أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الدين.. والسيطرة*!















المزيد.....

الدين.. والسيطرة*!


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3756 - 2012 / 6 / 12 - 19:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدين.. والسيطرة*!
كلّ دين هو مشروع سياسي، وكل مشروع سياسي يهدف للسيطرة!.
في سنوات طفولتي.. كانت توجد أكياس طحين في بيتنا.. لأن والدتي كانت تصنع الخبز في البيت، مثل كثيرين في تلك الأيام، ولم يألف الناس شراء الخبز من السوق. بعض العزاب والغرباء هم الذين كانوا يرتادون الأسواق للتبضع، أما أهل البلد فكانوا يؤمنون حاجاتهم بأنفسهم، أو بالتكافل والتضامن فيما بينهم. وقد لاحظت، وأنا أنظر في كيس الطحين الأبيض، نقطة سوداء.. سرعان ما تصير نقاط سود. وكانت تلك النقاط تأخذ بالحركة على السطح، رغم عدم وضوح أية أرجل أو أعضاء لتلك النقطة، التي قد تحسبها لصغرها، مجرد نفاية.
لم أكن أعرف تشارلز دارون [1809- 1882]. ولكنني بعد جدل قصير مع والدتي، قالت أن هذا عادي. هذا دود. وهي تقوم بتنظيف الطحين أو الرز أو العدس أو حتى السكر المسحوق قبل استخدام. كان منظر (الصينية) الدائرية، والطحين أو العدس وغيره يتقلب ويدار من هذا الطرف لذاك أمرا مألوفا، ونوستالجيا هذه الأيام. عرفت أن الدود يتولد من التراب والأشياء البسيطة التي تبدو ميتة. البكتريا والدود تتولد أيضا من النفايات والمواد العضوية المتفسخة. لماذا تظهر الصراصر في المرافق الصحية وحيّة السلمان على جدران الحمام، والجراد والذباب حول الأطعمة؟.. من أين يأتي النمل في شقوق الأرض أو الجدران؟.. وبعض هذه الكائنات ترتبط بظروف مادية ومناخية معينة، ولا توجد في كل مكان وزمان. إذن..
من الأشياء الميتة تولد حياة..
من الجائف يعطي حلاوة/ نص انجيلي
ولكن العكس هو صحيح أيضا. فمن الحياة يخرج الموت، ومن الحلو والطيب تخرج (جيفة)!..
من سطح الحياة الاجتماعية السائدة ظهر (الدين).. ولكي يبرّر وجوده ويستمرّ، هو يعتاش على قشرة المجتمع، ويتطفل على هوامش الحضارة والمدنية.
ليس الدين ظاهرة في كل المجتمعات، ولكنه يشيع في الشرق الأوسط والمناطق الجنوبية.. والديانات العالمية والاشكالية اليوم مصدرها الشرق الأوسط.. لماذا؟!!..
*
للدين ارتباط وثيق من خلال شخصية ابراهيم وسارة (أور جنوبي العراق) بنقطة التحول في تاريخ سومر، من مرحلة الدول المدينية إلى الدولة المتحدة أو الامبراطورية. وما بين ظهور زعامة سرجون الكبير وقيام بابل، تظهر شخصية ابراهيم ورحلته صعودا على امتداد مجرى الفرات نحو ارام وكنعان في حوالي الألفين قبل الميلاد. وابراهيم هو أبو الانبياء أو الناقل الأول لفكرة الدين لمرحلة نوعية جديدة. وما تزال الديانات الابراهيمية حافلة بخيوط وملامح سومرية وبابلية وآشورية، تم تذويبها في التقليد العبراني والاسلامي. لماذا انتسبت كلّ الديانات الكتابية لابراهيم، ولماذا لم تظهر شخصية أخرى نظيرها؟.. معنى هذا أن الصراع بين الديانات ليس شرقيا وغربيا، انما هو صراع عائلي حول السيطرة والزعامة، مثل صراع اسحق واسماعيل، يعقوب وعيسو، سليمان وأبشالوم، رحبعام ويربعام، يهوه ويسوع!..
حركة النهضة الأوربية ولدت الحركة الاستعمارية، والاستعمار ولد حركة التبشير الديني.
[علم، عسكر، دولة، دين]
فالمنجزات العلمية والعقلية انتجت الثورة الصناعية والنهضة الاقتصادية، وهذه ولدت حاجة للأسواق ومصادر المواد الخام، فدخلت الدولة الامبراطورية ميدان التنافس الدولي للسيطرة على العالم.
ولتدعيم مناطق السيطرة الكولونيالية استخدمت دولة الاحتلال، نقل ثمارها الحضارية والثقافية فتجعل البلاد الخاضعة امتدادا ثقافيا واقتصاديا لها..
ولم يكن للغزو الثقافي أن يستكمل أغراضه بدون انتشار الدين. حيث شاركت الكنيسة الأوربية في حركة الأنوار، كهامش- على قشرة الغزوات العسكرية الامبراطورية.
في سنوات الحرب العالمية الثانية قامت قوات الحلفاء بتوزيع راديوات ترانسستور في أفريقيا، لتمكين سكان المستعمرات من متابعة أخبار انتصاراتها العسكرية، وكان الترانسستور جديدا يومذاك. انه رمز عظمة المستعمِر. كذلك هي خدمة الانترنت والفضائيات والموبايلات اليوم، رمز عظمة الغازي.
تحويل العالم إلى قرية كبيرة كهدف للنظام الاقتصادي العالمي الجديد، أمر وارد منذ سبعينيات القرن الماضي، وكانت الانتلجنسيا العربية تردّده من باب التغني برفاه دولة المستقبل. وقد تحقق هذا الحلم أخيراً.. ولكن ليس ببراءة الحلم، وليس من غير خسائر تاريخية كبرى، بالنسبة للعرب، والعراق تحديدا.
عندما انفردت الولايات المتحدة بقطبية السياسة الدولية، بدأت حملة غزوات عسكرية وسياسية مختلفة الاتجاهات، – يقارنها البعض بالامبراطورية الرومانية!- استتبعت نشر خدمات الانترنت وشركات الموبايل والبث التلفزي الفضائي في مستعمراتها الجديدة.
الغزو الأمريكي حيثما حصل، لم يكن في معزل عن حملات التبشير الديني الأمريكية*، كحلقة أساسية من حلقات الغزو أو النظام الأمريكي الجديد. وقد وصل بعض تلك الحملات، تحت مسميات مختلفة، منذ (1991) وأنشأ له مراكز في شمال العراق. وبعضها انطلق من الشمال إلى المناطق الأخرى في حملات مكوكية مؤقتة. بل أن بلدان شرق المتوسط تتمتع بتغطية مرموقة من قبل شبكات التبشير من المغرب حتى الباكستان، سواء على صعيد المنظمات الاجتماعية أو وكلائها ومندوبيها المحليين، إضافة لبرامج البث الفضائي الموجهة، وسيما القنوات المسيحية بمختلف اللغات المتوسطية، وخدمات النت الموجهة لهذا الغرض.
عربيا.. توجد عشرة قنوات فضائية مسيحية من داخل الولايات المتحدة الأمريكية. فيما توجد قناة واحدة تبث من السويد، وأخرى من قبرص أو مصر. وتساهم الكنائس والجاليات العربية في الغرب بدور أساس في دعم النشاط التبشيري وبوسائل وأساليب مختلفة وكثيرة.
*
لقد أفلحت حركة الاستعمار التقليدي قبل قرنين في نشر حركة الكنائس في عموم القارة الأفريقية، وبشكل جعل أحد الوعاظ يعتقد أن النهضة المسيحية المقبلة-ربما كانت الآن- سوف تنطلق من أفريقيا. واليوم تتزعم الولايات المتحدة الأميركية نشر المسيحية (الأمريكية) في الشرق الأدنى والأقصى من آسيا. ويفتخر كثير منهم أنه لم يبق مكان في العالم لا يُكرَز فيه (بكلمة الانجيل).. وهو من علامات الساعة عندهم!..
والسؤال.. ماذا بعدُ.. لقد انتشرت المسيحية في أفريقيا.. ولكن صورة أفريقيا لم تتغير كثيرا.. فالمجاعات والحروب الأهلية والكوارث لم تتراجع.. والأوضاع السياسية والثقافية لها لم تتحسن. وبالمقابل زاد معدل الهجرة الأفريقية نحو الشمال والغرب.
فما هو المفعول السحري الذي سيعقب انتشار حركة الكنائس في أسيا.. هل سيغير صورة الفوضى التي تتهدد مستقبل شعوبها، أم أن معدلات الهجرة سوف تتجاوز معدلات التنمية وانتاج النفط فيها؟..
*
العالم العربي والاسلامي، هو نتيجة للامتداد الامبراطوري الثقافي العربي منذ القرن السابع الميلادي. ان الغزو- حاضرا أو ماضيا- ليس أمر مجردا بذاته، وانما هو نظام مركب، سياسي/ عسكري، ثقافي ديني ملتف على بعضه، بحيث لا يمكن فصل أجزائه، أو قبول بعض منه ورفض سواه. فاللغة العربية وثقافة البداوة والدين السياسي هو محاور واقع الشرق الأوسط السائد، منذ أثني عشر قرنا. وحين يحاول غزو امبراطوري أميركي اختراق النظام الثقافي والسياسي للشرق الأوسط، ستجد المنطقة نفسها أمام برنامج مركب، ليس من اليسير فصله عن بعضه!. هذا البرنامج الذي بدأ من عقدين أو ربع قرن، تشكل التغيرات السياسية وفوضى (الربيع العربي) الخلاقة واحدة من مستوياته ومراحله.
وعلى مستوى الواقع.. اتسع مجال اللغة الانجليزية (الأمريكانية) كثيرا في مجتمعاتنا، وزاد التعامل مع منتجاته الثقافية والتقنية. وزاد الاهتمام بالموسيقى وأغاني البوب في صفوف الشباب ومنتديات التواصل الاجتماعي الالكتروني. وإلى جانب المؤسسات الاقتصادية والسياسية والأكادمية، فهناك انتقال مبرمج للقيم والثقافة الأمريكية، غير منفصلة عن الغزو العسكري والسياسي والاقتصادي للمنطقة.
بعض هذه المظاهر، أحدثت ضجة اجتماعية مثل ظاهرة (الايمو)، ربما بسبب توقيتها المتسرّع، أو الرغبة في هزّ قاعدة المجتمع، وربما أرادت الحكومة استخدامها لأغراض تكتيكية لمشاغلة الرأي العام العراقي. وبين حين وآخر تنتشر صور في اليوتيوب والموبايل حول ممارسات جنسية أو اخلاقية منسوبة لبعض السياسيين أو شيوخ الدين، أو حتى بعض الاعلاميات. ومن الجدير هنا استذكار ردود الفعل الكبيرة حول نشر صور معاملة سجناء ابي غريب في حينها، وما تردد مؤخرا – قبيل مباراة فريقي العراق والأردن- حول قوم لوط، هو لعب على نفس الوتر. لماذا يجري التأكيد على مجال القيم الخلقية منذ الاحتلال الامريكي؟.. في نفس الوقت، يظهر تساؤل حول مغزى تشجيع المظاهر الدينية وانتشارها في ظل الغزو، بينما تتزايد معاناة الناس من نقص الخدمات وانعدام الأمن وتزايد مظاهر الجريمة والفساد والشعوذة وانتشار الخرافات، مما يرفع معدل التناقض في المشهد الاجتماعي السياسي للعراق. زيادة التناقضات ودفعها إلى أقصاها، هي وسيلة بالمنظور الاجتماعي السياسي، لتدمير التوازنات الأساسية للشخصية الاجتماعية والفكرية، ليسهل اختراقها والسيطرة عليها.

ـــــــــــــــــــــــ
• يذكر العنوان بكتاب الدكتور أبي الحسن بني صدر (النفط والسيطرة)، والذي يتوافق مع مفهوم الهيمنة الدولية أو الاستعمار.
• ادعى جورج دبليو بوش أن اتخاذه قرار غزو العراق كان بأمر من الروح القدس. ويرى دامون لنكر.. "أننا نعيش مرحلة نهضة دينية".. في ضوء قراءته للسياسة الأمريكية وذلك في كتابه: The Theocons: Secular America Under Siege (2006)- [A Theocon conspiracy has so successfully captured Washington that US has become a de facto theocracy- as one might say: the home of faith-based politics, faith-based science,.. faith-based foreign policy and faith-based attacks on civil liberties.], See: A. C. grayling, AGAINST ALL GODS, Pub. Oberton Books- 2007, London.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين.. والطبيعة
- اللغة والزمن..
- فيزياء الروح وروح الفيزياء
- يسألونك عن الروح..
- المفهوم المادي لسرعة الزمن..
- الدين.. وعبادة الموتى
- مصطفى سعيد الآن!..
- الدين.. وتغليف فكرة اللا جدوى بالشوكولاته
- هل الدولة شرّ؟!!
- عمال بلا عيد
- الدين.. والحرية
- الدين والسياسة
- الناس بين الإله وموظفيه!
- علم الأديان المقارَن.. والدرس الديني
- الدين والعقل
- قطار البصرة
- هل الدين علم؟!..
- رسالة من شهيد
- فردتا حذاء
- من عذابات حرف السين


المزيد.....




- حرس الثورة الإسلامية يعتقل 5 جواسيس للموساد في لرستان
- آية الله مكارم شيرازي: الشعب الايراني يقف خلف سماحة قائد الث ...
- الدلالات الرمزية والدينية لتسميات العمليات العسكرية الإسرائي ...
- في انتظار نهاية العالم.. السيرة الدينية لسفير أميركا في إسرا ...
- أحلى قناة لطفلك.. تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات ...
- معارك -آخر الزمان-: كيف تؤثر العقائد الدينية في المواجهة بين ...
- سياسي يهودي من حزب مانديلا: بريطانيا مسؤولة عن فوضى الشرق ال ...
- ماما جابت بيبي.. استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- الاحتلال يواصل إغلاق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة لليوم السا ...
- سياسي يهودي من حزب مانديلا: شعب إيران لا يستحق الهجوم عليه م ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الدين.. والسيطرة*!