أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - أنور خوجا و الجدلية مقتطف من- فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ - لج. وورنار العدد 11 من - الماوية : نظرية و ممارسة -: الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.















المزيد.....



أنور خوجا و الجدلية مقتطف من- فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ - لج. وورنار العدد 11 من - الماوية : نظرية و ممارسة -: الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3733 - 2012 / 5 / 20 - 21:04
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


أنور خوجا و الجدلية

مقتطف من" فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ " لج. وورنار

العدد 11 من " الماوية : نظرية و ممارسة ": الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.

===================================================================

مقدّمة العدد الحادي عشر من " الماوية : نظرية و ممارسة ": الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.
أنور خوجا يقلب الحقائق التاريخية رأسا على عقب ويقود هجوما دغمائيا تحريفيّا على الماركسية- اللينينية - الماوية .

توفّي ماوتسى تونغ فى 9 سبتمبر 1976. و بعد شهرين ، فى نوفمبر 1976 ، عقد حزب العمل الألباني مؤتمره السابع و جاء فى تقرير اللجنة المركزية ، على لسان أنور خوجا :
" إنّ الإنتصارات التاريخية التى حققها الشعب الصيني فى ثورته و بنائه الإشتراكي العظيمين و إنشاء الصين الشعبية الجديدة و السمعة الكبيرة التى يتمتّع بها فى العالم ، مرتبطة بإسم القائد العظيم ، الرفيق ماو تسى تونغ و تعاليمه و قيادته. و يمثّل عمل هذا الماركسي-اللينيني مساهمة فى إثراء نظرية البروليتاريا و ممارستها. و الشيوعيون و الشعب الأبانيين سيحييان على الدوام ذكرى الرفيق ماو تسى تونغ الذى كان صديقا كبيرا لحزبنا و شعبنا...

لقد مضت ألبانيا و الصين قدما فى دكتاتورية البروليتاريا و فى بناء الإشتراكية اللتين خانهما التحريفيون ، ألبانيا و الصين اللتان ظلّتا وفيتين للماركسية-اللينينية، و دافعتا عنها بتصميم و أعلنتا حربا إيديولوجية ضروسا ضد تحريفية خروتشاف و أتباعه . الشيوعية لم تمت ، على العكس ما كانت تتمنّى البرجوازية، و قد إبتهج الإنتهازيون و التصفويون قبل الأوان".

وفى بيان مشترك لبعثات الأحزاب الماركسية-اللينينية لأمريكا اللاتينية ( بعثة الحزب الشيوعي (الماركسي- اللينيني ) الأرجنتيني ، و بعثة الحزب الشيوعي البوليفي ( الماركسي- اللينيني ) ، و وبعثة الحزب الشيوعي البرازيلي ، و بعثة الحزب الشيوعي الكولمبي ( الماركسي- اللينيني) ، و بعثة الحزب الشيوعي الثوري الشيلي، و بعثة الحزب الشيوعي الماركسي-اللينيني الإكوادوري) الحاضرة فى المؤتمر السابع لحزب العمل الأباني بتيرانا ، ألبانيا ، نوفمبر 1976، نقرأ :
" 8. وجهت البعثات الحاضرة تحيّة عالية و عبّرت عن عمق ألمها لوفاة الرفيق ماو تسى تونغ ، رئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، و قائد لا جدال فيه للشعب الصيني ، و ماركسي – لينيني عظيم و معلّم كبير للبروليتاريا و الشعوب المضطهَدة فى العالم بأسره. فى ظلّ القيادة الحكيمة للرفيق ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ، خاضت البروليتاريا و خاض الشعب الصيني حربا ثورية و إفتكّا السلطة و شيّدا الإشتراكية فى الصين. و هكذا غدت الصين المتخلّفة و الخاضعة للإمبريالية ، بلدا إشتراكيّا معاصرا ،و حصنا حصينا للثورة العالمية.و كذلك فى ظلّ قيادة الرفيق ماو تسى تونغ ، جرت معالجة بطريقة صحيحة لمشكل الهام لكيفية مواصلة الصراع الطبقي فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا و الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين. لقد رفع الرفيق ماو تسى تونغ بصلابة راية الماركسية- اللينينية و أطلق النضال ضد التحريفية المعاصرة ، مساهما هكذا بحيوية فى إعادة تشكيل الحركة الشيوعية الماركسية- اللينينية العالمية. و ستظلّ مسيرته كمقاتل ثوري و أفكاره التى طوّرت الماركسية- اللينينية حاضرة فى قلوب شعوب و شيوعييى العالم قاطبة و أذهانهم ".
--------
و عقب ذلك بسنتين ، يشنّ أنور خوجا و حزب العمل هجوما مسعورا دغمائيّا تحريفيّا على ماو تسى تونغ ، فى كتاب أعلن عن نشره أواخر ديسمبر 1978 و حمل من العناوين " الإمبريالية و الثورة " . و فيه أفرد خوجا فصلا كاملا لتشويه فكر ماو تسى تونغ معتبرا إيّاه " نظرية معادية للماركسية " و معتبرا أنّ الصين لم تعرف أبدا الإشتراكية و البناء الإشتراكي و أنّ صراع ماو تسى تونغ و الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفية السوفياتية لم يكن نابعا من مواقف صحيحة و مبدئية ماركسية- لينينية وما إلى ذلك من تقليعات دغمائية تحريفية !!!
===
هذه إطلالة أولى على الإنقلاب الخوجي المضاد لعلم الثورة البروليتارية العالمية ، أمّا الإطلالة الثانية فنخرجها لكم كالتالى:
ورد فى خطاب أنور خوجا ، فى 7 جانفي 1964، ضمن كرّاس " عاشت الصداقة الصينية – الألبانية " :
" أبدا لن ينسى الشيوعيون الألبانيون و لن ينسى الشعب الألباني أن إخوتهم الصينيون وقفوا إلى جانبهم فى الأفراح و الأتراح. لن ينسوا المساعدة الكريمة للأخوة الصينيين الذين تقاسموا معاشهم مع شعبنا. أبدا لن ينسوا أنّ الحزب الشيوعي الصيني حافظ دائما على حزب العمل الألباني مثلما يحافظ المرء على أمّ عينه".
---------------------
و فى 30 سبتمبر 1978 ، فى بيان مشترك بين الحزب الشيوعي الكولمبي ( الماركسي- اللينيني) و الحزب الشيوعي الثوري الشيلي و الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني الإكوادوري و حزب الراية الحمراء الفينيزوالي ، هناك تحليل نقدي يبيّن تحريفية " نظرية العوالم الثلاثة " و تناقضها مع تعاليم ماو تسى تونغ و فى النقطة 15 من خاتمة البيان كتبوا:
" تعتبر أحزابنا أنّه ، إزاء إستعمال التحريفيين الصينيين لأعمال ماو تسى تونغ و سمعته للتغطية على مخطّطاتهم لإعادة تركيز الرأسمالية فى الصين و بناء قوّة عظمى جديدة إمبريالية- إشتراكية و مغالطة البروليتاريا و الشعوب بنظريتهم الضارة للغاية ، نظرية " العوالم الثلاثة" ؛ من الواجب الأكيد أن نصون تعاليم ماو تسى تونغ الثورية ، الماركسية- اللينينية . و تثمّن أحزابنا إلى درجة كبيرة مساهمات الرفيق ماو تسى تونغ فى الثورة العالمية."

و بعد نحو السنة من ذلك ، فى أكتوبر 1977 ، صدر بيان عن الحزب الشيوعي الإسباني (الماركسي- اللينيني) و الحزب الشيوعي البرتغالي المعاد تشكيله و الحزب الشيوعي الإيطالي الماركسي- اللينيني و الحزب الشيوعي اليوناني الماركسي- اللينيني و الحزب الشيوعي الأماني الماركسي – اللينيني فيه نقرأ :
" فى الذكرى الأولى لوفاة الرفيق ماو تسى تونغ ، ترفع أحزابنا تحيّة له و تأكّد على أنّ وفاته تمثّل خسارة كبرى للحزب الشيوعي الصيني العظيم و لكافة الحركة الشيوعية العالمية . كان الرفيق ماو تسى تونغ ، القائد العظيم للشعب و الحزب الشيوعي الصيني كذلك قائدا عظيما للبروليتاريا العالمية.تعتبر أحزابنا أن من واجب جميع الماركسيين- اللينينيين الدفاع بصلابة عن التعاليم الثورية للرفيق ماو تسى تونغ- لا سيما منها تلك المتصلة بالصراع ضد التحريفية المعاصرة ،و بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و بالصراع ضد الإنتهازيين من كلّ لون- إزاء جميع الذين بنفاق يستعملون إسمه ليشوّهوا تعاليمه و للهجوم عليه بشكل ملتوى."
-----------
إثر وفاة ماو تسى تونغ، أنجزت الطغمة التحريفية الصينية بقيادة دنك سياو بينغ و هواو كوفينغ إنقلابا مضادا للثورة فى الصين فصعدت بذلك البرجوازية الجديدة إلى السلطة و أعيد تركيز الرأسمالية هناك و تحوّلت الصين ماو الإشتراكية إلى صين دنك الرأسمالية و تحوّل الحزب الشيوعي الصيني من حزب بروليتاري إلى حزب برجوازي .
و فى جويلية 1978 ، تنكّرت البرجوازية الجديدة الحاكمة للصين للإتفاقيات مع ألبانيا و أوقفت التعاون الإقتصادي و العسكري معها ، مثلما سبق و أن فعل التحريفيون السوفيات مع الصين الماوية.

و طار عقل أنور خوجا و طفق يخلط الحابل بالنابل و يصبّ جام غضبه على ماو تسى تونغ و يكيل الشتائم و يلصق به و ينسب إليه أفكارا و نظريّات أعدائه ( مثل " نظرية العوالم الثلاثة " لدنك سياو بينغ) و يمرّغ سمعته فى الوحل بعد أن كان يرفعه إلى السماء ، مستعملا فى ذلك جميع الأساليب الإنتهازية و التزوير و الكذب و قلب الحقائق رأسا على عقب بأشكال و طرق قد تتصوّرونها و أخرى قد لا تصوّرونها أصلا و بهجومه ذلك على أرقى ما بلغه علم الثورة البروليتارية العالمية كان يحطّم المبادئ الماركسية- اللينينية و يدافع عن الأفكار التى أثبت تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و الصينية أنها خاطئة ، تحريفية. فقدّم خدمة هائلة للبرجوازية العالمية إذ تسبّب فى إنقسامات داخل الحركة الماركسية-اللينينة العالمية إستغلّها الإنتهازيون فى الأحزاب و المنظّمات الماركسية- اللينينية عبر العالم ليرتدّوا و يديروا ظهرهم للثورة البروليتارية العالمية و يخونوا الشيوعية و قضية الطبقة العاملة العالمية.
======
لكن هيهات أن يلزم الشيوعيون الحقيقيون الماويون الصمت إزاء ذلك الهجوم الدغمائي التحريفي! فمنذ السبعينات ،إنبروا يقاتلون الخوجية و بالفعل ألحقوا بها أشدّ الهزائم المريرة عالميّا . و يشهد واقع اليوم بتقدّم مطّرد للماوية طليعة للموجة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية و بتراجع ملموس للخوجية كضرب من ضروب التحريفية و إندحارها فى عديد البلدان إلاّ أنّه عربيّا ، لا زلنا فى حاجة أكيدة إلى مزيد فضح الخوجية و كافة أرهاط التحريفية المهيمنة على الحركة الشيوعية حتّى ستطيع الماوية أن تتبوّأ المقام الذى تستحقه لإيجاد الأسلحة السحرية الثلاثة ( الحزب الشيوعي الماركسي-اللينيني-الماوي و الجبهة الوطنية الديمقراطية و جيش التحرير الشعبي ) و قيادة حرب الشعب لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة تمهيدا للثورة الإشتراكية كجزء لا يتجزّأ من الثورة البروليتارية العالمية و غايتها الأسمى تحقيق المجتمع الشيوعي الخالي من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري.

و هذا العدد من " الماوية : نظرية و ممارسة " مساهمة فى النهوض بهذه المهمّة الملحّة على الجبهة النظرية و السياسية.وقد إخترنا له من العناويون " الماوية دحضت الخوجية و منذ 1979" و كانت إضافة "ومنذ 1979" موجّهة ضد محترفي تدليس تاريخ الماوية ، ليس كلزوم ما لا يلزم و إنّما لتبيان أنّ ردّ الفعل الماوي كان سريعا و دقيقا و عميقا منذ عقود الآن ما خوّل للمنظّمات و الأحزاب الماوية أن تنظّم ندوة عالمية فى مطلع الثمانينات ثمّ ندوة ثانية فى 1984 إنتهت إلى تشكيل الحركة الأممية الثورية التى كانت من أهمّ نواتاتها الأولى الأحزاب التى إنبرت لتتصدّى للخوجية بجرأة و صراحة مطلقة الوثائق التى سنعرض عليكم سهاما تصيب كبد الحقيقة الخوجية و ترفع عاليا راية الماوية – حينها فكر ماو تسى تونغ.
و للتاريخ ، تجدرالإشارة بشكل عابر فحسب إلى أنّ الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي الذى نشر الوثائق التى نضع بين أيديكم فى مجلته "الثورة " سنة 1979، قد سبق و أن كتب مباشرة بُعيد إعلان الوكالة التليغرافية الألبانية فى 20 ديسمبر 1978 عن صدور "الإمبريالية و الثورة " و عرضها لمضمونه، إفتتاحية العدد الأوّل من المجلّد الرابع من "الثورة " ، جانفي 1979، تحت عنوان " أنور خوجا يفضح الإنتهازية – إنتهازيته " قبل أن ينشر لاحقا سلسلة من التعليقات على "الإمبريالية و الثورة " منها إنتقينا " فى الردّ على الهجوم الدغمائي- التحريفي على فكر ماو تسى تونغ". وهذه الإفتاحية . متوفّرة على الأنترنت فى موقع الموسوعة المناهضة للتحريفية باللغة الأنجليزية :
Encyclopedia of Anti-Revisionism On- Line
---------------------------------------
و فصول مسرحية المرتدّ أنور خوجا و الخوجية بتفاصيها الدقيقة تفضحها وثائق الماويين عبر العالم فى متن هذا العمل . و لأنّ الكتابات الماوية ضد الخوجية كثيرة و عديدة كان علينا أن ننتقي أكثرها رواجا ؛ على حدّ علمنا ، و أهمّها بإعتبار الدور الذى لعبته فى الدفاع عن الماوية و دحض الخوجية، فوقع إختيارنا الذى نرجو أن يكون موفّقا على وثائق أربعة ؛ واحدة من بلد إمبريالي – الولايات المتحدة الأمريكية ، للحزب الشيوعي الثوري الأمريكي و ثلاثة من مستعمرات جديدة الأولى من تركيا – أوروبا و الثانية من الشيلي و الثالثة من سيلان [سيريلانكا]، من أمريكا اللاتينية و من آسيا على التوالي. وهي:

1- بإحترام و حماس ثوريين عميقين، نحيّي القائد الخالد للبروليتاريا الصينية، الرفيق ماو تسى تونغ، فى الذكرى الثالثة لوفاته! – الحزب الشيوعي التركي / الماركسي-اللينيني، جويلية 1979.
2- دفاعا عن فكر ماو تسى تونغ؛ وثيقة تبنّاها مؤتمر إستثنائي للحزب الشيوعي بسيلان إنعقد فى جويلية1979.
(و إضافة إستثنائية: " دحض أنور خوجا" ؛ ن. ساموغاتاسان، الأمين العام للحزب الشيوعي بسيلان - 1980.)
3- " تقييم عمل ماو تسى تونغ"؛ للحزب الشيوعي الثوري الشيلي- جويلية 1979.
4-" فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ " بقلم ج. وورنار؛ ماي 1979.


الجدلية

لقد حاولنا من خلال هذا المقال أن نبيّن أن وجهة نظر خوجا ميتافيزيقية و مثالية على حدّ السواء . بيد أنّه ليس حتى من الضروري أن نستخلص هذا إنطلاقا من سياسته فهو يعترف بذلك بكلّ صراحة و دون أي خجل فى نقده لمادية جدلية ماو.

ينطلق خوجا بداية بتوجيه تهم سخيفة ضد ماو ، معلنا أنّ هذا الأخير " يتبنّى... نظرة ميتافيزيقية ، تطوّرية ." إلاّ أنّه وهو يسعى إلى " شرح " وجهة نظر ماو ، لم يفعل خوجا سوى كشف نظرته هو للعالم الميتافيزيقية بشكل لا يصدّق :
" فى تعارض مع المادية الجدلية التى تبيّن التطوّر التدريجي فى شكل لولبي يتبنّى ماو التطوّر فى شكل دوري، فى شكل دوري مغلق، كسيرورة متموّجة ، تجد تعبيرها فى المرور التناوبي من التوازن إلى عدم التوازن ، من الحركة إلى السكون ، و من الصعود إلى الإنهيار و من التقدّم إلى التراجع إلخ " ( 120)

و بالطبع لم تكن بتاتا لدي ماو نظرة ميتافيزيقية و تطوّرية . فى مؤلفه الشهير " فى التناقض" طوّر ماو جدالا إستهدف مباشرة " النظرة الميتافيزيقية أو نظرة التطوّر المبتذل إلى العالم ، النظر إلى العالم بصورة منعزلة جامدة وحيدة الجانب ". و لاحظ أنّ : " و يرون أنّ الشيء لا يمكن إلاّ أن يتكاثر و يتولد عنه نفس الشيء مرارا و تكرارا إلى الأبد ، و لا يستطيع مطلقا أن يتغيّر إلى شيء آخر مختلف. و فى رأي الميتافيزيقيين أن الإستغلال الرأسمالي و المنافسة الرأسمالية و الإيديولوجية الفردية فى المجتمع الرأسمالي ، و هلمجرّا ، يمكن أن نجدها فى المجتمع العبودي فى الزمن القديم ، بل فى المجتمع البدائي ؛ و لن تبرح موجودة إلى الأبد دون أدنى تبديل."(121)

فى هذا المقتطف ، و فى هذا النصّ بأكمله ، ينقد ماو نقدا تاما و عميقا وجهة النظر الميتافيزيقية ؛ و من البديهي بالنسبة لأي كان يقرأ هذا النصّ أنّ التأويل الذى يقوم به خوجا لا قيمة له. و ما هو هام هو المفهوم الذى يعطيه خوجا لمصطلح " دورة " و الطريقة التى يحاول بها جعله يتعارض مع مفهوم الخطّ اللولبي.

أكيد أنّه من الصحيح أنّ الأشياء لا تتكرّر " فى شكل دوري مغلق" ، إلاّ أنّه من الصحيح أيضا أنّ فى كلّ ظاهرة يوجد مرور من المدّ غلى الجزر ، و من الجزر إلى المدّ، من التقدّم إلى الهزيمة و ن جديد إلى التقدّم . ألا تتطوّر حركة الجماهير فى البلدان الرأسمالية على هذا النحو؟ أجل ، و كلّ " دورة " ، إذا أردنا ذلك ، لا ترجع إلى نقطة البداية ، و إنّما تمثّل نقطة تقدّم للحركة فى مجملها.أليس صحيحا كذلك أنّه خلال حرب ، يتقدّم جيش و يتراجع ، ثمّ يتقدّم من جديد؟ يتأتّى التوجه العام ، تطوّر الحرب بالضبط من هذه الحركة الدورية. عامة ، يمكن أن نقول إنّ الشيء نفسه يحصل فى كلّ سيرورة معقّدة و طويلة الأمد . فقط فى ألبانيا ( أو بالأحرى فى رأس أنور خوجا ) أنّ الصراع الطبقي و الثورة يتقدّمان " بلا إنقطاع " و يمكن أن يمرّا من إنتصار إلى آخر دون أن تمنى الثورة أبدا بهزيمة أو إخفاق أو ن وليرحمنا الله، بفترات من الإضطراب و " الفوضى".

إن شرع خوجا فى حرق كتب ماو فعليه أيضا بحرق كتاب ماركس " رأس المال" لأنّ هذا المؤلَّف ( الذى يمثّل بالنسبة للماركسيين- اللينينيين التطبيق المتميّز للجدلية ) يزخر بأمثلة عن ظواهر تتطوّر ليس بتكرار سكوني و لا نهاية له ، لكن تتقدّم فى شكل دوري. لنأخذ مثال حركة رأس المال نفسه فالصيغة تُكتب ن- س- ن من النقد/المال إلى السلعة ثمّ إلى نقد) وهي سيرورة وصفها ماركس ب " حركة الربح المتجدّد أبدا" و " السيرورة الدورية لرأس المال" و عنها قال " لذا السيرورة العامة سيرورة دورية" (122) لكن مع ذلك ، هذه السيرورة الدورية " المتجدّدة أبدا" هي التى تمثّل كذلك سيرورة مراكمة رأس المال، و المرور من رأس المال التنافسي إلى رأس المال الإحتكاري إلخ و الأزمات الإقتصادية تنشأ ، هي الأخرى ، دوريّا ، و عبر هذه الدورات يتقدّم رأس المال نحو نهايته. و الجوهري هنا هو أنّه رغم انّ هذا التطوّر دوري فإنّ الدورات لا تعود بلا إنقطاع إلى نفس نقطة البداية : الحركة ككلّ حركة تطوّر لولبي و بالضبط من خلال مثل هذه الدورات تتطوّر الأمور لتحدث قفزات نوعية إلى الأمام.

و من المفيد أن نستشهد بالتلخيص اللامع الذى صاغه ماو لنظرية المعرفة الماركسية ذلك أنّه يمثّل مثالا ممتازا عن التطبيق الصحيح للجدلية :
" إكتشاف الحقيقة عن طريق الممارسة العملية ، و إثبات و تطوير الحقيقة عن طريق الممارسة العملية مرّة ثانية. الإنطلاق من المعرفة الحسّية و تطويرها بصورة فعّالة إلى المعرفة العقلية ، ثمّ الإنطلاق من المعرفة العقلية لتوجيه الممارسة العملية الثورية بصورة فعّالة فى سبيل تغيير العالم الذاتي و العالم الموضوعي. الممارسة العملية، ثم المعرفة، والعودة إلى الممارسة العملية ثانية ، ثمّ المعرفة أيضا ، و هكذا تكرّر العملية إلى ما لا نهاية له ، و مع كلّ دورة يرتفع مضمون الممارسة العملية و المعرفة إلى مستوى أعلى. هذه هي كلّ النظرية المادية الديالكتيكية عن المعرفة ، و هذه هي النظرية المادية الديالكتيكية عن وحدة المعرفة و العمل." ( 123)

و هكذا يصف ماو بوضوح السيرورة التى وفقها نتوصّل إلى " مستوى أعلى" مرورا بسلسلة لا تنتهى من الدورات: تطوّر لولبي! يضطرب خوجا حول هذه النقطة لأنّه غير قادر على إستيعاب وجود تطوّر لولبيّ إلاّ إذا ألغينا المنعرجات! و كلّ من يعتقد أنّ الخطّ اللولبي ليس متكوّنا من دورات يجب أن يكون أعمى ، ليس سياسيا فحسب لكن عمليّا أيضا.
( نودّ أن نقترح على خوجا أن يواصل حربه المسعورة ضد " الأشكال الدورية" ليطال لينين الذى كتب فى نصّه " حول الديالكتيك" ( مقال من خمس صفحات ذكره خوجا ، على ما يبدو دون ان يطّلع عليه:" إنّ معرفة الإنسان ليست ( لا تتبع) خطّا مستقيما ، إنما هي خطّ منحن ، يقترب إقترابا لا حدّ له من سلسلة من الحلقات ، من خطّ لولبي"( 124) ).

ولنمرّ دون تعليق على كون خوجا يحاول أن يجعلنا نعتقد أن ماو كان منجّما و أنّه كان يعتقد فى الأساطير القديمة ، حتى نتناول بالبحث واحدة من التهم الأكثر جدّية ضد ماو. مع الخليط من الأفكار المضطربة و الأكاذيب الحقيقية المميّزة له ، يُعلن خوجا :
" ينفى ماو جوهريّا التناقضات الداخلية للأشياء و الظواهر ذاتها و يعتبر التطوّر مجرّد إعادة ، تتابع حالات لا حركة فيها ، حيث نلاحظ ذات الأضداد و ذات العلاقة بينها. و تغيّر كلّ مظهر من مظهري التناقض إلى نقيضه يعتبر مجرّد تبديل للمواقع و ليس كحلّ للتناقض و لا كتغيّر نوعي للظاهرة ذاتها التى تتضمّن هذه المتناقضات ، يستعمله ماو كرسم شكلي يرتبط به كلّ شيء "(125)

ماذا لدينا هنا ؟! خوجا الذى يرفض ، هو ذاته، أن يعترف بوجود خطّين صلب الحزب ، والذى يرفض أن يعترف بوجود الطبقات ذات التناقضات العدائية فى ظلّ الإشتراكية يصيح بأعلى صوته و يتهم ماو تسى تونغ بأنّه قد نفى وجود التناقضات الداخلية فى الأشياء!و لهذا الإتهام قيمة تضاهي تقريبا قيمة فضحه اللامع لما يسمّى " عنصرية " لدى ماو ، عبرها يكشف خوجا سلسلة تامّة من الأمثلة عن شوفينيته و قوميته الضيقين الخاصين ! و هذا يشبه قصّة السارق الذى يسرع ليعلن لكلّ من هبّ و دبّ :" لا وجود لأي كنز من هذه الناحية"!

لئن تجاوزنا هذا الإتهام العبثي نو كذلك الطريقة العبثية التى من خلالها يحاول خوجا أن يعيد إحياء " نظريته للدوائر" ليلصقها بماو ، نبلغ فى النهاية بيت القصيد: يعلن خوجا أنّ " تغير كلّ مظهر من مظهري التناقض إلى نقيضه" يمثّل " حلاّ للتناقض" ل[و] " تغيّرا نوعيّا للظاهرة ذاتها التى تتضمّن هذه المتناقضات ".

فى هذا ، لخوجا من الحقّ نصفه ، ما يمثّل تقدّما هاما بالنسبة لمجموع ما يستطيع قوله ! تحوّل الأشياء إلى نقيضها يعنى، و هذا صحيح ، أن تغيّرا نوعيّا حدث. لكن مع الأسف بالنسبة للجدال ليس بوسع خوجا أن يجد نصّا فيه يعارض ماو هذا المبدأ ، و يكتفى بأن يلاحظ ببساطة هذا " الشيء ". و ماو ، بعيدا عن أن يعارض هذا المبدأ ، يستطيع شرحه و على عكس خوجا ، يستطيع شرحه بطريقة صائبة:
" و كثيرا ما نتحدّث عن " حلول الجديد محلّ القديم ". إنّ حلول الجديد محلّ القديم هو قانون عام للكون لا يمكن مقاومته أبدا. إنّ تحوّل شيء إلى شيء آخر تبعا لطبيعته و للظروف المحيطة به و بواسطة أشكال مختلفة من القفزات، تلك هي عملية حلول الجديد محلّ القديم. إنّ كلّ شيء يحوى تناقضا بين طرفه الجديد و طرفه القديم ، تناقضا يشكّل سلسلة من الصراعات الملتوية. و نتيجة لهذه الصراعات يتعاظم الطرف الجديد و يرتفع فيحتلّ مركز السيطرة ، بينما الطرف القديم يتضاءل بصورة تدريجية حتى يضمحلّ. و حالما يسيطر الطرف الجديد على الطرف القديم ، فإنّ الشيء القديم يتحوّل إلى شيء جديد من حيث الطبيعة. و من هنا نرى أنّ طبيعة الشيء يقرّرها بالدرجة الأولى الطرف الرئيسي للتناقض، الذى يحتلّ مركز السيطرة. و عندما يطرأ تبدّل على الطرف الرئيسي للتناقض ، الذى يحتلّ السيطرة فإنّ طبيعة الشيء تتبدّل تبعا لذلك. " ( 126)

إذن ماو غاية فى الوضوح بهذا المضمار : عند تغيّر مظهري تناقض ، ليس الأمر " مجرّد تبديل للمواقع " ( هذا ما يريد خوجا أن يفهمنا إيّاه على أنّه خطّ ماو )، و " حالما يسيطر الطرف الجديد على الطرف القديم ، فإنّ الشيء القديم يتحوّل إلى شيء جديد من حيث الطبيعة " .

لا المسألة هنا ليست مسألة معرفة حدوث تغيّر نوعي من عدمه حينما يتحوّل الضد إلى ضدّه، و إنّما معرفة هل أنّ هذا التغيّر " يحلّ " التناقض ، بصيغة أخرى ، هل يكفّ التناقض عن الوجود ! هذه مسألة دقيقة.هكذا يمضى خوجا إلى الجانب الأقصى الآخر من خطئه النموذجي" لمدرسة ديبورين "؛ الذى أشرنا إليه أعلاه. مثلما لاحظنا ذلك من قبل ، من ناحية ، يتمثّل خطّ خوجا ،فى أنّ التناقض لا يظهر إلاّ فى مرحلة معيّنة من تطوّره، و من ناحية ثانية ، نرى أنّ خوجا يؤكّد أنّ التناقض يضمحلّ لحظة التغير النوعي بين الضدّين ! كلا الأطروحتين تشتركان فى عدم القدرة على فهم وجود التناقض خلال سيرورة تطوّر الظاهرة كلّها، من البداية إلى النهاية.

أطروحة خوجا القائلة بحلّ التناقض ببساطة لأنّ مظهرا من مظهريه تحوّل إلى نقيضه ، خاطئة بجلاء. ولنضرب مثلا على ذلك التناقض بين الحرب و السلم، على النطاق العالمي ، أو فى بلد معيّن. التناقض بين الحرب و السلم يعود فى التاريخ إلى ما قبل ظهور الطبقات ،و لن يُحلّ إلاّ عندما ستصبح السلم ليس فقط مظهرا رئيسيّا للتناقض ، بل س " تلتهم" تماما ،و على النطاق العالمي ، المظهر النقيض أي الحرب.و من هذه اللحظة لن يُوجد تناقض بين الحرب و السلم و كلمة السلم لن يكون لها معنى حتى ، إلاّ بما هي مسألة من مسائل التاريخ.

لكن هناك فترة تاريخية طويلة بين فجر الحروب و فجر الشيوعية ، فترة من الصراع بلا هوادة بين مظهري التناقض وهي متميّزة بتغيّرات نوعية عديدة خلالها تتحوّل الحرب إلى سلم و العكس بالعكس. لهذا لماو الحقّ فى نقد النصّ الفلسفي السوفياتي ( الذى حسب رأيه يمثّل وجهة نظر ستالين) و الذى يدّعى عدم وجود أي تماثل بين الحرب و السلم.( 127) فللحرب العالمية الثانية جذورها الممتدّة إلى فترة سلم نسبي ناجم بدوره عن فترة حرب نسبية أي الحرب العالمية الأولى. لقد حلّت الحرب العالمية الثانية محلّ فترة سلم جديدة نسبية على النطاق العالمي. و مع ذلك، التناقض بين الحرب و السلم لم يُحلّ أبدا أثناء هذه التغييرات. كانت كلّ فترة سلم تنطوي بعدُ على مظاهر حرب ( مظاهر الحرب القديمة و الحرب القادمة، إضافة إلى حروب ثورية). و علاوة على ذلك ، لا تمثّل هذه السيرورة سلسلة حلقات تتكرّر بلا نهاية، و إنّما بالأحرى حركة خطّ لولبي : كحلقة من الحرب إلى السلم و من جديد إلى الحرب أدّت إلى تقدّم المجتمع، تقدّم تمثّله الحروب الثوريّة ( حروب الطبقة العاملة و الشعوب المضطهَدة، الحروب الوحيدة التى بإمكانها أن تؤدّى إلى القضاء التام على الحرب) التى تنتصر أوّلا فى بلد واحد ،ثمّ عدّة بلدان. و بما أنّه يفهم الأمور بصفة صحيحة و من وجهة نظر جدلية ، إستطاع ماو إذن أن يلاحظ ( أمام الدعاوي الهستيرية لخروتشاف بأنّ حربا عالمية جديدة قد تفضى إلى سحق الإنسانية جمعاء ) بأنّ الحرب العالمية الجديدة قد تفضى بالعكس إلى إعصار ثوري كبير لم نشهده أبدا ، أنّها قد توفّر فرصة أن يلحق بالظام الإمبريالي أخطر هزائمه.

و بطبيعة الحال ، تمنحنا الطبيعة و المجتمع الكثير من الأمثلة الأخرى التى تبيّن المبدأ الذى وفقه يتحوّل المظهر الرئيسي للتناقض ما يؤدّى إلى تغيّر نوعي فى ظاهرة ،رغم أنّ التناقض ذاته يواصل الوجود ،و أن ممظهريها المتناقضين يظلاّ فى صراع.حسب خوجا، عندما يقع التحوّل النوعي الأوّل و يكفّ التناقض ذاته عن الوجود ، ليس من الممكن عند-ذ أن يتحوّل المظهران الواحد إلى الآخر مرّ ة ثانية. نعم تعنى نعم و لا تعنى لاز لا: هذه هي طريقة تفكير خوجا ، طريقة تفكير وفق منطق برجوازي معادي للجدلية. من الوهلة الأولى قد يبدو هكذا تفكير صحيحا لكن مثل وجهة النظر هذه تقود بالتأكيد إلى هزيمة الثورة.

و من البديهي انّ خوجا يقرّر موقفه بهذا المضمار بهدف إبتداع مبدأ فلسفي غير موجود ( حسبه يفضى التغيّر النوعي إلى إلغاء التناقض الأصلي) ، و بهدف تبرير خطّه المثالي و الميتافيزيقي حول طبيعة الإشتراكية. لهذا يتهم ماو على النحو التالي :
"... لا يرى الثورة الإشتراكية كتغيّر نوعي للمجتمع يؤدّى إلى إلغاء الطبقات المتعادية، و إضطهاد و إستغلال الإنسان للإنسان، لكنّه يتصوّرها كمجرّد تبديل مواقع بين البرجوازية و البروليتاريا "( 128) ثم يستشهد بماو : " إذا لم يكن ممكنا أن تتحوّل البرجوازية و البروليتاريا كلّ إلى الآخر ، كيف تفسّرون أنّه بواسطة الثورة صار البروليتاريا الطبقة المهيمنة والبرجوازية الطبقة المهيمَن عليها ؟...نحن و كومنتانغ تشان كاي تشاك متعارضان تماما. و بفعل الصراع و التنافر المتبادل لمظهري التناقض ، غيرنا مواقعنا مع الكومنتانغ..." (129)

و علّق خوجا قائلا : " هذا المنطق ذاته قاد ماو تسى تونغ إلى مراجعة كذلك النظرية الماركسية - اللينينية لمرحلتي المجتمع الشيوعي."
حسن ، كاد خوجا أن يصل. صحيح أنّ منطق ماو هذا ، المنطق الجدلي و المتمثّل فى تحليل كلّ شيء إنطلاقا من تناقضاته الداخلية و مظاهره المتناقضة ، هذا المنطق ذاته هو الذى قاد ماو إلى تطوير المعرفة الماركسية -اللينينية للإشتراكية و الإنتقال إلى الشيوعية. و قد إغتاض خوجا كثيرا بسبب مقولة ماو هذه :
" تعتبر الجدلية انّ النظام الإشتراكي بنا هو ظاهرة تاريخية سيضمحلّ فى يوم ما مثلما على الإنسان أن يموت، و أنّ النظام الشيوعي سينفيه. كيف يمكن أن نعتبر ماركسيّا تأكيد أنّ النظام الإشتراكي لن يضمحلّ ؟ أليس هذا عقيدة دينية ، دين يتبنّى أبدية الإلاه ؟ ". (130)

لعلّ هذا المفهوم لا يعجب خوجا غير أنّنا نجده ممتازا !
أليس بديهيّا أنّ النظام الإشتراكي يختلف نوعيّا عن النظام الشيوعي ؟! يتصوّر خوجا انّهما لا يختلفان و أنّ الإشتراكية و الشيوعية هما " جوهريّا ، مرحلتان من نفس النوع ، من نفس النظام الإقتصادي و الإجتماعي و لا يختلفان سوى فى درجة التطوّر و النضج [؛] يقدّم ماو تسى تونغ الإشتراكية كشيئ متعارض تمام التعارض مع الشيوعية " (131). هذا هو الخطّ التحريفي فى أجلى صوره ! لا يسمح بتقسيم الإشتراكية غلى مظاهر متناقضة بغاية تحليله ، فقط و إنّما ليس من حقّنا أن نعترف بوجود تناقض بين الإشتراكية و الشيوعية.

هذا ليس مفاجئا : بالضبط لأنّ خوجا لا يفهم تناقضات الإشتراكية ، لن يكون بوسعه أبدا فهم التناقض بين الإشتراكية و الشيوعية. و بما أنّ وجهة نظر خوجا المثالية تعتبر أن التغيير النوعي من الرأسمالية إلى الإشتراكية يجب أن يقود إلى حلّ التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية ، يجب أن يستنتج أنّ هذا التغيير يمثّل إجمالا التحقيق الجوهري للشيوعية، رغم أنّه شيوعية " أقلّ تطوّرا " ، يكفى عندئذ أن يتبع النظام مسار تطوّر كمّي ، " بلا إنقطاع " و أن ينضج قليلا ليبلغ هكذا شيوعية مزدهرة تماما.

إنّ التناقض الجوهري للمجتمع الإشتراكي هو بالضبط التناقض بين البروليتاريا و البرجوازية وهو يعكس بدوره التناقض بين " الشيوعية فى طور الولادة " ( مثلما قال لينين ) و البقايا السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الأخلاقية للمجتمع الرأسمالي الصلي. و عندما تقع معالجة هذه التناقضات ، يعنى عندما يكون قد تمّ القضاء على البرجوازية و بقايا المجتمع القديم تحت الطلقات النارية المتكرّرة للبروليتاريا ، و بفضل تقدّم التحويل الإشتراكي ، حينها فقط سيمكننا قول إنّ الإنسانية قد بلغت الشيوعية و إنّ طابع المجتمع سيحدّد بتناقضات جديدة. تحوّل الطبقة العاملة إلى طبقة قائدة للمجتمع يعدّ قفزة إلى الأمام ، نوعية و كذلك الإلغاء الكامل للطبقات يعدّ قفزة أخرى نوعية إلى الأمام أهمّ حتى من الأولى. كلّ هذا يجب أن يبدو من المسائل البسيطة ، لا سيما بالنظر إلى التجربة الهامة المراكمة خلال مائة سنة من الثورات الإشتراكية منذ الكمونة، تجربة بيّنت لنا أنّ الإنتقال إلى الشيوعية سيكون أطول و أنّ مقاومة البرجوازية ستكون أشرس و بقايا المجتمع القديم أكثر عنادا من ما توقّع ماركس و إنجلز. ما كتباه عن الإشتراكية و الشيوعية لع بعدُ تاريخي عظيم ، لكنّهما كانا محدودين بكون البروليتاريا فى تلك الحقبة كانت تفتقد إلى ممارسة بناء الإشتراكية . و خوجا نفسه يتمسّك بأن يروّج و أن يدفع إلى العبثية فكرة أنّ الإشتراكية و الشيوعية يمثّلان ذات " النظام الإقتصادي و الإجتماعي" !

حسن ، السيد خوجا ، هل بإمكاننا أن نقول إنّ صيغة " من كلّ حسب عمله " تعكس ذات النظام الإقتصادي و الإجتماعي و صيغة " لكلّ حسب حاجياته "؟ هل أنّ المجتمع حيث تركّز طبقة واحدة دولة و تمارس دكتاتورية [ على طبقة أو طبقات أخرى، المترجم] هو ذاته مجتمع حيث لا وجود لدولة و حيث تكون الطبقات قد إضمحلّت ؟ و فى الأخير حقّا، حتى طفل صغير قادر على ان يفهم أنّ الإنتقال إلى مجتمع خالى من الطبقات ، بعد آلاف السنين من المجتمع الطبقي ( بما في ذلك الإشتراكية ) يمثل قفزة هائلة نوعية إلى الأمام؟

كون خوجا يتمسّك بقول إنّ الإشتراكية و الشيوعية متماثلتين " جوهريّا " يؤدّى إلى نتائج خطيرة للغاية. إنّه يفتح الباب واسعا لهذا الخطّ الضار الذى يبدو أنّه يرافق التحريفية جميعها:" نظرية قوى الإنتاج ".و بالفعل إن لم تكن الإشتراكية مختلفة من الشيوعية إلاّ فى درجة " النضج "، و إن تمّ حقّ القضاء على التناقض بين البروليتريا و البرجوازية من قبل الإشتراكية ، يجب أن نستنتج أنّه قبل كلّ شيئ مستوى تطوّر قوى الإنتاج هو المميّز بين الشيوعية و مرحلتها الأقلّ " نضجا "، الإشتراكية. و تترتّب عن ذلك منطقيّا " نظرية قوى الإنتاج " وهي جزء تام من كافة الهجوم الشرس لخوجا ضد الماركسية - اللينينية و فكر ماو تسى تونغ.

بفعل خسارة الصين وهي خسارة مأساوية بالنسبة لبروليتاريا العالم بأسره ، تواجه الحركة الشيوعية العالمية حاليّا أخطر أزماتها. الرهان الحالي بالنسبة للماركسيين - اللينينيين هو : هل بإمكاننا أن نظلّ صلبين فى قناعاتنا الثورية و نواصل التقدّم بالنضال الثوري تبعا لعلم الماركسية - اللينينية و إثراء هذا العلم من طرف ماو تسى تونغ؟ أم على الماركسيين - اللينينيين أن يتخلّوا عن كلّ ما أنجز أثناء النضال ضد تحريفية خروتشاف و نسيان دروس الثورة الثقافية ، إلخ و التوافق مع شكل أو آخر من أشكال التحريفية؟

عقب خسارة الصين ، إلتفت الماركسيون – اللينينيون إلى ألبانيا و أنور خوجا . لقد ناضل حزب العمل الألباني جنبا إلى جنب مع ماو و الحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشاف ،و ساند الثورة الثقافية و قدّم نفسه نموذجا للعالم بأسره برفضه الإنحناء أمام التحريفية المعاصرة. لكن اليوم كلّ الأشياء التى علينا بالذات الإعتزاز بها و الدفاع عنها ، كلّ ما كسبته الحركة الشيوعية العالمية أثناء الصراعات الشرسة ، و هزائم و إنتصارات السنوات الأخيرة ، يتعرّض إلى الهجوم من قبل الذين كنّا نتوقّع منهم شيئا مغايرا جدّا.

رغم إحتجاجات خوجا ، من البديهي أنّ الهجوم الألباني ضد فكر ماو تسى تونغ لا يختلف جوهريّا عن الجوقة المناهضة لماو بقيادة الإمبرياليين الإشتراكيين السوفيات و القادة التحريفيين الحاليين فى الصين. إنّهم جميعا متفقون على مهاجمة أهمّ مساهمة من مساهمات ما وفى الماركسية - اللينينية ، أي نظرية وممارسة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا. لقد تملّكهم كلّهم الرعب من الثورة الثقافية و ما خشوه قبل كلّ شيء من الحركة الثورية المنهمرة للجماهير التى كانت تهاجم كلّ ما كان يقف حاجزا فى طريق المستقبل الشيوعي ،و التى كانت تجرّأ على تشكيل كلّ شيء فى المجتمع على صورة البروليتاريا. التحريفيون السوفيات والصينيون، و الآن أنور خوجا ، يتراجعون برعب أمام جدلية ماو ، أمام عمله النافذ و الذى لا يرحم لبلوغ إكتشاف التناقض الموجود فى قلب كلّ حركة ، أمام رفضه الركوع لأيّة بقرة مقدّسة ، أمام تعاليمه بكون العالم يتقدّم دائما عبر الإضطرابات و الصراعات ،و أمام كونه تجرّا على قيادة الجماهير عبر الأعاصير التى لا يمكن تفاديها. إنّ النداء الشهير الذى أصدره ماو : " من حقّنا أن نثور ضد الرجعيين ! " قد ألهم ثوريي كافة القارات و بثّ الرعب فى ذات قلب الرجعيين و التريفيين جميعهم.

و تُهم خوجا الموجهة لماو بما سمّاه " الشيوعية الآسيوية " و " العنصرية " مستقاة مباشرة من دعاوى التحريفيين السوفيات:
لنأخذ مثلا هذا الإستشهاد : وجهة النظر السياسية و الإقتصادية و الفلسفية و الإجتماعية ، و كذلك الطرق التكتيكية لماو تسى تونغ و أتباعه تعكس تأثير مختلف العقائد و النظريات و المفاهيم المتضنة للفلسفة الإقطاعية الصينية ( بالنسبة للأغلبية ، من الكنفشيوسية و التاوية ) ، الإشتراكية البرجوازية الصغيرة ، وجهات نظر البرجوازية الصغيرة و الفلاحين ، وجهة نظر البرجوازية الوطنية ، شوفينية القوّة العظمى و أفكار تروتسكي و الفوضوية ، و الكلّ ! ممثلا مزيجا إنتقائيّا ؟ هل أنّ خوجا هو الذى يتحدّث هنا أم هو أحد ببغواته الباعثة على الشفقة ؟ لا ،هذا الإستشهاد مقتطف من كرّاس معنون " ما تصمت عنه بيكين" ، نشر فى موسكو سنة 1972.

أمّا بالنسبة لكونه يكره " فوضى " الثورة الثقافية و كونه يتألّم للشيوعيين المساكين الذين عوملوا بإساءة ، إنّه دنك سياو بينغ بعينه ! يريد خوجا أن يضع نفسه على رأس الحركة الشيوعية العالمية ، كممثّل للماركسية –اللينينية " النقيّة جدّا" ؛ فليس فى الواقع غير تلوينة من التلوينات الغربية للتحريفية يبدو أنّها تدريجيّا تخسر سيماتها المميّزة لتختلط أكثر فأكثر بالتيارا التحريفي الرئيسي النابع من موسكو. خوجا مهمّ اليوم لا لشيء إلاّ لأنّه بصدد محاولة إغراق جزء معيّن من الماركسيين - اللينينيين الذين إلى الآن عارضوا التحريفية ، فى مستنقع التحريفية ، و لأنّه يحاول أن يجعلهم يبتلعون حبّة مُرّة من الإستسلام و الخيانة. و مع ذلك ، لا يجب أن يمضي فى الخيالات و الأوهام بفكرته عن أممية جديدة ( متصوّرا نفسه ستالين هذه الحركة ، رغم أنّه عار من المضمون الثوري لستالين ) ذلك أنّ الماركسيين- اللينينين الحقيقيين هم بعدُ بصدد الإبتعاد عنه. و ينزع آخرون أكثر فأكثر نحو اليمين ، متماثلين أكثر فأكثر مع الأحزاب التحريفية. و آخرون لا يمثّلون سوى طوائف صغيرة حقيرة لم تعد تفكّر حتى فى الثورة.

و قد تطرّقنا بعمق لبعض الهجمات الأوفر دلالة لدى خوجا ضد الماركسية-اللينينية و فكر ماو تسى تونغ ، يمكن أن نسمح لأنفسنا أن نختم بذات التعليق الذى نشرناه فى مجلّة " الثورة " عندما ظهر التصريح الصحفي الأباني معلنا نشر " الإمبريالية والثورة " ، فاضحا كون خوجا يبتعد كلّيا عن الماركسية: " فى الوقت الذى توجد فيه الحركة الشيوعية فى مفترق طرق، كانت الفرصة متاحة لأنور خوجا و كانت من مسؤوليته أن ينهض بدور هائل. بيد أنّه إختار بالأحرى أن لا يكون سوى شخص مسكين حقير" ( 132).



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنور خوجا و بناء الإشتراكية فى الصين . مقتطف من- فى الردّ عل ...
- - فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تو ...
- القفزة الكبرى إلى الأمام و الثورة الثقافية البروليتارية الكب ...
- خيانة الخط الأممي لماو تسى تونغ / تقييم عمل ماو تسى تونغ- ال ...
- الصراع ضد التحريفية الصينية / تقييم عمل ماو تسى تونغ- الحزب ...
- التناقضات مع البرجوازية الوطنية / تقييم عمل ماو تسى تونغ- ال ...
- مسألة بلترة الحزب و دور الإيديولوجيا الماركسية - اللينينية / ...
- صراع الخطين فى صفوف الحزب / تقييم عمل ماو تسى تونغ- الحزب ال ...
- تقييم عمل ماو تسى تونغ- الحزب الشيوعي الثوري الشيلي – جويلية ...
- دحض أنور خوجا بقلم ن.ساموغاتاسان، الأمين العام للحزب الشيوعي ...
- بصدد ماو تسى تونغ - الحزب الشيوعي التركي/ الماركسي اللينيني ...
- دفاعا عن فكر ماو تسى تونغ- الحزب الشيوعي بسيلان – جويلية 197 ...
- قضية تحرير المرأة قضية البروليتاريا بإمتياز فليقم الشيوعيون ...
- أنور خوجا يقلب الحقائق التاريخية رأسا على عقب ويقود هجوما دغ ...
- لا أصولية دينية و لا شوفيتية قومية ؛ وحدها الشيوعية قادرة عل ...
- الثورة البروليتارية فى أشباه المستعمرات والمستعمرات الجديدة ...
- الديمقراطية فى المجتمع الإشتراكي : -دور الديمقراطية و موقعها ...
- المؤتمر الأوّل للحزب الشيوعي الماوي ( تركيا وشمال كردستان) – ...
- الماوية تحيى و تناضل ، تكسب و تواصل الكسب.- (الحزب الشيوعي ا ...
- لن ننسى الرفيق إبراهيم كايباكايا. ( مقتطف من - الماوية : نظر ...


المزيد.....




- دعوات لسحب تأشيرات الطلاب الأجانب المتظاهرين في امريكا ضد عد ...
- “بأي حالٍ عُدت يا عيد”!.. العمال وأرشيف القهر
- إبعاد متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين من حفل تخرج جامعة ميشيغان ...
- لقاء مع عدد من الناشطات والناشطين العماليين في العراق بمناسب ...
- صادق خان يفوز بولاية ثالثة لرئاسة بلدية لندن.. ويعزز انتصار ...
- الختان، قضية نسوية!
- جرائم الشرف، كوسيلة للإدامة بالأنظمة الإسلامية القومية في ال ...
- الرئيس السوري يؤكد أهمية المحاسبة داخل حزب البعث العربي الاش ...
- التصور المادي للإبداع في الادب والفن
- حوار مع العاملة زينب كامل


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - أنور خوجا و الجدلية مقتطف من- فى الردّ على الهجوم الدغمائي - التحريفي على فكر ماو تسى تونغ - لج. وورنار العدد 11 من - الماوية : نظرية و ممارسة -: الماوية تدحض الخوجية ومنذ 1979.