أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف صالح - لا تخفي علاماتك














المزيد.....

لا تخفي علاماتك


شريف صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3384 - 2011 / 6 / 2 - 15:39
المحور: الادب والفن
    



راحلون، لا يغادرون روحي! روحي المسكونة بأطيافهم!
أراك الآن،
أراك كلما أردت أن أراك،
قادماً وحدك من بعيد بهيئتك الصعيدية: الطاقية الصوف والشال والجلباب الغائم بين درجات البني والرمادي. تمشي رافعاً ذيله وتشمخ بخطوك دون مبالغة. في عينيك ابتسامة، خجل الطفل وبراءته. سمرتك من سمرة النيل وطيبتك من طيب طميه ورائحتك الزكية هي رائحة روحك.
أراك مبتسماً حليق اللحية والشارب، فأتطلع إلى آثار قدميك خلفك.. لأرى بستان حب وحنان لا يراه إلا العارفون.
ياااااه!
مر بنا الزمن كالومضة.. كطرقة عابر سبيل على باب لم يُفتح له. عقد من الزمان مرّ بيننا لم نلتق فيه إلا أياماً معدودات. نجلس أنا وأنت فلا يدور بيننا إلا أقل الكلام.
لفتة عين تكفي لتأكيد محبتنا.
كم مرة غفونا على كنبتين بعد الظهر وتقاسمنا هواء مروحة واحدة تطن في سقف الغرفة.
كم مرة مضينا سيراً على الأقدام.. بمحاذاة نيل المنصورة.
كم مرة تلامست أكتافنا في أزقة ضيقة.. أو جلسنا بعد صلاة الجمعة منصتينِ إلى حديث الشيخ الشعراوي؟!
تسألني عن موعد الأذان ثم تمضي إلى صلاتك. حياتك كلها كانت صلاة كأجمل ما تكون الصلاة. مازالت خشونة صوتك المحببة تتردد في أذني. فليبق صوتك محيطاً بحركة روحي.
أراك قادماً في هيبة الولي الزاهد العفيف.
منذ الرؤية الأولى، رأيت علامات الولاية بادية على صفاء وجهك، روحك الشفيفة.. ، صمتك، نسيانك الدائم، قلبك المشغول بغير الدنيا، وصبرك الجميل.
كل ابن آدم يعرفك يشهد لك بأنك لم تبدُ يوماً غاضباً ولا عاتباً.. كنتَ خادم الأهل وأنت سيدهم. مثل طفل عجوز تصغي إلينا بابتسامتك التي تسعنا جميعاً. تحمل أحفادك "جمل الملح".. تمازحهم وهم يداعبون علامات شيبك.
يااااه!
هكذا فجأة! نلوح بأيدينا.. نظرات ودموع وراء زجاج المطارات في القاهرة.. في الإسكندرية. ولو كنتُ أعلمُ الغيب لودعتك بما يليق بك وأنت تُلقي علينا نظرتك الأخيرة!
بكيتُ طويلاً لأنني لم أعلم أنها النظرة الأخيرة! فلفرط ما كنتَ تبدو عادياً في أحوالك لم ينكشف لنا سرك. هل تظن أن اسمك منسوب إلى سيدي "الفرغل" هكذا عبثاً؟! أولستَ الغصن البكر لأبيك الورع الذي ارتضاه المسلم والنصراني حكماً؟! ألا يقولون إن كل نبي يأكل من عمل يده؟ وأنت عشت عمرك كله تأكل من عمل يدك، أو كما قال السيد:"خبزاً كفافاً أعطنا كل يوم".
ألا يقولون إن أنبياء الله لا يورثون ديناراً و لا درهماً؟ وأنت عشتها طولاً وعرضاً ليس لك حساب في بنك، و لا عقار باسمك.. عشتها هكذا.. فرحاً بما أُعطيتَ غير آسٍ على ما لم تُعط.
كل ابن آدم يعرفك يشهد لك بأنك عشتَ عمرك كله ابناً باراً بوالديك.. حنوناً تحت أحن قدمين. ولم يخطر على بال أحدنا أن تلحق بأبيك بعد شهرين فقط. هو اختار أن يقضي عيد الفطر معنا ثم غادر.. وأنت اخترت العيد الكبير علامة على رحيل مباغت وموجع.. آثرت ألا تطيل الغيبة عمن أحببتَ وتعلقت به روحك سبعين عاماً.
تمنيتَ أن تموت في الصعيد حيث ولدت.. فمتَ فيه.. تمنيتَ ألا تمرض وألا تعبث بك يد طبيب.. فودعتنا فرحاً راقصاً بين أولادك في عرس ابن أخيك. ألم أقل لك: علامات الولاية بادية عليك؟! فمَن غير الولي يسير القدر وفق رغباته.. يهتف لها:"كوني" فتكون؟! ومن منا تكتمل دائرته كما يحب ويرضى؟!
لا يحتاج القطب إلى من هو مثلي كي يخبره بالصلة والمقام! تذكر عندما رويت لي كيف لجأت إلى الله كي لا يُجند أبناؤك.. كي لا يغيبوا عن عينيك يوماً واحداً. يومها ابتسمتُ لقناعتك أن الله استجاب لك فوراً فلم يُجند منهم أحد. لو حدث ذلك مرة واحدة لقلت:"صدفة" لكنه حدث مرات! فمثلك لا يعرف وساطة البشر ولا الخنوع للمتحكمين في رقاب البشر.
لستَ ملكاً من ملوك الدنيا لكنك ملك من ملوك القلب والمعنى. لديك من النعم ما لو أدركه الملوك لقاتلوك عليه، ومن المعرفة ما لم يعرف علماء وأنت الأُميّ بهي الفطرة الذي لم يقرأ كتاباً.
فطرتك النقية نقاء اللؤلؤ، كانت بوصلتك التي لا تخيب. فلستَ ممن يفنون أعمارهم من أجل منصب ومال وجاه. ومثلك لا يظهر في تلفزيونات ولا تعلق له صور في ميادين. مثلك غريب فيها وهو ـ في حقيقة أمره ـ أمة في المحبة واستقامة النفس.
كثيرون كنا حولك.. متكالبين على حيواتنا، منفضين إلى أشغال لا تنتهي وأنت قطبنا الزاهد عن كل متاع، تراقبنا بعين المحبة المطمئنة. فلك السلام يا أعز الناس.. سلام من كل من عرفتَ.. من الشجر الذي رويت.. والحجر الذي تعرفه ويعرفك.. والشارع الذي مشيت.. من كل كسرة خبز أكلتها هانئ البال، وكل بيت من بيوت الله فيه سجدت.
حرمتني غربتي من أن أقبل جبينك قبلة أخيرة يا أطهر وأنقى من عرفتُ.. فلعله يشفع لي أنني سأبقي وفياً للعهد.. عهد ربط بين ولي لا يكشف علاماته ومريد رأى العلامات فآثر الصمت!
وسأبقى ما حييت أراك قادماً من بعيد، بطقوس الأولياء المخفيين في عباد الله.. ولو سئلتُ يوم الحساب: هل رأيتَ يوماً ما ولياًً، سأقول: أجل، رأيتك.



#شريف_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدنيا على مقاس -سلفي-
- مائة ألف شاعر في كل عالم افتراضي.. يهيمون
- آن لك أن تتقيأ.. في دول اللاجئين
- ملاحظات حول اللحى الخمس
- نادراً ما يموت كاتب عربي حر.. هذا هو فاروق عبد القادر!
- فتاة أوباما
- أسامة أنور عكاشة.. مؤسس الرواية التلفزيونية
- الكاتب العربيد والقارئ القديس
- مصطفى صفوان: السلطة المحتكرة لا تحب الحق إلا باعتباره من اخت ...
- ذكريات قد لا يعرفها نصر حامد أبو زيد
- -مثلث العشق- مجموعة قصصية جديدة للكاتب شريف صالح عن دار العي ...


المزيد.....




- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية
- فيلم -البحر- عن طفل فلسطيني يفوز بـ-الأوسكار الإسرائيلي- ووز ...
- كيف تراجع ويجز عن مساره الموسيقي في ألبومه الجديد -عقارب-؟
- فرنسا تختار فيلم -مجرد حادث- للإيراني بناهي لتمثيلها في الأو ...
- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف صالح - لا تخفي علاماتك