- فيزياء الروح وروح الفيزياء
- يسألونك عن الروح..
- المفهوم المادي لسرعة الزمن..
- الدين.. وعبادة الموتى
- مصطفى سعيد الآن!..
- الدين.. وتغليف فكرة اللا جدوى بالشوكولاته
- هل الدولة شرّ؟!!
- عمال بلا عيد
- الدين.. والحرية
- الدين والسياسة
- الناس بين الإله وموظفيه!
- علم الأديان المقارَن.. والدرس الديني
- الدين والعقل
- قطار البصرة
- هل الدين علم؟!..
- رسالة من شهيد
- فردتا حذاء


المزيد.....




- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الدين.. والتبعية!..