أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - شريف صالح - الجهاز يلعب بذيوله















المزيد.....

الجهاز يلعب بذيوله


شريف صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3742 - 2012 / 5 / 29 - 08:37
المحور: المجتمع المدني
    



قبل ثورة 25 يناير مثل بعدها، توجد كتلة ضخمة جداً إلى درجة أن البعض ـ لفرط ضخامتهاـ يعمى عن رؤيتها، تتمثل فيما أسميه"الجهاز البيروقراطي" للدولة المصرية.
يعتبر هذا الجهاز الأضخم في العالم، مقارنة بعدد السكان، ويضم ملايين من العسكريين وأفراد الشرطة والقضاء والأجهزة الأمنية بأذرعها الإعلامية، وجيش ضخم من الموظفين يتم توظيفه في كافة الكرنفالات الاستعراضية بدءاً من فوز المنتخب بأمم أفريقيا وانتهاء بحشده في أتوبيسات للتصويت للرئيس وبرلمانه. وقد تحالف هذا "الجهاز" الهائل طوال حكم مبارك مع طبقة طفيلية من الأثرياء أداروا الإعلام بالوكالة لحساب الأجهزة الأمنية. كما باع هذا الجهاز الدولة بأراضيها وثرواتها لحسابه، ووظف أدواتها لضمان بقاء هيمنته وإفقار جموع المواطنين وإعادة إنتاج التخلف، وإهدار بمرور الوقت كل قيم المواطنة.
ومن المستبعد إدراك تعقيدات اللحظة الراهنة، دون الوعي بهذا "الجهاز" وتحالفاته وقتاله للحفاظ على مصالحه، فهو أكبر من أعضاء المجلس العسكري، والأجهزة الأمنية، ورجال الأعمال. ولا يمكن مقارنته مثلاً بسلطة "القصر" ومؤسساته قبل ثورة يوليو.
وللأسف على الأرض، وعلى صعيد الممارسة، استهان كثيرون من التيار الثوري بكفاءة هذا الجهاز أو نظروا إليه نظرة جزئية، وسنضرب أمثلة دالة:

1. رغم اغتيال السادات، وحالة الفوضى، والفقر، وسجن النخبة، ومعاهدة السلام، وتمرد الأمن المركزي، ومقاطعة الدول العربية.. نجح "الجهاز" في تصعيد شخص محدود الذكاء والكفاءة مثل مبارك وترسيخ حكمه لثلاثين عاماً، ليس لعبقريته، بل لعبقرية هذا الجهاز.

2. تجزأت نظرة الثوار بأن جوهر المشكلة في "العسكر" أو في وسائل إعلام تشوه الثورة، أو الفلول، أو الحزب الوطني، أو جهاز أمن الدولة الذي بالكاد تم تغيير لافته إلى "الأمن الوطني"، أو القضاء الذي لم يصدر حكماً واحداً جديراً بالاحترام على قتلة الثوار ولصوص الشعب! لكن الحقيقة إن هؤلاء جميعاً هم مجرد تروس في ماكينة هذا الجهاز الذي يقود ثورة مضادة على أوسع نطاق، لضمان عدم تفكيكه بزعم أن ذلك تفكيك للدولة المصرية نفسها!

3. كان من المفترض أن تكون الخطوة الأولى للثورة هي تفكيك هذا "الجهاز" وإزاحته من الهيمنة على مفاصل الدولة، لكن الحقيقة أنه استعادة سطوته سريعاً، فجميع الوزراء سواء في الداخلية أو الخارجية أو الثقافة أو المالية، هم من أبناء الجهاز البيروقراطي، من الصفوف الثانية والثالثة التي لم تحترق إعلامياً وتسوء سمعتها، ونادراً ما تولى وزير محسوب على الثورة فعلاً.. وجميع قيادات الجامعة والقضاء والإعلام والرياضة وغير ذلك من المحسوبين مباشرة على نظام المخلوع.. ويكفي أن الجنزوري رئيس الوزراء العجوز جاء به المجلس العسكري من "مخازن استعمال مبارك"

4. نجح هذا الجهاز في استنزاف طاقة الثورة في مجازر ماسبيرو، بورسعيد، مجلس الوزراء، العباسية وغيرها.. وشغل قيادات التيار الثوري بقضايا خلافية أوثانوية مثل: نعم أو لا للإعلان الدستوري، الرئيس أولاً أم الدستور اولاً، مدنية أو دينية الدولة، امتيازات الجيش، محاكمة المدنيين أمام قضاء عسكري، أزمة المؤسسات الدولية العاملة في مصر، جنسية والدة أبو إسماعيل.. وعشرات المعارك المتفاوتة في أهميتها، بلا رؤية حقيقة ولا ترتيب جاد للأولويات، وكلها كانت كافية لتشتيت قوى الثورة وشق الصف.

5. عبر أبواقه الإعلامية الضخمة (وزير الإعلام الحالي نفسه هو رئيس سابق للشؤون المعنوية في الجيش) خاض الجهاز حرباً دعائية لخلط الأوراق وتنفير الشعب من كل ما له صلة بالثورة، بدءاً من اتهام البرادعي بالخيانة والعمالة والإساءة إلى سمعته وليس انتهاء بشيطنة "التيار الإسلامي" كله، والتفزيع من فتنة طائفية، والتلاعب بجهل وعواطف وأوهام الكتلة المحايدة أو ما يسمى "حزب الكنبة".

6. عبر أذرعه الأمنية، وافتعال الحوادث أو التقصير في الأداء، أو إطلاق "البلطجية" تحت سمع وبصر الجميع، واستغلال الشعور الفطري بالحاجة إلى الأمن كأولوية قصوى تسبق أي أولوية عداها. قدم "الجهاز" نفسه باعتباره الضامن والحامي الأوحد لذلك.

7. بعد عام ونصف من التخطيط والعمل المضني، وطرح مجموعة من "الكروت" مثل عمر سليمان، عمرو موسى، منصور حسن، المجلس الاستشاري، وأخيراً أحمد شفيق، نجح الجهاز في فرض الأخير على ضعف قدراته، باعتباره المرشح الضامن للاستقرار وتحقيق الأمن، وحدث توجيه مدبر لاختياره، بعد تشتيت قوى الثورة، لضمان دخوله الإعادة. وفق السيناريو نفسه الذي اعتمده مبارك لثلاثة عقود إما أنا أو الفوضى، الاستقرار أو فزاعة الإخوان. وهكذا وجد الشعب نفسه أمام خيارين بائسين في الإعادة ما بين "مبارك معدل/شفيق" أو فزاعة الإخوان! وبذلك نكاد أن نقترب من إعادة إنتاج النظام، بعد عملية تجميل بسيطة لزوم الفوران الثوري.

8. أعلن المجلس العسكري باستمرار أنه على الحياد وعلى مسافة واحدة من المرشحين، وجهاز الشرطة قال ذلك، وكبار قضاة الدولة كرروا الكلام ذاته.. فمن الذي أصر فجأة على منصور حسن رئيسا توافقياً (آت من مخازن استعمال السادات)؟ ومن الذي دفع عمر سليمان فجأة للسباق؟ ومن الذي استبعد شفيق ثم أعاده وحرك ماكينة ضخمة خلفه كي يصل إلى الإعادة؟ هل وفر شفيق مصروفات حملته من راتبه كضابط كبير متقاعد أم من عمله كوزير؟ وهل ترشيحه لأنه رئيس الحكومة المسؤول عن معركة الجمل أم لأنه قائد عسكري سابق؟ ولماذا تم التلاعب بقانون العزل السياسي على هذا النحو بتواطؤ أو سذاجة التيار الإسلامي في البرلمان؟ يضاف إلى هؤلاء أربعة أو خمسة من مرشحي الرئاسة دخلوا فقط ل "التشويش" والدليل أن أحدهم جُمع له "30"ألف توكيل وحصل على أربعة ألاف صوت فقط! هؤلاء جميعاً هم أقنعة في مسرح العرائس يحركها جهاز لا يريد التنازل عن السلطة المطلقة والثراء الفاحش. وكلا الأمرين لا يتحقق إلا عبر إذلال الشعب وإهدار كرامته واستنزافه مالياً، في نظام أقرب إلى "السخرة" يتساوى في ذلك الفلاح أو الموظف البسيط الذي يعمل لسنوات طويلة بلا عقود ولا تثبيت!

9. لو أعدنا شريط 16 عشر شهرا منذ خلع مبارك، سنجد أن هناك عشرات المجازر والأحداث والتصريحات والإشاعات وصولاً إلى طريقة إدارة انتخابات البرلمان والرئاسة بما يضمن استبعاد القوى الثورية، وإعاقة كتابة الدستور، كلها تدل على أن "الجهاز يلعب بذيوله في كل اتجاه". فالمجلس العسكري الذي وعد بتسليم السلطة في ستة أشهر، ثم وعد بتسليمها في 14 شهراً، يوشك ـ إن صدق ـ أن يترك السلطة ـ ولو ظاهرياً ـ والبلد بلا دستور، وفي ظل حكومة بيروقراطية هزيلة، وبرلمان تعيس، ودون محاكمة جادة للقتلة واللصوص، وبانتظار فوز اسوأ مرشحين يستحقهما الشعب المصري، وكأنهما عقاب له على ثورته!

10. إن الدولة ليست مجموعة من المباني و لا عدد غفير من الشرطة والقضاة والجنود والجامعات، فكل هذه التمظهرات التي يتجلى من خلالها "الجهاز البيروقراطي" إن لم تكن نتاجاً لعقد اجتماعي، ونسق من القيم المدنية والإنسانية، فهي ليست أكثر من "ديكور" جميل لكل أشكال القهر. فما فائدة الشرطة والجامعات وعشرات المحاكم وآلاف الثكنات العسكرية إذا كانت القيم المتفشية في الدولة كلها سلبية مثل الرشوة والمحسوبية والنهب، والجهل والخرافة واستغلال النفوذ والإذلال والتسلط وانعدام الكرامة؟ (لا أظن أن مصرياً يختلف معي في مدى تكريس تلك المنظومة!) فهل نتوقع أن جهازاً بيروقراطياً عتيداً تشكل وترسخ وفق ذلك، أن يحمي ويؤسس لنسق مغاير يعبر عن قيم الحرية والقانون والعدل والمواطنة والكرامة الإنسانية؟
لا أود أن أصور هذا الجهاز بالكائن الخرافي الذي لا يُقهر، لأن شباب 25 يناير قهروه فعلاً، فذاب في ساعات أحد أضخم أجهزة الشرطة في العالم. لكنه ليس بالخفة التي يتصورها البعض، ولن تنجح في إزاحته الرؤية الجزئية، أو ترويج الوهم الرومانسي بأنه صانع الثورة وحاميها، إلى آخر الألعاب اللغوية المبتذلة.
لن تستطيع أي قوة منفردة، لا اليسار، ولا القوى المدنية، ولا الإخوان، ولا السلف، في تفكيكه. هنا لا أتحدث عن "حلم بناء دولة" (مدنية أو دينية).. بل عن هدم جهاز ضارب بجذروه إلى حوالي مائتي عام.
وبما أن "الإخوان" في سكرة احتكار السلطة في مجلس الشعب، وعدد من النقابات، وتأسيسة الدستور، والإعادة على منصب الرئيس.. فهم يتوهمون أنهم "قادمون". لكن الحقيقة أنهم يخسرون يوماً بعد يوم مبررات الثقة فيهم، ويجعلون كفة "الكتلة الصامتة والمحايدة" تميل إلى تأييد هذا الجهاز برغم كل عيوبه التي يعاني منها الشعب كله بلا استثناء: الفقر، البطالة، الرشوة، تدني الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.
وبلغة الفقهاء فإن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة، ومن ثم، فقبل أن نتكلم عن بناء دولة، وعن توزيع مناصب كما ألمح محمد مرسي، يغيب عن الكثيرين، من المتطرفين الهائمين عشقاً في "الدولة المدنية" ومن المولعين بحلم استعادة "الخلافة الإسلامية"، أننا إزاء لحظة مشاركة لا مغالبة، اصطفاف لا تخوين. وما يفعله "الجهاز" بالفرقاء السياسيين ينبع من حكمة استعمارية قديمة نحفظها جميعاً عن ظهر قلب:"فرق تسد"، لكننا في كل مرة نسقط في فخاخها!



#شريف_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا انتخبت حمدين صباحي؟
- صباحي وأبو الفتوح.. بيع الوهم
- خيرت الشاطر حامل -الحصالة-
- الإخوان المسلمون وفلسفة القراميط
- إيجى راجح.. أهلا وسهلا
- من مواطن مصري إلى الرئيس الأسد
- نهاية مأساوية لرجل متفاءل
- عشر أمهات للبصق على وجه مبارك
- وكل عاشق قلبي معاه (ليس رثاء لإبراهيم أصلان)
- دفاعاً عن نجيب محفوظ ضد الشحات
- اللص الهارب في أربع حكايات
- صدور نجيب محفوظ وتحولات الحكاية بمناسبة مئويته
- تفاحة الديمقراطية المسمومة
- الثورة قامت.. ونامت
- لا تخفي علاماتك
- الدنيا على مقاس -سلفي-
- مائة ألف شاعر في كل عالم افتراضي.. يهيمون
- آن لك أن تتقيأ.. في دول اللاجئين
- ملاحظات حول اللحى الخمس
- نادراً ما يموت كاتب عربي حر.. هذا هو فاروق عبد القادر!


المزيد.....




- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - شريف صالح - الجهاز يلعب بذيوله